الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

المحاضرة الاولى:السنخية ام العينية و الاتحاد ام التباين؟ (السيد جعفر سيدان)




السنخية ام العينية و الاتحاد ام التباين؟

مقدمة المترجم:
«اعلم ان الاقوال في مبحث السنخية والعينية ثلاثة:
الاول: القول بالسنخية بين وجود الخالق والمخلوق بناءاً علی ان تکون رابطة الممکنات مع الله تعالی رابطة الموج والبحر حيث ان حقيقة کليهما هي الماء لا غير وهذا هو قول الفلاسفة والعرفاء.
الثاني: القول بتباين الممکنات مع الله تعالی بناءاً علی أن تکون الرابطة بينهما هي رابطة الموج والبحر ايضا ولکن بناء علی ان يکون الرب کحقيقة الماء مثلا وما سواه هو صورة الامواج فبينهما تباين بالحقيقة حيث إن حقيقة الاول هو الوجود وتحققه بنفسه والثاني وهي صور الامواج: حقيقته هو الکون والتحقق بوجود الغير لا بايجاده وبعبارة اخری ان التباين بين الخالق والمخلوق يکون من حيث التعين واللا تعين في عين السنخية بينهما من حيث الکمالات المسماة بالنورية وهذا أيضاً عين قول الفلاسفة والعرفاء.
والذي جاء به الاسلام ونطق به الوحي ان الاشياء بکل وجودها وکيانها وکمالاتها وصورها وتعيناتها مخلوقة لله تعالی ولا يلزم من جعل وجود الاشياء اي تحديد لوجود الله تعالی لان الاشياء حقائق متجزية والله تعالی غير متجزء ولا متوهم بالقلة والکثرة فلا يتصور اي تزاحم بين وجودهما اصلاً.
الثالث: هو القول بتباين وجود الخالق والمخلوق ايضاً ولکنه لا من حيث أن احدهما حقيقة بنفسه والآخر حقيقة بالغير بلا شيئية من حيث نفسه کما قاله القائلين بالقول الثاني وزعموا انهم يخالفون الفلاسفة بذلک، بل من حيث أن الله تعالی موجود خالق ومتعال عن الزمان والمکان والاجزاء وعن کيان الاشياء ونفس وجوداتها ولکن ساير الاشياء موجودات حقيقية واقعية بايجاد الخالق المتعال، فلها وجودها وصفاتها وکيفياتها بأن الله تعالی خلقها کذلک.

(المحاضرة الاولى)
الاستاذ السيد جعفر سيدان
المسألة التي يراد بحثها هي مسألة العلاقة بين الخالق والمخلوق فهل انّ اللَّه جلّ وعلا بالنسبة إلى الخلائق عين وجودها؟ أو هنالك تناسب وتناسخ بينهما؟ أو لا هذا ولا ذاك بل هنالك تباين بينهما؟
تعريف السنخية والبينونة:
وقبل الدخول في البحث لابد من تشخيص معنى السنخية والبينونة:
1- البينونة بين اللَّه جلّ وعلا والكائنات هي بمعنى عدم الاشتراك الحقيقي بين الذات الالهية المقدسة وما سواها من المخلوقات.
2- لسنخية: المقصود من السنخية والذي ينفى بالبينونة هو الاشتراك في الحقيقة.
السنخ في اللغة بمعنى الاصل والاساس فحينما يقال هذا الشي‏ء يسانخ ذلك الشي‏ء يراد بذلك انهما يشتركان في اصل واحد واساس واحد.
آيات نفي السنخية
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ)
(سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)
المستفاد من هذه الآيات هو نفي معنى السنخية وذلك لانّ معنى نفي المثيل للَّه جلّ وعلا هو نفي السنخية ايضا لانه من أقوى موارد الاشتراك هو الاشتراك في الحقيقة فاذا اشترك شي‏ء مع شي‏ء في الحقيقة فقد تحقق ما هو الاّ هم في مثلتيهما، ومن البديهي انّه مع نفي المثلية على الاطلاق (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ) تثبت البينونة لذا فانّ المستفاد من هذه الآية الشريفة هو نفي السنخية بمعنى الاشتراك في الحقيقة. وهكذا يستفاد هذا المعنى من بعض الآيات الآخر مثل قوله تعالى: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا يُشْرِكُونَ) كما انّ سورة التوحيد المباركة تدل علی هذا المعنى كاملا.
روايات نفي السنخية
وفي هذه المسألة نجد أنّ المطابق للآيات والمؤكد لها هي الروايات الكثيرة ودلالتها أوضح واصرح من الآيات المباركة وسوف نبين قسما منها، وحول هذا الموضوع فالروايات في مختلف كتب الحديث كثيرة والتي ذكر قسما منها الشيخ الصدوق في كتابه التوحيد وسوف نتكلم عن الاستدلال العقلي للسنخية فيما سيأتي والآن نحن بصدد بيان الروايات وكيفية الاستدلال بها.
1- يقول اميرالمؤمنين في وصف الذات الالهية المقدسة:
«الذي بان من الخلق فلا شي‏ء كمثله»
وهذه الرواية تفسر وتبين لنا معنى الآية المباركة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ) وتقرير الاستدلال واضح حيث صرح الامام بالبينونة بين الخالق والمخلوق والمراد من البينونة هو نفي السنخية كاملا يعني نفي الاشتراك في الحقيقة ولذا حينما يقال هنالك بينونة بين الخالق والمخلوق فمعناها هو نفي الاشتراك بينهما.
2- ويقول الامام الرضا خلق اللَّه تعالى الخلق حجابا بينه وبينهم ومباينته ايّاهم مفارقته انيّتهم».
فنفس ايجاد الخلائق والموجودات هو الحجاب بين اللَّه تعالى والمخلوقات لا انّه هنالك حائل بينه تعالى وبين مخلوقاته فنفس ايجاد الخلائق هو حجاب ويستفاد هذا المعنى من حديث آخر كما سيأتي توضيحه حيث انّ اللَّه تعالى يباين الخلق تباينا ذاتيا ولذا فنتيجة ايجاد الخلائق هو الحجاب وقد أشير في ذيل الحديث الى هذه الجهة بقوله : مباينته اياهم مفارقته انيّتهم» فتباين الذات الالهية مع الخلائق بهذا المعنى وهو: ان الحقيقة الذات الالهية المقدسة تباين وتفارق حقيقة الاشياء والموجودات ولا اشتراك بينهما اصلا.
3- يقول الامام الرضا : فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه و كلّ ما يمكن فيه يمتنع من صانعه » لوكان هنالك تسانخ واشتراك في الحقيقة بين الخالق والمخلوق فلا معنى لهذه الرواية فالحديث واضح وصريح بأن لا تسانخ ولا اشتراك.
4-يقول أميرالمؤمنين : الذي لا من شي‏ء كان ولا من شي‏ء خلق ما كان قدرة بان بها من الاشياء وبانت الاشياء منه» فاللَّه جلّ وعلا لا من شي‏ء كان موجودا ولا من شي‏ء خلق الخلائق فهو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) وذلك لانه مباين للاشياء والاشياء مباينة له تعالى.
5-ويستمر أميرالمؤمنين في حديثه السابق ويقول: «حدّ الاشياء كلها عند خلقه اياها ابانة لها من شبهه وابانة له من شبهها» فيؤكد في هذا الحديث علی التباين بينه تعالى وبين المخلوقات.
6- وفي موضع آخر يقول : «لانه خلاف خلقه فلا شبه له من المخلوقين» وهنا يصرح بنفي السنخية بينه تعالى وبينالمخلوقات ويثبت البينونة.
7- ويقول الامام الصادق :
ومن شبه اللَّه بخلقه فهو مشرك انّ اللَّه تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شي‏ء وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه
وهذا الحديث واضح في الدلالة علی نفي السنخية.
8- وينقل الإمام الرضا : عن أميرالمؤمنين : انّه قال في ضمن خطبة: «الحمد للَّه الذي لا من شي‏ء كان ولا من شي‏ء كون ما كان مستشهد بحدوث الاشياء على ازليته وبما وسمها به من العجز على قدرته وبما اضطرها اليه من الفناء على دوامه لم يخل منه مكان فيدرك بانيّته ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية ولم يغب عن علمه شي‏ء فيعلم بحيثية مبائن لجميع ما احدث في الصفات وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات» .
كلّ ما أوجده اللَّه تعالى من الموجودات العالية السافلة والنورية و… فهو مباين في الصفات مع اللَّه جلّ وعلا، فاللَّه جلّ وعلا لا يدرك من خلال الموجودات المتغيرة والحادثة والتي يتصرف بها نعم يعلم وجوده بذلك لكنه لا يدرك وقوله : «في الصفات» لا بمعنى انّ ذاته تعالى لا تباين الاشياء وذلك لانّ الصفات اذا كانت تباين المخلوقات فانّ منشأ هذا التباين هو الذات والصفات هذا كما اوضحه بعض الاعاظم بمعنى في الصفة يعني انّ اللَّه جلّ وعلا يباين مخلوقاته في التوصيف والتعريف ولا اشتراك ولا تسانخ في البين والحاصل من الحديث هو نفي السنخية واثبات التباين.
9- يقول أميرالمؤمنين : «ولا يخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه خلاف خلقه فلا شبه له من المخلوقين».
وقوله : «كنهه تفريق بينه وبين خلقه»
وعليه فما نقلناه من عبارات مختلفة من الاحاديث المتقدمة فانما هو نموذج من أحاديث كثيرة جدا دالة وبشكل واضح على البينونةونفي السنخية بين الخالق والمخلوق وطبعا تدل على نفي العينية والاتحاد ايضا كما سيأتي البحث عنها.
إذا كما بيّنا اننا بتعقلنا لمّا جاء به الوحي سوف نصل إلى الحقيقة بلا أن نخسر مصباح العقل أبدا بل نستفيد بواسطة هذا المصباح المنير من منبع الوحي – هذا المنبع الذي يصدقه العقل – ونعلم بسعته وعدم خطئه بعد صحة السند واتضاح الدلالة وقد رأينا كيف ان هذه الروايات قد بينت التباين بين الخالق والمخلوق.
