أوردت شبهات كثيرة على المعاد , ولكن اهمها ثلاث:
ألاولى : مااصطلح عليها في كتب الفلاسفة والمتكلمين بشبهة الاكل والمأكول وتعرض لها بعض كتب الفلسفة الحديثة ايضا وهي قديمة ترجع جذورها الى ماقبل الاسلام كما يستفاد من الايات المباركة، وحاصل الشبهة أنه إذا تورد على بدن الانسان صور اشياء مختلفة،كأن صار الانسان مثلا فريسة لسبع وصار السبع لفريسة اقوى منه ثم استحال الجميع الى تراب ، واستحال التراب الى نبات ،وصارت هي مأكول الحيوان أو الانسان ، فكيف يمكن ان يعود بدن الانسان الذي تواردت عليه صور شتى في المعاد، وهل يعاد بالبدن الاولي والهيكل الاصلي الانسان والمفروض انعدامه بالكلية؟او بالصورة العارضة عليه:
فيلزم اولا:ان لا يعود البدن او الجسم الموجود في دار الغرور في عالم الحشر والنشر وهو خلاف ماتقدم من الادلة الدالة على اثبات المعاد الجسماني.
وثانيا:يلزم تنعيم من لم يصدر منه فعل الطاعة . وتعذيب من لم يصدر منه منشأ العقاب .وهو باطل بالضرورة, وهذا هو اصل الشبهة.
ولكنها باطلة, لما تقدم من ان الصور التي تعرض على الشيء و تتغير لا تنافي بقاء المواد الاولية لذلك الشيء, فهي باقية ومحفوظة وان تبدلت الصور العارضة عليها وحصلت التطورات,لكن المادة الاولية باقية,لذلك الشيء, فهي باقية ومحفوظة وان تبدلت الصور العارضة عليها وحصلت التطورات,لكن المادة الاولية باقية,نظير المضغة التي تكون في مصير الاستكمال الانساني , فهي موجودة في الانسان وان بلغ من العمر ما بلغ, ولكن تتبدل عليها الحالات والصور الكثيرة,و المعاد الجسماني ايضا كذلك,فيكون التعذيب واردا على من صدر منه فعل المعصية,والتنعيم على من صدر منه فعل الطاعة, وهو باق وان عرضت عليه صور كثيرة.مع ان العلم الحديث في التجزئة والتحليل تمكن من تجزئة المواد في الجسم,وامتياز المواد الحيوانية عن النباتية, وهما عن غيرهما, فكيف بقدرته تعالى؟!
ولا فرق بين ان يكون الاكل هو الحيوان او يكون انسان اخر, كما لو اكل انسان انسانا اخر,فالجواب في الجميع واحد.
واصل الشبهة ناشئة من تحديد قدرة الخالق وقياسها على قدرة المخلوق,مع ان قدرة المخلوق امكنها السيطرة على حفظ المواد الاولية في الجسم وامتيازها عن غيرها,بل ونموها كما عرفت,وهذة الشبهة مقررة في القران الكريم بنحو الاجمال:
قال تعالى: (من يحي العظام وهي رميم)(سورة يس الاية 78)
وقال تعالى: (أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على ان نسوى بنانه)(سورة القيامة الاية 3و4 )
الثانية: أن المعاد إنما هو لتعذيب الاشقياء وتنعيم السعداء ، وهذه النتيجة يمكن ان تحصل في هذه الدنيا وفي هذا العالم فلا يحتاج الى التعذيب في عالم الاخرة فيعذب الله تعالى الاشقياء في في هذه الدنيا حتى يرد الجميع الى عالم الاخرة بلا منشأ للعقاب ، فيردون الجنة بغير عقاب ، فيكون التعذيب في هذا العالم بمنزلة التوبة الممحاة للذنوب ، وهذه الشبهة كثيرة الدوران في الفلسفة الحديثة.
ولكنها باطلة اولا: لأن الله تبارك وتعالى جعل للذنوب في هذه الدنيا ما يوجب محوها وإزالتها ، كالحدود والتعزيرات والديات والكفارات والتوبة والاستغفار والتكفير، قال تعالى : (إن تجنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)(سورة النساء الاية 31) فأي إنسان عمل بذلك ، فلا ذنب له فيتحقق التعذيب في هذا العالم بالحدودوالتعزيرات والديات والكفارات والتوبة والاستغفار والتكفير ، قال تعالى :(إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) فأي انسان عمل بذلك ، فلا ذنب له فيتحقق التعذيب في هذا العالم بالحدود والتعزير والديات وغيرها ، فلا موضوع لهذه الشبهة ، فأن الله تعالى أجل من أن يعذب العاصي مرتين.
وثانيا: أن كثيرا من المعاصي في هذه الدنيا ناشيء من سوء السريرة وفساد الطينة اقتضاءً، وهذا العالم بزمانه وزمانياته قاصر عن تعذيب مثل هذه السريرة ،لأن هذا العالم متناه، والسريرة فيها اقتضاء عدم التناهي، فلابد وأن يؤجل الى عالم الاخرة.
وثالثا: أن هذا العالم ظرف الاستكمال في جميع الجهات ، والتعذيب مناف له ، نعم بعض اثار الذنوب تظهر في هذه الدنيا ، وأنها مم الاثار الوضعية ، ولابرط لها بالتعذيب والمعاد .
الثالثة :ان المعاد الجسماني مستلزم للتناسخ الباطل -كما سيأتي- فيكون المعاد الجسماني باطلا كذلك، خصوصا بعد اشتمال الادلة السمعية على حشر بعض أفراد الانسان بصورة بعض الحيوانات.
والجواب عنها: أن المعاد الجسماني ليس من التناسخ في شيء ، وبينهما تباين كلي، لأن التناسخ الباطل عبارة عن انتقال الروح من بدن هذا العالم إلى بدن غيره ، كل منهما في عرض الاخر، وأما بقاء الروح إلى عالم اخر طولي وتغيير بدنه حسب المقتضيات والملكات، فلا ربط له بالتناسخ اصلا، بل يكون المقام نظير ماإذا ابتلى بدن الانسان بمرض ، بحيث زالت محاسنه وذهبت هيئته وصفاته بالمرة لأجل الجهات الخارجية مع بقاء روحه ، فكم من شخص كان في غاية الجمال في شبابه فصار قبيحا في هرمه وشيخوخته ، وكم مرغوب إليه في سن فصار مرغوب عنه في سن اخر، وهكذا فالمعاد الجسماني من هذا القبيل . هذا فيما إذا تغير البدن في عالم الحشر ، وأما إذا لم يتغير فلا موضوع للشبهة أصلا.
المصدر : مواهب الرحمن ج5 من ص106 الى ص109
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق