الجمعة، 16 مايو 2014

"تاملات فی قاعدة « بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها »" (الشيخ حسن الكاشاني)



هذه القاعدة تعد من مبتكرات صاحب الأسفار ، كما قال :
« وهذا مطلب شريف ، لم أجد في وجه الأرض من له علم بذلك ».
(الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، ملاصدرا الشيرازي : 4 / 40.)
و علیها تبتنی نظریته فی وحدة الوجود.
و لنتامل معا في بعض زواياها
قال المولى المحقّق صدر الدين الشيرازي :
« البرهان قائم على أن كل بسيط الحقيقة كل الأشياء الوجودية ، إلاّ ما يتعلق بالنقائص والاعدام. والواجب تعالى بسيط الحقيقة واحد من جميع الوجوه ، فهو كل الوجود ، كما أن كلّه الوجود... فكلّ بسيط الحقيقة يجب أن يكون تمام كل شيء ، فواجب الوجود لكونه بسيط الحقيقة فهو تمام كلّ الأشياء على وجه أشرف والطف ، ولا يسلب عنه شئ الا النقائص والإمكانات والأعدام والملكات ، وإذ هو تمام كل شيء ، وتمام الشيء أحق بذلك الشيء من نفسه. فهو أحقّ من كل حقيقة بان يكون هو هي بعينها من نفس تلك الحقيقة بأن يصدق على نفسها. فاتقن ذلك وكن من الشاكرين... فكما انّ السواد الشديد يوجد فيه جميع الحدود الضعيفة السوادية التي مراتبها دون مرتبه ذلك الشديد على وجه أبسط ، وكذا المقدار العظيم يوجد فيه كل المقادير التي دونه من حيث حقيقة مقداريتها لا من حيث تعيّناتها العدمية من النهايات والأطراف... فهكذا حال أصل الوجود وقياس إحاطة الوجود الجمعي الواجبي الذي لا أتم منه ، بالوجودات المقيدة المحدودة بحدود يدخل فيها اعدام ونقائص خارجه عن حقيقة الوجود المطلق داخله في الوجود المقيّد ».
(الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، ملاصدرا الشيرازي : 8 / 110 ـ 116)
                    
                              "بیان القاعدة"
أنّ واجب الوجود بسيط غاية البساطة ، ليس فيه أي حدّ وقيد
ولاتركيب ، فحتى التركيب الإعتباري الذي هو عبارة عن وجود الشيء وعدم غيره
منفي عنه ، وكلّ ما يكون كذلك فهو كلّ الإشياء لأنّه لو خلت منه شيء يكون ذاته
مركباً من وجوده وعدم ذلك الشيء ، فبسيط الحقيقة كلّ الأشياء. وهو في عين
كونه واجداً لجميع الأشياء إلاّ أنّه ليس بشيء منها بخصوصياتها وحدودها
ونقائصها ، فإنّه لو كان بسيط الحقيقة هو الشيء الخاصّ الذي له حدود متميّزة عن غيره لكان اللازم تركّبه من الوجود والعدم وهذا خلف كونه بسيط الحقيقة.
فيستنتج من ذلك أنّ بسيط الحقيقة متّحد مع وجود جميع الوجودات المقيّدة ،
دون ماهيّاتها التي هي قيودها ، فإنّ تلك القيود إنّما أتت من قِبَلِ الماهيّات ، وذلك
لعدم إقتضاء الكثرة في حقيقة الوجود ، وهذه الماهيّات هي التي سبّبت الكثرات
والمراتب في الوجود.
کما قال العلامّة الطباطبائي فی توضیح القاعدة:
« ملخّص البرهان ان كلّ هويّه صحّ أن يسلب عنها شئ ، فهي متحصّلة من
ايجاب وسلب ، وكلّ ما كان كذلك فهي مركبه من ايجاب ـ هو ثبوت نفسها
لها ـ وسلب ـ هو نفى غيرها عنها ـ ينتج : انّ كلّ هويّه يسلب عنها شيء ،
فهي مركبة ، وينعكس بعكس النقيض إلى أنّ كلّ ذات بسيطه الحقيقة فإنّها
لا يسلب عنها شيء ، وان شئت فقل بسيط الحقيقة كلّ الأشياء. »
(تعلقيته على الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، السيد محمد حسين الطباطبائي : 8 / 110)
"وفي هذه القاعدة عدّة تدافعات وتناقضات" :
1- القول باتّحاد الوجود الإطلاقي مع الوجود المقيّد. فانّه كيف يمكن أن
يكون الوجود الإطلاقي ـ أي الوجود من دون قيد عدمي ـ متّحداً مع الوجود
المقيّد بالقيد العدمي ، فإنّه من اجتماع القيد واللاقيد ، كما هو مقتضى قوله «بسيط الحقيقة كلّ الأشياء ».
فبسيط الحقيقة هو الوجود المطلق الذي لاقيد فيه ، وكلّ الأشياء هي
الوجودات المقيّدة ، فكيف يحكم باتحادهما ؟ فإنّ لازمه أن يكون الوجود مطلقاً
في الواقع في عين كونه مقيّداً في الواقع. إلا أن يلتزم القائل بأنّ التقيّد لاواقع له ،
فليس هناك مقيّد واقعاً ، وإنما يراه الأحول مقيداً ، وهذا أيضاً مناقض لأصل
القاعدة حيث فرض فيها أشياء كثيرة ثمّ حكم باتحادها مع بسيط الحقيقة ، فهو
خلف للفرض.
بعبارة أخرى : هل فُرِض للأشياء المتكثّرة ـالتي هي الوجودات المقيّدة ـ
واقعيّة أم لا ؟
فإن كانت لها واقعيّة ، أي : كان في الواقع وجودات مقيّدة متميّزة بعضها عن
بعض ، فكيف يمكن أن تكون تلك المقيّدات ـ في عين كونها مقيّدة ـ متحدة مع
الوجو د المطلق الذي لاقيد فيه ؟
والقول بوحدة الوجود الإطلاقي مع وجود الوجودات المقيّدة دون قيودها
ممنوع ؛ إذ كيف يمكن التفكيك بين المقيّد والقيد ؟ فإنّ المفروض أنّ المقيّد في
ظرف إتّحاده مع الوجود المطلق باقٍ على تقيّده ، ومعه كيف يفرض وحدته مع
المطلق. انّما وحدة المطلق مع المقيّد يكون في صورة محو قيود المقيّد ، وحينئذٍ
لايبقى مقيّد كي يحكم باتحاده مع المطلق.
وبالجملة ؛ فإنّه قد قسّم الوجود إلى المطلق والمقيّد ، ثمّ حكم باتحادهما ،
وهذا هو الجمع بين المتناقضين ، كما أنّ السواد ينقسم إلى الشديد والضعيف ،
ولايمكن أن يكونا متحدين في آن واحد ، فإنّ السواد الضعيف مع الحفاظ على
قيده ـ أي : مع كونه ضعيفاً واقعاً ـ كيف يمكن أن يتّحد مع السواد الشديد ؟
وكذلك المقدار العظيم لايوجد فيه المقادير الصغيرة ، إذا فُرِضَ للصغر واقعيّة
وحقيقة ، أي : الصغير مع الحفاظ على تقيّده بالصغر ، لن يتّحد مع العظيم مع
الحفاظ على عدم تقيّده بالصغر.
وإن لم يكن للوجودات المقيّدة واقعيّة ـ أى : انمحت جميع القيود فلم يكن
ثمّة مقيّد ، كما أنّ الموج إذا رجع الى البحر ينمحي تعيّنه وقيده الخاص الذي بها
كان متميّزاً عن غيره ـ فهو مخالف لفرض وجود الأشياء الكثيرة ، كما هو المصرّح
به في متن القاعدة ، فإنّ وجود المتكثّرات مع انتفاء القيود محال ، مع أنّه لايكون
حينئذ شيئان حتى يحكم باتحادهما.

وكأنّ العلامّة الطباطبائي رحمه اللّه قد تفطّن إلى هذا الإشكال فأراد أن يدفعه ، فقال : « فإن قيل : لازم ما تقدّم من البيان صحة الحمل بينه تعالى وبين كل
موجود وكمال وجودي ، ولازمه عينية الواجب والممكن ـ تعالى اللّه
عن ذلك ـ وهو خلاف الضرورة.
قلنا :كلاّ ؛ ولو حمل الوجودات الممكنة عليه تعالى حملاً شائعاً ، صدقت عليه تعالى بكلتا جهتي إيجابها وسلبها ، وحيثيتي كمالها ونقصها اللتين تركّبت ذواتها منها ، فكانت ذات الواجب مركّبة ، وقد فرضت بسيطة الحقيقة ، وهذا خلف. بل وجدانه تعالى بحقيقته البسيطة كمال كلّ موجود ، وجدانه له بنحو أعلى وأشرف ، من قبيل وجدان العلّة كمال المعلول ، مع ما بينهما من المباينة الموجبة ، لإمتناع الحمل. وهذا هو المراد بقولهم : « بسيط الحقيقة كل الأشياء » ، والحمل حمل الحقيقة والرقيقة ، دون الحمل الشائع. وقد تبيّن بما تقدم أن الواجب لذاته تمام
كل شيء ».
(نهاية الحكمة ، السيد محمد حسين الطباطبائي : 337)
بيّن أنّ حمل الأشياء على بسيط الحقيقة ليس إلا بجهاتها الإيجابيّة ، دون جهاتها السلبيّة التي هي حدودها وعدم ماسواها ، وليس الحمل حمل الشايع الذي يتّحد فيه المحمول والموضوع في المصداق ، وعليه فلا يتّحد الواجب مع الممكن. فإنّ الواجب ليس فيه قيد ولاحدّ ، بينما الممكن ـمع فرض إمكانه ـ مقيّد ومحدود. فالواجب واجد لكمال المعلول لالنقصه ، كما أنّ العلّة واجدة لكمال المعلول ، مع أنّها تغايره ، بشهادة إمتناع حمل المعلول على العلّة.
"لكنّ الإجابة غير مجدية"
فإنّ المعلول ـ كما صرّح ـ مغاير لعلّته ولايمكن حمل أحدهما على الآخر لا بالحمل الأولي الذاتي ولا الشايع الصناعي ، فلا يقال : العلّة معلول ، بينما في قاعدة بسيط الحقيقة قد حمل الأشياء على بسيط الحقيقة ، كما هو مقتضى قولهم : « بسيط الحقيقة كلّ الأشياء ».
وذلك انّ المعلول إن فُرِضَ مقيّداً بالصدور عن العلّة ومتولّداً عنها ، فلايعقل أن
تكون العلّة واجدة له لا لكماله ولا لنقصه ، ولا اتحادها معه ، لأنّه ينافي فرض
التقيّد بالصدور والتولّد. فبعد صدور الحرارة من النار كيف يعقل أن تكون ـ هذه
الحرارة الصادرة مع فرض الصدور ـ باقية في النار ، وكانت النار واجدةً لها ؟ نعم
توجد في النار حينئذً حرارة ، لكنّها حرارة أخرى غير التي صدرت عنها سابقاً.
نعم مع فرض عدم صدور المعلول وعدم تقيّده تكون العلّة واجدة له ومتحدة
معه ، لكنّه حينئذ لايتميّز عن غيره ولايسمّى بالمعلول حتى يحكم بوجدان العلّة
لكماله واتحادها معه. وبالجملة المعلول مقيّد والعلّة غير مقيّدة ، وفرض
اتحادهما ـ مع بقاء المقيّد على قيد الصدور وعدم فنائه في العلّة ـ يكون من الجمع
بين القيد واللاقيد.
2- القول بأنّ الماهية أمر اعتباري وعدمي ، مع القول بأنّها هي علّة الكثرات
والتقيّدات. فإنّ التكثّر أمر وجودي وكيف يكون الأمر العدمي ـ أي : الماهيّة ـ علّة
للأمر الوجودي ـ أي : التكثّر ـ وقد صرّح في القاعدة بوجود الكثرات وأنّ للتكثّر
واقعيّة ، فهل الأمر العدمي صار علة للأمر الوجودي ؟
3- انّ بسيط الحقيقة بسيط غاية البساطة ـ كما يصرّح ـ أي ليس فيه أي
تركيب واقعي ولا اعتباري ، وليس فيه اقتضاء للتكثّر والتعدّد أبداً. فإنّه مع هذه
البساطة الذاتيّة ومع فقدان أي إقتضاء للتركيب ، كيف تقهره على هذا الاقتضاء
ماهية اعتباريّة فتكثّره وتعدّده ؟
فإنّ لازم ذلك أن تكون الماهية أقوى وأشدّ من الوجود ، حيث غلبت على اقتضاء ذات الوجود فكثّره وجعله متعدداً بعد أن كان واحداً ، فصارت هي الغالب
على إقتضاء ذات الوجود.
فكيف يتلاءم هذا مع القول بأصالة الوجود واعتبارية الماهيّة ؟
هل الأمر الإعتباري يمكنه أن يغلب على إقتضاء ذات الأمر الأصيل ؟
4- إنّ الماهيّة كما عرّفوها ليس شيئاً غير هذه الحدود والتكثّرات ، فالماهية
اذاً نفس هذه الحدود ، فكيف تكون علّة لإيجاد الحدود والتكثّرات ، فإنّه مناقض
لفرض الإثنينيّة والتعدد بين العلّة والمعلول.
ترى ؛ هل الشيء يمكن أن يكون علّة لإيجاد نفسه واحداثها ؟
5- تقسيم الكلّي إلى المتواطي والمشكك ، ومن ثمّ القول بالتشكيك في
الوجود بحسب المراتب شدّة وضعفاً. والحال أنّ المقسم لهما هو الكلّي الطبيعي ،
والكلّي الطبيعي ليس غير الماهيّة التي هي أمر اعتباري وعدمي عند صاحب
الحكمة المتعالية القائل بأصالة الوجود ، فكيف يكون الأمر الاعتباري مَقْسَماً
للأصيل وهو الوجود ؟
وهذا التناقض إنّما نشأ من إبتناء معالم مدرسة أصالة الوجود على المنطق
الأرسطي ، فان ذلك المنطق كان قائماً على أصالة الماهية ، ولاتستقيم كثير من
مباحثه إلا على ذلك المبنى. لكنّ القائلين بأصالة الوجود واعتباريّة الماهية غفلوا
عن ذلك وأسّسوا فلسفتهم على أساس ذلك المنطق ، فسبّب ذلك الوقوع في كثير
من التناقضات ، ونظائرها كثيرة لايسع المقام ذكرها.
6- القول بأنّ المرتبة الشديدة من مراتب الوجود هو واجب الوجود
والمرتبة الضعيفة هو ممكن الوجود ، فإنّ هذا القول كيف يتلاءم مع القول بانه
لاحدّ ولاقيد في حقيقة الوجود الجمعي. فهذه المرتبة المسمّاة بالواجب أليس
فوقها مرتبة أقوى منها حتى صارت هي نهاية مراتب الوجود من حيث الشدّة فلا أشدّ ولا أقوى منها. فتعيين مرتبة من مراتب الوجود وتسميتها بواجب الوجود
ينافي إطلاق الوجود وعدم الحدّ فيه ، اذ ما من مرتبة إلاّ وفوقها مرتبة أخرى ، فأي
مرتبة منه هي المسمّاة بالواجب ؟

(مقتبس من کتاب "جدلية الدين والفلسفة" بقلم حسن الكاشاني ج 1 ص 239 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق