(الاشارة الى الحلول والتجلي)
وقديما حاول البعض طرح فكرة اخرى وهي انه تعالى ليس بجسم ولكنه يحل في الاجسام ويتجلى فيها فطرح النصارى حلول الله تعالى في جسم عيسى بن مريم فهو الرب في الوقت الذي هو عيسى وطرح الغلاة حلول الله تعالى في أمير المؤمنين علي عليه السلام فهو علي وهو الرب وما إلى ذلك ومرادهم من هذا الحلول والتجلي على نحو الحقيقة أي صيرورة الشيئين شيئا واحدا وهذا واضح البطلان ودليل بطلانه : انه يلزم اتحاد الممكن والواجب وهو باطل ويلزم وقوع الحوادث في الواجب وهو باطل ويلزم بعد الاتحاد حصول حقيقة اخرى لم تكن موجودة سابقا وقد اتصف بها مجددا وهذا يناقض قدمه سبحانه وتعالى ويلزم تأثره بالمحل والجسم الذي حل فيه وهو باطل.
واما تفسير قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) فمعناه ظهور اثاره واياته , فانه جعل احد مخلوقاته النورانية العظيمة تظهر للجبل ونسب هذا التجلي لنفسه كما نسب البيت الحرام لنفسه وهذا هو المرو ي عن ائمة الهدى عليهم السلام قال الامام حول الاية:(فأبدى الله سبحانه بعض اياته وتجلى ربنا للجبل...) (التوحيد باب الرد على الثنوية والزنادقة ص163 ح5) اي انه تجلى بالايات لابذاته
اذن فتجليه تعالى بمعنى ظهور اياته وافعاله.
نعم يمكن ان نقول على ضوء هذا التفسير انه سبحانه وتعالى تجلى لعيسى ابن مريم بالايات والبينات فجعل نفخته تهب الحياة ويده تشفي المريض ونظرته تهدي الضال اي انه تعالى اظهر هذه الايات والمعجزات على شخصية عيسى عليه السلام والامر نفسه نقوله في حق أمير المؤمنين علي عليه السلام بل هو اعظم نظرا لعلو كماله وقربه فكان التجلي فيه اعظم مما في عيسى عليه السلام فهو لسان الله الناطق ويده وعينه ..الخ.
(ثم انه لما كان (تجلي الله) بمعنى ظهور اثاره ، فالتجلي قد يكون بالكرم وقد يكون باللطف وقد يكون بالعلم وقد يكون بالعظمة ومااشبه ذلك من الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى مثلا : تجلي الله في (بحر سوف) فأغرق فرعون وجماعته ، وتجلي الله سبحانه وتعالى على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في غار حراء بالقاء النبوة عليه وهكذا)(فقه العقائد ص252 المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره))
اقول يمكن ان يستجمع الولي كل مظاهر واثار التجلي الالهي لشدة قربه من الله مثل محمد وال محمد صلوات الله عليهم فانهم اعطوا ماكان ومايكون وماهو كائن.
(الاشارة الى وحدة الوجود والموجود)
وعلى ضوء افكار التجلي الباطلة ظهرت افكار صوفية قريبة منها وهي ان الله تعالى يحل في الاشخاص بل في بعض الاشياء ثم جاء بعض الفلاسفة وطوروا هذه الفكرة فقالوا : ان في الوجود حقيقة واحدة لاغير وهو الله تعالى ولكنه يتجلى في جميع الموجودات باطوارها واشكالها بشرائطها واطلقوا على هذه الفكرة اسم (وحدة الوجود) وطرحها الغزالي الصوفي باسم (وحدة الشهود) اي ان الوجود الحقيقي واحد وجميع الموجودات الامكانية ظل للوجود الواجب وانه تعالى موجود فيها جميعا وبالتالي فالموجود الحقيقي هو الله لاغير فهو واحد في عين الكثرة وهي مقالة جماعة من الصابئة اطلق عليهم الحرنانية قالوا: ان الصانع المعبود واحد وكثير اما واحد ففي الذات والاول والاصل والازل واما كثير فلأنه يتكثر بالاشخاص في راي العين وهي المدبرات السبعة (الكواكب) والاشخاص الارضية الخيرة العالمة الفاضلة فانه يظهر بها التشخص باشخاص ولاتبطل وحدته ي ذاته (الملل والنحل للشهرستاني ص248) والعاقل يرى بضرورة العقل والنقل ان هذه مجرد ادعاءات واوهام لابرهان عليها بل اذواق ومشارب فكرية لاينهض بها الدليل ابدا، ودليل بطلان كل ذلك ماذكرناه في بطلان التجلي الحقيقي اذ لازم هذا القول نفس اللوازم السابقة الباطلة واغرب من ذلك ان بعض القائلين بهذه الافكار استدلوا بالمكاشفات !! ومال بعضهم الى تأويل النصوص بطريقة غريبة وتأويلاتهم لادليل عليها وانقل للطالب احد نصوص الفلاسفة في موضوع وحدة الوجود او الموجود ليرى انه لافرق بين ماذكروه وبين ماذكره الصابئة:
(بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها والتوحيد الكامل رد الكثرة الى الوحدة والوحدة الى الكثرة، وهذا الوجود الخارجي من اعلى مراتبه الوجوبية إلى اخس مراتبه الامكانية... حقيقة واحدة، وان اختلف في القوة والضعف والوجوب والامكان والعلية والمعلولية ولكن كل هذا الاختلاف العظيم لايخرجه عن كونه حقيقة واحدة.... ثم لايكتفي هذا العالم الجليل بكل هذه الافكار الباطلة حتى يقول: اذا فوحدة الوجود الوجود بهذا المعنى تكاد ان تكون من الضروريات التي لاتستقيم حقيقة التوحيد الا بها!!)(الفردوس الاعلى ص218 كاشف الغطاء قدس سره).
واول هذا الكلام خطأ (بسيط الحقيقة...) لانه متوقف على وحدة حقيقة الوجود في الواجب والممكن ، وهو بحاجة الى الدليل والنصوص الشريفة للائمة عليهم السلام التي مرت عليك والتي ستتأتي كلها تخالفه، ولو كانت هذه الفكرة ضرورة كما يزعم هؤلاء لما ترك بيانها ائمة الهدى عليهم السلام الذين ماتركوا شيئا في التوحيد الا وقد بينوه لنا فكيف تراهم يتركون ضرورة والعياذ بالله وماتمسك به هؤلاء من ادلة عقلية كلها منقوضة بادلة عقلية اخرى واما الادلة النقلية التي حاولوا توجيهها لصالحهم كبعض فقرات دعاء السمات وحديث الحقيقة وبعض خطب الامير عليه السلام كلها غير صالحة للاثبات لانه تأويل قابل للنقاش ولان النصوصتحتمل اكثر من معنى فلايمكن الجزم باحدها الا مع الدليل ، والدليل قام على خلاف ماذهبوا اليه.
كما وانقل للطالب نصا اخرا لاكبر الفلاسفة كما زعموا حول وحدة الوجود :
يقول الملا صدرا في اسفاره (والعياذ بالله من هذه المقالات ) : فكذا هداني بالبرهان النير العرشي إلى صراط مستقيم من كون الموجود والوجود منحصر في حقيقة واحدة شخصية، لاشريك له في الموجودية الحقيقية ، ولاثاني له في العين وليس في الددار الوجود غيره ديار وكلما يترائى في عالم الوجود انه غير الواجب المعبود فانمكا هو من ضرورات ذاته ةتجليات صفاته التي هي في الحقيقة عين ذاته... الى ان يقول: فكلما ندركه فهو وجود الحق في اعيان الممكنات...! (الاسفار ج6 ص116 ص 117)
وهذا الكلام ضرب من السفسطة والاوهام .
ويكاد ان يكون هذا الكلام مقتبس من كلام زعماء الصوفية أمثال الغزالي الذي يقول في كتاب احياء علوم الدين : ليس في الوجود الا الله واثاره والكون كله من اثاره ( وليست وحدة الوجود عند أبن عربي إلا تطويرا للمفاهيم الاشعرية التي يصر على أيرادها في الفتوحات معتمدا في ذلك على كتاب ابي حامد الغزالي الاقتصاد في الاعتقاد) (الفتوحات ج1 ص64)
ويؤسف ان بعض علماء الامامية قد تأثروا بهذا الفكر الغنوصي العامي.
المصدر: عقائد اهل البيت عليهم السلام (ص66-ص68)