السؤال:
بسم الله
الرحمن
الرحيم
السلام عليكم
ورحمة الله
وبركاته..
هناك بعض
الروايات
المروية عن
أئمتنا تحذر
من الميل
للفلسفة
والتصوف،
فاستدل أحدهم
بهذه
الروايات
للطعن ببعض
علمائنا
الذين أخذوا
بالفلسفة
والعرفان،
فما هو رأيكم
في ذلك؟! وما
دلالة تلك
الروايات؟!
الجواب:
بسم الله
الرحمن
الرحيم
والحمد لله،
والصلاة
والسلام على
محمد وآله
الطاهرين..
فإن المعيار
هو صحة
العقيدة
والإلتزام
بأحكام
الشريعة..
ولا ينظر إلى
نوع العلوم
التي يتصدى
الإنسان
لتعلمها
لأغراض مرضية
وصحيحة بنظر
الشارع
المقدس.. لأن
الأمر قد
يقتضي تعلم
بعض العلوم
لأجل
الإستفادة
منها في
تأييد الدين
أو لدفع
الشرور التي
قد يجلبها
عليهم
أعداؤهم من
خلال
الإستفادة من
تلك العلوم.
وقد يحتاج
إلى تعلم بعض
العلوم بهدف
بيان خطلها
وفسادها
لتحصين الناس
من الإنخداع
بها..
وفي جميع
الأحوال
نقول:
وردت بعض
الأحاديث
الذامة
للفلسفة
وأهلها.. فمن
ذلك:
1 ـ
ما روي عن
الإمام
الصادق «عليه
السلام» أنه
قال في حديث:
«فتباً
وتعساً،
وخيبة
لمنتحلي
الفلسفة إلخ..»([1]).
2 ـ
وفي حديث
آخر: أن
الإمام الحسن
العسكري
«عليه
السلام» قال
لأبي هاشم
الجعفري:
«علماؤهم
شرار خلق
الله على وجه
الأرض، لأنهم
يميلون إلى
الفلسفة،
والتصوف.
وأيم الله،
إنهم من اهل
العدول
والتحرف»([2]).
ويبدو أنه
بعد أن تم
إقصاء أهل
البيت «عليهم
السلام» عن
مراتبهم
ومواقعهم
التي جعلها
الله تعالى
لهم، وعملوا
على منعهم من
ممارسة
وظائفهم توجه
بعض الناس في
عهد بني
أمية، ثم في
عهد بني
العباس
لاستيراد ما
لدى الأمم
الأخرى من
أفكار، ولكن
لا حباً
بالعلم، بل
لأغراض
أخرى.. وكان
ـ فيما يقال
ـ خالد بن
يزيد الأموي
أول من نحا
نحو الترجمة
لكتب
اليونان،
فظهر
الزنادقة
والدهرية من
أمثال ابن
المقفع وابن
طالوت، وابن
أبي الفوجاء،
وابن الأعمى،
وكان الهدف
هو إشغال
الناس بها،
وليتخذوا
منها وسيلة
لمآربهم، حتى
إن المنصور
الدوانيقي
اتخذ من
الزندقة
والإتهام بها
سبيلاً
للتخلص من
منائيه([3]).
ثم اخترع
فرقاً بأسماء
كل من
يخشاهم.
ولاسيما
أصحاب الإمام
الصادق «عليه
السلام»،
فاخترعوا له
عشر فرق
بأسماء وجهاء
كبار من
أصحاب افمام
الصادق «عليه
السلام»،
مثل:
الهشامية،
والزرارية،
والجوالقية،
والبكرية،
واليعفورية..
نسبة لزرارة،
وهشام بن
سالم
الجواليقي،
وابن أبي
يعفور، وهشام
بن الحكم،
وغيرهم([4]).
كما أن
المأمون قد
أثار قصة خلق
القرآن
واتخذها
ذريعة
لملاحقة
مناوئيه،
فأمر الأئمة
«عليهم
السلام»
أصحابهم بأن
لا يتكلموا
في هذا
الموضوع،
فسلموا بذلك
من الوقوع في
ذلك الشرك،
وقد كان هذا
يجري بالرغم
من أنهم
كانوا قد
سمعوا عن
إعلان الإمام
الصادق «عليه
السلام»
للناس بأنهم
مهما شرقوا،
أو غربوا،
فلن يجدوا
علماً صحيحاً
إلا عند أهل
البيت «عليهم
السلام».
فكان مما
استوردوه
لأهداف
مختلفة:
الفلسفة
اليونانية
بعجرها
وبجرها..
فافتتن
الكثيرون
بها، ولم
يميزوا بين
صحيحها
وسقيمها..
فنشأت
الضلالات،
وانتشرت
الشبهات،
وعاثت
الأباطيل
والأضاليل
فساداً في
عقائد
المسلمين
وفكرهم في
مختلف
المجالات،
وظهر
الزنادقة
والدهريون،
وانتشروا بين
المسلمين،
وكثرت البدع،
وطمع كل ناعق
وطامع أن
يتبع..
وقد تصدى
الأئمة
«عليهم
السلام»
لاستيعاب هذه
الظاهرة،
وتحاشي
سلبياتها،
وعلموا
شيعتهم كيف
يميزون بين
الصحيح
والسقيم، وفق
أصول وقواعد
صحيحة،
وقويمة..
وتصدوا وتصدى
تلامذتهم
للرد على تلك
المقالات
الفاسدة،
والترَّهات،
والأوهام
التي هي في
الأكثر نتاج
عقول أفراد
من سائر
الناس اختلفت
أهواؤهم،
وتباينت
آراؤهم،
وقصرت
أفهامهم،
وتحكمت فيهم
مصالحهم في
كثير من
المواقع
والمواضع،
واقتحموا
المجهول
بأوهامهم،
وخيالاتهم من
دون أن يكون
لديهم أثارة
من علم، أو
نور هداية
ورشاد، وعلى
غير بصيرة
واتزان، ومن
دون اعتماد
على برهان،
أو سلطان
دليل يؤيد
مزاعمهم،
ويعطي
أوهامهم أية
مصداقية،
فضلاً عن أن
تقترب من
الواقع
الموضوعي
الراهن،
لتكتسب قدراً
من القيمة،
أو الإعتبار..
وواصلت
الفلسفة
الوافدة
مسيرتها، وهي
تتوالد
وتتكاثر
وتزداد ـ
تبعاً لذلك ـ
تبايناتها..
ثم كانت ولا
تزال تسعى
لتكريس فكرها
ومناهجها
بإصرار شديد
على أساس
التجاهل
والتسفيه من
موقع الغرور،
والعنجهية
على كل فكر
ومنهج آخر
حتى لو كان
وحياً
إلهياً،
ودينياً
سماوياً
محمياً
بالمعجزات
القاهرة التي
تعطيه المزيد
من القوة
والمصداقية،
وتجذره في
أعماق الفكر
والوجدان،
والضمير
الإنساني..
وهذا ما جعل
هذا المسار
في أحيان
كثيرة في
موقع
المواجهة
والتصادم مع
الحقائق
الدينية التي
جاء بها
الأنبياء،
وصرحت بها
وأصرت عليها
الكتب
السماوية..
وكرستها
المعجزات،
وفرضتها
الوقائع
العينية على
وجدان الناس،
وقهرت بها
عقولهم
القاصرة.
ووجد التيار
الفلسفي نفسه
محاصراً، بل
مهزوماً في
محيط مفعم
بالحيوية
والنشاط
الفكري،
فياضاً
بالوعي
والإيمان،
والإلتزام
الديني،
معرَّضاً
لفضائح كبيرة
وخطيرة تكاد
تقذف به إلى
خارج المجتمع
الإسلامي بل
الإنساني
كله.. فآثر
الإنحناء
أمام
العواصف،
واختار أن
يتبرقع
بعناوين
صوفية حيناً،
وفلسفية أخرى
متخذاً من
الشعارات
المبهمة، أو
الموهمة، أو
الفضفاضة
والمطاطة
حيناً آخر
دروعاً
واقية،
وسبيلاً
للتخلص من
المزالق
والمهالك
التي وجد
نفسه فيها.
وقد مكنه ذلك
من التعايش
مع الواقع
العام، وصارت
مقولاته
الباطلة
والمتناثرة
في كل اتجاه،
تطل برأسها
بصورة
تدريجية في
الأزمنة
المتمادية
تارة على
لسان هذا
الفيلسوف
وأخرى على
لسان فيلسوف
آخر، وهكذا..
فلو أننا
جمعنا
المقولات
والشبهات
الفاسدة التي
سر بها هؤلاء
الناس إلى
المجتمعات
الإسلامية
عبر الأجيال
لوجدنا أنها
قد لامست
مختلف
القضايا
الإعتقادية
التي صرحت
بها الكتب
السماوية،
وجاهد
الأنبياء من
أجل تكريسها
في الوجدان
الإنساني،
فعبثت بها،
وحاولت
نقضها،
وإثارة
الشبهات
والأقاويل
حولها على
ألسنة
رجالاتها في
أحقاب زمانية
متمادية..
مع أن
الأديان
السماوية ـ
كما قلنا ـ
قد اعتمدت
أعلى درجات
المعايير
الإقناعية في
إثبات
حقانيتها
بدءاً من
اجتراح
الأنبياء
والأئمة
للمعجزات،
وإظهار وظهور
الكرامات،
مروراً بحشد
الأدلة
الفطرية
والعقلية
الصريحة التي
تتوافق عليها
العقول.
وتثبتها
الوقائع
وتؤكدها..
وانتهاء
بالوقائع
التي زخر بها
الواقع
العملي الذي
مارسه
الأنبياء
وأوصياؤهم،
وأكدته
العلوم
التجريبية،
والإنسانية
وسواها عبر
آلاف السنين،
ثم تعاقبت
الأجيال،
وتوافرت
الجهود،
وتضافرت
الشهود على
تأكيد
حقانيتها
بالوقائع
التي لم تزل
تتوالى
وتتحشَّد،
وستبقى كذلك
إلى قيام
الساعة..
والمراجع
لتاريخ
الفلسفة
ومقولاتها،
ولتاريخ
الأئمة
وتلامذتهم..
ويراجع
التآليف
الرصينة التي
دبجها
العلماء
المخلصون في
رد تلك
المقولات
يعرف مدى
الجهد الذي
بذلوه في
سبيل تحصين
الأمة
الإسلامية من
تلك الأباطيل
والأضاليل..
نعم.. إن
أئمتنا
وعلماءنا قد
اتخذوا نهجاً
رائعاً في
مواجهة الفكر
الوافد..
يقوم على عدة
عناصرمنها:
أنهم أفهموا
الناس: أن
لهم مرجعية
يجب عليهم
التقيد بها،
وعرض كل ما
يرد عليهم
علىها.. وهذه
المرجعية هي
أهل البيت
«عليهم
السلام»،
فإنهم هم
الذين يملكون
العلم
الصحيح. كما
قاله الإمام
الصادق «عليه
السلام».
ومنها:
أن كل ما
خالف القرآن
وما جاء به
الرسل
والأنبياء،
فهو زخرف
وباطل، ويجب
نبذه والتخلص
منه..
ومنها:
العمل
بمقولة: أن
في أيدي
الناس حقاً
وباطلاً، لأن
الباطل وحده
لا يرضاه
أحد، ويجب
الحذر الشديد
من كل ما
يحتمل أنه من
الباطل
الممزوج
بالحق، وإنما
يقبل الحق
بعد تنقيته
وتخليصه من
الباطل..
ومنها:
أن كل ما
يخالف ما
اجتمعت عليه
العقول
الإنسانية
على اختلافها
مرفوض جملة
وتفصيلاً..
ومنها:
أن المعيار
هو ضرورة
ثبوت ما يدعى
بالدليل
القاطع،
والبرهان
الساطع على
قاعدة: ﴿..قُلْ
هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ
إِنْ
كُنْتُمْ
صَادِقِين﴾([5])،
وضرورة
التقيد
والإلتزام
بعدم
الإستفرد
بالناس
العاديين،
وعدم استغلال
غفلتهم
وجهلهم،
والإمتناع عن
ترويج
الأباطيل
بينهم..
ومنها:
قبولهم
«عليهم
السلام» هم
وتلامذتهم
بكل ما ينفع
الناس مما
يتوافق
وينسجم مع
دين الله
وحقائقه،
وعدم
المبادرة إلى
الرفض، ولم
يواجهوا رواد
تلك العلوم
بالرغم من
مؤاخذاتهم
الكثيرة
عليها
بالتهديد
والوعيد،
والحدة
والإنفعال،
ولم يتعاملوا
«عليهم
السلام» مع
هذا الفكر
الوافد، بل
دخلوا إلى
متن الأمر،
وتعاملوا مع
هذه العلوم
وحملتها من
موقع الخبرة
والمعرفة،
فتفحصوا
كلياته
وجزئياته،
وعرفوا كبيره
وصغيره، فما
كان منه
جامعاً
لشرائط
القبول
قبلوه، وما
وجدوا فيه
خللاً أسقطوه
وردوه..
ولأجل ذلك
تجد أن
الأئمة
أنفسهم كانوا
يتصدون للرد
على الزنادقة
والدهرية،
وعلى
الفلاسفة،
وكل مدع
للعلم
بالدليل
والبرهان
والحجة..
وروي عن عيسى
بن يونس قال:
كان ابن أبي
العوجاء من
تلامذة الحسن
البصرىّ،
فانحرف عن
التّوحيد،
فقيل له:
تركت مذهب
صاحبك ودخلت
فيما لا أصل
له ولا
حقيقة.
فقال: إنّ
صاحبي كان
مخلَّطاً كان
يقول طوراً
بالقدر،
وطورا
بالجبر، وما
أعلمه اعتقد
مذهباً دام
عليه.
قال: ودخل
مكَّة
تمرّداً
وإنكاراً على
من يحجّ،
وكان يكره
العلماء
مساءلته
إيّاهم،
ومجالسته
لهم، لخبث
لسانه، وفساد
ضميره، فأتى
جعفر بن
محمّد «صلوات
الله
عليهما»،
فجلس إليه في
جماعة من
نظرائه، ثمّ
قال له: إنّ
المجالس
أمانات ولا
بدّ لكلّ من
كان به سعال
أن يسعل،
أفتأذن لي في
الكلام؟!
فقال:
تكلَّم.
فقال: إلى كم
تدوسون هذا
البيدر،
وتلوذون بهذا
الحجر،
وتعبدون هذا
البيت
المرفوع
بالطَّوب
والمدر،
وتهرولون
حوله هرولة
البعير إذا
نفر. من
فكَّر في هذا
أو قدر علم
أنّ هذا فعل
أسّسه غير
حكيم، ولا ذي
نظر، فقل:
فإنّك رأس
هذا الأمر
وسنامه،
وأبوك أسّه و
نظامه.
فقال أبو عبد
الله «صلوات
الله عليه»:
إنّ من
أضلَّه الله
وأعمى قلبه
استوخم الحقّ
فلم يستعذبه،
وصار
الشّيطان
وليّه يورده
مناهل
الهلكة، ثمّ
لا يصدره،
وهذا بيت
استعبد الله
به خلقه،
ليختبر
طاعتهم في
إتيانه،
فحثّهم على
تعظيمه
وزيارته،
وجعله محلّ
أنبيائه،
وقبلة
للمصلَّين
له، فهو شعبة
من رضوانه،
وطريق يؤدّى
إلى غفرانه،
منصوب على
استواء
الكمال
ومجتمع
العظمة
والجلال،
خلقه الله
قبل دحو
الأرض بألفي
عام، وأحقّ
من أطيع فيما
أمر، وانتهى
عمّا نهى عنه
وزجر.. الله
المنشئ
للأرواح
والصّور.
فقال ابن أبي
العوجاء:
ذكرت يا أبا
عبد الله
فأحلت على
غائب.
فقال أبو عبد
الله «عليه
السلام»:
ويلك، كيف
يكون غائباً
من هو مع
خلقه شاهد،
وإليهم أقرب
من حبل
الوريد، يسمع
كلامهم، ويرى
أشخاصهم،
ويعلم
أسرارهم،
وإنّما
المخلوق
الَّذى إذا
انتقل عن
مكان اشتغل
به مكان،
وخلا منه
مكان، فلا
يدرى في
المكان
الَّذى صار
اليه ما حدث
في المكان
الَّذى كان
فيه. فأمّا
الله العظيم
الشّأن،
الملك
الدّيّان،
فإنّه لا
يخلو منه
مكان، ولا
يشتغل به
مكان، ولا
يكون إلى
مكان أقرب
منه إلى
مكان،
والَّذى بعثه
بالآيات
المحكمة
والبراهين
الواضحة
وأيّده
بنصره،
واختار
لتبليغ
رسالاته،
صدّقنا قوله:
بأنّ ربّه
بعثه و
كلَّمه.
فقام عنه ابن
أبي العوجاء،
فقال
لأصحابه: من
ألقاني في
بحر هذا،
سألتكم أن
تلتمسوا لي
خمرة،
فألقيتموتى
على جمرة،
فقالوا له:
ما كنت في
مجلسه إلَّا
حقيراً.
قال: إنّه
ابن من حلق
رؤس من ترون([6]).
وابن أبي
العهوجاء كان
من الزنادقة،
فقال له
الإمام
الصادق «عليه
السلام»
مشيراً إلى
الناس الذين
كانوا
منشغلين
بالطواف: إن
يكن الأمر
على ما يقول
هؤلاء، وهو
على ما
يقولون ـ
يعني أهل
الطواف ـ فقد
سلموا
وعطبتم، وإن
يكن الأمر
كما تقولون ـ
وليس كما
تقولون ـ فقد
استويتم وهم([7]).
كما أن
الأئمة قد
سمحوا
لتلامذتهم،
ولعلماء
الأمة، ليس
فقط بالاطلاع
على الفلسفة
والتصوف، بل
يتجاوزوا ذلك
إلى التنجيم،
والسحر
أيضاً،
فدرسوها
وأتقنوها،
وعرفوا عجرها
وبجرها..
ووقفوا على
خفاياها
وخباياها.
ودرسوا ما
يسمى بعلم
العرفان،
وغيره من
العلوم،
فكانوا
أعلامها
وعظماءها،
وأساطينها،
وصححوا
أخطاءها
وقوموا
الكثير من
الإعوجاجات
فيها،
وأبطلوا
باطلها
بالدليل
والحجة،
وقبلوا بما
هو صحيح
منها، وبرعوا
فيها حتى
أنسوا الناس
علماءها
المتقدمين
وأعجزوا
المتأخرين،
فشكر الله
سعيهم، وبارك
الله في
جهدهم
وجهادهم..
ولكن ذلك لا
يعني أن هذا
العلم. أعني
علم الفلسفة
أو التصوف
والعرقان قد
خلا من
الشوائب،
وصفا من
المعايب. كما
أن ذلك لا
يعني أن يوغل
فيه من ليس
أهلاً له،
فإنه يخشى
عليه من
الإنزلاق في
بعض متاهاته،
والتأثر ببعض
شبهاته..
ومهما يكن من
أمر، فإن
أعاظم علماء
هذه العلوم
والفنون،
ومنها
الفلسفة
والعرفان في
الأكثر من
شيعة أهل
البيت «عليهم
السلام»، وهم
الذين هذبوه
وشذبوه.. كما
هو حالهم في
كل علم
مارسوه،
وردوا على ما
فيه من ترهات
وأباطيل
بالفكر
النير،
والضمير
الطاهر،
والحجة
البالغة..
وقد بدأ
التأليف في
رد بعض
مقولات
المبطلين من
الفلاسفة
والرد على
الزنادقة،
وأهل الزيغ،
وكل مقولة
منحرفة ـ بدأ
ذلك ـ من أول
أيام ظهور
هذا العلم في
بلاد
الإسلام..
ولهشام بن
الحكم كتب
كثيرة في
الرد على
الفلاسفة،
مثل كتاب
الدلالات على
حدوث
الأجسام.
وكتاب الرد
على
الزنادقة.
وكتاب الرد
على أصحاب
الطبائع.
وكتاب الرد
على
أرسطوطاليس([8]).
وهكذا فقد
كان هشام بن
الحكم، وهشام
بن سالم،
ومؤمن الطاق،
وسواهم من
أصحاب الأئمة
يتصدون
ويحاورون
الدهرية
والفلاسفة،
والزنادقة
وسواهم،
ويردون على
شبهاتهم. وقد
صرحوا: بأن
هشام بن
الحكم كان
يطعن على
الفلاسفة([9]).
وهشام من
كبار أصحاب
الإمام
الصادق «عليه
السلام».
كما أن للفضل
بن شاذان
كتاب الرد
على
الفلاسفة،
وهو من أجلاء
أصحاب الرضا
والجواد
والهادي
«عليهم
السلام»([10]).
وعلي بن أحمد
الكوفي
المتوفي سنة
352 له كتاب
الرد على
أرسطوطاليس،
والرد على من
يقول: إن
المعرفة من
قبل الموجود([11]).
وعلي بن محمد
بن العباس له
كتاب الرد
على أهل
المنطق.
وكتاب الرد
على
الفلاسفة،
وغير ذلك([12]).
وهلال بن
إبراهيم، له
كتاب الرد
على من رد
آثار الرسول
«صلى الله
عليه وآله»،
واعتمد نتائج
العقول([13]).
وقطب الدين
الراوندي له
كتاب تهافت
الفلاسفة([14]).
وللشيخ
المفيد كتاب:
جوابات
الفيلسوف في
الإتحاد.
وكتاب الرد
على أصحاب
الحلاج.
وحمزة بن علي
بن زهرة
الحسيني له
كتاب في نقض
شبه
الفلاسفة.
ومحمد طاهر
القمي له
كتاب في الرد
على حكمة
الفلاسفة.
ورسالة في
الرد على
الصوفية([15]).
وتتبع مؤلفات
العلماء
وكلماتهم في
الرد
والإنتقاد
على أصحاب
المقالات
الباطلة،
والشبهات
الزائلة
يحتاج إلى
وقت طويل،
وربما إلى
تأليف
مستقل..
وإنما أردنا
تقديم نماذج
من جهود
علمائنا
الأبرار في
الذب عن
شريعة النبي
المختار..
غير أننا نحب
لفت النظر:
إلى أن الكم
الهائل من
الردود على
الفلاسفة،
وكلمات
العلماء
الكبار في
ذمهم يدل على
أنهم كانوا
في العصور
السالفة قد
سلكوا طريق
إلقاء
الشبهات،
والعبث
بعقائد
الناس، حتى
صار هذا هو
الصفة
الطاغية
عليهم، الأمر
الذي سوغ
لابن أبي
الحديد
المعتزلي أن
يقول عن علي
«عليه
السلام»:
«وما أقول في
رجل يحبه أهل
الذمة على
تكذيبهم
بالنبوة،
وتعظمه
الفلاسفة على
معاندتهم
لأهل الملة»([16]).
ولكن بعد
انقضاء
القرون
الأولى من
دخول الفلسفة
اليونانية
إلى بلاد
المسلمين،
وظهور ما
فيها من
أضاليل
وأباطيل، حتى
راجت الزندقة
والدهرية،
وسوها في
بلاد
المسلمين على
التحقيق
والتدقيق في
هذا العلم،
حتى برعوا في
هذا العلم،
ونقحوا
الكثير من
مسائله،
وهذبوه وشيدو
أركانه،
وأقاموا
بنيانه،
وأبطلوا
الكثير من
شبهاته..
وأصبح علماً
معتدل
المزاج، هادئ
الأمواج، وإن
كنا لا نزال
نرى فيه بعض
الشوائب التي
لا تزال
متداولة حتى
بين كبار
العلماء
بالرغم من
أنها مرفوضة
وغير مرضية
لدى كثير من
المحققين
فيهم.
وإذا انتقلنا
إلى الحديث
عن المتصوفة
فعلينا أن
نشير إلى
أننا لا نقصد
بهم العبَّاد
الزهَّاد،
والأتقياء
الأنجاد،
الملتزمين
بأحكام
الشريعة،
والعاملين
المجاهدين في
سبيل الله..
بل المقصود
بهم: أولئك
المدعون
للكشف
والشهود،
والجذب، وغير
ذلك من
أباطيل
وأضاليل،
فضلاً عن
أنهم يثبتون
لأنفسهم
مقامات لا
تجارى من
القرب
والزلفى،
ويزعمون أنهم
يجترحون
المعجزات
والكرامات،
ويسعون لخداع
الناس السذج
بترهاتهم،
حتى ليصل
الأمر ببعضهم
إلى ادعاء
القدرة على
التصرف في
الكائنات،
والولاية على
سائر
المخلوقات،
فضلاً عن
زعمهم
الإطلاع على
الغيوب،
والعروج إلى
السماوات
العلى، وما
إلى ذلك من
أضاليل
وأباطيل لا
يقرها عقل،
ولا يرضاها
دين، وليست
من العلم
والعقل في
شيء، بل هي
محض الهراء
والجهل.
فضلاً عن
مزاعم كثيرة
لهم، ترتبط
بأمور
اعتقادية
وإيمانية،
وقد تصدى
العلماء لهم
بالرد
والتفنيد.
حسبما أشير
إليه آنفاً..
وقد قلنا في
مورد آخر:
إن الحديث
الصحيح
والثابت عن
الرسول «صلى
الله عليه
وآله» والذي
يقول: «يكون
بعدي اثنا
عشر إماماً،
أو خليفة، أو
أميراً كلهم
من قريش..»
قد أحرج بعض
الناس، حتى
لم يجدوا
مناصاً من
الإعتراف بأن
المقصود به
هو الأئمة
الإثنا عشر
حسب معتقد
الإمامية،
الذين أولهم
علي «عليه
السلام»
وآخرهم
المهدي «عجل
الله تعالى
فرجه
الشريف».
فاضطروا إلى
الجهر بطرف
من معجزات
وكرامات،
ومقامات،
وعلم، وزهد،
وورع، وتقوى،
وفضل هؤلاء
الأئمة
«صلوات الله
وسلامه
عليهم»..
فزاد ذلك من
حراجة موقفهم
مع شديد
تخفظهم،
وإغفالهم
الكثير من
مقاماتهم،
وإنكارهم
لدلالة كثير
مما ورد في
حقهم،
واللجوء إلى
تأويلات
باردة،
وتعليلات
عليلة. هذا..
عدا مراعاتهم
جانب الحكام
المتعصبين
على أهل
البيت «عليهم
السلام»،
الساعين
لإطفاء نور
الله تعالى
الذي تجلى
فيهم «عليهم
السلام»،
ويأبى الله
إلا أن يتم
نوره..
وصغروا عظيم
منزلتهم،
واكتفوا فقط
بالإعتراف
بالإمامة لهم
في العلم
والزهد
والدين لا
أكثر.. مع
إظهارهم شدة
التعظيم
والتفخيم،
والتكريم
للفريق الذي
لأولئك
المناوئين من
كرامات
وامتيازات،
مع إضافة
المزيد الذي
لم يكن يخطر
على بال أحد
من الناس.
ولعل هذا هو
الذي سوغ لهم
الترويج
لادعاء مقام
الولاية
والكرامة،
لأولياء
الصوفية
أيضاً. وهم
أناس عاديون،
فقد نحلوهم
من الفضائل
والكرامات،
ورفعوا من
شأنهم،
وبالغوا في
ادعاء فضلهم
حتى رفعوهم
عن مستوى
الأوصياء
والأنبياء
«عليهم
السلام»،
وأعطوهم ليس
فقط
مقاماتهم،
بل بعض ما
يفوق ذلك
أيضاً..
وحين لم
يجدوا سبيلاً
لوصل حبل
هؤلاء هم
برسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
الذي هو مصدر
كل فضل
وهداية،
ودلالة وعلم،
لجأوا إلى
ادعاء الشهود
وكشف الغيوب
لهم، ومنحوهم
القدرة على
الإطلاع على
ما لا يطلع
عليه حتى
الملائكة
المقربون،
وأولي العزم
من الأنبياء
والمرسلين..
فما بالك
بمن هم
دونهم.
فصار مقام
الولاية
والإمامة
مبتذلاً،
يطمح إليه كل
راغب، ويدعيه
كل طالب، بل
كل ناهب
وسالب.
والقريب
والبعيد،
والتقي
والشقي،
فشاعت حتى
بين أوباش
الناس
الإدعاءات
الباطلة،
والأقاويل
الكاذبة، ولم
يعد يمكن أن
تطالب بحجة
أو دليل..
سبيل الحبة:
واللافت هنا:
أن بعض
الأعاظم في
هذا العصر،
وهو آية الله
السيد
الخميني «قدس
سره» قد مارس
في أقاويل
هؤلاء الناس
شطراً من
عمره الشريف
يصل إلى
عشرات
السنين، حتى
بلغ أعلى
درجات الخبرة
في فنهم.. ثم
سجل في أواخر
عمره الشريف
نصيحة لإحدى
قريباته في
رسالة سميت
بـ «سبيل
المحبة إلى
السيدة
فاطمة»،
بتاريخ ربيع
الثاني
1407هـ تتضمن
أسفه الشديد
على تلك
السنوات
الكثيرة التي
قضاها في
الدراسة
والبحث في
تلك الكتب،
فهو يقول:
«..(الأسفار
الأربعة)
بطولها
وعرضها
منعتني من
السفر إلى
المحبوب. لا
من الفتوحات
(الفتوحات
المكية لابن
عربي) حصل لي
فتح.. ولا من
فصوص الحكم
(فصوص الحكم
لابن عربي)
حصلتُ على
حكمة.. فضلاً
عن غيرهما
الذي له قصة
محزنة..
..لا تكتفي
بهذه
الاصطلاحات
التي هي الفخ
الكبير
لإبليس،
وكوني بصدد
البحث عنه جل
وعلا..».
والحمد لله،
والصلاة
والسلام على
عباده الذين
اصطفى محمد
وآله..
([1])
التوحيد
للمفضل
ص30
وبحار
الأنوار
ج3
ص75
ومستدرك
سفينة
بحار
الأنوار
ج8
ص299
وميزان
الحكمة
ج1
ص787.
([2])
مستدرك
الوسائل
للنوري
ج11
ص380
ومستدرك
سفينة
بحار
الأنوار
ج8
ص299
وإكليل
المنهج
للكرباسي
ص128
والإثنا
عشرية
للحر
العاملي
ص33.
([3])
راجع:
الحياة
السياسية
للإمام
الرضا
(الطبعة
الثالثة)
ص110
عن
رجال
المامقاني
ج3
ص296
وقاموس
الرجال
ج9
ص324
وبحار
الأنوار
ج48
ص195
و
196
ورجال
الكشي
(ط
كربلاء)
ص27.
وأشار
إلى
ذلك
المسعودي
أيضاً،
فراجع:
ضحى
الإسلام
ج1
ص141
واليعقوبي
في
كتابه:
مشاكلة
الناس
لزمانهم
ص24
([4])
نفس
المصدر.
([5])
الآية
111
من
سورة
البقرة.
([6])
راجع:
بحار
الأنوار
ج10
ص201
ـ
209.
([7])
راجع:
بحار
الأنوار
ج3
ص42.
([8])
فهرست
الشيخ
ص204
ورجال
النجاشي
ص304.
([9])
إختيار
معرفة
الرجال
(رجال
الكشي)
ج2
ص534
وراجع:
بحار
الأنوار
ج48
ص189.
([10])
رجال
النجاشي
ص217.
([11])
رجال
النجاشي
ص189.
([12])
رجال
النجاشي
ص191.
([13])
رجال
النجاشي
ص308.
([14])
فهرست
منتجب
الدين.
([15])
جامع
الرواة
ج2
ص133.
وقد
نقلنا
الموارد
المتقدمة
من
مستدرك
سفينة
البحار
ج8
ص300
و
301
فراجع.
([16])
شرح
نهج
البلاغة
للمعتزلي
ج1
ص28
وبحار
الأنوار
ج41
ص150
ومستدرك
سفينة
البحار
ج8
ص304
وينابيع
المودة
ج1
ص454.
المصدر
http://www.mezan.net/sayed_ameli/questions/021.html
المصدر
http://www.mezan.net/sayed_ameli/questions/021.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق