السبت، 13 ديسمبر 2014

اله اهل العرفان العاجز!! (الشيخ حسن الميلاني)


ونعود إلى بحثنا في جواب من استغرب إمكان استزادة معرفة الله تعالى وحبّه على فرض كون التوحید هو الإثبات والإقرار فقط. 

فنقول: ألیس من العجب أن یكون الاعتقاد بمعبود یخالف كل مقدار وعدد ویباین كل متصور ومتوهم، ویتعالى عن كل شيء:
«الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله
رب العالمین». (الأعراف، 55).

یدعو عبده الضعیف في كل آن إلى الانغمار في بحار عفوه ورحمته ونعمته وجوده وحنانه:
الإمام السجاد علیه السلام:
... الحمد لله الذی... انتظر مراجعتنا برأفته حلما. 

. (الصحيفة السجادية، الدعاء الأول).
 غیر قابل للزیادة!!
ویكون الاعتقاد بموجود كبیر عظیم لا یعرف رأسه من ذنبه، لا قدرة له ولا اختیار، بل یكون مسخر قانون العلیة والمعلولیة، إن أراد التخلف عنها بشيء لا ترضى له بذلك عباده العرفاء الشامخون!! خوفا من لزوم الصدفة والاتفاق والمحال!!  
الإمام الصادق عليه السلام:
سبحان الله وتعالى ماأعجز الها يوصف بالقدرة لايستطيع التفصي عن الطينة. (بحار الانوار 10/177)
یكون أعلى مراتب العرفان والتوحید!!
ألا تتعجب من خدعة اللعین لابناء البشر حیث لا یرضى لهم بمعرفة رب قادر علیم حكیم مختار مرید یفعل ما یشاء ویحكم ما یرید، ویتعالى عن كل ما یتوهم، فیذهب بهم إلى أن یأخذوا لأنفسهم ربا لا یجوز له الخروج والتخلف عما ألزموه به من: "قانون العلیة الجبریة" و"لزوم السنخیة" و"قاعدة الواحد" و... حیث یقولون:
یا روحانیتي المتصله بالروح الأعلى! تضرّعي إلى العلة التي أنت معلولة من جهتها لتتضرع عني إلى العقل الفعال في صحة مزاجي ما دمت في عالم التركیب ودار التركیب.  (الخيراتيه، 2 / 261، نقلاً عن أفلاطون).
ولعله لا بد لهذا المعبود الموهوم حینئذ من أن یجیبه بلسان حاله، فینادیه:
لبیك! لبیك! یا من صدر عني باقتضاء ذاتي! وتجلي أسمائي وصفاتي! إن جاز لي ـ معذرة عنك! ـ التخلف عن قانون العلیة، ولم یمنعني عن إجابتك لزوم التخصیص في الحكم العقلي!! فعلى عیني، ولكني معذور من إجابتك وإغاثتك لاني بنفسي أنا الواجب المسجون في سجن قانون العلیة والمعلولیة الذاتیه!!
كما أنه لا بد للوجود الصرف اللا متناهي أن یجیبه فیقول:
إني أنا المحتاج بنفسي أیضا إلى صحة المزاج في أسر دار التركیب وعالم التركیب، وأما أنت فما أشركك وما أجرئك علىّ! حیث تعدّ نفسك غیري، وتثبت لنفسك وجودا في قبالى، لاقسم بصرافتي، إن لم یكن كونك كوني ووجودك وجودي، لعذبتك بعذاب لم یخطر على قلبك أبدا!؟
فنقول:
سبحان الله وتعالي، ما أعجز إلها یوصف بالقدرة لا یستطیع التفصي من الطینة.    . بحار الأنوار، 3 / 209.
وكان في عهد مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام أحد هؤلاء الذین یزعمون أن كل ما فرضوا ذات الله أكبر یكونون به تعالی أعرف!! فقال له علیه السلام:
یا أمیر المؤمنین علیه السلام صف لنا ربك تبارك وتعالي ـ لنزداد له حبا وبه معرفة!!
فغضب أمیر المؤمنین علیه السلام من كلامه واعتقاده بأنه كیف زعم أن كلما فرض لخالقه زبانیة وقرنا أكبر فیكون أعرف:
وهكذا حال العقلاء في ما یصفون الله تعالى به. (بحار الانوار 69/293)
ثم قام علیه السلام متغیر اللّون فقال:...  (بحار الانوار 4/274)
نعم:
الإمام الصادق علیه السلام:
... ما أقبح بالرجل یأتي علیه سبعون سنة، أو ثمانون سنة، یعیش في ملك الله‏، ویأكل من نعمه، ثم لا یعرف الله حق معرفته!  (بحار الانوار 4/54)
قد جاء في "تفسیر المیزان" في ردّ من اعتقد أن یكون لله تعالى إسم یدعى به فیستجاب:
والبحث الحقیقي عن العلة والمعلول وخواصّها یدفع ذلك كله فإن التأثیر الحقیقي یدور مدار وجود الأشیاء في قوته وضعفه، والمسانخة بین المؤثر والمتأثر... والأسماء الإلهیة وإسمه الأعظم خاصة وإن كانت مؤثرة في الكون وسائط وأسبابا لنزول الفیض من الذات المتعالیة في هذا العالم المشهود لكنها تؤثر بحقائقها.  (الميزان 354-355 /8)
من المبرهن علیه أنه فاعل تام لمجموع ما سواه... فهو مبدء لما سواه، منبع لكل خیر ورحمة بذاته، واقتضاء المبدء لما هو مبدء له ضروری. (الميزان46/8)
فنقول: اعلم أنه لا وجه لتوهم انتساب إجابة الدعوات إلى نفس الالفاظ من أسماء الله تعالى، وأوهن من ذلك توهم كون الأسماء والصفات ذات مصادیق مؤثرة في أسر قانون العلیة والمعلولیة الجبریة، بل الحق هو أن المجیب هو الله الخالق الباریء القادر الفعال لما یشاء مسبب الأسباب والقادر على الاجابة من غیر سبب ولا أسباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق