الجمعة، 9 مايو 2014

رسالة (التوحيد الفائق في معرفة الخالق) للسيد علي البهبهاني



 
     فالكلام عن اية الله العظمى السيد علي البهبهاني (قدس‌سره) ذو شجون وابعاد مختلفة لكن الذي يلفت النظر تقواه وشجاعته في بيان الحق والافصاح عن الحقيقة وهذه القضية ليست بالامر السهل فالحق مرٌ‌ ‌‌وكريهٌ‌ مَطْعَمُه ومن هنا تظهر عظمة السيد البهبهاني›ره‹‌‌‌‌ حيث افصح بالحق بقوة وشجاعة فكتب كتاب التوحيد الفائق في معرفة الخالق وقد كتب على صفحته الاولى »هذا كتابنا ينطق بالحق« معلناً موقفه بذلك ولاجل ان تقف على عظمة شخصيته نقول:
     صحيح ان الكثيرين كتبوا في التوحيد واستدلواعلى اثبات وجوده جل وعلا باستدلالات كثيرة»علمية وعقلية ورياضية وفلسفية وغيرذلك« الاان ماكتبه العلامة السيدالبهبهاني›ره‹ يختلف عماكتبه الاخرون وقد دخل فيما كتب ما لم يدخله الاخرون فناقش ما قديطرح في الفلسفة بعنوان انه بديهي واثبت زيف مايدعى انه الحق فناقش مسألة اصالة الوجود وقال عنها انها فارغة المحتوى وناقش مسألة اشتراك الوجود واثبت بطلانها وفي غير هذا الكتاب1 القيّم ناقش قاعدة الواحد لايصدر منه الا‌واحد واثبت زيفها وبدوره ناقش السنخيّة بين العلة والمعلول والتي تُطرح كالبديهيات واثبت ان لاسنخيّة بين الخالق والمخلوق فالحق لامثيل ولاشبيه ولانظير ولاضدولا ممانع له فهوواحد الاّ ان وحدته ليست عدديّة فهو واحد لايتثنى ولا يمكن ان يكون له ثان بخلاف المخلوقات فان وحدتها عددية فالواحد منها قابل للتعدد والتكرار فاثبت‌قدس‌سره ان الله جل وعلا لا سنخيّة بينه وبين مخلوقاته فكان سيدناالبهبهاني مجتهداً لايقلّد احداً لافي الفلسفة ولافي الاصول ولافي‌الفقه ولافي‌غيرها ولذا فقد ابدع في هذه المجالات فجاء بتحقيقات رشيقة في الفلسفة والكلام  وفي الفقه والاصول والنحو وهكذا المجتهد حقيقةً وليس من الصحيح ان يردد الانسان نظريات الاخرين بلانقد ولاتحقيق فكثير من الطلاب درسوا الفلسفة لكنهم تماشوا معها حذو النعل بالنعل الاّ ان سيدنا البهبهاني›ره‹ وقف امام امهات قواعدها واستخرج الحق بخلافها





1 كما في كتاب شرح حال افكار وآثار ايةالله بهبهاني تأليف علي دواني الطبعة الثانية ص249

( رسالة التوحيد الفايق في معرفة الخالق)

الحمدلله الذي دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، وافضل رسله محمّد صلّى الله عليه وآله الطاهرين خلفائه على امته ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.
وبعد فهذه وجيزة1 في اثبات توحيد الباري » تعالى شأنه « ودفع شبه الطبيعيين ومخالفي خالص توحيده حرّرتها اجابة لألتماس بعض اخواني المؤمنين وفقهم الله » تعالى « وايانا لمرضاته ، فاقول: بعون الله » تعالى « ومشيته ينبغي التكلم في هذا المقام في ستة مراحل:
المرحلة الاولى في اثبات حدوث العالم وبطلان ازليته.
والثانية في انه لابد له من صانع ومدبر واجب بذاته.
والثالثة في ان الصانع تعالى شأنه مستجمع لجميع صفات الكمال ، وانه لايتطرق فيه النقص والاحتياج.
والرابعة في ان صفاته تعالى شأنه عين ذاته ، وان القول: بالمعاني مستلزم للحدوث والاحتياج.
والخامسة في توحيده » تعالى شأنه « وانه لايتطرق فيه التعدد.
والسادسة في ان وجوده » تعالى شأنه « ليس مشتركاً مع وجود الممكنات في الحقيقة مفارقا عنه في المرتبة كالصفات المشككة كما توهمته بعض الصوفية ، ومن يحذو حذوهم ، وان الاتحاد في التعبير لايدل على اتحاد الحقيقة كما ان صفاته » تعالى « لاتكون مشتركة مع صفات المخلوقين في الحقيقة مفارقة عنها في المرتبة وان اشتركتا في التعبير.
المرحلة الاولى في اثبات حدوث العالم وبطلان ازليته1
اما المرحلة الاولى ، وهي حدوث العالم فهو مما لاينبغي الأرتياب فيه ، وقد اختاره اكثر العقلاء2،واستدلواعليه بتغيره، وقالوا: العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث،
اما الصغرى فثابتة بالضروره ، فان كل‌موجود من موجودات العالم متغير عما عليه وتغيّره كذلك على قسمين حسي، وتحليلي، وكل منهما ينقسم الى قسمين فاقسام التغير اربعة.
الاول: التغيّر الحسيّ الاحوالي من انفصال واتصال وقرب وبعد وصغر وكبر وهكذا.
الثاني: التغير الحسيّ التركيبي المشتمل على اجزاء متماثلة اومتخالفة.
والثالث- التغيّر التركيبي التحليلي باعتبار تركب كل‌موجود من‌الوجود والماهية ضرورة اشتراك كل‌موجود في الوجودومن هذه الجهة تتحد الموجودات، ولاافتراق بينها فتنوعها الي انواع مختلفة ليس الاباعتبار اشتمالها على ماهيات وحقائق مختلفه، وقد اشتهر ان كل مكن زوج تركيبي، وكل زوج تركيبي ممكن، فالوجود والماهية وان كانا متحدين في الخارج ولاتمايز بينهما فيه، إلاّ انّهما امران متغايران في مرحلة التحليل، ويظهر اثرهما في الخارج من الاتحاد والاختلاف.
والرابع: التغير التركيبي التحليلي باعتبار تركب كل حقيقة نوعية من جنس وفصل اذلو كانت الحقائق النوعيّة امورا متقابلة بسيطة‌ لكان نسبة كل نوع الى نوع كنسبته الى نوع آخر ولم‌تكن نسبة بعضها الى بعض‌اقرب من نسبته الى آخر مع‌انّ نسبة الأنسان الى الفرس مثلاً اقرب من نسبته الى الشجر ونسبته الى الشجر اقرب من نسبته الى الحجروهكذا، وتفاوت النسب قرباً وبعداً يكشف عن تركب كلّ حقيقة نوعية من جنس وفصل وباعتبار اشتمالها على الفصول المختلفة المتقابلة يتمايز بعضها عن بعض، وباعتبار اشتمالها على الجنس القريب او البعيد تتفاوت نسبة الانواع بعضها الى بعض قرباً وبعداً.
» واما كلية الكبرى « فهي من اوائل النظريات بل من الضروريات1
»توضيح الامر«: ان تغير الشيئ عن حال الى حال فعلا اوقبولا ، كمايدل على عدم قدم الحال وإلاّ لم‌ يقبل الزوال ،كذلك يدل على عدم قدم ‌ذي الحال ايضاً، لان المتّصف بالاحوال المتغايرة لاوجودله إلاّ في‌حال من الأحوال ،ويمتنع وجوده عارياً عن جميع الاحوال ضرورة انه لايتشخص الاباتصافه بحال من الاحوال والشيء ما لم يتشخص لم يوجد، كما انه مالم يوجدلم ‌يتشخّص فلوفرض قدمه امتنع تغيّر حاله والاّ لزم تقوّم القديم بالحادث وبطلانه من اوائل البديهيات.
وهكذا الامر في المركب من اجزاءِ متماثلة او متخالفة فأن تغير كل‌جزء من الاجزاءِ بزوال التركيب فعلا اوقبولا، يكشف عن حدوث حاله من التركيب او الافراد اذلوقدم احد الحالين امتنع زواله وانقلابه الى حال آخر ولا وجود للجزء الاّ في‌احد الحالين ، فلوفرض قدمه لزم تقوّم القديم بالحادث.
والامر في المركب التحليلي بقسميه1 اظهر فان الماهيّة في حد نفسها ليست الاّ هي ولاتكون شيئاً ،وكذا الوجود المتحدمعها في الخارج مالم يتعيّن بالماهية وسائر المشخصات لايكون الامفهوماً محضاً ، فالموجود بجزئيه حادث فاقد للوجود ذاتاً وبمابيّناه يتبيّن ان القياس المذكور يرجع الى اربعة اقيسة اذكل قسم من اقسام التغير دليل مستقل على حدوث العالم وعدم قدمه .
» وقد تبين « بما بينّاه ايضاً إن مرجع القياس الى اثبات النتيجة وهي الحدوث بالتغيّر بسبب وجود الملازمة بينهما وعدم جواز انفكاك احدهما عن الاخر عقلا والعلم بكلية الكبرى انما يحصل من قبل العلم بالملازمة الناشئة من كون احدهما علةً للآخر او كونهما معلّولي علة واحدة ، فان كان الوسط في القياس علةً للحكم المذگور، فالنتيجة قولك: هذا مسكر وكل مسكر حرام فهذا حرام ، فالدليل »لمّي« حيث يُستدل بوجود العلة على وجود المعلول، وان كان معلولاً كما في المقام فالدليل » إنّيّ « حيث يُستدل بوجود المعلول على وجود العلة وان كان احد معلوليّ علة واحدة فالدليل مركب » من إلانّ واللمّ « والعلم بالملازمة لايتوقف على العلم بالنتيجة لااجمالاً ولاتفصيلاً ،الاترى انك تحكم بان كل فقير يستحق الزكاة ،وكل عادل تقبل شهادته وكل عالم يجب اكرامه ،مع انك لاتعرف افراد الفقراء والعدول والعلماء فضلاً عن استحقاقهم الاحكام المذكورة .
فما توهّمه ابوسعيد الخير1،من ان الحكم بكلية الكبرى يتوقف على العلم بالنتيجة لانها من افراد الكبرى فالاستدلال بها على النتيجة مستلزم للدور ،في غاية البشاعة ولاحاجة الى الجواب عنه ،بان توقف العلم بالكبرى بالتفصيل على العلم بالنتيجة بالاجمال وتوقف العلم بالنتيجة على العلم بالكبرى بالتفصيل ،بل لامجال له لأن التفصيل لايحصل من الاجمال.
» هذا « ولابأس بذكرمناظرة بعض العلماء الطبيعيين ،وبعض علماء الاسلام حيث‌لا تخلو من فائدة ،وملخّصه ان الطبيعي قال :قد استقر راينا على ان‌ للعالم اصلين قديمين: الذرات وحركاتها ،وقدتحركت الذرات القديمة مليون سنة حتى اجتمعت وحصلت منها جسم سديمية ،وهي الجسم المتخلخل ،ثم تحركت ايضاً مليون سنة حتى تشكلت بشكل كرة الشمس ،ثم تحركت مليون آخر حتى انفصلت منها شبه الريم1 من الحديدة المحماة في الكورة وهي كرة الارض ،ثم حصلت في الارض بواسطة حرارتها بذورالنباتات ،ومعادن الفلزات ،وموادالحيوانات ،ولم نر للانسان مادة في الطبقات السافلة ،ونظن انه ماخوذ من القردة بالانتخاب الطبيعي2
وعين الملايين في كل دورة من الادوار ،وقال العالم الموحد في جوابه: ان الذرّات والحركات كانتا قبل الملايين التي ذكرت ام لا؟ فان كانتا كما هو مقتضى قدمها بادّعائك بطل تحديدك ،فان القديم لايتحدد ،وان لم تكونا كما هو مقتضى تحديدك،بطل ادّعاؤك قدمها فانت مناقض في قولك وادعائك ،ثم قال: من الضروريات ان الجسم سواء كان صغيراً أوكبيراً له شكل مخصوص ويستحيل ان يكون موجوداً من دون شكل، فلو كان قديماً استحال زوال شكله وصيرورته جسماً سديمياًوشمساً وارضاً وهكذا، فخلع شكل ولبس شكل آخر ،يدل على الحدوث وعدم القدم فافحم الطبيعي.1

أقول: وفي كلام الطبيعي مفاسدأخر : الأول :ان ماذكره دعوى من غير دليل وتخرص على الغيب،قال الحكيم ابن سينا:من تعود ان يصدّق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الانسانية. والثاني :ان الحركات قائمة بالذرات وينعدم ويتجدد فلامجال للقول: بقدمها من وجهين. والثالث :ان حركات الذرات الموجبة لتشكيل كرة الشمس ان لم‌تَزُلْ استحال انقلاب بعضها الى كرة الارض لاستحالة انعدام المعلول مع بقاء علته، وان زالت وتجددت حركات اُخرينافي القول بقدمها. والرابع: انه لوتجددت حركات اُخرفي كرة الشمس موجبة لاستحالة بعضها ارضاً، لزم صيرورة الشمس بتمامها ارضاً لان حركة الكرى2 الواحدة على نحو واحد، فيستحيل ان يختلف تأثيرها وصيرورة بعضها ارضاً وبقاء بعضها على صفتها الاولى فقد اختبط خبط عشواء، واعجب من‌هذا كله ظنه الفاسد بأخذالانسان من القردة بالانتخاب الطبيعي فان الطبيعة لا‌شعور لها تنتخب شيئاً، ولاقدرة لها على تبديل نوع‌ بنوع‌ آخر، فان طبيعة كل نوع انما توجب استكماله في نوعه لا‌استحالته بنوعٍ آخر، مثلا نطفة الانسان تستكمل بصيرورتها انساناً، ونطفة الحمار بصيرورتها حماراً، ونطفة البقر بصيرورتها بقراً وهكذا، ويستحيل استكمال نطفة الحمار بصيرورتها انساناً بحسب الطبيعة نعوذ بالله من العمى والغواية. ثم ان‌الطبيعة انما توجب استعداد الضعيف لقبول الكمال ولاتكون موجدة له، لاستحالة اعطاء الضعيف الكمال فلايحصل الكمال الا بفاعل مكمِّل، وايضاً الاشياء المترقية الى الكمال في كل آنٍ تخلع طبيعة وتلبس اخرى، فهي من قبيل المعدّات1لامن قبيل العلل لاستحالة اقتران المعلول زوال علته، وقدتبين مما بيّناه ان التغّير مطلقا دليل على حدوث المتغير سواء كان التغّير من النقصان الى الكمال او من الكمال الى النقصان، الا ان دلالة القسم الثاني على عدم قيوميتهاظهر.

المرحلة الثانية: انه لابد للعالم من صانع ومدبر واجب لذاته
 واما المرحلة الثانية: فهي من البديهيات الاولية أيضاً، ضرورة‌ ان ما بالغير لابد ان ينتهي الى ما بالذات، وهذه قضية ضرورّية فطرية، فبعد ما ثبت ان العالم حادث ممكن في حد ذاته لا وجود له من قبل نفسه فلابد لوجوده من صانع وموجِد له واجب بذاته، والاّ لزم خلف الفرض، وبهذا البيان تبيّن انه لا‌حاجة لنا في اثبات الصانع »تعالى شأنه« بالتشبث باستلزام احد المحذورين الدور او التسلسل، لو لم ينتهِ العالم الى الواجب، وقلنا: بانتهاء بعضه الى بعض آخر، فان القضيّة الفطريّة الضروريّة اوضح واظهر في اثبات المطلوب.3 ثم ان الاظهر في تقرير بطلان التسلسل، ان يقال: فرض تسلسل الممكنات مع عدم انتهائه الى الواجب »تعالى شأنه« انما يوجب كثرة الاحتياج لا الاستغناء اذكلما ازدادت السلسلة طولا ازداد فقراً وحاجة، ضرورة انّ ضمّ فقير الى فقير لايوجب الا كثرة الحاجة لاالغنى ورفع الحاجة. وببيان آخر عطاء الممكن انما هوعلى وجه التوسط اذلاوجود له في‌حدنفسه وهو يتقوّم بامور ثلاثة » الواسطة ومن يتوسط عنه ومن يتوسط له « فأكثار الوسائط من دون من يتوسط عنه، وهو الواجب » تعالى شأنه « لايفيد الا كثرة الحاجة والافتقار.1 المرحلة الثالثة: في كماله » تعالى شأنه « المطلق.1 واما المرحلة الثالثة: وهي استكمال الواجب » تعالى شأنه « بجميع صفات الكمال وتنزهه عن النقائص فتظهر كمال الظهور بالنظر في العالم المشهود الموجود بمشيّته من الانسان، وسائر انواع الحيوانات البريّة والبحريّة واصناف النباتات والاشجار وخلق الشمس والقمر وسائر الكواكب، وايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل، وخلق الارض والسماء والهواء والفضاء وسائر موجودات هذا العالم كلها بحسب الحكمة الكاملة، والانتظام التام بحيث كلما ازداد التفكر والتدبر في حكمها ازداد التحيّر للعقلاء من جهة عدم الاحاطة بواحدة من آلاف الوف حكمها كلما قدم فكري فيك شبراًفرَّ ميلاً.2 المرحلة الرابعة:في صفاته تعالى شأنه1 واما المرحلة الرابعة وهي ان صفاته » تعالى « عين ذاته، فالمراد منه نفي الصفات وثبوت آثارها وترتبها على نفس الذات لان ذاته » تعالى شأنه « كامل بذاته لايتطرق فيه النقص والاحتياج حتى يستكمل بالصفات، ولايعقل ان تكون هناك صفات وهي عين الذات، ضرورة ان الصفات من قبيل الاعراض، وهي عارضة على الذات قال مولانا امير المؤمنين عليه وعلى ابنائه الطاهرين افضل صلاة المصلين » في خطبته الشريفة«2: اول‌الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة انها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف انه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه جزّاًه، ومن جزّاًه فقد جهله، الى آخر الخطبة الشريفة. بيانه:» ان اول الدين الذي ينبغي للعاقل ان يتدين به معرفة الواجب « »تعالى شأنه« بان يتصوره في ذهنه، وكمالها التصديق بوجوده، اذلو لم ‌يصدقه لكان تصورّه اياه تصوراً محضاً، ولم ‌يكن عرفاناً، وكمال التصديق به توحيده، اذلو جعل له شريكاً كالثنوية1لم يكن مصدقاً به ولاعارفاً له، وكمال توحيده الاخلاص له عن مشابهة المخلوقين، اذلو وحده في ذاته وجعله مشابهاً لخلقه رجع توحيده الى الشرك، لان المشابهة فرع الاشتراك في جهة من الجهات وكمال اخلاصه من المشابهة والاشتراك نفي الصفات عنه، لاستلزام التوصيف الاقتران والتثنية والتجزية كمابيّنه عليه‌السلام، واوضحه كمال الايضاح فيشابه المخلوقين ويرجع عرفانه الى الجهل به.وقال مولانا الرضا عليه‌السلام: في خطبته في مجلس المأمون » اول عبادة الله معرفته واصل معرفة الله توحيده ونظام توحيدالله نفي‌الصفات‌عنه‌لشهادة العقول ان كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل مخلوق ان‌ له ‌خالقاً ليس بصفة ولاموصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدوث، وشهادة الحدوث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من‌عرف بالتشبيه ذاته، ولا ايّاه وحّد من اكتنهه، ولاحقيقته اصاب مَن‌مَثَّلَه، ولابه صدق من نهّاه، ولاصمدصمده من اشار اليه، ولاايّاه عنى من شبّهه، ولاله تذلل من بعّضه، ولاايّاه اراد من توهّمه كل معروف بنفسه مصنوع1، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدّل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجتة »الخ« والخطبة مفصلة.2وفي بعض خطبهِ عليه‌السلام: اول الديانة معرفته،وكمال المعرفة توحيده وكمال التوحيدنفي الصفات عنه،لشهادة كل صفة انها غيرالموصوف،وشهادة الموصوف‌انه‌غيرالصفة وشهادتهما جميعاً على انفسهمابالبينةالممتنع فيهاالأزل‌فمن وصف الله‌فقدحدّه،ومن حدّه فقدعدّه ومن عدّه فقدابطل ازله »الخ«3. بيان: ان اثبات الصفات للباري تعالى شأنه يستلزم وجوهاً من الفساد: الاول: كون الذات في حد ذاتها ناقصة مستكملة بالصفات كسائر الممكنات. الثاني: تطرق اضدادها فيه اذلايتصف شيء باحد المتقابلين الا اذا كان صالحاً لاتصافه بالاخر، الاترى انه لايتصف شيئ بالحركة الا اذا كان صالحاً للسكون، وهذا من شأن المتقابلين.1 والثالث: ان الصفات تغاير الموصوف بالضرورة وهذا معنى شهادة كل منهما بالمغايرة للآخر فاثباتها يستلزم الالتزام بالاقتران والتثنية والتجزية والتحديد المنافية للقدم والازليّة والوجوب المجامعة للأمكان والحدوث كما بيّن في الخطب الشريفة باوضح بيان فمرجع اثبات العلم للباري تعالى الى اثبات لازمه من انكشاف الاشياء عليه بذاته لابصفة قائمة به واثبات القدرة له الى جري الاشياء طبق مشيته وعدم امتناعها من ارادته، فالتعبير بالصفات كناية عن لوازمها، ولايكون الغرض منها مفاهيمها الأولية والاّ لزم المحاذير المذكورة.2 وفي بعض خطب مولانا اميرالمؤمنين عليه‌السلام: » وكلّ فيه تعبير اللغات، وضلّ هناك تصاريف الصفات«1، ولوكان الغرض من الصفات مفاهيمها الاولية لم ‌يكن في تعبير اللغات كلال ولافي تصاريف الصفات ضلال، وانما ضلّ هناك تصاريف الصفات لان مرجع الكل الى كمال الذات بذاته، وترتب لوازم الصفات من قبل الذات فلا‌تكون هناك صفات متغايرة. والى مابيناه ينظر ماورد من انه»تعالى« عالم قبل العلم بغير علم، وقادرقبل القدرة بغير قدرة،1فانه لامعنى لتوصيفه بالعلم والقدرة ونفيهماعنه، وجعل اتصافه بهما قبل وجودهما الاماذكرناه، من ان الغرض اثبات لوازمهما والتنبيه على كمال الذات واستغنائه عن الصفات ولايكون التعبير بالصفات حينئذ مجازاً بل كناية والكناية من اقسام الحقيقة لاالـمجاز. ثم انك- بعد ماعلمت انّ كلّ موجود من موجودات العالم وماهو من شئونها من جواهرها واعراضها حادث لتطرّق التغيّر فيها- تعلم ان الباري-»تعالى شأنه« منزه عنها اذلايجتمع الحدوث مع القدم والامكان مع الوجوب، وكل مااوجده الباري »تعالى« واخرجه من كتم العدم الى عالم الوجود متصف بصفة الامكان والحدوث، فلايتطرق فيه1»تعالى‌شأنه« وقد نبّه مولانا الرّضا » عليه‌وعلى آبائه الطاهرين وابنائه المعصومين سلام‌الله « على هذا المعنى في مواضع من خطبته الشريفة المفصلة، فقال عليه‌السلام: » بتشعيره المشاعر عُرِفَ ان لامشعرله، وبتجهيره الجواهر عُرِفَ ان لاجوهر له، وبمضادّته بين الاشياء عُرِفَ ان لاضدله،وبمقارنته بين الامور عُرِفَ ان لاقرين له، ضادّالنورَ بالظلمة، والجلاءبالبهم، والجسو بالبلل،والصردبالحرور، مؤلـف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها،دالة بتفريقها على مفرقها، وبتاليفها على مؤلفها، ذلك قوله عزوجل: ومن كل شيئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففرق بين قبل وبعد ليُعلم ان لاقبل له ولابعد شاهدة بغرائزها ان لاغريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها ان لاتفاوت لمُفاوتِها، مخبرة بتوقيتها ان لاوقت لموّقتِها، حجب بعضها عن بعض ليعلم ان لاحجاب بينه وبينها من غيرها.1 وقد صرّح به ايضاً في آخر خطبته عليه‌السلام فقال: ولاديانة الابعد المعرفة، ولامعرفة الا بالاخلاص، ولااخلاص مع التشبيه، ولانفي مع اثبات الصفات للتشبيه، فكلِّ مافي الخلق لايوجد في خالقه وكل مايمكن فيه يمتنع في صانعه، لاتجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ماهو اجراه اويعود فيه ماهو ابتداه اذاً لتفاوَتَت ذاته ولتجزى كنهه وليمتنع من الأزل معناه، ولما كان للباري معنى غير المبرؤ ولوحُدَّ له ورآءٌ اذاً حُدَّ له امامٌ ولوالتمس له الأ تمام اذاًلزمه النقصان كيف يستحق الأزل من لايمتنع من الحدث وكيف ينشئي الاشياء من لايمتنع من الانشاء؟ واذاً لقامت فيه آية المصنوع ولتحوّل دليلا بعد ماكان مدلولاعليه1 وهذه البيانات الشريفة عليها سيماء الوحي كاشفة عن عصمته وامامته روحي فداه. فان قلت: ينافي مافي هذه الخطبة الشريفة مع ماثبت بالضرورة، من ان معطي الشيء لايكون فاقداً له وقد نظمه بعضهم بالفارسية فقال: ذات نايافته از هستي بخش كي تواند كه شود هستي بخش2 قلت: قدثبت بالضروره ان معطي الكمال لابدان يكون كاملا وكماثبت بالضرورة ان يكون كاملاً ثبت بالضرورة ان يكون كاملاً بذاته لابالعرض ومقتضى كماله بذاته تنزهه عن الجواهر والاعراض، وامتناعه عما يتطرّق في‌الممكنات والا عاد الواجب ممكناً. فان قلت: من جملة فقرات خطبته الشريفة كيف ينشيء الاشياء من لايمتنع من الانشاء ولاامتناع عقلا في انشاء الاشياء ممن لايمتنع من الانشاء. قلت: من لايمتنع من الانشاء ممكن حادث وهو لايقدر بالضرورة على الأنشاء لان انشاء الاشياءِ عبارة عن ايجادها لامن شيء كان قبله وهو يختص بالواجب »تعالى شأنه« والممكن الحادث انما يقدر على تركيب الاجزاء الموجودة في الخارج وتأليفها بتوسط الالات والادوات حيث يكون قادراً، واما الانشاء فأنما يكون بالمشّيئة وهو يستحيل من الممكن الحادث بالضرورة. المرحلة الخامسة: في توحيده جل‌وعلا1 واما المرحلة الخامسة وهي توحيد البارى تعالى شأنه فكل موجود من موجودات العالم يدل على انه واحد فرد لاثاني له ولانظير. بيانه ان تغيّر كل موجودمنها يدل اولا: على امكانه وحدوثه وثانيا: على صانعه وموجِده وثالثاً: على عدم تطرّق التغيّر بأنحائه واقسامه فيه والاعاد الصانع مصنوعاً والباري مبروأً، والقديم حادثاً فوحدة الصانع »تعالى« لاتكون وحدة شخصية بمعنى انه فردمن النّوع،بل بمعنى انه لاشبيه له، ولانظير ليس مركباً خارجيّاً ولا تحليلياً، ومااشتهر من انّ واجب الوجود كلّي منحصر في فردمع امتناع غيره غلط فاحش، اذلوكان كذلك لزم تركبّه من الوجودوالماهيّة وان يكون حادثاً وواحداً عدديّاً لإمكان تعدد افراده ذاتاً حينئذ وان امتنع عَرَضاً. قال مولانا اميرالمؤمنين عليه ‌وعلى ابنائه الطاهرين افضل صلوات المصلين: في جواب اعرابي سأله عن توحيد الباري »تعالى‌شأنه« » يااعرابي ان القول: في ان الله واحدعلى اربعة اقسام، فوجهان منها لايجوزان عليـه فقول القائل: واحد يقصدبه باب الاعداد فهذا مالايجوز، لان مالاثاني له لايدخل في باب الاعداد، اما ترى انه كفر من فال: ثالث ثلاثة، وقول القائل: هوواحد من الناس يريدبه النوع من الجنس1 فهذاما لايجوز عليه، لانه تشبيه وجَلَّ ربناعن ذلك وتعالى واما الوجهان اللذّان يثبتان فيه فقول القائل: هوواحد ليس له في‌الاشياء شبيه1 كذلك ربنا، وقول القائل انه »عزوجل« أحدِّي المعنى يعني به انه لاينقسم في وجود ولاعقل ولاوهم كذلك ربنا عزوجل«2ومعنى عدم تطرق التركيب فيه خارجاً، وعدم انقسامه في عقل: عدم تطرق التركيب فيه من الوجود والماهيه، وانما عبرعنه بالانقسام العقليّ لان تركّب الموجودمنهما انما يعرف بالعقل لابالحسّ، ومعنى عدم انقسامه في وهم: عدم تطرق التركيب فيه من الجنس والفصل، وانما نسبه الى الوهم لان تركيب الموجود من الجنس والفصل ادقّ من تركيبه من الوجودوالماهية فاذا حكم العقل بعدم تطرق التركيب فيه لاستلزامه التغير الملازم للحدوث، يحكم بانه لاشبه له ولانظير. الجواب عن شبهة ابن كمونة1 وبما بيّناه تبيّن ان‌شبهة ابن كمونة الملقب بافتخار الشيطان2،من جواز فرض وجودواجبين كل منهما بسيط‌لاتركب فيه اصلاً ممايضحك منه الشيطان المفتخربه، ويتعجب منه لانَّ فَرْضَ وجود المتعددمن مفهوم لاينفك عن جامع ومائز والاّ لم يتعدد،3 ادلة اخرى في التوحيد1 ثم ان اثبات توحيدالباري »تعالى ‌شأنه« على هذين الوجهين من تغيّرالعالم كما بيّناه وأوضحناه ممايدركه الخواص ولنذكرمن الادلة القاطعة على توحيده »تعالى ‌شأنه« ما يدركه جميع طبقات الناس. منها قوله:»عزمن قائل« (ولوكان فيهماآلهة الاالله لفسدتا)2 بيان الملازمة ان القائل: بتعدد الالهة ان كان من الثنوية القائلين بخالق الخير المسمّى عندهم يزدان وخالق الشر المسمّى باهريمن، فهمامتعارضان ابداًلايجتمع رايهما على امر واحد ضرورة ان الخيروالشر لايجتمعان في محل واحد، فكل منهمايريد خلاف مايريده الاخرويكون قادراً على امضاء مايريده ولاتحديد في قدرته لان المفروض انه اله ولوفرض ان احدهما محدود تحت قدرة الآخرفلايكون المحدود إلهاً، ولوفرض انهما محدودان فلايكون كل منهماالهاً،وان كان القائل بتعددالآلهة قائلابانهما حكيمان لايريدان الامافيه صلاح وحكمة وجب في الحكمة ان يعرِّفاانفسهماللعبادولا يتم تعريف كل منهماانفسهما للعبادالابمخالفته للآخرفي الخلقة حتى تعرف العبادان للعالم الهاً آخراً قادراًعلى الخلقة فيلزم الفساد.1 ومنها:مانبه عليه مولاناالصادق عليه‌السلام: في اثبات التوحيدللمفضل،من ان العالم الكبير مثل العالم الصغير وهو بدن الانسان يرتبط كل جزءمنه بالاخرولايتم مصلحة كل منهاالابمعونة الآخر مثلا تربية موجودات العالم السفلي من الحيوانات والنباتات والجمادات البّرية والبحرية يحتاج الى اختلاف الليل والنهار واختلاف الفصول الاربعة، ولايحصل الاباختلاف سيرالشمس والقمر والكواكب من موجودات العالم العلوي والصنع واحد يدل على صانع واحد.2 توضيح الامر:لوكان للعالم المشهود صانعان لاستّقل كل منهما بماصنع ولم يكن صنعة كل منهما محتاجة الى صنعة الآخر فارتباط كل جزءمن اجزاء العالم واحتياجه الى الآخر يدل على عدم الاستقلال في الصنعة وعدم الاستقلال مناف لتعددالالهة. ومنها:مانبه عليه مولانااميرالمؤمنين عليه‌السلام: لابنه محمّدبن الحنفية » يابني لوكان مع الله اله آخر لاتتك رسله وانزل كتبه عليهم1« بيان الملازمة انه كماوجب على الله في الحكمة بعث الرسول وانزال الكتب اتماماً للحجة على العباد كذلك وجب على الأله الآخر لوكان فعدم اتيان الرسل وانزال الكتب من قبله، يدل دلالة قطعية على عدمه لان الأله لايخل بالحكمة. ومنها:ان رسل الله المؤيدين بالمعجزات الظاهرة‌ الدالة على انهم مبعوثون من قبل الله»تعالى« اخبرواجميعاً بتوحيده ونفي الشرك ولاريب في انهم صادقون مصدقون. تنبيه:قدتوهم بعضهم ان هذه الأدلة‌ الأربعة انما تدل على عدم وجودالاله الآخر لانفي امكانه، ولايكمل التوحيد الابنفي الشرك وجوداًوامكاناً وهووهم فاحش، لأن الأله هوالقديم الواجبُ بذاته فأن جاز وجوده فهوموجود لانه واجب الوجود ولايعقل ان يكون ممكناًغير موجودفي الخارج، اذلايجامع الوجوب مع الامكان الخاص1فانتفاء وجوده في الخارج يدل على انتفائه امكاناًووجوداً، مع ان الدليل الرابع ينفي الشرك وجوداً وامكاناً مع قطع النظر عمابيّناه، لأنّ الأنبياء والرسل سلام الله عليهم نفوا الشرك وجوداً وامكاناً. المرحلة السادسة ان وجوده تعالى ليس مشتركاً مع ‌وجود الممكنات2 واما المرحلة السادسة وهي افتراق وجود الواجب »تعالى شأنه« عن وجودالممكن وعدم اتحادهما في الحقيقة واختلافها في المرتبة كسائر الحقائق المشككة فتدل عليه امور: الاول: انه لواشترك الوجودبين وجودالواجب »تعالى«ووجود الممكن على سبيل الاشتراك المعنوي وان اختلافهما في الوجوب والامكان باعتبار اختلاف المرتبة، لزم ان لايكون الوجود مع قطع النظر من مرتبتيه متصفاً بصفة الأمكان والوجوب والأتصاف بهما انما يحدث فيه بواسطة مرتبتيه فيكون الاتصاف بهما عرضياً لاذاتياً وهوباطل بالضرورة. وببيان آخر:الوجودالمشترك بين المرتبتين اماواجب اوممكن اوليس بواجب ولاممكن فان كان واجباً لزم ان يكون جميع مراتبه واجبة وان كان ممكنالزم ان يكون جميع مراتبه ممكنة بذاته ولوصار واجباً بالعرض،وان لم يكن ممكناًولاواجباً، فمع فرض تصوّره يلزم ان لايكون وجوبه وامكانه ذاتيين بل عرضيين وهو اقبح فساداً. فان قلت: انما يلزم ماذكرت اذاكانت المراتب صفات خارجة عارضة على الوجود،واما اذاكان اختلاف المرتبة باعتبار شدة الوجود وضعفه كالنور القوي والضعيف فلا يلزم ذلك اذ المرتبة حينئذ من جنس الوجود لاامر خارج عنه، قلت: مايقبل المتقابلين من الشدة والضعف فهوفي حدنفسه خال عنهما فأتصافه باحدهما زائد على ذاته موجب لتغيّره عماهو عليه ولايتصف بصفة الأمكان اوالوجوب الابعد اتصافه باحد المتقابلين من الشدة والضعف الخارجين عن ذاته، بل‌يلزم حينئذ ان يكون الواجب وهو الوجود الشديد منقسماً في عقل اووهم لرجوعه تحليلا الى صفة وموصوف. الثاني: انه اذافرض اشتراك الوجود بين وجودالواجب ووجود الممكن،وفرض ان الوجود الضعيف ممكن ذاتاً لايعقل ان يكون الشديد واجباً بذاته لان شدة الشيء وقوّته انما توجب الشدة في الأثر لا انقلابه عمّا كان عليه ذاتاً كالنور، فان الضعيف منه يوجب رفع الظلمة في الجملة والقوي منه اشدُّ تأثيراً في رفع الظلمة لا انقلابه عما كان عليه ذاتاً. الثالث: ان الوجود الشديد عندهم ماكان مطلقاً مجرداً عن القيود لعمومه وشموله جميع الموجودات، والضعيف ماكان مقيداً وتختلف مراتب ضعفه باختلاف مراتب القيود فالجزئي الخارجي اضعف من النوع وجوداً، والنوع اضعف من الجنس القريب كذلك، وهو اضعف من الجنس البعيد الى ان ينتهي الى الوجود المطلق فهو لاطلاقه وتجرده عن القيد اشدواقوى من الجميع، وهو واضح البطلان، لأنّ الوجود الذي يتطرق فيه التحديدوالاتحاد مع الماهية هويّةً وخارجاً لايتم الا بالتعين التام وهو التشخص،ضرورة ان الشئ مالم يتشخص لم يوجد كماانه مالم يوجد لم يتشخص فمطلق الوجود الذي يتطرق فيه التحديد والأتحاد مع الماهيّة في الخارج لايكون وجوداً الاّبعد تشخّصه وتعيّنه في الخارج وقبله يكون مبهماً ومفهوماً محضاً لاعين ولااثر له‌ في الخارج ووجود الواجب»تعالى شأنه« لايكون محدوداً بمعنى انه لايتطرّق فيه التحديد لاانه يتطرّق فيه التحديد ويكون غير محدود فليس وجوده »تعالى« من سنخ وجودالممكن مختلفاً معه في المرتبة كما زعمته جماعة من الصوفية ومن يحذو حذوهم1. هذا، وقد أستدل على اشتراك الوجود بين الواجب والممكن بوجوه: الاول: صحة تقسيم الوجود الى الممكن والواجب ولايصح التقسيم مع عدم اشتراك الاقسام في المَقسمَ. والثاني: اتحاد معنى العدم الذي هونقيض الوجود ونقيض الواحدواحد والاّ ارتفع النقيضان. والثالث: ان جميع موجودات العالم آيات وعلامات لوجود الباري »جل جلاله« ويستحيل أن يكون بين الشئ وعلاماته تباين من جميع الوجوه بل يكون كالفيى من الشيء،وهل تكون الظلمة آية النور والظل آية الحرور. والرابع: لزوم التعطيل عن معرفة ذاته وصفاته ان قلنابعدم وجود القدر المشترك بين وجود الواجب والممكن، لانا اذا قلنا: أنه موجود وفهمنا منه ذلك المفهوم البديهي الواحد في جميع المصاديق فقد جاء الأشتراك وان لم نحمل1على ذلك المفهوم بل على انه مصداق لمقابل تلك الطبيعة ونقيضها(ونقيض الوجودهو العدم ) لزم تعطيل العالم عن المبدأ الموجود نعوذ بالله منه، وإن لم نفهم شيئاً فقد عطلنا عقولنا عن المعرفة وهذه الوجوه هي عمدة مااستدلوا بها على اشتراك الوجود بين الواجب والممكن، والكل في غير محله. اماالاول: فلان التقسيم كما يصح مع وجود المقسم واشتراكه بين الاقسام على سبيل الحقيقة كذلك يصح باعتبار اشتراك الاقسام في بعض آثارالمقسم فأن اثر الوجود ثابت في الممكن والواجب فلاينافي حينئذ صحة التقسيم مع ما بيناه من استحالة الاشتراك المعنوي. واماالثاني1: فلان النقيضين انمالا يجوز ارتفاعهما عن محلهمامثلا العلم والجهل لايرتفعان عن الذهن الذي هو محل العلم والجهل، ولكن يرتفعان عن اليد مثلاً لانها ليس مورداً لهما والحركة والسكون لايرتفعان عن الجسم الذي هو محل لهما، ولكن يرتفعان عن العلم فاليد لاعالم ولاجاهل، والعلم لامتحرك ولاساكن، وكذلك الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد والاتحاد مع الماهية هويّة وخارجاً هو ونقيضه طرفان للماهية فلايرتفعان عنها وهي اماموجودة اومعدومة، واماالواجب »تعالى شأنه« فلا ماهية له حتى يتطرّق فيه الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد اونقيضه فوجوده »تعالى« اجل و ارفع واعلى من هذا الوجود الذي يتطرق فيه التحديد. واماالثالث: وهو كون موجودات العالم آيات وعلامات للباري»تعالي شأنه« ففيه: انه لايتوقف كونها علامات على وجود سنخية بينها وبينه ويكفي فيه انها حادثة محتاجة الى مدبّر وصانع دبّرها وصنعها على هذا الوجه المنّظم، بل تدلّ على عدم المشابهة والسنّخية بينها وبينه والاّ عاد الصانع مصنوعاً والمدبّر مدبَّراً، وتَوَّهُمُ انه »تعالى« علة لوجود العالم وهو معلول عنه ومن شرائط العلة تحقق السنخيّة بينهما كسنخية الشيء والفيى وَهْمٌ واضح، فانه»تعالى شأنه« موجِدُ الاشياء وفاعلها بمشيّته ولاتلزم السنخية بين الفاعل المختار وافعاله وانما تجب السنخية بين العلل المضطَّرة ومعلولاتها كالنار واحراقها مثلاً. واماالرابع: وهولزوم التعطيل على فرض عدم الاشتراك بين وجود الممكن والواجب، فأقبحُ من الجميع لان تنزيهَ الواجب »تعالى شأنه« عن الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد لايوجبُ التعطيلَ وانما يوجب سلبَ النقائصِ عنه »تعالى شأنه« وقوله: اذاقلنا: بانه موجود فان فهمنا منه هذا المفهوم البديهي الواحد في جميع مصاديقه فقد جاء الأشتراك، وان لم نفهم شيئاً فقد عطلنا عقلنا عن المعرفة، ففيه: انه نفهم منه هذا المفهوم البديهي كما نفهم من قولنا: (انه سميع بصير عالم قادر) مفاهيمَها الاوليه، ولكن نريد منها لوازمها لعلمنا بعدم تَطرّق الصفات فيه »تعالى شأنه« كذلك ننتقل من قولنا: انه موجودالى الوجود الذي لايتطرّق فيه التحديد والاتحاد مع الماهية هويّة وخارجاً،ومن المعلوم انه ليس من مراتب الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد وان اشترك معه في التعبير فالواجب تعالى شأنه كماانه لاتتطرّق فيه الماهيات من الجواهر والاعراض لامكانها وحدوثها لايتطرّق فيه الوجود الذي يتطرق فيه التحديد والاتحاد مع الماهية خارجاً لامكانه وحدوثه. فان قلت: انا لانعقل وجوداً غير هذا الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد قلت: (ان) اريدمن عدم تعقله عدم معرفة هذاالوجود بكنهه فهو كذلك، بل يجب ان يكون كذلك لتنزهه عما يوجد في الممكن والبشر لايحيط تصوّره بما هو فوق الممكن، وقد وردعنهم عليهم السلام: كلما ميزّ تموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم2، وان اريد من عدم تعقلّه عدم معرفته حتى بالوجه فهو ممنوع لأن الآيات الدالة على وجوده وتنزيهه عن كلّ ما يوجد في المخلوق كاف في معرفته »تعالى شأنه« بوجهه.  
بحث حول اصالة الماهية والوجود:
  وقد تبيّن مما بينّاه واوضحناه ان توحيد الباري »تعالى شأنه« لايتوقف اثباته على القول: باصالة الوجود لما تبيّن لك من تنزّهه»عزوجل« عن الماهية والوجود الذي يتطرّق فيه الاتحاد معها هويّةً وخارجاً، مع انه لايعلم معنى محصل لهذا المبحث لان المراد من الأصالة ان كان هوالاستقلال في الوجود كما يظهر من تعليلهم عدم اصالتهما معاً، بانهما لو كانا اصيلين معاً لزم ان يكون كل شيئ شيئين، ففيه: انه لااستقلال لكل منهما فيلزم ان لايكون شيء منهما اصلاً، اذكما ان الماهية من دون الوجود مفهوم محض وموهوم صرف كذلك الوجود من دون الماهية لايكون وجوداً فأن الوجود مالم يتعيّن بالماهيّة و مالم يتشخص بالمشخصات لايكون وجوداً، ضرورة ان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد كما انه مالم يوجد لم يتشخص فهما جزآن تحليليان لكل موجود ممكن، وقد اشتهر ان كل ممكن زوج تركيبي وكل زوج تركيبي ممكن فلايتحقق موجود في الخارج الابهما فهما سيّان في احتياج الوجود الخارج وتحققه الى تركّبه منهما فلا وجه لان يكون احدهما اصلاً والآخر اعتبارّياً، مع ان اصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة ينافي مع ما ذكروه في المنطق من تقسيم الكلّي الى الذاتيّ والعرضّي والذاتيّ الى ما هو ذات الشيء وحقيقته وهو النوع والى ما هو جزء الذات وهو الجنس والفصل والعرضيّ الى العرض العام والخاص، اذلا يُعقل ان يكون ماهو ذات الشيء او جزء ذاته اعتباريّاً، وايضاً لوكانت الماهية امراً اعتبارياً لزم ان تكون الانواع المختلفة الحقائق كالأنسان والفرس والبقر والغنم والشجر والحجر وهكذا نوعاً واحداً، لان الامر الاعتباريّ لايوجب اختلاف الحقيقة حتى تصير أنواعاً، وليس في البين سوى الوجود والماهيّة، والوجود حقيقة واحدة ذومراتب عندهم، والحاصل ان كان المراد من الاصل الاستقلال في الوجود لايكون شيء منهما اصلا لعدم استقلال كل منهما في الوجود. وان كان المراد منه1 عدم الخروج عن ذات الشيء فهمااصلان، لان الموجود من الممكنات مركب منهما ولا منافات في كون كل منهما اصلاً حينئذ، فكما ان الجنس والفصل اصلان للنوع لتركبه منهما فكذلك الوجود والماهية بالنسبة الى الموجود من الممكنات لتركبه منهما. وان كان المراد من الاصل وعدمه المتبوع والتابع من دون ان يكون التابع امراً اعتبارياً فيختلف الامر باختلاف الاعتبار فبلحاظ التحليل في مرحلة التصور يكون الوجود عارضاً وتابعاً والماهية معروضاً ومتبوعاً فتكون الماهيّة حينئذ اصلاً، ويقال: الانسان موجود. وبلحاظ صفحة العين والخارج تكون الماهية حداً والوجود محدوداً، فيكون الوجود حينئذ اصلا، ويقال: وجود الانسان والفرس والشجر والحجر مثلا. وان كان المراد من الأصل، الحاصل في الأعيان ومن الأمر الاعتبارّي ما كان الخارج ظرفاً لنفسه لالحصوله كما اشتهران كلما لزم من وجوده التكرر فهو امر اعتبارّي تكون الماهية اصلا، كما اختاره الشيخ شهاب الدين السَهروردّي1ضرورة ان الموجود في الاعيان هي الماهية، واما الوجود فالخارج ظرف لنفسه لالوجوده.2  
الـخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاتــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة1:  
ولنختم الكلام بما رواه الصدوق قدس سرّه في توحيده، عن السيد الجليل عبد العظيم الحسنيّ رضوان الله عليه، قال: حدثنا علي بن‌احمدبن‌محمدبن‌عمران الدقاق، وعلي بن عبدالله الوراق، قالا: حدثنا محمدبن هرون الصوفي، قال: حدثنا ابوتراب عبيدالله بن موسى الرؤياني، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، قال: دخلت على سيّدي علي بن محمدبن علي بن موسى بن جعفربن محمدبن علي بن الحسين بن علي بن ابيطالب عليهم السلام: فلما بصرني، قال: لي مرحباً بك، يااباالقاسم انت وليّنا حقاً، قال: فقلت له يابن رسول الله صلى ‌الله‌عليه‌واله‌وسلّم اني اريد ان اعرض عليك ديني فان كان مرضياً أثبتُ عليه حتى القى الله »عزوجل« فقال: هات يااباالقاسم، فقلت: اني اقول: ان الله »تبارك وتعالى« واحد ليس كمثله شيء خارج عن الحدّين حد الابطال وحد التشبيه، وانه ليس بجسم ولاصورة ولاعرض ولاجوهر، بل هومجسّم الاجسام ومصوّر الصوروخالق الاعراض والجواهر وربّ كل شيء ومالكه وجاعله ومُحدِثه، وان محمداً (صلى ‌الله‌عليه‌واله) عبده ورسوله خاتم النبيين فلانبّي بعده الى يوم القيامة، واقول: ان الامام والخليفة ووليّ الامر من بعده اميرالمؤمنين على بن ابيطالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمدبن علي ثم جعفربن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمدبن علي ثم انت يامولاي، فقال عليه‌السلام: ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت: وكيف ذاك، يامولاي، قال: لأنه لايُرى شخصُه ولايَحلُّ ذكرُه باسمه حتى يخرج فيملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً،1فقلت: اقرَرْتُ. واقول: ان وليّهم ولي الله وعدوّهم عدوّالله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، واقول: ان المعراج حق والمساءله في القبر حق وانّ الجنة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق، وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور. واقول: ان الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلوة والزكوة والصوم والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال علي بن محمدعليه‌السلام: يااباالقاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فأَثبتْ عليه تبّتك الله بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة.1 اقول2: وانا العبد الذليل علي بن محمدبن علي الموسوي البهبهاني اشهد بما شهدبه السيد الجليل عبدالعظيم الحسني سلام الله عليه: واسئل الله»تعالى شأنه« ان يثبتني عليه ويحشرني مع ساداتي وموالّي آبائي الطيبين الطاهرين المعصومين سلام الله عليهم اجمعين، وقد فرغت من تأليف هذه الوجيزة في الرابع والعشرين من شهر صفر المظفر سنة الرابعة والثمانين بعد الالف وثلثمائة من الهجرة على مهاجرها الاف الصلوة والثناء والتحية حررحروفها الأقل ناصربن محسن الحمادي رجاء للعفو والمغفرة من الله وامنائه. شكر وتقدير واخيراً نشكر سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ عبدالرحيم السليماني سبط مولانا المصنف قدس‌سره لما ابداه من اهتمام في مراجعة وتصحيح هذا الكتاب وكذلك نشكر سماحة حجة الاسلام الشيخ حسين علافجيان لمساعدته في تهيأة الكتاب للطبع وكذلك نشكر الاخ المحترم السيد نورالدين مجتهدزاده حفيد مولانا المصنف قدس‌سره لاهتمامه في نشرو طبع هذا الكتاب فجزاهم الله خير الجزاء.

الفهرست

مقدمة المؤلف
المرحلة الاولى: في اثبات حدوث العالم وبطلان ازليته اقسام التغير البرهان على ان من اشتمل على الحوادث فهو حادث مناظرة مع بعض الطبيعيين
المرحلة الثانيه: في لا بديّة وجود الصانع والمدبر للعالم
 المرحلة الثالثة: في كماله المطلق عزوجل
المرحلة الرابعة: في صفاته جل شأنه
 المرحلة الخامسة: في توحيده جل وعلا الجواب عن شبهة ابن كمونة ادلة اخرى : في توحيده تنبيه

المرحلة السادسة: ان وجوده جل وعلا ليس مشتركاً مع وجود الممكنات بحث حول اصالة الماهية والوجود تبصرة حول المكاشفات والالهامات الخاتمة شكر وتقدير الفهرست

ماجد الكاظمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق