الجمعة، 30 مايو 2014

مثال البحر والأمواج يناقض الثنائية بين الخالق والمخلوق (الشيخ حسين النجاتي)

السؤال:
لدي سؤال في العقيدة لا أعرف جوابه, يقول أستاذي والمربي الروحي:

إن العقيدة الصحيحة الكاملة هي: إنه لا شيء موجود سوى الحق تعالى, وإن كل ما هو موجود هو الحق تعالى, والتجلى هو تجليه, وقال إنه لا يمكننا أن نجد مثالا منطقيا على ذلك, وحتى التمثيل بالظل وذي الظل ناقص أيضا.

ولعل أقرب الأمثلة الموضحة هو مثال موج البحر, فالموج ليس خارجا مستقلا عن البحر بمعنى أن يكون هناك موج وهناك بحر, بل هناك موج البحر, وهذه الأمواج الحاصلة إنما هي البحر يتموج, ولكن عندما ننظر إلى الأمر بحسب إدراكنا نرى بحرا وأمواج البحر كأنه هناك بحر وموج, ولكن الموج معنى عارض للبحر وحقيقة الأمر أن ليس هناك سوى البحر, وموج البحر هو البحر, وكذلك حال العالم فهو كموج.

وبالطبع فهو مثال, والحال هو مثل ما قال القائل: (حثوا التراب على مفرقي وعلى مثالي) فالأمر لا مثال له.

ويتمثل بقول الشاعر:
البحــــــــر لا شك عندي في توحده
وإن تعـدد بالأمـــــواج والــــــــزبد
فلا يغرنك ما شاهــدت مــن صــور
فالواحد الرب ساوي العين في العدد

ويقول أيضا: وما البحر إلا الموج لا شيء غيره وان فرقته كثرة المتعدد.

فما نظركم في رأي أستاذي خصوصا أنني متحير في تصديقه؟

* * *
الجواب:
إن ما ذكر في السؤال يتنافى بظاهره مع ما هو من ثوابت العقيدة الإسلامية من وجود ثنائية بين الخالق والمخلوق, وأن الخالق غير المخلوق, وأن الرازق غير المرزوق, وأن العابد غير المعبود, وأن الحادث (وهو المخلوقات) غير الموجد, فالمخلوقات لم تكن موجودة فوجدت, بينما الخالق كان منذ الأزل موجودا لا أول له ولا آخر في الوجود.

فهذه حقائق دامغة توضح أن هناك ثنائية في الوجود, وأن حقيقة الخالق غير المخلوق, فكيف يمكن أن نقول بأن الفرق بين الخالق والمخلوق ليس إلا كموج البحر والبحر, حيث أن موج البحر ليس إلا تجليا من تجليات البحر, وإلا فهو في حقيقته ليس إلا البحر, ولكنه ظهر باسم وتجل جديد, فهل يمكن أن نقول بأن الموجود الحادث الذي لم يكن فكان ليس الإ تجليا للموجود الواجب الخالق الذي كان منذ الأزل, رغم الخلاف الجوهري بين حقيقية وجوديهما, من حيث مسبوقية أحدهما بالعدم وعدم مسبوقية الآخر به, ومن حيث كون أحدهما غنيا لا نقص فيه والآخر فقير بل عين الفقر, لا قوام له إلا بواجب الوجود, وأحدهما فان سيفنى والآخر باق إلى ما لا نهاية له, فهل يمكن أن يكون هذا الموجود الفقير بالنسبة إلى الخالق الغني كموج البحر بالنسبة إلى البحر؟!

والخلاصة: إن أحد الوجودين متناقض مع الوجود الآخر أو متضاد معه في خصوصياته وصفاته, فكيف يمكن أن يكون عينه أو تجليا من تجلياته؟!

نعم, لو أريد بما ذكر في السؤال من التوضيح والتشبيه ما لا يتنافى مع الثنائية التي شرحناها فلا بأس بذلك, لكنه بظاهره متناف ومتناقض معها, ولا مشاحة في التعابير والاصطلاحات.

ولمزيد وضوح الأمر نذكر هنا بعض النماذج من كلمات وأدعية أهل البيت (عليهم السلام) التي توضح تلك الثنائية وتؤكدها:

1- حديث الأمام الرضا (عليه السلام) الجامع لمعالم التوحيد ... والذي جاء فيه :

فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن, اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه, فصعد (عليه السلام) المنبر, فقعد مليا لا يتكلم مطرقا, ثم انتفض انتفاضة, واستوى قائما, وحمد الله وأثنى عليه, وصلى على نبيه وأهل بيته.

ثم قال: (أول عبادة الله معرفته, وأصل معرفة الله توحيده, ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه, لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق, وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ... بصنع الله يستدل عليه, وبالعقول يعتقد معرفته, وبالفطرة تثبت حجته ...

وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له, لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره...

لا تصحبه الأوقات, ولا تضمنه الأماكن, ولا تأخذه السنات, ولا تحده الصفات, ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه, والعدم وجوده, والابتداء أزاله, بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له, وبتجهيزه الجواهر عرف أن لا جوهر له, وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له, وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له, ضاد النور بالظلمة, والجلاية بالبهم, والجسو بالبلل, والصرد بالحرور, مؤلف بين متعادياتها, مفرق بين متدانياتها, دالة بتفريقها على مفرقها, وبتأليفها على مؤلفها, ذلك قوله عز وجل:

(ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون), ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد, شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها, دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها, مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها, حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها, له معنى الربوبية إذ لا مربوب, وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه, ومعنى العالم ولا معلوم, ومعنى الخالق ولا مخلوق, وتأويل السمع ولا مسموع...)

فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه, وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه, لا تجري عليه الحركة والسكون, وكيف يجري عليه ما هو أجراه, أو يعود إليه ما هو ابتدأه؟ إذا لتفاوتت ذاته, ولتجزأ كنهه, ولا متنع من الأزل معناه, ولما كان للبارئ معنى غير المبروء...).

فانظر وتأمل في هذه الفقرات النورانية كيف يوضح الإمام (ع) التناقض والتضاد بين صفات الله تعالى وصفات المخلوقين, وانظر إلى قوله (ع):

(فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه, وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه), ومع التناقض أو التضاد بين الصفات كيف يمكن اعتبار أحد الضدين أو النقيضين ظهورا وتجليا لنقيضه وضده؟!

2 - الدعاء الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام)
(.. أنت الرب وأنا العبد, وأنت المالك وأنا المملوك, وأنت العزيز وأنا الذليل, وأنت الغني وأنا الفقير, وأنت الحي وأنا الميت, وأنت الباقي وأنا الفاني, وأنت المحسن وأنا المسيء, وأنت الغفور وأنا المذنب, وأنت الرحيم وأنا الخاطئ, وأنت الخالق وأنا المخلوق, وأنت القوي وأنا الضعيف, وأنت المعطي وأنا السائل, وأنت الرازق وأنا المرزوق..)

وهاتان الفقرتان من الدعء أيضا تؤكدان ما دل عليه حديث الإمام الرضا (عليه السلام) المتقدم, إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة في الكتاب والسنة, هذا مضافا إلى أن البرهان والدليل العقلي أيضا يقضي بالاثنينية بين الخالق والمخلوق.

3 - الدعاء الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام)

(اللهم أنت الواحد فلا ولد لك, وأنت الصمد فلا شبه ذلك, وأنت العزيز فلا يعزك شيء, وأنت الغني وأنا الفقير, وأنت المولى وأنا العبد, وأنت الغفور وأنا المذنب, وأنت الرحيم وأنا المخطئ, وأنت الخالق وأنا المخلوق, وأنت الحي وأنا الميت, أسألك برحمتك أن تغفر لي وترحمني وتجاوز عني, إنك على كل شىء قدير)
  مجلة الحكمة  (العدد 182)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق