الجمعة، 26 سبتمبر 2014

مقتطفات للاستاذ محمد رضا الحكيمي في ضرورة التمسك بالثقلين وترك منهج الفلاسفة والصوفية





السير على غير هدى :
لو ان الانسان المفكر العاقل منذ ايامه الاولى كان قد اتبع الانبياء والرسل وجد في طلب المعرفة الصادرة من معن الوحي –وهي وحدها المعرفة الحقة لاغير- ولو انه اخذ ان ينظر الى الامور بمنظار الوحي (1) وأن ينشد المعرفة ويطلب الحقائق ممن يعرفونها حق المعرفة وهم الرسل والاوصياء ويتتلمذ في مدرستهم تلك المدرسة التي تناشد فطرته فتنميها وتتعاهدها بالتربية فتورقها ، ولو انه سمح لنور الوحي ان يلامس قلبه وهو بعد صفحة بيضاء لم ينقش عليها بنقش ، اقول لو انه فعل ذلك لوصل الى معدن النور السرمدي ولانتهل من المين الذي لاينضب ، الذي يجري بأمر ربه (عين صافية تجري بأمر ربها )(2) ولحصل على العلم الصحيح ولما ابتلي بالحجب العقلية والالتباسات الشهودية ، ولما واجه هذا الكم الهائل من التضاد والتناقض. ومن هنا يتضح لنا بجلاء ان العلم الذي لا اختلاف فيه هو ((العلم الصحيح)) فحسب.
(1) بإعتبار ان العقل المجرد عن سلاح الوحي والذي يفتقر الى تربية وارشاد الانبياء وعلوم الاوصياء الشارحة للحقائق الالهية عاجز عن معرفة وادراك حقائق العوالم وهذا امر واضح لاغبار عليه، اذ ان العقل وحده عاجز عن معرفة طبيعيات العالم والحقائق المتعلقة بها فضلا عن غيرها (ان مجرد العقل غير كاف في الهداية الى الصراط المستقيم ).
(2)اصول الكافي 1 ص180

الاختلاف حقيقة لاتنكر :
عندما يكون العلم ((من عند غير الله)) كما هو تعبير القرأن وعندما يكون طريق العقل والتعقل بمنأى عن الانبياء عليهم السلام ، وعندما يكون طريق السلوك والكشف لايتفق مع منحى القرأن وتوجيهات المعصوم بدقة ( بالاضافة الى عدم توافره على العناصر الاساسية الاخرى ) بل تجده مشوبا بمسائل –نظرية كانت او عملية- تمت بصلة الى مذاهب ومشارب أخرى ، واذا ماحدث ان كان هناك حب أخر غير حب ((الهداة من الانبياء والمعصومين )) قد استبد بالنفس الانسانية واستوطن مكامنها واعماقها وداخل المكاشف في مكاشفاته امور أخرى مستقاة من غير ذلك النبع الصافي فعكر صفوها وغير ماهيتها (وهذا ما لامفر منه) بحيث يتعذر معه التمييز بين مراتبها وتخليصها من الشوائب التي لحقت بها ، والفص بين ماهو الحق منها وماهو الباطل ، في مثل هذه الصورة تدخل كل الخصائص الفردية والبيئية والوراثية والتربوية والذهنية والفكرة العقيدية وكذلك الحب والبغض اللذان يمتاز بهما المفكر أو المرتاض كعوامل مؤثرة في عملية المكاشفة ويلقي الحب والبغض بظلالهما واثارهما المختصة بهما على معطيات ومراحل المكاشفة  بل يؤثران حتى على حقيقة الكشف والمكاشفة . ومن الواضح ان الاختلاف الكثير إنما ينشأ من الافكار الكثيرة والطرق المختلفة وهذه حقيقة لايرقى اليها الشك ومسلمة لدى كل المطلعين.
ومما لاشك فيه إن الخصائص والكيفيات تترك تأثيرها على الانسان وعلى نمط التفكير الانساني والتأملات الشخصية ، كما تؤثر على عملية الارتياض والكشف الناتج عن الارتياض بل وحتى الخصائص والفروقات الجسمية والمعيشية هي الاخرى لها مدخلية في التأثير . فقد حكي عن ((طالس الملطي)) (احد الحكماء السبعة في اليونان القديمة ومن مؤسسي العلوم والفلسفة اليونانية) انه لما كان قد عاش في بعض المدن الساحلية –ومع الاعتقاد بوجود حياة أخرى بعد الموت-
كان يرى ان الماء هو مبدأ كل مافي الوجود (الماء جوهر العالم، الماء حي له روح). وهذا مايقال ايضا عن دور البيئة واثرها في فلسفة ((اصالة العمل)) لوليم جيمس ، ويمكن ان نعثر على ذلك في نظرية ابن خلدون ايضا (1).
(1)اذا كانت لهذه الخصائص الخارجية مثل هذه الافكار والنتائج فأن الخصائص الاعتقادية ستكون لها اثارها وخصائصها بطريق اولى . كما يظهر ذلك من خلال مااداه بعض بار العرفاء من اهل السنة من انهم رأوا الخلفاء –في مقام المكاشفة- في رتبة اعلى من منزلة الامام علي عليه السلام اذن الكشف ايضا من دون هداية المعصوم والاستعانة بروحانيته والكينونة في ((مهيمنية المعصوم)) لايكون كشفا حقيقيا بل هو مزيج من الكشف وشبه الكشف.
ولذلك نجد ان بعض الكبار من اهل الكشف بحث موارد الخطأ والاشتباه التي يقع فيها اهل الكشف . ولاريب ان الكشف في مراحله العالية والمهمة انما هو مصباح لايستضاء به إلا عن طريق المعصوم.

دور الهداة (الانبياء والاوصياء):
وفي خضم المعترك الفكري الذي تتقاسمه المذاهب والتيارات الفكرية والمعرفية التي اشرنا إليها لم يتوان الهداة (الانبياء وأوصياؤهم) بدورهم في تحمل اعباء الرسالة فراحوا ينشرون المعارف الالهية بمساعدة الواعين من اتباعهم  ويجهدون انفسهم في سبيل هداية البشرية ويثيرون في النفوس بواعث التفكر والتأمل ويجلون عن الفطرة بها من رين وعن العقل مالحقه من درن (ليثيروا لهم دفائن العقول) (نهج البلاغة الخطبة الاولى) ، واخذوا بترويج ( العلم الصحيح) وتعليمه للناس، وبذلوا جهودا جبارة في هذا المجال ونجحوا في تربية وإعداد رجال عظماء بلغوا شأنا في المعرفة والكمال. إلا أنه –كما أشرنا سلفا- لم يشأ جميع الناس والمفكرون منهم ان يستظلوا بأفياء علم الوحي ويستعصموا بالنظام التربوي  الخاص به ، ولم يلتفتوا الى ان (مجرد العقل غير كاف في الهداية إلى الصراط المستقيم). وأخذوا يغالون في ((العقل البشري)) او المنطق اليوناني ، او ((الكشف العرفاني)) اعتمدوا على هذه الامور بالكامل، فكانت النتيجة ان تعددت الاراء وافترقت المسالك واختلفت الرؤى وظهرت المذاهب والتيارات واحدة تلو الاخرى ، بحيث انك تجد في كثير من الاحيان ان الاستاذ يدين بالمدرسة الاشراقية في حين ترى تلميذه مشائيا وبالعكس. كما وتجد ان مؤلف الكتاب يقول بإتحاد العاقل والمعقول في حين ان المدرس لذلك الكتاب يخالفه في الرأي . وتجد مؤلف الكتاب يقول بالحركة الجوهرية في حين ان المحشي او الشارح لذلك الكتاب يرى خلاف ذلك. المؤلف يقول ((بالمعاد المثالي)) والمدرس يقول ((بالمعاد العنصري)). الاب يكون فيلسوفا او عارفا والابن يصبح فيما بعد مناوئا للفلسفة والعرفان و.... الخ وكذا الحال فيما يسمونه بالفلسفات الغربية .
ومن الطبيعي ان يختلف المفكرون والمرتاضون فيما يتوصلون إليه من اراء واستنتاجات تبعا لاختلافهم واختلاف خصائصهم وامزجتهم والعصور التي عاشوها والبيئة التي نشأوا فيها.
المصدر: كتاب المدرسة التفكيكية

الخميس، 25 سبتمبر 2014

تعجب السيد الخوئي من اعتقاد الملا صدرا بالتجسيم


هذا ، والعجب من صدر المتألهين حيث ذهب إلى هذا القول في شرحه على الكافي وقال ما ملخّصه : إنّه لا مانع من التزام أنه سبحانه جسم إلهي ، فانّ للجسم أقساماً فمنها : جسم مادي وهو كالأجسام الخارجية المشـتملة على المادّة لا محالة . ومنها : جسم مثالي وهو الصورة الحاصلة للانسان من الأجسام الخارجيـة وهي جسم لا مادّة لها . ومنها : جسم عقلي وهو الكلِّي المتحقِّق في الذهن وهو أيضاً مما لا مادّة له بل وعدم اشتماله عليها أظهر من سابقه . ومنها : جسم إلهي وهو فوق الأجسام بأقسامها وعدم حاجته إلى المادّة أظهر من عدم الحاجة إليها في الجسم العقلي ، ومنها : غير ذلك من الأقسام ، ولقد صرّح بأن المقسم لهذه الأقسام الأربعة هو الجسم الذي له أبعاد ثلاثة من العمق والطول والعرض(2) . وليت شعري أن ما فيه هذه الأبعاد وكان عمقه غير طوله وهما غير عرضه كيف لا يشتمل على مادة ولا يكون متركباً حتى يكون هو الواجب سبحانه . نعم ، عرفت أن الالتزام بهذه العقيدة الباطلة غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة ، كيف وأكثر المسلمين لقصور باعهم يعتقدون أنّ الله سبحانه جسم جالس على عرشه ومن ثمة يتوجهون نحوه توجه جسم إلى جسم مثله لا على نحو التوجه القلبي .
(2) شرح اُصول الكافي : 273 .
المصدر:http://www.al-khoei.us/books/?id=514

الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

لم يعرفوا الله (السيد محمد رضا الشيرازي)




ونظرية الولادة الى الان موجودة ولكن بأشكال اخر، نظرية الفيض المطروحة في الحكمة،  فيض، هنا نتمكن ان نفهم عمق كلمة لم يلد يقولون مثل كلمة يم ونم ، يم يعني بحر، نم الرطوبة التي يعطيها البحر ،لا ادري ملاحظين ام لا اذا ماشين على البحر  الشاطئ الرملي على البحر يوجد رطوبة  هذه الرطوبة وليدة البحر. اذا نوع من انواع الولادة ،مثل موج البحر والبحر بعض هؤلاء الذين يدعون المعرفة والحكمة الالهية الى الان يقولون نحن مثل امواج البحر والله مثل البحر، موج البحر هذا وليد البحر ولايعتبر شيء مغايرا للبحر ابهذا الشكل! لم يلد البحر يلد الموج ولكننا في سورة التوحيد نقرأ لم يلد لاتوجد ولادة.
 يمثلون بمثال اخر كان واحد من العلماء الذين في خطهم المعرفي يوجد نوع من الاشكال والابتعاد عن معارف النبي (صلى الله عليه واله)  واهل البيت هذا خطر قائم ان الخط المعرفي الاصيل خط ضعيف يعني حملته قليلون لايشتغلون على هذا الخط المعارف لاتدرس كما ينبغي ولذلك يوجد تخبط ليس فقط تخبط قديما كان موجود الان يوجد تخبط ، كان يقول لديكم قلم يوجد على رأس هذا القلم نقطة حبر  بعدها تاخذ الورق وتكتب بهذه النقطة من الحبر مثاله الذي كان يمثله تكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا بسم الله نفس تلك النقطة ليس بشيء اخر كان يقول نحن والله بهذا الشكل، أبهذا الشكل! نقطة الحبر المستقرة على رأس القلم  ولدت هذه الكلمات بهذه الحدود اذا طرحتوا هذه الحدود وهذه الصور فلا تبقى الا نقطة الحبر ابهذا الشكل ! اليس هذا نوع من انواع الولادة ،او مثل العشرة والواحد هذا مثال اخر العشرة مكونة من وحدات نفس الواحد يغير شكله فيتحول الى اثنين وثلاثة وعشرة وعشرين ليس شيء اخر.
  فالبشر بعيدا عن معارف النبي الاعظم(صلى الله عليه واله) وبعيدا عن معارف اهل البيت تخبطوا ايما تخبط انا اظن ماتخبطت البشرية في قضية كما تخبطت في قضية المعرفة الالهية لم يعرفوا الله
الامام امير المؤمنين (صلوات الله عليه)يقول: بين مشبه لله بخلقه ،احد الفلاسفة الكبار لااذكر اسمه يعظم ويجلل يقول الجسم الالهي الله جسم مثلنا الله  الله عنده مكان الله عنده وعاء نطلق عليه وعاء كذا (بين مشبه لله بخلقه او ملحد في اسمه).
رابط مقطع الفيديو:     
https://www.youtube.com/watch?v=4QSzkgTA_Y8

الخميس، 18 سبتمبر 2014

كلمات العرفاء في التوحيد (الشيخ محمد باقر الملكي الميانجي)


كلمات العرفاء في التوحيد
 ألف - قال الفيض: 
 كيف لا يكون الله سبحانه كل الأشياء وهو صرف الوجود الغير المتناهي شدة وقوة وغنى وتماما؟! فلو خرج عنه وجود، لم يكن محيطا به لتناهي وجوده دون ذلك الوجود! تعالى عن ذلك. بل إنكم لو دليتم بحبل إلى الأرض السفلى، لهبط على الله. فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم . (1) 
 أقول: ما ذكره قول خطابي لا دليل علي شيء من مفاده. ويرد عليه:
 1 - إن فيه إلغاء مرتبة الإلهية والقيومية وتنزيله سبحانه في مرتبة من سواه مما يصدق عليه الشيء من خلقه، لوضوح أن ما هو قائم به تعالى، ليس في مرتبته تعالى كي يكون القول بشيء سواه تحديدا لله سبحانه. 

2 - يستحيل تنزله تعالى في مرتبة كل ما كان مصداقا للوجود والشئ. ضرورة أن من مصاديق الوجود والشئ من هو وما هو مركوز في حاق الفقر والعجز والذلة ومظلم الذات وميت الذات. فأي مشاركة وسنخية بينه تعالى وبين هذه الأنداد والأضداد؟ وكيف يكون تنزيهه تعالى عن هذه المرتبة تحديدا له تعالى؟! وكيف يكون دليلا على تناهيه وتحديده سبحانه؟! وضروري أن النسبة بينه تعالى وبين هذه المظلمات الذاتية بينونة حقيقية ولا مشاركة بينه تعالى وبينها بوجه من الوجوه. كما تقدم عن مولانا الرضا صلوات الله وسلامه عليه: وكنهه تفريق بينه وبين خلقه. وغيوره تحديد لما سواه . وكما تقدم عن مولانا علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: توحيده تمييزه. وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة . وما تقدم عنهم صلوات الله عليهم من أن الله تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه.
3- إن معاشر الموحدين من أمة القرآن ومن أعاظم التوحيد الذين يعرفونه تعالى بحقيقة إيمانهم وعرفانهم ويعرفون في هذا الموقف الخطير الذي توجهوا فيه بكليتهم إلى الله سبحانه، أنه تعالى يستحيل أن يتنزل بمرتبة هذه الأخباث والأرجاس. ويعبدونه تعالى في نسكهم وعباداتهم ومناجاتهم وتضرعهم إليه. ويجدون أنه تعالى مقدس ومنزه من أن يكون كل الأشياء. ويجدونه معبودا ومستغاثا ومستجارا خارجا عن الحدين، حد التعطيل والتشبيه. ويعرفون أن هذا التعريف من فعله تعالى قد تفضل عليهم، ولا كيف لفعله. 
4 - من تأمل في القرآن الكريم يشهد ويعرف أن المتكلم بهذا الكلام محيط بجميع العوالم وما فيها من الخلائق، ويتكلم بكلام الكبراء والعظماء مثل أنا، نحن وإنا، ويخاطب جميع ما سواه من أهل العوالم بأنحاء من الخطابات ويوقفهم في موقف العبودية والمخلوقية. فتارة يتحنن على أوليائه ويقربهم منه ويبشرهم بكراماته وحنانه وفضله. وتارة يتكلم مع أعدائه ويحذرهم عن سخطه ويهددهم بسطواته. ويكلم جميع خلقه بلطائف من البيان ويستصلحهم بالهداية والرشاد ويستيقظهم من سكراتهم ويستخرجهم من الضلالات والجهالات بعنوان ألوهيته وكونه معبودا وملجأ ومستغاثا ومستجارا. ومع هذا كله ليس في القرآن ما يوهم أنه تعالى كل الأشياء أو شبيه ذلك، ولو على نحو الإشارة والكناية. فهو سبحانه يحمد نفسه ويمجدها ويعظمها ويقدسها عن كل سوء وشين. 
5 - إن إطلاق لفظ الوجود والشئ عليه تعالى وعلى غيره، إنما هو على سبيل الاشتراك اللفظي، كما صرح عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام. وإن كل ما يوصف به المخلوق لا يوصف به الخالق. وكذلك كل ما يمجد ويعظم ويقدس به تعالى، لا يطلق على غيره تعالى بما له من المعنى. وأما استشهاده لقوله بقوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم. (2) ففيه أن صدر الآية: لله المشرق والمغرب. فالآية الكريمة مسوقة لبيان مالكيته تعالى للمشرق والمغرب تكوينا وأن له تعالى الحكم والتصرف فيهما كيف شاء وأراد بحسب التشريع أيضا. وقوله تعالى: فأينما تولوا... تفريع مما تقدم من مالكيته للمشرق والمغرب. وقد رخص تعالى لعباده أن يولوا وجوههم أينما شاؤوا. وهذا مطلق يقيده قوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره. (3) وهذا في الفرائض. فيكون قوله تعالى: أينما تولوا وجوهكم.... بمعنى: أينما تولوا وجوهكم في النوافل، فثم وجه الله. قال الجصاص: وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: فأينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله قال: هي القبلة الأولى ثم نسختها الصلاة إلى المسجد الحرام . (4) أقول: الآية الكريمة من باب الإطلاق والتقييد كما ذكرنا وليست من باب النسخ. روى الشيخ الحر العاملي مسندا عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال له: استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك. فإن الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة: فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره و... (5) وروى أيضا: محمد بن الحسن في النهاية عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله قال: هذا في النوافل خاصة في حال السفر. فأما الفرائض، فلا بد فيها من استقبال القبلة . (6) وروى الطبرسي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في الآية المبحوثة عنها: فإن هذه الآية عندنا مخصوصة بالنوافل في حال السفر . (7) قال الفيض: ولله المشرق والمغرب يعني ناحيتي الأرض، أي له كلها. فأينما تولوا فثم وجه الله . قيل: أي: ذاته، إذ لا يخلو منه مكان . (8) أقول: يوهم كلامه صدرا وذيلا وسياقا اختياره هذا القول. ويرد عليه أنه لا دلالة في الآية الكريمة على شيء من ذلك ولم يطلق لفظ الوجه على ذاته سبحانه في القرآن. بل الظاهر من لفظ الوجه في القرآن هو ما يتوجه به إلى الله ويتقرب به إليه سبحانه. قال تعالى: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله. (9) فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون. (10) ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. (11) أقول: قد نهى الله سبحانه أن يدعا مع الله إله آخر وقوله تعالى: كل شيء هالك... في مرتبة التعليل للنهي المذكور في صدر الآية. والمراد من الهالك ما هو بمعنى اسم الفاعل بحسب اللغة، أي: كل شيء يهلك ويفنى، لا الهالك الذاتي بالمعنى الاصطلاحي. ضرورة أنه لا يجوز تفسير القرآن بالمعاني المصطلحة والمستحدثة بعد قرون من الإسلام. أي: أنتم وعباداتكم والآلهة التي تعبدونها من دون الله وجميع ما سواه تعالى هالك إلا وجه الله الذي تتقربون وتتوجهون به إلى الله سبحانه من الأعمال الصالحات الباقيات. وقد وردت عدة كثيرة من الروايات في تفسير الوجه بهذا المعنى وفي بعضها أن وجه الله هو دين الله، وفي بعضها أنه النبوة، وفي بعضها أنه الإمام، إلى غير ذلك من المصاديق: روى الصدوق مسندا عن أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه قال: فيهلك كل شيء ويبقى الوجه؟! إن الله أعظم من أن يوصف بالوجه، ولكن معناه: كل شيء هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى منه. (12) وروى أيضا مسندا عن صفوان الجمال: عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه قال: من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم، فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأ: من يطع الله الرسول فقد أطاع الله. (13) وروى أيضا مسندا عن الحارث بن المغيرة النصري قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: كل شيء هالك إلا وجهه قال: كل شيء هالك إلا من أخذ طريق الحق. (14) وروى الكليني مسندا عن مروان بن صباح قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله خلقنا فأحسن صورنا. وجعلنا عينه في عباده و... وجهه الذي يؤتي منه. (15) وفي هذا الباب روايات كثيرة من أرادها فليراجعها. وفيها شهادة ودلالة على أن الوجه في هذه الآية الكريمة وكذلك في غيرها من الآيات، ليس بمعنى ذاته تعالى. وفيها تصريح أيضا على أن الوجه في القرآن الكريم لم يطلق على الذات. ومن العجيب أن المحقق الكاشاني بعد ذكره عدة من الروايات قال: وربما يفسر الوجه بالذات وليس بذلك البعيد . (16) ومما ذكرنا من البيان اتضح تفسير قوله تعالى: كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. (17) ويزيد الأمر هنا وضوحا بأن الوجه الباقي فيها قد ذكر في مقابل ما هو الفاني على الأرض. فلا محالة يكون الوجه الباقي من جملة ما هو على ظهر الأرض. والله سبحانه يجل ويعظم عن مقايسته بما هو الفاني على الأرض واستثنائه سبحانه من جملة ذلك الفاني. قال الزمخشري: وقرأ عبد الله: ذي على صفة ربك . (18) ومما ذكرنا يعلم أن هذه الآية الكريمة لا تصلح للاستدلال بها على أن الوجه المذكور فيها بقرينة ذو الجلال والإكرام هو ذات الله سبحانه. وأما استدلاله بالحديث الذي أورده في المقام لو دليتم بحبل إلى الأرض... فهو في غاية الضعف. فإنه مرسل لم يعلم راويه ولا وثاقته. هذا أولا. وثانيا: قدت تقرر في علم الأصول أن كل خبر واحد واجد لشرائط الحجية في باب الأحكام، لا يمكن أن يكون حجة في باب المعارف والحقائق والموضوعات، فكيف بضعافه ومرسلاته، نعم، لا يجوز القول ببطلانه ورده بل اللازم السكوت عنه وإيحاله إلى الله وأوليائه، على أن فيه دلالة على تنزله تعالى في مرتبة الأجسام. وذلك يوجب لاصطكاك بينه تعالى وبين ما سواه، وتعالى الله عن ذلك. وأما الاستدلال بما رواه الصدوق، مسندا عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رجل عنده: الله أكبر فقال: الله أكبر من أي شيء؟ فقال: من كل شيء. فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته. فقال الرجل: كيف أقول؟ فقال: قل: الله أكبر من أن يوصف. (18) ففيه أن الحديث المذكور لا يدل على سعة الوجود ووحدته وصرافته، بل مراده عليه السلام أن صيغة أفعل في صفاته تعالى منسلخ عن التفاضل. وغرضه عليه السلام في الله أكبر وأمثاله تنزيهه تعالى من هذا التوصيف، أي المشاركة بينه تعالى وبين ما سواه في هذا النعت. فيفيد تنزيهه تعالى عن صفات جميع ما سواه. لأن التفاضل يقتضي المشاركة بين المتفاضلين، أي مشاركة غيره تعالى معه سبحانه في مورد النعت المذكور كي يكون تعالى أكبر منه، تعالى الله عن ذلك. وبعبارة أخرى: التفاضل متوقف على وحدة المرتبة بن المتفاضلين وليس شيء مما سواه تعالى في مرتبته جل ثناؤه. وقال الفيض: وجود الممكنات ليس يغاير الوجود الحق الباطن المجرد عن الأعيان والمظاهر إلا بنسب واعتبارات كالظهور والتعين والتعدد الحاصل بالاقتران وقبول حكم الاشتراك ونحو ذلك من النعوت التي تلحقه بواسطة التعلق بالمظاهر. فللوجود اعتباران: أحدهما من حيث كونه وجودا فحسب وهو الحق وإنه من هذا الوجه لا كثرة فيه ولا تكرير ولا صفة ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا نسبة ولا حكم بل وجود بحت.

والاعتبار الآخر من حيث اقترانه بالممكنات وشروق نوره على أعيان الموجودات. وهو سبحانه إذا اعتبر تعين وجوده مقيدا بالصفات اللازمة لكل متعين من الأعيان الممكنة، فإن ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى، وينضاف إليه سبحانه إذ ذاك كل وصف ويسمى بكل اسم ويقبل كل حكم ويتقيد بكل رسم ويدرك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم. وذلك لسريانه في كل شيء بنوره الذاتي المقدس عن التجزي والانقسام والحلول في الأرواح والأجسام، ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء. وهو في كل وقت وحال قابل لهذين الحكمين المذكورين المتضادين بذاته لا بأمر زائد عليه. (19) أقول: أساس القرآن الكريم والعلوم الإلهية في باب معرفته تعالى وتوحيده وصفاته ونعوته جل ثناؤه على المعرفة الفطرية الضرورية. وهذه المعرفة التي هي صنعه الحكيم وفعله الجميل ليست إلا بتعريفه تعالى نفسه إلى عباده وليس للعباد فيها صنع - وقد تفضل تعالى بها عليهم - وليست بتصور وتعقل وتوهم وإثبات منهم، وليست من باب كشف ما كان مجهولا ومشكوكا. وإنما هي معرفة الرب بالرب، كما بسطنا الكلام في ذلك مستوفى في باب معرفته تعالى وتوحيده. وإثباته تعالى بالآيات والعلامات، ليس من باب إثبات أمر مجهول ومشكوك بالبرهان المنطقي. ولا يحتاج إثبات آيتية الآيات ومخلوقية العلامات إلى جدال وخصام وإقامة برهان على أنها مجعولة ومخلوقة لله سبحانه. ولا يحتاج أيضا إلى مكاشفة الصوفي. وليست الآيات والعلامات معلولات للعلة الأولى ولا من تطورات الحق الأول وتنزلاته وتعيناته وإنما هي مخلوقات ومصنوعات ومدبرات بالبداهة.

ومرجع الاستدلال بالآيات على الصانع سبحانه وإثباته بها ليس إلا التذكر والتنبيه على ما يعرفه الإنسان بالفطرة وقد نسيه وغفل عنه بعوامل تضاده وتزاحمه من تربية الآباء والأمهات. والأباطيل والأضاليل الدائرة في الاجتماع، وتغلب الفراعنة والجبابرة والمستكبرين الذين لا يزالون يتلاعبون بالحقائق الثابتة، لا أن الآيات معرفة إياه وكاشفة عنه سبحانه. ونتيجة هذا الاستدلال بروز المعرفة الفطرية المنسية وإخراج الصانع عن الحدين. فهذا الاستدلال إرشاد وتذكرة وتأييد وتثبيت لما كانوا يعرفونه. والأنبياء والربانيون مذكرون لا مصيطرون. فالاستدلال بالآيات متأخرة عن المعرفة الفطرية رتبة. وحيث إنه سبحانه تجلى لخلقه بخلقه وتعرف إلى عباده بآياته والناس لا يقدرون على استقصاء آياته وعلامات، فأشد الناس معرفة بالله وكمالاته ونعوته، هو أقدرهم وأقواهم على التدبير والتفكر في خلقه وأعلمهم بصنعه تعالى وسننه سبحانه. فتحصل أن الله سبحانه أجلى وأوضح من أن يعرف بخلقه. فهو الشاهد على نفسه وتوحيده وكمالاته وقدسه وعلوه وامتناعه عن كل ما يقولون. وهو الشاهد على استحالة تشبيهه بخلقه وتطوره بأطوار خلقه وتنزله في مرتبة مخلوقاته وتعينه بحدودها وقبوله الأحكام الجارية على ما سواه سبحانه.
 ب - قال المولى المحقق صدر الدين الشيرازي: 
تنبيه: إياك أن تزل قدمك من استماع هذه العبارات وتتوهم أن نسبة الممكنات إليه تعالى بالحلول والاتحاد ونحوهما. هيهات! إن هذه يقتضي الاثنينية في أصل الوجود. وعندما طلعت شمس الحقيقة وسطع نورها النافذ في أقطار الممكنات، المنبسط على هياكل المهيات، ظهر وانكشف أن كلما يقع عليه اسم الوجود ليس إلا شأنه من شؤون الواحد القيوم، ولمعة من لمعات نور الأنوار. وما وضعناه أولا بحسب النظر الجليل من أن في الوجود علة ومعلولا أدى بنا أخيرا من جهة - وهو نمط أخرى من جهة السلوك العلمي والنسك العقلي - إلى أن المسمى بالعلة هو الأصل والمعلول شأن من شؤونه وطور من أطواره، ورجعت العلية والإفاضة إلى تطور المبدأ الأول بأطواره وتجليه بأنواع ظهوراته . (20)
 أقول: يرد عليه جميع ما أوردناه من المناقشة على مقالة المحدث الكاشاني. وليت شعري كيف غفل هذا الفيلسوف الكبير ونزله تعالى عن مرتبة الألوهية والقيومية إلى مرتبة ما هو قائم به سبحانه؟! كيف وهو سبحانه مهيمن على كل شيء وعلى كل نفس بما كسبت؟! ولا يكون شيء إلا أن يكون أجل وأعلى مقاما منه؟! وكيف يكون هذا المتطور سبوحا قدوسا مستترا في نور القدس؟! على أنا نسأل: ما حقيقة هذا التطور؟ هل كان تعالى متطورا من الأزل؟ أو لم يكن ثم تطور؟ فعلى كل الفرضين فما الفائدة والعائدة في هذا التطور؟ وهل كانت فيه تعالى نقيصة أو ضايعة أراد بالتطور استدراكها واستكمالها؟! وهل كان تعالى يتمنى منزلة ومكانا كان فاقدا لها وأراد بالتطور نيلها ووجدانها؟! والتنزل عن مرتبة القدس والكبرياء والعظمة لا يجوز للفاعل الحكيم الغير المجازف بأي فرضية افترضوها وبأي توجيه وجهوه. ونسأل أيضا: هل كان التطور صادرا منه تعالى وكان تعالى فاعله بالعناية أو كان فاعله بالرضا؟ وعلى كلا الوجهين لا يكون التطور فعلا عمديا واختياريا له تعالى لفائدة وغاية حكيمة معقولة. وكيف كان فهذه المقالة مخالفة للفطرة المقدسة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير بهذه الفرضيات الوهمية. وهذه حجة الله الغالبة وبرهانه النوري على كل من خالفها وأعرض عنها.
(الهوامش):
(1) عين اليقين / 305. (*) 
 (2) البقرة (2) / 115. 
(3) البقرة (2) / 144. 
(4) أحكام القرآن 1 / 77. 
(5) وسائل الشيعة 3 / 227. (*)
 (6) المصدر السابق / 242. 
(7) مجمع البيان 1 / 228. 
(8) تفسير الصافي / 46. 
(9) البقرة (2) / 272. 
(10) الروم (30) / 38. 
(11) القصص (28) / 88. (*)  
 (12) التوحيد / 149. 
(13) المصدر السابق / 149. 
(14) المصدر السابق / 149. 
(15) الكافي 1 / 144. (*) 
(16) تفسير الصافي / 411. 
(17) الرحمن (55) / 26 و27. 
(18) التوحيد / 313. (*) 

(19) عين اليقين / 246. (*)
(20) المشاعر / 83. (*)
المصدر: توحيد الامامية

الأحد، 14 سبتمبر 2014

الرد على شبهات ابن عربي (السيد عبد الله شبر)


شبهة محيي الدين بن العربي في انقطاع العذاب وزواله:

اعلم انه لاخلاف بين كافة المسلمين في ان الكفار الذين تمت عليهم الحجة مخلدون في النار وفي العذاب ، وقد تظافرت بذلك الايات وتواترت به الروايات عن النبي والائمة الهداة، بل هو ضروري الدين لاخلاف فيه بين احد من المسلمين ، إلى ان انتهت النوبة الى بعض من ينتحل الإسلام من المتصوفية والمتفلسفين ، فتركوا التمسك بكتاب الله الذي : (لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وبسنة رسول الله الذي : (لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) (النجم13) . واستبدلوا بأوهامهم الفاسدة وارائهم الكاسدة ، فزعموا ان الكفار وإن كانوا مخلدين في النار إلى مالا نهاية له ـ، إلا ان عذابهم لابد له من انقطاع وزوال، فتكون النار عليهم بردا وسلاما بعد ذلك . وأول من فتح هذا الباب فيما أظن محيي الدين العربي ، فقالوا في الفص اليونسي من فصوص الحكم : وأما اهل النار فمألهم الى النعيم ولكن في النار ، إذ لابد لصورة بعد انتهاء مدة العذاب ان تكون بردا وسلاما على من فيها وهذا نعيمهم. فنعيم اهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين القي في النار .
وقال في الفص الاسماعيلي : الثناء بصدق الوعد لابصدق الوعيد ، والحضرة الالهية تطلب الثناء المحمود بالذات ، فيثنى عليها بصدق الوعد لابصدق الوعيد ، بل بالتجاوز : ( فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله) ولم يقل وعيده ، بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع انه توعد على ذلك، وصرح بذلك ايضا في الباب الثامن والخمسين من الفتوحات ، وقال في الباب الخامس والثلاثمئة منها : ولابد من حكم الرحمة على الجميع ، اي اهل الجنة والنار ، ثم قال ولايلزم ممن كان من اهل النار الذين يعمرونها ان يكونوا معذبين بها ، فإن أهلها وعمارها وخزنتها وهم ملائكة ، وما فيها من الحشرات والحيات وغير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة ولاواحد منها يكون النار عليه عذابا،كذلك من يبقى فيها لايموتون فيها ولايحيون ، وكل من ألف موطنه كان به مسرورا، وأشد العذاب مفارقة الوطن، ولو فارق النار اهلها لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له، وإن الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الوطن ، فعمرت الداران وسبقت الرحمة الغضب، ووسعت كل شيء جهنم ومن فيها والله ارحم الراحمين كما قال عن نفسه.

قد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم الله على الرحمة ، انهم يرحمون جميع عباد الله حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم . وقد قال تعالى عن نفسه انه ارحم الراحمين ، فلايشك أنه أرحم منا بخلقه ، فكيف يسرمد العذاب عليهم . وهو بهذه الصفة العامة ان الله اكرم من ذلك ، ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على ان الباري لاتنفعه الطاعات ولاتضره المخالفات ، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه ، وان الخلق مجبورون في اختيارهم . انتهى ملخصا.
وتبعه على ذلك القيصري وعبد الرزاق الكاشي وغيرهما ، والعجب من المحقق الفيلسوف الشيرازي ، والمحقق المحدث الكاشاني ، حيث تبعاه الاسفار وعين اليقين والمعارف ، وقد استقصينا كلماتهم في كتابنا مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار . واستند بعض هؤلاء في ذلك إلى حديث عامي مقطوع مرسل ، وهو سيأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير . وما رواه البغوي في معالم التنزيل عن ابن مسعود قال : ليأتين على جهنم زمان ليس فيها احد ، وذلك بعد مايلبثون فيها احقابا . هذا خلاصة ماشيدوا به هذا المطلب العظيم المخالف للقرأن الكريم والسنة وضرورة الدين في الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت ، وأنه لأوهن البيوت.

الجواب على شبهة محيي الدين العربي:
أقول وبالله التوفيق وبيده ازمة التحقيق لايخفى فساد مازعموه وبطلانه من وجوه:
الأول: ان مرسلة الجرجير ومقطوعة ابن مسعود مع انهما في غاية الضعف ونهاية القصور ، ولم يوجد منهما عين ولا اثر في كتب الإمامية، مخالفان للقرأن ، وقد تواتر عنه صلى الله عليه واله وسلم فيما رواه الفريقان كل حديث لايوافق كتاب الله فهو زخرف، مع أته قد روى ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن موفق مولى أبي الحسن أي الكاظم عليه السلام قال : كان مولاي أبو الحسن إذا أمر بشراء البقل يأمرني بالاكثار من الجرجير ، فيشتري له، وكان يقول ما أحمق بعض الناس يقولون إنه ينبت في وادي جهنم والله عز وجل يقول: (وقودها الناس والحجارة) فكيف تنبت البقل.
وروى حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بلغنا انه يأتي على جهنم حين تصطفق ابوابها . فقال لا والله انه الخلود . قلت خالدين فيها مادامت السماوات والارض إلا ماشاء ربك، فقال هذه في الذين يخرجون من النار ، واصطفاق الابواب كناية عن خلوها من الناس ، وهو رد على ابن مسعود ، وربما يتوهم من قوله تعالى في اهل جهنم:
(لابثين فيها احقابا) انقطاع العذاب ،فقد ذكر بعض المفسرين ان الحقب ثمانون سنة من سني الاخرة ، وقيل ان الاحقاب ثلاثة واربعون حقبا، كل حقب سبعون خريفا، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم الف سنة.
وفي معاني الاخبار عن الصادق عليه السلام في الايات ان الاحقاب ثمانية احقاب والحقب ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمئة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون . ولكن ولكن قد ذكر جماعة من المفسرين ان المعنى احقابا لا انقطاع لها، كلما مضى حقب جاء بعده حقب اخر إلى ابد الابدين ، فليس للأحقاب عدة الا الخلود في النار.
وقال بعضهم ان المعنى : (لابثين فيها احقابا لايذوقون في تلك الاحقاب (إلا حميما وغساقا) ثم يلبثون لايذوقون فيها غير الحميم والغساق من انواع العذاب ، فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار ، وجملة منهم على ان ذلك التحديد لأهل التوحيد ، وهو المروي من طرقنا.
فروى العياشي باسناده عن حمران قال: سألت ابا جعفر عن هذه الأية ، فقال هذه في الذين يخرجون من النار . وروي عن الاحوال مثله.
الوجه الثاني: ماذكروه من حسن خلف الوعيد ، كما قال تعالى : ( ولاتحسبن الله مخلف وعده رسله) ولم يقل وعيده ، بل قال ( يتجاوز عن سيئاتهم)، فاسد من وجوه:
أولا: فإن اثبات الشيء لايدل على نفي ماعداه، ولادليل على وجوب انقطاع مدة العذاب وانتهائه ،بل الادلة على خلافه على أنه لاوعيد بالنسبة للرسل والانبياء.
ثانيا: فلأن الوعيد الذي يحسن خلفه من قسم الانشاء ، ولكن الخلود في العذاب قد دلت عليه الايات والروايات بطريق الاخبار ، وأخبار الله يمتنع فيها الكذب ضرورة.
ثالثا: فلأن الله تعالى قد وعد انبيائه ورسله بالانتقام من اعدائهم وخلودهم في العذاب الدائم ، وعد من الله لأنبيائه يمتنع خلفه ، فتكون الاية ردا عليهم.
رابعا: فإن مقتضى شبهاتهم المذكورة ان الكفار لايستحقون الخلود في العذاب ، بل لايجوز ذلك عليهم . ووعيد الله لهم بالعذاب ودوامه يدل على استحقاقهم لذلك ، حتى يحسن ويصدق العفو ، فيلزمهم إنكار أصل الوعيد ، وإنكاره تكذيب للقرأن وما يقال من أن الغرض من هذا الوعيد اصلاح الخلق لينزجروا عن المعاصي ففاسد، إذ لو تم لقام في أصل العذاب ايضا ، وهم لايقولون به. وبقيام هذه الاحتمالات الواهية الركيكة ينسد باب التكليف ، ويرتفع الوثوق بأقوال برب العالمين والانبياء والمرسلين، ويلزم منه الخروج عن زمرة المسلمين.
خامسا: فإن قوله تعالى (ويتجاوز عن سيئاتهم ) مخصوص ببعض أهل المعاصي من فرق المسلمين الذين لايخلدون ، كما ذكره المفسرون ووردت به الروايات ، غلى ان التجاوز لايتحقق إلا قبل دخول جهنم أو بعد الدخول مع الخروج عنها ، وأما دفع العذاب
عنهم وهم فيها بعد عذابهم بقدر مايستحقونه فلا يسمى ذلك تجاوزا بل عدلا على زعمهم.
الوجه الثالث :ان قولهم ان الطاعات لاتنفع الله والمعاصي لاتضره كلام حق، بل الطاعات تنفع فاعليها والمعاصي تضرهم . وقولهم ان الخلق مجبورون في حال اختيارهم ظاهرة الجبر وحينئذ فأصل عذابهم قبيح فضلا عن دوامه.
الوجه الرابع : ان مايزعمون من ان من له ادنى رحمة من العباد لايرضى بدوام عذاب عدوه ، وإن اساء معه ما أساء فما ظنك بأرحم الراحمين فيه.
أولا: ان هذا يقبح اصل العذاب ونوعه فضلا عن دوامه.
وثانيا: ان قياس ارحم الراحمين على رحمة العبد الجاهل المسكين قياس مع الفارق، إذ الفرق واضح بين الإيلام بطريق الاصلاح ، وبين العقوبة بطريق الاستخفاف والاستهانة وتعذيب الكفار من الثاني كما قال تعالى : (اخسأوا فيها ولاتكلمون) (ذق انك أنت العزيز الكريم) (خذوه فغلوه) الاية، وفرق بين حال العبد الضعيف الجاهل العاجز وبين الرب الخالق العالم الجبار القهار ، الا ترى ان انواع الامراض والاوجاع والزمانات والبلاء والابتلاء والتعذيبات الواقعة في الدنيا التي ابتلى بها خلقه لحكم ومصالح هو اعلم بها ، لو فوضت إلى اقسى العباد قلبا وأجفاهم غلظة لرفعها عن الناس ولم يرض بها ، سيما بالنسبة إلى الاطفال والصبيان والرضع والمشائخ والعاجزين، فكيف يقاس فعل رب العالمين بحال الجاهل المسكين ، على أ، افعال الله في الدنيا فضلا عن الاخرة تعجز عن ادراكها العقول ، كإنزال أنواع العذاب على الامم السالفة والقرون الماضية ، وجعل الله تعالى إدخال مقدار الحشفة في اللواط موجبا للقتل والحرق، مع ان الله تعالى يقول في شأن اهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) ويقول سبحانه: (من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) (الاسراء72). على ان جملة من محققيهم قد ذكروا في جواب من ادعى قبح اصل العذاب ان العذاب ليس بفعل منتقم خارجي ، بل هو من لوازم أفعالهم ونتائج اعتقاداتهم واعمالهم، وحينئذ فكما يصح ان يكون العذاب والعقوبة من نتائج الاعمال يصح ان يكون بعض انواعه نتيجة لدوام العذاب والعقاب .
الوجه الخامس: ان غاية مايدل عليه حسن خلف الوعيد وشمول الرحمة ونحوهما حسن العفو والتجاوز، ويدعي الخصم وجوب العفو وقبح دوام العذاب، فإن كان دوام العذاب والعقاب عدلا فلا قبح فيه، وإن كان ظلما وجورا فلا معنى للتجاوز والعفو.
الوجه السادس: ان هؤلاء كأنهم لم يتدبروا الايات المتظافرة والروايات المتواترة الدالة على دوام العذاب واستمرار العقاب ، قال تعالى ردا على اليهود الذين زعموا ان العذاب يصيبهم مدة أيام عبادتهم العجل ثم ينقطع عنهم: (وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولوا على الله مالاتعلمون) (البقرة 80) . وقد ذكر المفسرون ان السبب في نزولها ماذكر وورد في اخبارنا ذلك.
وقال تعالى : ( ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلايخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) (البقرة 85).
وقال تعالى: ( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفارأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب) (البقرة 161) . وقال ايضا : (خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون) (البقرة 162)
وقال تعالى: (إن الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) (النساء 56).
وفي ايات عديدة(مأواهم جهنم وساءت مصيرا) و(بئس المصير)، و(بئس المهاد)، و(عذاب اليم)، و(عذاب مهين) ، (وبئس مثوى الظالمين).
وقال تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملء الارض ذهبا ولو اقتدى به اولئك لهم عذاب اليم)(ال عمران 91)
وقال تعالى (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم) (ال عمران 188)
وقال تعالى (ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون ان يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم)(المائدة 36)
وقال تعالى (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون الا بما كنتم تكسبون) (يونس 52)
وقال تعالى (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولايكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وماهو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) (ابرهيم15)
وقال تعالى : (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلايخفف عنهم ولا هم ينظرون) (النحل 85)
وقال تعالى : (ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) (النحل 58). وقال تعالى: (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) (الاسراء 97).
وقال تعالى: (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) (الكهف299).
وقال تعالى: ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) (الحج 20).
وقال تعالى حكاية عن اهل النار: ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسأوا فيها ولاتكلمون) (المؤمنون 107).
وقال تعالى : (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (الفرقات 69)
وقال تعالى: (ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) (يونس 52)
وقال تعالى: (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها) (السجدة 20) . وقال تعالى: (والذين كفروا لهم نار جهنم لايقضى عليهم فيموتوا ولايخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا -إلى أن قال- فذوقوا فما للظالمين من نصير)(فاطر 36-37)
وقال تعالى: (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)(غافر 49).
وقال تعالى: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لايفتر عنهم وهم فيه مبلسون وماظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) (الزخرف 77). أي لابثون دائمون في العذاب كما ذكره المفسرون . وعن ابن عباس والسدي: إنما يجييبهم بذلك مالك بعد الف سنة ، إلى غير ذلك من الأيات الكثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية وقد بسطنا الكلام في هذا المرام في (مصابيح الأنوار).
المصدر : (حق اليقين في معرفة أصول الدين ج2 (ص499-ص506))

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الشبهات الواردة على المعاد (السيد عبد الاعلى السبزواري)


أوردت شبهات كثيرة على المعاد , ولكن اهمها ثلاث:
ألاولى : مااصطلح عليها في كتب الفلاسفة والمتكلمين بشبهة الاكل والمأكول وتعرض لها بعض كتب الفلسفة الحديثة ايضا وهي قديمة ترجع جذورها الى ماقبل الاسلام كما يستفاد من الايات المباركة، وحاصل الشبهة أنه إذا تورد على بدن الانسان صور اشياء مختلفة،كأن صار الانسان مثلا فريسة لسبع وصار السبع لفريسة اقوى منه ثم استحال الجميع الى تراب ، واستحال التراب الى نبات ،وصارت هي مأكول الحيوان أو الانسان ، فكيف يمكن ان يعود بدن الانسان الذي تواردت عليه صور شتى في المعاد، وهل يعاد بالبدن الاولي والهيكل الاصلي الانسان والمفروض انعدامه بالكلية؟او بالصورة العارضة عليه:
فيلزم اولا:ان لا يعود البدن او الجسم الموجود في دار الغرور في عالم الحشر والنشر وهو خلاف ماتقدم من الادلة الدالة على اثبات المعاد الجسماني.
وثانيا:يلزم تنعيم من لم يصدر منه فعل الطاعة . وتعذيب من لم يصدر منه منشأ العقاب .وهو باطل بالضرورة, وهذا هو اصل الشبهة.
ولكنها باطلة, لما تقدم من ان الصور التي تعرض على الشيء و تتغير لا تنافي بقاء المواد الاولية لذلك الشيء, فهي باقية ومحفوظة وان تبدلت الصور العارضة عليها وحصلت التطورات,لكن المادة الاولية باقية,لذلك الشيء, فهي باقية ومحفوظة وان تبدلت الصور العارضة عليها وحصلت التطورات,لكن المادة الاولية باقية,نظير المضغة التي تكون في مصير الاستكمال الانساني , فهي موجودة في الانسان وان بلغ من العمر ما بلغ, ولكن تتبدل عليها الحالات والصور الكثيرة,و المعاد الجسماني ايضا كذلك,فيكون التعذيب واردا على من صدر منه فعل المعصية,والتنعيم على من صدر منه فعل الطاعة, وهو باق وان عرضت عليه صور كثيرة.مع ان العلم الحديث في التجزئة والتحليل تمكن من تجزئة المواد في الجسم,وامتياز المواد الحيوانية عن النباتية, وهما عن غيرهما, فكيف بقدرته تعالى؟!
ولا فرق بين ان يكون الاكل هو الحيوان او يكون انسان اخر, كما لو اكل انسان انسانا اخر,فالجواب في الجميع واحد.
واصل الشبهة ناشئة من تحديد قدرة الخالق وقياسها على قدرة المخلوق,مع ان قدرة المخلوق امكنها السيطرة على حفظ المواد الاولية في الجسم وامتيازها عن غيرها,بل ونموها كما عرفت,وهذة الشبهة مقررة في القران الكريم بنحو الاجمال:
قال تعالى: (من يحي العظام وهي رميم)(سورة يس الاية 78)
وقال تعالى: (أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على ان نسوى بنانه)(سورة القيامة الاية 3و4 )
الثانية: أن المعاد إنما هو لتعذيب الاشقياء وتنعيم السعداء ، وهذه النتيجة يمكن ان تحصل في هذه الدنيا وفي هذا العالم فلا يحتاج الى التعذيب في عالم الاخرة فيعذب الله تعالى الاشقياء في في هذه الدنيا حتى يرد الجميع الى عالم الاخرة بلا منشأ للعقاب ، فيردون الجنة بغير عقاب ، فيكون التعذيب في هذا العالم بمنزلة التوبة الممحاة للذنوب ، وهذه الشبهة كثيرة الدوران في الفلسفة الحديثة.
ولكنها باطلة اولا: لأن الله تبارك وتعالى جعل للذنوب في هذه الدنيا ما يوجب محوها وإزالتها ، كالحدود والتعزيرات والديات والكفارات والتوبة والاستغفار والتكفير، قال تعالى : (إن تجنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)(سورة النساء الاية 31) فأي إنسان عمل بذلك ، فلا ذنب له فيتحقق التعذيب في هذا العالم بالحدودوالتعزيرات والديات والكفارات والتوبة والاستغفار والتكفير ، قال تعالى :(إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) فأي انسان عمل بذلك ، فلا ذنب له فيتحقق التعذيب في هذا العالم بالحدود والتعزير والديات وغيرها ، فلا موضوع لهذه الشبهة ، فأن الله تعالى أجل من أن يعذب العاصي مرتين.
وثانيا: أن كثيرا من المعاصي في هذه الدنيا ناشيء من سوء السريرة وفساد الطينة اقتضاءً، وهذا العالم بزمانه وزمانياته قاصر عن تعذيب مثل  هذه السريرة ،لأن هذا العالم متناه، والسريرة فيها اقتضاء عدم التناهي، فلابد وأن يؤجل الى عالم الاخرة.
وثالثا: أن هذا  العالم ظرف الاستكمال في جميع الجهات ، والتعذيب مناف له ، نعم بعض اثار الذنوب تظهر في هذه الدنيا ، وأنها مم الاثار الوضعية ، ولابرط لها بالتعذيب والمعاد .
الثالثة :ان المعاد الجسماني مستلزم للتناسخ الباطل -كما سيأتي- فيكون المعاد الجسماني باطلا كذلك، خصوصا بعد اشتمال الادلة السمعية على حشر بعض أفراد الانسان بصورة بعض الحيوانات.
والجواب عنها: أن المعاد الجسماني ليس من التناسخ في شيء ، وبينهما تباين كلي، لأن التناسخ الباطل عبارة عن انتقال الروح من بدن هذا العالم إلى بدن غيره ، كل منهما في عرض الاخر، وأما بقاء الروح إلى عالم اخر طولي وتغيير بدنه حسب المقتضيات والملكات، فلا ربط له بالتناسخ اصلا، بل يكون المقام نظير ماإذا ابتلى بدن الانسان بمرض ، بحيث زالت محاسنه وذهبت هيئته  وصفاته بالمرة لأجل الجهات الخارجية مع بقاء روحه ، فكم من شخص كان في غاية الجمال في شبابه فصار قبيحا في هرمه وشيخوخته ، وكم مرغوب إليه في سن فصار مرغوب عنه في سن اخر، وهكذا فالمعاد الجسماني من هذا القبيل . هذا فيما إذا تغير البدن في عالم الحشر ، وأما إذا لم يتغير فلا موضوع للشبهة أصلا.
المصدر : مواهب الرحمن ج5 من ص106 الى ص109

الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

موقف السيد محمد سعيد الحكيم من العرفان

 

س: تنتشر بين الشباب المؤمن الآن ظاهرة العرفان ، والروحان ، والعالم بالله ، والعارف بالله ، والسالك و... إلخ ، وغيرها من الألفاظ التي تجذب الشباب المؤمن ، ما معنى هذه الألفاظ ؟ وهل هذا الطريق واجب على المكلفين أم لا ؟ وإن لم يكن واجب فهل سلوكه صحيح ؟ وكيف يكون السلوك ؟ وغيرها من الأسئلة حول هذا الموضوع ؟

ج: هذه ألفاظ تبتني على دعاوى لا برهان عليها ، ولا تستقي من معارف أهل البيت ( عليهم السلام ) بوجه يصلح الاحتجاج عليه ، فاللازم الحذر ممن يدعي ذلك ، فإنهم بين مغفل مغلوب على أمره ومضلل مفتر يخشى منه على الدين والمؤمنين ، وربما يصل بهم الأمر إلى تحليل المحرمات وانتهاك الحرمات ، كما وصل إلى ذلك غيرهم وإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإنه لا سوق لهذه الدعاوى إلا بين الناس البعيدين عن المعارف الحوزوية الأصلية ، بسبب ضعف الحوزة وقلة الممثلين الصحيحين لها .

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

الشيخ الفياض يحذر من تدريس العرفان على ضوء كتاب ابن عربي



"سمعنا ان في هذه الحوزة المباركة يدرس العرفان على ضوء كتاب ابن عربي، وهذا خطر على الحوزة ولا سيما على شبابنا، فان كتاب ابن عربي كل من قرأ من هذا الكتاب يعتقد إنّه زنديق ولا إيمان له في الله تعالى وتقدس، فالعرفان هو الأحكام الإلهية، العرفان حقيقة هو معرفة فقة آل محمّد (عليهم السّلام) هذا هو العرفان الحقيقي، ولهذا الإلتزام بالعرفان الحقيقي هو معرفة الأحكام الإلهية وفقه آل محمد (عليهم السّلام)، والعمل بها هو حقيقة التقوى الذي اشار إليه الله تعالى في قوله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" وقد فُسّر في الروايات حقيقة بالإلتزام بالواجبات الإلهية والاجتناب عن المحرمات، هذه هي حقيقة التقوى، العرفان بمعنى كشف الحقائق ورفع الستار عن الحقائق كما هو مصطلحهم بمعنى كشف الحقائق والعلم بالغيب مجرد وهم ولا حقيقة له ولا واقع له وخلاف النص لقوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ".
ومن هنا يكون هذا الدرس خطر على الحوزة ولا سيما على شبابنا، وعلينا أن نكون في يقظة وحذر من هذه الأمور"

رابط المقطع:https://www.youtube.com/watch?v=-cFUrrPZass 
رابط المحاضرة كاملة:http://alfayadh.org/ar/#post?type=news&id=6174

إجابة الشيخ علي الجزيري عن سؤال حول دراسة الفلسفة والعرفان


إجابة  الشيخ علي الجزيري عن سؤال حول دراسة الفلسفة والعرفان وهل في ذلك نفع؟

الجواب:
اما انها نافعة فنحن لاننكر وجود النفع , كنا في اول سنة درسنا في الحوزة درسنا عند شيخ عراقي لاادري هل هو حي او ميت على اي حال نسأل الله سبحانه ان يشمله بالطافه ورحمته حيا كان او ميتا كان يقول اقرأوا فأنه لايوجد كتاب لانفع فيه ولو لم يكن فيه من المنفعة الا ان تعرفوا ان بعض الكتب لافائدة منها لكفى فنحن لاننفي ان تكون هذه مشتملةعلى بعض النفع ولكن ان يضيع الانسان عمره باعتبار ان العمر عمر الانسان مثل مال الانسان انت تذهب الى السوق وعندك الف دينار (تأتي الى الحياة ليس عندك الف سنة ولكن نحن نضرب مثالا هب انه عندك الف سنة) وتعطى قائمة بالامور التي يسمح لك بشرائها لاتشتري شيئا غيرها الى اخر الشهر مثلا فهل تشتري بهذه الالف دينار اجهزة لتقطيع الحديد او لتقطيع الخشب او للحم الحديد او تشتري بها ما تقيم به صلبك اولا ثم اذا زاد شيء تشتري ما تحفظ به هيئتك امام الناس فاذا زاد شيء تشتري ماتتسلى به مثلا ماالذي يقعله العقلاء يشترون الالات تقطيع الحديد ولحمها ويموتون جوعا او يشترون مايقيمون صلبهم اولا اذا عندك مدة زمنية محدودة تعيشها في هذه الحياة هذه المدة الزمنية فيها ايضا مدة زمنية قصيرة جدا هي مدة التحصيل العلمي الجاد (مدة الاكتساب) هب ان هذه المدة تبدأ من ال15 الى ال 40 قل الى 55 ، (40) سنة لاتكفي لتحصيل ما يقيم صلبك من العلوم علم العقيدة وعلم الشريعة والعلم بكتاب الله لايمكنك ان تكتسب في 40 سنة كل هذه العلوم ولو اننا نظرنا الى الفقه فقط نجد ان الشيخ عبد الكريم الحائري رحمه الله وهومؤسس حوزة قم الحديثة (حوزة قم لها ادوار واطوار حوزة قم الحديثة اسسها الشيخ عبد الكريم الحائري توفي سنة 1355 او 1354 يعني قبل 80 سنة ) قبل ثمانين سنة والشيخ عبد الكريم رحمه الله كان يدعو الى تقسيم الفقه وان يجعل الفقه تخصصات متعددة لأن عمر الانسان لايكفي لتحقيق ودراسة دورة كاملة في الفقه الذي تجدونه في المنهاج عمر الانسان لايكفي لتحقيق كل هذا فلابد ان يقسم الفقه يجعل كتاب الطهارة مثلا يختص به فريق من العلماء كتاب الصلاة يختص به فريق من العلماء كتاب البيع يختص به جمع من العلماء الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله بقي اكثر من خمسة عشر سنة في دراسة (يدرس يعني دراسة علمية يدرس لكن تدريسته لهذا الكتاب يواكب تحقيقه لهذا الكتاب) كتاب البيع والخيارات، كتاب البيع والخيارات في المنهاج كم صفحة؟ ربما 30 صفحة 15 سنة يعني كل سنة صفحتين اذا عمر الانسان لايكفي للفقه فكيف يأتي الانسان لهذا العمر القصير مع هذا العمل الكثير يأتي ليهدر من عمره سنوات في دراسة افرضوا فصوص الحكم او غيره من الكتب ثم ان العلماء الذين تبحروا في هذه العلوم كالشيخ مهدي الاصفهاني وهو احد اقطاب حوزة مشهد كان يحارب هذه العلوم محاربة شديدة مع انه درسها وتبحر فيها كان يحاربها محاربة شديدة وماذاك الا لأجل أن عمر الانسان لايكفي لو كان عمر الانسان يكفي فالعلم كمال تعلم اي شيء ولكن عمرك لايكفي وهناك اولويات ينبغي تقديم الاولى فالاولى الشيخ الوحيد حفظه الله ايضا له كلمة في هذه العلوم يقول: انني محيط بكتاب الاسفار من اول مسئلة فيه الى اخر مسئلة وهي عندي ويقصد بانها عنده ان حقائق هذه المسائل وغوامضها عنده ومع ذلك فأنها جميعا هباء منثور الا ماكان راجعا الى كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام هذا هو العلم الحقيقي واما تلك الكلمات فهي خواء فالانسان اذا اراد ان يأخذ علما يأخذ الزبد او يأخذ ماينفع الناس مامن شك ان كل عاقل يختار ماينفع الناس لأن الزبد يذهب جفاءا والعلم نقطة كثرها الجاهلون فاذا ينبغي للانسان ان يعتكف على كتاب الله وعلى سنة نبيه صلى الله عليه واله وان يأخذ العلم من هذين المصدرين واما كلام الفلاسفة والصوفية وغيرهم فإنه لاطائل وراءه بل هو تضييع للعمر العزيز.
رابط مقطع الفيديو:





الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

شأن العقل في طریق معرفة الله تعالى (الشيخ حسن الميلاني)









إشارة



إنك لا ترى أحدا من الفلاسفة والعرفاء وعقلاء البشر ـ فضلا عن جهالهم ـ أن یكون مصیبا في طریق معرفة الله ویعرفه حق معرفته، وذلك أن العقل على شرافته وعلو شأنه فشأنه شأن الباصرة مع النور حیث لا ینفع وجودها إلا مع وجوده. والنور هاهنا هو بیان الخالق تعالی وأولیائه المعصومون علیهم السلام .



ثم إنه حیث لا تتم الحجة بقیام أحدهما دون الأخرى فلا یصح ترجیح إحدى الحجتین ـ من العقل والبیان ـ على الأخرى كما یفعله الفلسفي فإن كل واحد منهما یكمّل حجیة الآخر، ویقصر عن إفادة المطلوب باستقلاله، فلا وجه لتوهم المعارضة بینهما أصلا.



فلا تحصل المعرفة ولا تتم الحجة إلا بمعرفة الحجة سلام الله علیه أبدا وتصبح بذلك أصول الدین منحصرة بأصل واحد وهو معرفة المعصوم والتسلیم المطلق لدیه لا غیر،



وإلیك تفصیل البحث:

عظمة شأن العقل



لك أن تقول: إذا كان لا تحصل معرفة الله تعالى إلا ببیان منه تعالی وهدایته فما شأن العقل في طریق معرفة الله‏، وكیف لا یلزم أن تكون المعرفة على ما قلت تعبدیة غیر عقلیة؟!



فأقول: لا شبهة في شرافة قدر العقل وعظمة شأنه، وهو الذي ورد فیه عن العصمة الرّبانیة:



رسول الله صلی الله علیه وآله ‏وسلم:



قوام المرء عقله، لا دین لمن لا عقل له.[1]



لا عدم أشد من عدم العقل.[2]


الإمام الكاظم علیه السلام:



إن الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال «فبشر عباد الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه[3] أولئك الذین هداهم الله وأولئك هم أولوالالباب».[4]



... ثم ذمّ الذین لا یعقلون فقال:... «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذین لا یعقلون».[5]



كان أمیر المؤمنین صلوات الله علیه یقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل... وإن ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه، وإذا كان عالما بربه أبصر دینه... ما قسم الله بین العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وما بعث الله نبیا إلا عاقلا حتى یكون عقله أفضل من جمیع جهد المجتهدین، وما أدي العبد فریضة من فرائض الله حتى عقل عنه.[6]


العقل أو المعصوم؟!



فأقول جوابا عن سؤالك عن شأن العقل في معرفة الله تعالى:



إن امتناع حصول العلم والإقرار بوجود الخالق بلا رجوع إلى البیان، وإنسداد طریق إثبات وجود الخالق إلا من بیان الحجج لا یستلزم أن یكون الأمر تعبدیا غیر عقلي، فلا منافاة بین وجوب الرجوع إلی البیان والأخذ بالعقل.



توضیح ذلك: إنك تارة ترجع إلی البیان وتسأله عن شيء فیجیبك فتقبل قوله لا عن فهم علة الحكم وملاكه ـ كوجوب الإخفات في الظهر ـ مثلا فهو تعبد لا غیر، ومرة أخرى تفهم شیئا بنفسك بلا رجوع إلى أحد كالحكم باستحالة اجتماع النقیضین مثلا وذاك عقلي صرف، ومرة ثالثة تفكر في مشكلة فلا تقدر على حلّها، ثم ترجع إلى غیرك فیستدل لك علیها ببرهان تعقله وتفهمه بعقلك، فتنحل عقدتك من بیانه بقنوع من نفسك، فلیس هذا من التعبد في شيء.



فللعقل في هذه المسألة الثالثة شأن عظیم بحیث أنه لو لا أنك كنت عاقلا لما نفعك البیان، كما أن للبیان أیضا هاهنا لشأنا عظیما لأنه لو لم یكن یصل إلیك البیان لكان عقلك قاصرا عن حلّ المشكلة بنفسه.

وذلك كما أن صحیح العین لا یرى إلا بالنور، والنور أیضا لا ینفع إلا من له عین صحیحة، ولا تحصل الرؤیة إلا بهما معا. وهذا هو الحال

بعینه في حصول العلم بوجود الله تعالى، فإنه لو لم یكن التعریف والبیان من الله تعالى لما حصلت المعرفة ولو لأشرف مخلوق وأكمل موجود:



الإمام الصادق علیه السلام:



لو لا الله ما عرفناه. [7]



كما أنه لو لم یمنّ أصحاب الوحى علیهم السلام بتعریف الخالق تعالى لغیرهم لما حصلت المعرفة لاحد أبدا:



ولو لا نحن ما عرف الله‏.[8]



الإمام المهدي علیه السلام:



نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا.[9]



الإمام الصادق علیه السلام:



بنا عرف الله‏، وبنا عبد الله‏. نحن الأدلاء على الله‏، ولو لا نا ما عبد الله‏.[10]



الإمام الباقر علیه السلام:



بنا عبد الله‏، وبنا عرف الله‏، وبنا وحّد الله‏، ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى.[11]



ولیس ذلك من الله تعالى بالنسبة إلیهم إلا إكراما لشأنهم وإعظاما لحقهم، وإلا فلیس هناك امتناع ذاتي في أن یلهم الله تعالى العلمَ بوجوده كلَّ أحد بلا واسطه، ولكن الله تعالى لم یفعل ذلك بل اقتضى حكمته البالغة أن یجعل الرسول الأعظم وآله صلی الله علیه وآله ‏وسلم أبوابا لمعرفته ومحالا لتوحیده:



الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:



إن الله لو شاء لعرّف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبیله والوجه الذي یؤتى منه.[12]



وسدَّ الأبواب إلا بابه فقال: أنا مدینة العلم وعلىّ بابها، فمن أراد المدینة والحكمة فلیأتها من بابها.[13]

فمن الباطل أن یقال: إنه یمتنع التعریف (بل الخلقة والإیجاد). من الله تعالى إلا بالواسطة بتوهم اقتضاء قاعدة إمكان الأشرف وحفظ مراتب الوجود، وأمثال ذلك من القواعد الفلسفیة الواهیة.


وعلى ما قدّمناه فتمسك القائل بعدم جواز الرجوع إلى المعصوم لإثبات وجود الخالق بلزوم التعبد والدور أو بتوهم خروج معرفة التوحید على هذا البیان عن كونه بالعقل ودخوله في ما یكون بالتعبد مما لا ینبغي التفوه به، فإنه لا منافاة بین كون المعرفة تفضلا من الله تعالى ومن أولیائه[14] محال معرفته وأبواب توحیده بالنسبة إلى من سواهم، وبین كونها عقلیة بعد توجیه المكلف إلى الموضوع اللائق بالإثبات من ناحیة الخالق تعالى:



«ولو لا فضل الله علیكم ورحمته ما زكى منكم أحد أبدا».[15]



الإمام الصادق علیه السلام:



الفضل، رسول الله صلی الله علیه وآله ‏وسلم ؛ والرحمة، أمیر المؤمنین صلوات الله علیه.[16]



فلا یعدّ العقل والبیان حجتان مستقلتان إحدیهما في عرض الأخرى حتى یصبح ما یحصل بالبیان تعبدیة، بل تقصر كل واحدة منهما بالاستقلال عن الحجیة والإفادة في طریق إثبات وجود الخالق المتعال، وهما معا تعدّان حجة واحدة:



«كذلك یبین الله لكم آیاته لعلكم تعقلون».[17]



«قد بینا لكم الآیات لعلكم تعقلون».[18]



«لقد أنزلنا إلیكم كتابا فیه ذكركم أفلا تعقلون».[19]



«لئلا یكون للناس على الله حجة بعد الرسل».[20]



إن الله أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبیین بالبیان.[21]



الإمام الصادق علیه السلام:

حجة الله على العباد النبي، والحجة في ما بین العباد وبین الله العقل.[22]







... ثم بین أن العقل مع العلم فقال: «وتلك الأمثال نضربها للناس وما یعقلها إلا العالمون».[23]



لا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل یعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني ومعرفة العالم بالعقل.[24]



إن لله على الناس حجتین: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمة علیهم السلام، وأما الباطنة فالعقول.[25]



ما بعث الله أنبیائه ورسله إلى عباده إلا لیعقلوا عن الله‏، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنیا والآخرة.[26]



بالعقل استخرج غور الحكمة، وبالحكمة استخرج غور العقل.[27]



وفي خبر إبن السكیت قال: فما الحجة على الخلق الیوم؟ فقال الرضا علیه السلام: العقل، تعرف به الصادق على الله فتصدقه، والكاذب على الله فتكذبه.[28]

 الهوامش:

[1] . كنز الفوائد، 2 / 31؛ روضة الواعظين، 1 / 4؛ بحار الأنوار، 1 / 94 . 158.



[2] . بحار الأنوار، 1 / 88.

[3] . وعلى هذا التفسير فيكون قوله تعالى "أحسنه" مفعولا مطلقا لبيان كيفية الاتباع وليس بمفعول به، فلا تتوهمن أنه يجوز الرجوع إلى كل متكلم والاستماع منه.



[4] . البحراني،"قدس سره": العوالم، كتاب العلم، 81.



[5] . البحرانى، "قدس سره": العوالم، كتاب العلم والعقل، 83.



[6] . بحار الأنوار، 1 / 153؛ البحراني،"قدس سره": العوالم، كتاب العلم والعقل



[7] . بحار الأنوار، 3 / 273.



[8] . التوحيد، 290؛ بحار الأنوار، 3 / 273.



[9] . بحار الأنوار، 53 / 178.



[10] . التوحيد، 152.



[11] . بحار الأنوار، 23 / 102.



[12] . إثبات الهداة، 1 / 59، عن الكافي.

[13] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء الندبة



[14] . فلما رفع الصادق عليه السلام يده قال: الحمد لله رب العالمين، اللهم هذا منك ومن رسولك صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله ‏وسلم، فقال ابو حنيفة: يا اأبا عبدالله أجعلت مع الله شريكا؟! فقال عليه السلام: ويلك إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وما نقموا إلا أن أغنيهم الله ورسوله من فضله ويقول عزّ وجلّ في موضع آخر: ولو أنهم رضوا ما آتيهم الله رسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله. فقال أبو حنيفة: والله كأني ماقرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت. فقال أبو عبد الله عليه السلام: بلى قد قرأتهما وسمعتهما ولكن ألله انزل فيك وفي أشباهك: "أم على قلوب أقفالها" وقال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" بحار الانوار، 10/ 216 عن كنز الفوائد للكراجكي قدس سره، 196.





[15] . نور، 21.



[16] . بحار الأنوار، 9 / 194.



[17] . الأنبياء، 10.



[18] . آل عمران، 118.



[19] . الأنبياء، 10.



[20] . النساء، 165.



[21] . إثبات الهداة، 1 / 41.



[22] . إثبات الهداة 1 / 42.



[23] و العنكبوت، 42؛ البحراني: العوالم، كتاب العقل، 83.



[24] . إثبات الهداة، 1 / 41.



[25] . إثبات الهداة، 1 / 4.



[26] . الكافي، 1 / 16.



[27] . إثبات الهداة، 1 / 42.



[28] . بحار الأنوار، 1 / 105.



.