الجمعة، 31 يوليو 2015

نظرة يقظة في مقدمة الاستاذ الطريحي لاحلام اليقظة/الواحة الاولى (الشيخ حيدر الوكيل)




نظرة يقظة
في مقدمة الاستاذ الطريحي لاحلام اليقظة
حيدر الوكيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين .
كتب الاستاذ الفاضل الدكتور محمد جواد الطريحي اعزه الله تعالى مقدمة لكتاب المرحوم العلامة المظفر ( رحمه الله ) احلام اليقظة , وعند قرائتي لها وجدت مواضع للنظر والتعليق .. وقد طلب مني فضيلة الاخ العلامة الشيخ عبد الامير الطريحي دام عزه ان اكتب ما عندي فاستجبت له سائلا المولى سبحانه ان يغمرنا جميعا بعفوه ورحمته مستميحا العذر من جناب الدكتور الجواد الطريحي ..
وساقف مع الاستاذ الدكتور في واحات
واسال الله تعالى التوفيق
                                                     
الواحة الاولى
دعا الاسلام في اهم مصادره ـ القران الكريم والسنة الشريفة ـ الى التعقل ومدح العقل والذين يعقلون بالفاظ مختلفة وباساليب متنوعة ركزت دور العقل واهميته في المنظومة الفكرية الاسلامية , وهذا ما لا يحتاج الى الاستدلال فالقران بين ايدينا وكتب الحديث افرد بعضها كتابا للعقل كالكافي والمحاسن والبحار .
ومن هنا لامجال للمناقشة في الدور الهام للعقل في الفكر الاسلامي , ولكن نجد ان هناك خلطا كبيرا بين العقل المشار اليه وبين ما يسمى بالعلوم العقلية .
العقل في ايسر معانيه هو القوة المفكرة التي تدرك وتعطي القيمة وتحدد الطريق .
العقل هو قوة مودعة في الانسان ترتبط في اسسها بالبديهيات التي هي راس مال الفكر وتنطلق منها الى سائر المعلومات التي ترتبط بحياة الانسان العلمية والعملية .
هذه القوة الفطرية الموهوبة من الله تعالى للانسان هي ما استثاره القران والسنة ودعاه الى التمييز بين الحق والباطل وخاطبه تعالى كما في الحديث الصحيح عن محمد بن مسلم : .... وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا " هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن احب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى وإياك اعاقب ، وإياك اثيب . الكافي - الشيخ الكليني ج 1   ص 10 .
وهناك ما يسمى بعلم المعقول او الفلسفة التي قد يعبرون عنها بالحكمة الالهية وهذه محط اختلاف عند علماء الامامية وصل الى حد التكفير على ما ذكره الميرزا النوري ره في خاتمة المستدرك نقلا عن الروضات  من قول بعضهم في شرح ملا صدرا لكتاب الكافي :
شروح الكافي كثيرة جليلة قدرا         واول من شرحه بالكفر صدرا[1]
ومن هنا يظهر ان تحميل الحث الاسلامي على التعقل والموقف الايجابي للشيعة من العقل على الفلسفة في غير محله وذلك :
اولا : لاختلاف المعنى المراد بكل منهما كما اوضحته ونزيده بيانا فنقول :
العقل في النصوص الشريفة هو قوة الادراك البديهي الواضح الذي يقود الانسان الى ما هو الحق علما وعملا .
اما العقل والمعقول عند القوم فهو علم له اسسه ومدارسه ومسائله التي يختلفون فيها الى حد الخروج عن الميزان العلمي السليم وبهذا تعددت مسالكهم ومدارسهم فالمشاؤون حاولوا الوصول الى النتائج بواسطة البرهان وفق الضوابط المقررة في علم المنطق الذي جعلوه الاساس لابحاثهم اما الاشراقيون فاعتمدوا تصفية النفس بواسطة الرياضات وانتهجوا منهجا اخر في الوصول الى العلم عماده الكشف وبين المسلكين بون شاسع وفضاء واسع .
اما لو اراد ما قد يعجب بعض الباحثين الحديث فيه من ان للاسلام فلسفة تميز بها عن الفلسفة اليونانية ..الخ كلامه ص 11من المقدمة فهو صحيح لكن بمعنى ان له منظومته الخاصة التي بينها الكتاب والسنة والعقل بالحدود التي ذكرتها مصادر الفكر الاسلامي ولا معنى لاخذ الاسلام من غير مصادره والتعويل على فلسفة مشائية او اشراقية او صدرائية او غير ذلك ..
الاسلام له منظومته العلمية الملائمة للعقل والفطرة وليس في الاسلام قواعد عقلية بنحو ما هو مبحوث في كتب الفلسفة .
ثانيا : اعتراف جملة من الباحثين بالتقاطع بين الاسلام في بعض قطعياته مع الفلسفة في اهم مفكريها , ومنهم الشيخ محمد تقي الاملي حيث قال  :" ( اقول ) هذا غاية ما يمكن ان يقال في هذه الطريقة ولكن الانصاف انه عين انحصار المعاد في الروحاني لكن بعبارة اخفى فانه بعد فرض كون شيئية الشئ بصورته وان صورة ذات النفس هو نفسه وان المادة الدنيوية لمكان عدم مدخليتها في قوام الشئ لا يحشر وان المحشور هو النفس غاية الامر اما مع انشائها لبدن مثالي قائم بها قياما صدوريا مجردا عن المادة ولوازمها الا المقدار كما في نفوس المتوسطين من اصحاب الشمال او اصحاب اليمين واما بدون ذلك ايضا كما في المقربين . ( ولعمري ) ان هذا غير مطابق مع ما نطق عليه الشرع المقدس على صادعه السلام والتحية .
وانا اشهد الله وملائكته وانبياءه ورسله اني اعتقد في هذه الساعة وهي ساعة الثلاث من يوم الاحد الرابع عشر من شهر شعبان المعظم سنة 1368 في امر المعاد الجسماني بما نطق به القران الكريم واعتقد به محمد صلى الله عليه واله والائمة المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين وعليه اطبقت الامة الاسلامية و لا انكر من قدرة الله شيئا"[2] .
وهذا مورد للتمثيل وهناك الكثير غيره يجده المتتبع في كتب القوم .
ثالثا : انتج الموقف التعقلي للشيعة علم اصول الفقه وهو علم قدم فيه اعلام الامامية اسمى النظريات العلمية والتحليل العقلي الدقيق للكثير مما يحتاجه الفقيه في عملية الاستنباط .
قد يقال ان هذا العلم تاثر كثيرا بالفلسفة فكانت من روافده المهمة كما ذكره بعض الاعلام  .
ونقول : نعم هناك تاثر للاصول بالفلسفة ولكنه لا يصب باتجاه تطوير علم الاصول بل هو نكسة ينبغي بذل الجهد بكثير من الجراة لتخليص علم الاصول من الوافد الفلسفي الذي اربكه وابعده عن الغاية منه ..
والخلاصة :
ان النص الديني وما ورد عن الامام علي عليه السلام "وهو فلك الحقيقة وخزانة العقل" , لا يمت للفلسفة المدرسية بصلة بل يتقاطع معها في الكثير من مفرداتها .


[1] ـ المستدرك ج2 ص 241

[2] ـ درر الفوائد ج2 ص460.