الجمعة، 26 سبتمبر 2014

مقتطفات للاستاذ محمد رضا الحكيمي في ضرورة التمسك بالثقلين وترك منهج الفلاسفة والصوفية





السير على غير هدى :
لو ان الانسان المفكر العاقل منذ ايامه الاولى كان قد اتبع الانبياء والرسل وجد في طلب المعرفة الصادرة من معن الوحي –وهي وحدها المعرفة الحقة لاغير- ولو انه اخذ ان ينظر الى الامور بمنظار الوحي (1) وأن ينشد المعرفة ويطلب الحقائق ممن يعرفونها حق المعرفة وهم الرسل والاوصياء ويتتلمذ في مدرستهم تلك المدرسة التي تناشد فطرته فتنميها وتتعاهدها بالتربية فتورقها ، ولو انه سمح لنور الوحي ان يلامس قلبه وهو بعد صفحة بيضاء لم ينقش عليها بنقش ، اقول لو انه فعل ذلك لوصل الى معدن النور السرمدي ولانتهل من المين الذي لاينضب ، الذي يجري بأمر ربه (عين صافية تجري بأمر ربها )(2) ولحصل على العلم الصحيح ولما ابتلي بالحجب العقلية والالتباسات الشهودية ، ولما واجه هذا الكم الهائل من التضاد والتناقض. ومن هنا يتضح لنا بجلاء ان العلم الذي لا اختلاف فيه هو ((العلم الصحيح)) فحسب.
(1) بإعتبار ان العقل المجرد عن سلاح الوحي والذي يفتقر الى تربية وارشاد الانبياء وعلوم الاوصياء الشارحة للحقائق الالهية عاجز عن معرفة وادراك حقائق العوالم وهذا امر واضح لاغبار عليه، اذ ان العقل وحده عاجز عن معرفة طبيعيات العالم والحقائق المتعلقة بها فضلا عن غيرها (ان مجرد العقل غير كاف في الهداية الى الصراط المستقيم ).
(2)اصول الكافي 1 ص180

الاختلاف حقيقة لاتنكر :
عندما يكون العلم ((من عند غير الله)) كما هو تعبير القرأن وعندما يكون طريق العقل والتعقل بمنأى عن الانبياء عليهم السلام ، وعندما يكون طريق السلوك والكشف لايتفق مع منحى القرأن وتوجيهات المعصوم بدقة ( بالاضافة الى عدم توافره على العناصر الاساسية الاخرى ) بل تجده مشوبا بمسائل –نظرية كانت او عملية- تمت بصلة الى مذاهب ومشارب أخرى ، واذا ماحدث ان كان هناك حب أخر غير حب ((الهداة من الانبياء والمعصومين )) قد استبد بالنفس الانسانية واستوطن مكامنها واعماقها وداخل المكاشف في مكاشفاته امور أخرى مستقاة من غير ذلك النبع الصافي فعكر صفوها وغير ماهيتها (وهذا ما لامفر منه) بحيث يتعذر معه التمييز بين مراتبها وتخليصها من الشوائب التي لحقت بها ، والفص بين ماهو الحق منها وماهو الباطل ، في مثل هذه الصورة تدخل كل الخصائص الفردية والبيئية والوراثية والتربوية والذهنية والفكرة العقيدية وكذلك الحب والبغض اللذان يمتاز بهما المفكر أو المرتاض كعوامل مؤثرة في عملية المكاشفة ويلقي الحب والبغض بظلالهما واثارهما المختصة بهما على معطيات ومراحل المكاشفة  بل يؤثران حتى على حقيقة الكشف والمكاشفة . ومن الواضح ان الاختلاف الكثير إنما ينشأ من الافكار الكثيرة والطرق المختلفة وهذه حقيقة لايرقى اليها الشك ومسلمة لدى كل المطلعين.
ومما لاشك فيه إن الخصائص والكيفيات تترك تأثيرها على الانسان وعلى نمط التفكير الانساني والتأملات الشخصية ، كما تؤثر على عملية الارتياض والكشف الناتج عن الارتياض بل وحتى الخصائص والفروقات الجسمية والمعيشية هي الاخرى لها مدخلية في التأثير . فقد حكي عن ((طالس الملطي)) (احد الحكماء السبعة في اليونان القديمة ومن مؤسسي العلوم والفلسفة اليونانية) انه لما كان قد عاش في بعض المدن الساحلية –ومع الاعتقاد بوجود حياة أخرى بعد الموت-
كان يرى ان الماء هو مبدأ كل مافي الوجود (الماء جوهر العالم، الماء حي له روح). وهذا مايقال ايضا عن دور البيئة واثرها في فلسفة ((اصالة العمل)) لوليم جيمس ، ويمكن ان نعثر على ذلك في نظرية ابن خلدون ايضا (1).
(1)اذا كانت لهذه الخصائص الخارجية مثل هذه الافكار والنتائج فأن الخصائص الاعتقادية ستكون لها اثارها وخصائصها بطريق اولى . كما يظهر ذلك من خلال مااداه بعض بار العرفاء من اهل السنة من انهم رأوا الخلفاء –في مقام المكاشفة- في رتبة اعلى من منزلة الامام علي عليه السلام اذن الكشف ايضا من دون هداية المعصوم والاستعانة بروحانيته والكينونة في ((مهيمنية المعصوم)) لايكون كشفا حقيقيا بل هو مزيج من الكشف وشبه الكشف.
ولذلك نجد ان بعض الكبار من اهل الكشف بحث موارد الخطأ والاشتباه التي يقع فيها اهل الكشف . ولاريب ان الكشف في مراحله العالية والمهمة انما هو مصباح لايستضاء به إلا عن طريق المعصوم.

دور الهداة (الانبياء والاوصياء):
وفي خضم المعترك الفكري الذي تتقاسمه المذاهب والتيارات الفكرية والمعرفية التي اشرنا إليها لم يتوان الهداة (الانبياء وأوصياؤهم) بدورهم في تحمل اعباء الرسالة فراحوا ينشرون المعارف الالهية بمساعدة الواعين من اتباعهم  ويجهدون انفسهم في سبيل هداية البشرية ويثيرون في النفوس بواعث التفكر والتأمل ويجلون عن الفطرة بها من رين وعن العقل مالحقه من درن (ليثيروا لهم دفائن العقول) (نهج البلاغة الخطبة الاولى) ، واخذوا بترويج ( العلم الصحيح) وتعليمه للناس، وبذلوا جهودا جبارة في هذا المجال ونجحوا في تربية وإعداد رجال عظماء بلغوا شأنا في المعرفة والكمال. إلا أنه –كما أشرنا سلفا- لم يشأ جميع الناس والمفكرون منهم ان يستظلوا بأفياء علم الوحي ويستعصموا بالنظام التربوي  الخاص به ، ولم يلتفتوا الى ان (مجرد العقل غير كاف في الهداية إلى الصراط المستقيم). وأخذوا يغالون في ((العقل البشري)) او المنطق اليوناني ، او ((الكشف العرفاني)) اعتمدوا على هذه الامور بالكامل، فكانت النتيجة ان تعددت الاراء وافترقت المسالك واختلفت الرؤى وظهرت المذاهب والتيارات واحدة تلو الاخرى ، بحيث انك تجد في كثير من الاحيان ان الاستاذ يدين بالمدرسة الاشراقية في حين ترى تلميذه مشائيا وبالعكس. كما وتجد ان مؤلف الكتاب يقول بإتحاد العاقل والمعقول في حين ان المدرس لذلك الكتاب يخالفه في الرأي . وتجد مؤلف الكتاب يقول بالحركة الجوهرية في حين ان المحشي او الشارح لذلك الكتاب يرى خلاف ذلك. المؤلف يقول ((بالمعاد المثالي)) والمدرس يقول ((بالمعاد العنصري)). الاب يكون فيلسوفا او عارفا والابن يصبح فيما بعد مناوئا للفلسفة والعرفان و.... الخ وكذا الحال فيما يسمونه بالفلسفات الغربية .
ومن الطبيعي ان يختلف المفكرون والمرتاضون فيما يتوصلون إليه من اراء واستنتاجات تبعا لاختلافهم واختلاف خصائصهم وامزجتهم والعصور التي عاشوها والبيئة التي نشأوا فيها.
المصدر: كتاب المدرسة التفكيكية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق