الأحد، 24 مايو 2015

العقول العشرة - والفلاسفة (الشيخ محمد جواد البلاغي)


                        العقول العشرة - والفلاسفة
لا أخالك تقول مثل بعض الفلاسفة إن الواجب صدر منه العقل الأول بتعليله الطبيعي وهو واحد بسيط ولكن العقل الأول باعتبار إمكانه ووجوبه بالغير وتعقله لذاته ولغيره تكون له جهات بها صلح أن يتعدد معلوله ويعلل أشياء متعددة ولأجل ذلك صدر منه العقل الثاني مع فلك ونفس. وهكذا يتدرج صدور القول والأفلاك بالتعليل إلى العقل العاشر وهو العقل الفعال مع الفلك التاسع وهو فلك القمر. يا شيخ، هل تدري كم على هذه المزاعم من النقود والردود. سامحناهم في بناء مزاعمهم على مزاعم الهيئة القديمة ودعواهم انحصار العالم العلوي بالأفلاك التسعة. وانتهائهم في عدد العقول بانتهاء عدد الأفلاك -
ولكنا نقول لهم:
(أولا): إن الجهات المذكورة إنما هي اعتبارات محض وانتزاعات صرفة ليس لها وجود أصيل حقيقي فلا تصلح لأن تكون معللة للموجود بالوجود الحقيقي ولا يخرج بها الواحد البسيط عن كونه لا يعلل إلا واحدا بسيطا مثله (1).                                                                                     (وثانيا) مهما تعددت جهات المعلولية ومهما تضاعفت من العقل الأول إلى العاشر فإنها لا تبلغ في العاشر أن تكون ألف جهة. ولتكن عشرة آلاف فماذا يصنع هذا المقدار في تعليل الكائنات التي لا تحصى أنواعها ولا تحصى أفراد كل نوع منها.
(ثالثا): إذا سمحتم بأن تكون الانتزاعيات جهات في الواحد البسيط يصلح بها لتعدد التعليل فلماذا لا تسمحون بمثل ذلك للواجب وتقولون إن الواجب يعلل المعلول الأول بذاته ويعلل الثاني والثالث والرابع بجهات تعليله للأول وتعلقه لذاته ولغيره وهكذا فتعللون الكائنات كلها بالواجب باعتبار ذاته وجهات تعليلاته وتعقلاته لغيره ولا تشركون معه في التعليل غيره بهذا الاشراك الوثني. من أين أخذ الامكان والوجوب بالغير والتعقل امتيازها بالصلاحية لأن تكون جهات وجودية مكثرة في العقل الأول دون واجب الوجود؟! مع أنها في المقامين مشتركة في كونها انتزاعات محضة لا حظ لها في الوجود إلا بتصوير الانتزاع العقلي.


الهامش:

1 ـ قد كتب هذا قبل الاطلاع على ما كتبه العلامة الأوحد المحقق نصير الدين الطوسي (قدس الله نفسه) في مختصره فصول الاعتقاد. وبعد الاطلاع آثرنا التبرك بذكر كلامه طاب ثراه في هذه الطبعة الثانية تنويرا للأفكار بأشعة تحقيقه مع مزج كلامه بشئ من شرحه وإيضاحه فقال في مطبوع مصر سنة 1341 في الصحيفة ال‍ 10 و 11 (قالوا لا يصدر عن الباري تعالى بلا واسطة إلا عقل واحد والعقل فيه كثرة، وهي الوجوب بالغير والامكان الذاتي وتعقل الواجب وتعقل ذاته ولذلك (أي ولأجل الكثرة فيه بهذه الأمور) صدر
عنه عقل آخر ونفس وفلك مركب من الهيولى والصورة. ويلزمهم (أي على مبناهم في هذه المزاعم من أن الواحد لا يصدر منه إلا واحد مثله إن العقل الأول واحد لا يصدر إلا واحد مثله وهكذا في جميع المعلولات ولازم ذلك) إن أي موجودين فرضا كان أحدهما علة للآخر بواسطة أو بغير واسطة (إذ يمتنع عل مبناهم أن يكون الموجودان معلولين لعلة واحدة وبطلان اللازم بديهي) و (أما زعمهم في التخلص عن هذا الالزام أن العقل الأول فيه كثرة كما ذكرناه فيرد عليه) أيضا (إن) التكثرات التي (زعموها) في العقل الأول (وتشبثوا بموهومها) إن كانت وجودية صادرة عن الباري جل اسمه لزم صدورها عن الواحد (وهو نقض لمبناهم وهو أنه لا يصدر منه تعالى شأنه إلا الواحد) وإن صدرت عن غيره لزم تعدد الواجب (إذ لا بد من انتهاء الممكن في التعليل إلى الواجب وقد أوضحنا أن واجب الوجود لا يتعدد) وإن لم تكن (تلك التكثرات) موجودة لم يكن تأثيرها معقولا) كما ذكر في الأصل في الاعتراض الأول.


المصدر:المدرسة السيارة ص325 326











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق