السبت، 10 يناير 2015

الدرر النبوية في نقد اراء فلسفية


الدرر النبوية في نقد اراء فلسفية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين من الان الى قيام يوم الدين
وبعد, فهذه رسالة موجزة قمت بإعدادها جوابا للسؤال الذي وجهه إلي بعض الافاضل من المدرسين في احدى الحوزات العلمية الموفقة بخوانسار من بلاد ايران واتفق أن كان توجيه السؤال متزامنا لأيام تشرفي بزيارة قبر الرسول –صلى الله عليه وأله وسلم- في المدينة المنورة وكان انذاك يوم السلبع عشر من شهر ذي القعدة سنة (1421) الهجرية  الموافق لسنة 1379 الشمسية.
فقال سماحته سائلا: ماهي وجهات نظركم حول اهم المبادي الرئيسية في الحكمة المتعالية والتي قد نسبت الى صدر الدين الشيرازي, الفيلسووف الشهير, إذ طالما نسمع عنكم مواقف خاصة تصحيحا لأخطائه وتفنيدا لارائه.
فأجبت مسؤوله وعزمت في المسجد  النبوي على تحرير هذه الرسالة مستعينا من الله سبحانه ورسوله على انجازه, ولما كان البدء والختم في ذلك المكان الشريف سميتها ب((الدرر النبوية في نقد اراء فلسفية)) .
فأقول سائلا المولى الكريم ان يجعلني ممن يقتص اثار العترة الطاهرة عليهم السلام ويسلك سبيلهم ويهتدي بهداهم : إن هذه تشتمل على مقدمتين وثلاث فصول:
المقدمة الاولى:
إن الذي نخاطبه في هذه الرسالة, هو من يعتقد ان السبب والإساس للوصول الى الحقائق هو العقل أي الإدراك الصريح البين الذي ليس فيه أي خفاء او غموض , وبهذا يعرف الله سبحانه وتعالى ويعلم انه سبحانه خلق الخلق وأنه حي , عالم و....
وكذا به اي (العقل) يعرف ان النبي محمدا –صلى الله عليه واله وسلم-  ارسله الله بالهدى ودين الحق , ومن يعتقد أن الائمة الأثني عشر من اهل بيت الرسول هم أوصياؤه وأن النبي ارتحل الى دار البقاء تاركا في امته كتاب الله واهل بيته , فما في الدفتين من الذكر الحكيم وكذا ماروي عن العترة الطاهرة بأسانيد معتبرة وبدلالات واضحة (ولو بمعونة القرائن المختلفة) هو المستند الحق الصراح.
المقدمة الثانية:
إن الطريقة العقلية المعهودة في الاوساط العلمية والتي تعرف بالفلسفة او المعقول ويستخدم لكشف الحقائق وتبيين المعارف لاينطبق تماما على الاصول العقلية البديهية ولايستنار فيها بنور العقل مع ان الفلاسفة يحاولون هذا التطبيق ويدعون ان حركتهم باتمام عقلانية.
وهذا الامر لدليلين:
الاول: ان هناك خلاف ات مهمة  مهمة عريقة في مسائل كثيرة من الفلسفة والتي قد تصل الى مدى التضاد ولو كانت هناك حركة عقلانية على اساس ترتيب البديهيات والوصول منها الى النظريات لم يكن الاختلاف بهذا الشكل من التضاد, إذ العقل يكشف عن الواقع والواقع لااختلاف فيه.
الثاني: أن نتائج كثير من الابحاث المهمة الفلسفية لاتتلائم مع ماورد من الشريعة المقدسة وكذا نتائج العرفان الممتداول الذي جاء في كتب ابن عربي وأمثاله .
والغرض من هذه المجموعة بيان هذا الامر باختصار كما سيأتي في الفصل الثالث ان شاء الله تعالى.
ولذلك نقول: إن الصراط الوحيد القويم لجع للممارسات الإدراك المعارف الحقة هو التعقل في الوحي.
وبعبارة أخرى : إنا بعد ان علمنا بحكم العقل الذي هو المرجع للممارسات الفكرية , أن المدركات البينة للعقل قليلة والمستقلات العقلية أقل قليل حتى اقر العقلاء بأن ادراك حقيقة الاشياء للعقل صعب مستصعب ومعرفة حدودها في غاية  البعد عن مرحلة الادراك, وبعد ؟ان علمنا أن العقل أوصلنا الى الوحي وهو احسن طريق للمعرفة من حيث اوسعيته وعدم الخطأ فيه لأنه صدر من حضرة رب الارباب الغليم الخبير, فيحم العقل بلزوم الرجوع الى الوحي لمعرفة الحقائق والمعارف الاعتقادية ويحث بالتعقل في الوحي ومعلوم ان المقصود من الوحي هنا حاكي الوحي.
تذكرة مهمة:
من البديهي ان نتائج الوحي لاتكون مخالفة للعقل ولايمكن ان تكون كذلك وأما مايترائى من المخالفة بدوا فقد فسر من لدن نفس الوحي (القرأن والحديث) قبل كل تفسير وتأويل.
وهناك أيات في الذكر الحكيم تعد من هذا كما في قوله: (وجاء ربك) و (إلى ربها ناظرة) و (نفخت فيه من روحي)  وأمثالها .
نعم, إن لم يكن الحاكي هو الوحي ظاهرا في معنى خاص أو كان من حيث السند مختلفا فيه ( كما في بعض الأحاديث الفقهية وغيرها) فلاكاشفية له عن الواقع (وإن الكلام فيها كاالكلام في مسائل الفلسفة ) وطبعا لانستطيع لاالتزام بمفاده في المسائل الاعتقادية التي لابد فيها من العلم لو لم يكن الاعتقاد الاجمالي بما هو في الواقع كافيا كما في بعض المسائل الاعتقادية.
نعم, في المسائل الفقهية يكون الفقيه مكلفا بالرجوع الى هذه المدارك حتى تتم له الحجة الظاهرة فإنه في مقام العمل ولايضر به ذلك.
وإن زعم أحد أن الايات والروايات في العقائد والمعارف ليست على حد تستفاد منها العقائد لعدم قطعية مستنداتها سندا أو دلالة فهذا من الاخطاء الناشئة من عدم ملاحظة المدارك الوحيانية وعدم التتبع فيها ومعنى ذلك انه ليس في الاسلام إلا شيء من المسائل الفرعية القطعية ومسائل كثيرة ظنية , وهذا مما لايرضى به مسلم بصير, وعليه فعلى الاسلام السلام , ولكن ليس كذلك فإن من لاحظ الكتب الحديثية المعتبرة يجد- بحمد الله تعالى- أن المدارك في كثير من المسائل الاعتقادية متوفرة مع وضوح الدلالة وموافقة بعضها البعض بحيث يعجب الانسان.
واما الفصول الثلاثة :
الفصل الاول:
في تمايز كل من التعقل والعرفان والوحي عن الاخر فنقول:
المقصود من الوحي هو الارتباط الخاص والعلاقة الخاصة بين الله تبارك وتعالى والرسول المبعوث من عنده , وهذا الارتباط إما بواسطة جبرئيل أ ملك أخر أو بدون واسطة . ولاشك أن هذه حقيقة غير التفكر والتعقل لأن الرسول كل ماجاء به من الحقائق بصفة الوحي لم يحصل له ذلك بتفكير أو بممارسة أساليب التعقل بحيث يصل بترتيب المبادئ إلى الحقائق ثم يخبر عما وصل إليه.
وكذا لاشك بأن ماحصل بالوحي غير ماحصل بالعرفان المصطلح (وهو شهود النفس بعد التصفية والتزكية) وبعد معرفة كل من الوحي والتعقل والعرفان لانحتاج لإثبات التمايز إلى أزيد من معرفة كل واحد منهما فإن معرفتها وتصورها يثبت التمايز بينها وهذا في الحقيقة من القضايا التي قياساتها معها, وبعد هذا فنقول: إن لسان الوحي في الاكثر يكون بطريق التذكير لابشكل الاستدلال المصطلح وإن امكن جعله في صورة الاستدلال لكن لك يجئ في الاكثر بهذه الصورة , كما اشار اليه سبحانه بقوله Lإنما أنت مذكر) و(إن هو إلا ذكر للعالمين) و(فذكر إن نفعت الذكرى)
فالقرأن تذكرة والرسول مذكر والذكر يثير مافي العقول ويذكر الانسان بما في فطرته ومكنون خلقته.
نعم، نجد أحيانا مايكون بصورة الاستدلال كما في قوله تعالى:
(لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا) أو (لعلا بعضهم فوق بعض) لكنها ليست أيضا على الشكل المنطقي المصطلح .
الفصل الثاني:
لاشك أن الوحي بما أنه يأتي من عند الله تبارك وتعالى , فهو ينبئ عن الواقع والحق ولاشوبة فيه ولا خطاء, وانما الذي يقع في الخطأ هو العاقل , وهذا الخطأ يحصل لأسباب مختلفة مذكورة في موضعها . وكذا الشهود الوجداني (وهو العرفان الحقيقي) أيضا يكشف عن الواقع والحق, ولااختلاف بينهما من هذه الجهة بل يوافق كل واحد منهاالاخر وإن تختلف كل منهما الاخر من حيث المنهج والطريق.
الفصل الثالث:
ان الفلسفة المتعارفة التي يدعي أنها بنيت على اصول التعقل المسماة بالحكمة المتعالية التي يبؤكد عليها ملا صدرا في كتبه خصوصا الاسفار الاربعة , هي تخالف الوحي في كثير من المهمات الاعتقادية وماأقيم لأرائه دليل عقلي بين بحيث يوجب توجيه ماورد في القرأن والحديث.
وهكذا نتائج الأبحاث العرفانية المصطلحة وستأتي الاشارة إليها في طي مسائل:
المسألة الاولى (حول المبدأ المتعال):
نقول : لايخفى على من تفحص وتدبر في كتب ملا صدرا أنه تارة يسلك طريقة العلية والمعلولية وأن الله تعالى علة تامة والكائنات معاليل لها , على مبنى اصالة الوجود ووحدة الوجود تشكيكا وأن الوجود واحد وله مراتب مشككة وأعلى مرتبته هي مرتبة غيب الغيوب الذي لااسم له ولارسم (وهناك مبنى اخر نسب الى المشائين وهو اصالة الوجود وتباين الموجودات) وتارة يسلك طريقة العرفان وأن المبدء المتعال هز حقيقة الوجود , والوجود واحد لامراتب له تشكيكا , بل هو الوجود الواحد الشخصي المتطور بالتطورات المتشأن بالشؤون!!
ويبدو أولا أنه تناقض في القول ولكن يظهر بالإمعان الى مؤلفاته أنه عدل عما يعتقده أولا , قال في المشاعر وكذا في الاسفار ماملخصه:
إن كل ماقلنا سابقا في هذا البحث كان على مسلك القوم من القول بالعلية والمعلولية ولكن الله هداني إلى أن ليس في دار الوجود إلا حقيقة الوجود وتطوراتها  , ولى هذا ليس في دار الوجود إلا الوجود المتطور.
 وعلى هذا فعدل ملا صدرا عما كان يقول به سابقا من العلية والمعلولية واعتقد بما قال ابن العربي.
ولكن كل من المسلكين مخالف لما في مدرسة الوحي ، لأن المبدأ المتعال - على ماهو بين - هو الحقيقة المجهولة الكنه الخارجة عن الحدين:
حد التعطيل وحد التشبيه ، وغير الأشياء ، وشيء بخلاف كل شيء وكنهه مباين مع الخلق، وخلقه خلو منه، وهو خلو من خلقهكما ورد في أحاديث كثيرة.
وعلى هذا فالحق المتعال منزه عن أن يكون عين الموجودات خلافا لما هو منصوص في مسلك العرفان -وسنشير إليه- وكذلك الوحي مخالف لما في مسلك العلية والمعلولية من جهات:
الاولى: أنه على هذا المسلك مع القول بأصالة الوجود ووحدة الوجود تشكيكا يلزم السنخية بين الخالق والمخلوق ، لأن الخالق والمخلوق على هذا المبنى يشتركان في حقيقة الوجود ، لأصالة الوجود ووحدته ،والحال انه تعالى متنزه عن مجانسة مخلوقاته كما قرر في محله بما لامزيد عليه.
الثانية: انه على هذا المسلك -أي مسلك العلية- وأن المبدأ المتعال علة تامة وأنها لاتنفك عن المعلول ، يلزم موجبية المبدأ المتعال في أفعاله.
الثالثة: يلزم قدم العالم
وهذان الامران أيضا يخالفان مافي مدرسة الوحي وسيأتي الاشارة اليه، وينبغي لتفصيل القول الرجوع بما ألف في هذا المقال.
فخلاصة الكلام أن ماجاء في الحكمة المتعالية الصدرائية حول المبدأ المتعال لاينطبق على ماجاء في مدرسة الوحي.
وأما ماقلنا سابقا  - من أنه لادليل تطمئن به النفس لهذا القول وأنه ماأقيم دليل عقلي بين عليه حتى يلزمنا تطبيق الوحي وتوجيهه- فتقريبه : أن هذه النظرية ليست من البديهيات وليست أيضا مما أتفق عليه اراء الفلاسفة فأنها مبتنية على أصالة الوجود ووحدة الوجود وإطلاقها ووحدتها الشخصية.
وفي كلها نظر ولرجال الفن فيها ملاحظات فكم من فحول من المتقدمين والمتأخرين قالوا بلأصالة الماهية وأنكروا أصالة الوجود حتى أن ملا صدرا نفسه كان يذب عن هذه الفكرة شطرا من حياته كما صرح به في بعض كتبه.
وكذا جم غفير من الفلاسفة قالوا بأصالة الوجود مع قولهم بتباين الموجودات كما نسب الى فلسفة المشاء ، وجمع كثير منهم يقولون بوحدة الوجود ولكن يصرون على التشكيك ويبطلون التطور والتشأن في الوجود ، فالمدعي من حيث البرهان كما ترى ولذلك يقولون في نهاية الابحاث أنها طور وراء طور العقل، وكذلك مسلك العليةوالمعلولية ادلتها مخدوشة كما هي مذكورة في محلها.
المسألة الثانية (المعاد):
ومن المسائل التي خالفت الحكمة العملية مدرسة الوحي هي مسألة المعاد والبدن المحشور يوم القيامة، فالمستفاد من الاسفار أن المحشور في المعاد ليس إلا الروح وهي تخترع بإذن الله تعالى بدنا مثاليا مضاهيا للبدن العنصري وليس من هذا البدن العنصري المادي الدنيوي عين ولا أثر ، وما في كتبه مما يفيد غير ذلك حمل على ماكان عليه في أوائل عمره ، وكذا ماصرح به في الاسفار - من ان الماد في المعاد هوهذ البدن بعينه,ومن قال غير ذلك فهو كافر- محمول على ان المقصود ان شيئية الشيء بصورته لابمادته كما في حاشية الاسفار للسبزواري بقرينة تصريحه في شتى المواضع بأن المحشور هو الروح مع البدن المخترع المثالي ، وهذا مانسب إليه المحققون في الفلسفة بلا خلاف. ولكن في مدرسة الوحي ، المحشور في المعاد هو البدن العنصري المادي مع الروح والنفس الإنساني ، صرحت بذلك الايات المباركة والأحاديث الشريفة واقوال علماء الاسلام ، قال الله تعالى :
(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم)
(لا اقسم بيوم القيامة * ولااقسم بالنفس اللوامة*أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه*بلى قادرين على ان نسوي بنانه)
فإن جمع العظام فرع وجود العظام سابقا وتفرقها ، وليس هذا من اختراع النفس بدنا مثاليا.
والايات والروايات في هذا الباب كثيرة جدا لامجال لذكرها في هذا المختصر ، ونكتفي هنا بما قاله بعض الاعلام :  
قال الاستاذ الجامع للمعقول والمنقول اية الله الميرزا أحمد الاشتياني في كتابه ((لوامع الحقائق)):
فإنكار المعاد الجسماني وعود الارواح الى الاجسام الذي يساعده العقل السليم يخالف نص القرأنوإنكار لما هو ضروري الاسلام .
وعلى هذا تخالف ماقاله ملا صدرا مع مافي الوحي بين لا ريب فيه.
المسألة الثالثة: (نعم الجنة):
يقول ملا صدرا : ان للمؤمن بع الحشر اعظم وواسع من الدنيا وما فيها من الاشجار والقصور والحور وغير ذلك مما يسره ويلتذ به مما لايحصى.
ولكن لا انها مخلوقة من الخارج معدة للمؤمن من قبل ، بل كل مايكون للمؤمن في الجنة ليس إلا ماأنشأتها نفس المؤمن وقائمة بها.
ولكن مايستفاد من مدرسة الوحي  ان الجنة مخلوقة في الخارج وليست قائمة بنفس المؤمن نعم بعض الاعمال بل كثير منها سبب لايجاد الله تعالى في الخارج من النعم مالايحصى ولكنها مخلوقة في الخارج وليست قائمة بنفس المؤمن ابدا.
وأيضا يمكن ان يقال بتبديل عمل المؤمن ببعض النعم لكنه اجنبي عما يقول ملا صدرا ومن اراد المزيد من البيان والوقوف على نظرة فليراجع المجلد التاسع من الاسفار .
المسألة الرابعة (العذاب):
إن مايؤكد عليه ملا صدرا في المجلد التاسع من الاسفار -وفقا لما اعتقده ابن العربي -إن العذاب يصير عذبا لمن هو خالد في النار ، وأن المخلدين في النار يلتذون بالعقارب والحيات كما يلتذ اهل الجنة بالحور والقصور ، واستدل ابن العربي على هذا الامر بما حاصله: إن لفظة الصاحب والاصحاب تطلق عندما كان هناك تلائم ووفاق بين الصاحب والمصحوب والله تعالى يقول (اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) فاصحاب النار ملائمون للنار فلاعذاب لهم في النار بل يبدل عذابهم عذبا .
ولكن يعتقد ملا صدرا أن هذا الاستدلال ضعيف ، إذ الاصحاب تطلق في غير الملائم ايضا، ثم يستدل بما هو الاقوى عنده ويقول:
((والاولى في الاستدلال على هذا المطلبأن يستدل بقوله تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس ) ويحسب أن اللام في (لجهنم) لام الغاية وأنهم خلقوا من اول الامر بقضاء من الله للنار ولذا لايتأذون بها ويكون العذاب لهم عذبا ومن البديهي ان هذه الفكرة خاطئة جدا في مدرسة الوحي إذ يقول سبحانه:
(كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب)
واللام في الاية التي ذكرها تكون للعاقبة لا للغاية فينهار كل ماابتناه من البرهان نعم ذكر الملا صدرا في كتابه العرشية:
((إني كل مافكرت رأيت ان الجحيم ليست محلا مطلوبا وأنه محل العذاب))
ثم اتى بكلام اخر لايكون اقل خطأ مما مر في معنى العذاب ، وملخصه : ان الخلود نوعي فلا يخلد احد في النار بل يخلد نوع الانسان))
فنقول : هذا الكلام - مع قطع النظر عن عدم الدليل عليه - موقوف على ابدية الدنياوبقاء سلسلة الانسان فيها حتى يكون الخلود نوعيا . وهو يخالف النصوص القرأنية المصرحة في فناء الدنيا حيث يقول سبحانه (اذا الشمس كورت واذا السماء انكدرت)
ويقول اذا زلزلت الارض زلزالها )
و (اذا دكت الارض دكا دكا) وغير ذلك.
المسألة الخامسة لارادة:
ونطاق البحث فيها واسع - وقرر بحثنا فيها وفي مسائل مهمة اخرى بعض الافاضل وسينشرها ان شاء الله تعالى - ونقول باختصار ان المستفاد من مصادجر الوحي  (الكتاب والسنة) ان ارادة الله تعالى هي فعل الله وليست الارادة بمعنى الابتهاج ولا بمعنى المراد ولابمعنى الاختيار ولابمعنى العلم(
بل ارادته فعله والارادة غير العلم كما يستفاد هكذا من الايات والروايات فمثلا 
يقول الاما الصادق جوابا لمن سأله :
هل علم الله ومشيته هما مختلفان ام متفقان؟
يقول : العلم ليس هو المشية الا ترى انك تقول : سأفعل كذا إن شاء الله ولاتقول:
سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك ان شاء دليل على انه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء وعلم الله سابق للمشية.
وصارت المسألة واضحة بحيث يقول القاضي سعيد  القمي (وهو من اعلام العرقفان والمعقول) في شرحه على توحيد الصدوق: إنه من غير قال غير ذلك وهو من الشيعة فقد عاند اوليائه!
ولكن ملا صدرا يؤكد تأكيدا بليغا في بعض كتبه على ان الارادة ليست الا العلم وعلى انها ليست صفة فعل لله تعالى .
المسألة السادسة : (مسألة الجبر و التفويض):
يقول الملا صدرا كأكثر نظرائة من الفلاسفة : ان الانسان مجبور في صورة الاختيار ويقول : إذا كان الفعل مسبوقا بالارداة فيسمى ذلك الفعل اختياريا والفاعل مختارا، واذا كانت هذه الارادة تستند الى ارادة اخرى حتى تنتهي الاى ارادة الله تعالى وتصير بحيث لابد ان تتحقق 
فالانسان الذي يتحقق فعله بإرادته ولكن ارادته مسبوقة بعلة اخرى بحيث لابد ان تتحقق عند الارادة الفائقة نسميه مختارا مع انه مجبور في صورة المختار !
ونسمي الفعل اختياريا لأن هناك ارادة سبقته ولكن ليست المسألة في مدرسة الوحي هكذا بل الانسان مختار حقيقة وبحقيقة الاختيار وهذا من ابين البينات في القرأن والحديث.
إذ الاوامر والنواهي الالهيين وكذا انزال الكتب وارسال الرسل وغير ذلك يدل على ان الانسان مختار ملكه الله تعالى الاختيار اي القدرة على الفعل والترك في هذه الأعمال التي كلفه بها وبعبارة اخرى ان الله تعالى اجبره على الاختيار فارادة الانسان معلولة لاختياره واختياره لارادة الله فلما ملكه الله تعالى الاختيار فهو مختار حقيقة لامجازا.
المسألة السابعة: (الحدوث والقدوم):
فان ماسوى الله في مدرسة الوحي مسبوق بالعدم الحقيقي المقابل لا العدم المجامع سواء في ذلك عالم المادة وغيرها فان كل ماسوى الله تعالى مسبوق بالعدم اي لم يكن فوجد واوجده الله تعالى كما ادعى الفحول من علمائنا بأنه من ضروريات الدين وكما صرح به شيخ المشايخ الانصاري في الرسائل في مبحث القطع.
ومعلوم انه ان لم يكن ماسوى الله تعالى مسبوقا بالعدم الحقيقي ، للم يكن مخلوقا حقيقة بل يكون كأله اخر كما ورد في حديث شريف رواه الصدوق في توحيده، ولكن الفلاسفة يعتقدون بقدم الاعالم ، بينما يقول ملا صدرا بان عالم المادة حادث بحدوث زماني على مبناه من القول بالحركة الجوهرية.
ولكن في الذكر الحكيم :(بديع السموات والارض) وكذا (قل هو الذي انشأكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ماتشكرون).
وفي الحديث ((ان الله تعالى خلق العالم لامن شيء).
وكذا حديث اخر ((لم يزل الله متفردا في وحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة ، فمكثوا الف دهر، ثم خلق جميع الشياء فأشهدهم خلقها....))
رجع على بدء:
وقد مرت الاشاة سابقا بأن هناك طريقة اخرى لكشف الحق واتباع نهج الصدق وهي الشهود الوجداني والعرافان الحقيق، وأما مسلك العرفان المصطلح (الذي اساسه على مالات ابن العربي) فهذه الطريقة مخالفتها للشرع ومافي مدرسة الوحي ابين من الشمس ، وليس عندي الان -وانا في مدينة الرسول- من كتب ابن العربي شيء حتى ننقل منها العبارات المهمة في هذا المقصد ، ولكن هناك عبارات في طيات كلامه تدل على وحدة الوجود والموجود بحيث لايمكن حملها على زلات اللسان ، وتخالف مافي مدرسة الوحي والرسالة أشد التخالف ونذكر على سبيل المثال نماذج منها:
1- ان يقول في موضع من كتابه المشهور فصوص الحكم :((فسبحان من اظهر الاشياء وهو عينها)) ويقول ايضا في الفص الهاروني من كتابه المذكور في قصة موسى وهارون في مقام تبيين علة عتاب موسى لهارون:((إن موسى كان اعلم بالأمر من هارون لأنه علم ماعبده اصحاب العجل)) الى ان قال :(( لأن العارف يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء)).
2- قال في الفص النوحي في معنى قوله تعالى :
(مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) إن الخطيئات من الخطوة ، والمقصود هنا ان قوم نوح بخطواتهم المجدة في فناء الله ، وصلوا الى الله واغرقوا في بحار المعرفة ، وادخلوا نار المحبة.
3-وقال في قوله تعالى:
(فمنهم ظالم لتفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات)
إن الافضل في هذه الاقسام من البشر ، هم الظالمون لأنفسهم !! لأن المقصود بهم هنا الذين ظلموا انفسهم وجاهدوها بمخالفة الهوى وترك المشتهيات ، والمتوسطون هم المقتصدون لأنهم فانون في الصفات ، خلافا للقسم الاول لأنهم فانون في الذات!! 
والقسم الداني هم السابقون بالخيرات الذين يقومون بأعمال الخير والحسنات فيغفلون عن الله تعالى !!
فأقرأ واقض ماأنت قاض!
4- قال في الفص النوحي في شرح قوله تعالى:
(لانزد الظالمين الا ضلالا) إن المقصود من الظالمين في هذه الاية الذيين سبق ذكرهم (فمنهم ظالم لنفسه)
والمراد من الضلال هو الحيرة عن علم ، فعلى هذا دعا نوح لقومه خير الدعاء واستجاب الله سبحانه له دعائه!!
لاندري نبكي او نضحك ولكل وجه.
5- قال في قصة فرعون ان الله تعالى قبض روح فرعون طاهرا مطهرا لأنه امن بالله تعالى عندما حضره الموت ، ولكن تقرء في الذكر الحكيم :
( الان وقد عصيت قبل) وكذا (فأخذه الله نكال الاخرة والاولى) فرد الله تعالى ايمانه.
ونقتصر في هذه الوجيزة على ماذكرناه ، وعليك بالرجوع الى الكتب المفصلة مع الدقة والانصاف ونعوذ بالله من الزلات ولقد فرغت من كتابة هذه الوجيزة في ليلة الاحد بعد صلاة المغرب في مسجد النبي الليلة الثانية من شهر محرم الحرام.
وأنا الاقل السيد جعفر سيدان
والحمد لله رب العالمين