بعد ما استفدنا من الأدلة النقلية نحقق المسألة من جانب عقلي وإذا ما كان هنالك اشكال عقلي حول الموضوع فسوف نكون ملزمين حينئذ بسحب اليد عن جميع الروايات وبعبارة أخرى بعد وضوح المسألة كثيرا إذا ما كان الاستدلال العقلي في نفي ما جاء في الروايات وتأويلها بينا وواضحا فلابد لنا من التفكير في علاج هذه الروايات.
والآن نطرح واحدا من الاستدلالات العقلية الظاهر في نفي التباين.
الدليل العقلي لنفي السنخية
يقول البعض انّ البينونة المستفادة من الادلة النقلية تتنافى مع الدليل العقلي وذلك لانه لابد بين العلة والمعلول من تسانخ وتشابه والاّ لصدر كلّ شي‏ء من كلّ شي‏ء فلو لم يكن هناك تسانخ وتشابه بينهما لصدر الماء من النار ولتولد البعير من بيض الدجاج وهكذا اذا لابد من السنخية بين العلة والمعلول، وحيث انّ الذات الالهية المقدسة علة لجميع المخلوقات وخالقة لها فلابد من وجود تناسخ وتشابه بينه تعالى وبين مخلوقاته فلا بينونة بينهما فما يستفاد من الادلة النقلية من البينونة بينهما محل اشكال قوي من جهة عقلية لان السنخية بين العلة والمعلول من جملة القواعد العقلية الواضحة والاّ لصدر كلّ شي‏ء من كلّ شي‏ء.
فالذات الالهية المقدسة علة والمخلوقات معلولة لها – فيجب أن يكون بين الخالق والمخلوق سنخية وشباهة… – وحينئذ فلا بينونة بينهما والدليل العقلي لا تخصيص فيه ولا استثناء له حتى نقول انّ الذات الالهية المقدسة خارجة عن هذه القاعدة العقلية بل القاعدة عامة للكل والنتيجة هي انتفاء البينونة بين العلة والمعلول.
الجواب: انّ هذه القاعدة يعني التسانخ بين العلة والمعلول تختص بالعلل الطبيعية الموجدة للمعلول كما صرح بذلك بعض الاكابر وذلك لان المعلول ينفصل عن العلة حقيقة وبعبارة اخرى انّ وجود المعلول انما هو تنزل لوجود العلة وصادر من ذاتها وصميمها فاذا كانت العلة طبيعية فسوف يكون المعلول متولدا منها وتنزل لوجودها مثل الحرارة بالنسبة للنار ولذا فمن البديهي أن تكون العلة متناسبة ومتسانخة مع معلولها اما لو كانت العلة فاعلة بالارادة والمشية فلا يكون فعلها ومخلوقها تنزل لوجودها.
فاللَّه جلّ وعلا فاعل بالارادة والمشية لا انه علة طبيعية ونتيجة ذلك لا يكون مخلوقه يعني معلوله تنزلا لوجوده وقطعة خارجة من صميم ذاته ورشحة من رشحات وجوده فانّ حقيقته جلّ وعلا انّه «لم يلد» فلا شي‏ء ينفصل منه جلّ وعلا.
وحينئذ فلا معنى للتنزل، وعليه فالقاعدة العقلية المذكورة لا مجال لها بالنسبة للذات الالهية المقدسة فالذات الالهية المقدسة خارجة عنها تخصصا ولسنا بحاجة الى تخصيص القاعدة فانّ القاعدة محدودة بالعلل الطبيعية وحينئذ نقول لو لم يكن تشابها بين العلة الطبيعية ومعلولها لصدر كلّ شي‏ء من كل شي‏ء، اما لو كانت العلة فاعلة بالمشية والارادة والمخلوق موجَد له، فلازم الايجاد هو التباين لا التناسخ وذلك لأنّ الفاعل حينما يوجد الاشياء والاشياء – المخلوقات – توجد بعد ما كانت مسبوقة بالعدم هو انّ ذاته عين الاحتياج والافتقار وانّها لا تقتضي الوجود لانّها موجَدة قد اعطيت التشخص بعد إن لم تكن فهي مباينة للذات الغنية التي لا احتياج لها – وحسب الاصطلاح واجبة الوجود – اذا الاستدلال العقلي المذكور في مقابل مادلت عليه الادلة الوحيانية انّما يرتبط بالعلل الطبيعية لا بالفاعل بالارادة والاختيار وعليه فهذا الاستدلال لا علاقة له بما هو المستفاد من الادلة النقلية ولا معنى له، في العلل الطبيعية حيث انّ المعلول رشحة من رشحات العلة وقطرة من فيضانها وقطعة من صميم وجودها، فالتسانخ بينهما صحيح بخلاف الفاعل بالارادة إذ انّه جلّ وعلا (لم يلد) فلا يمكن أن يكون هذا الاستدلال نافيا للتباين بين الخالق جلّ وعلا والمخلوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق