بعد ذكر دعوى اهل العرفان الباطل بأن ساسل الصوفية ترجع الى امير المؤمنين صلوات الله عليه حيث ينقل عن لب اللباب مانصه:(«حقيقة العرفان مأخوذة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب



وبعدها ينقل قصة مشهورة وهي قصة السيد التستري والحائك ثم يعلق السيد كاظم الحائري قائلا:
فأقول: لا شكّ أنّ عليّ بن أبي طالب





إنّ الحقيقة ليست هكذا، بل الحقيقة: أنّ التصوّف دكّان فتحه أعداء عليّ وأعداء الأئمّة


أدعيتهم وكلماتهم المضيئة والتي أشرنا إلى نزر منها في النقطة الرابعة، فكان لا بدّ للشيطان أن يفتح دكّاناً في مقابل الأئمّة


وبودّي أن اُشير إلى أنّ ما فرضه صاحب كتاب لبّ اللباب من انتهاء بعض سلسلة الصوفيّة إلى معروف الكرخي صاحب الإِمام الرضا

فقد ادّعوا أنّ بعض سلاسلهم تنتهي إلى معروف الكرخي، ومنه إلى الإِمام الرضا



نعم، رُوِيَ عنه: أ نّه قال للإِمام الصادق

وهذا الحديث يناسب ذوق المتصوّفة، إلاّ أنّ ذلك لا ينسجم مع ما ورد في ترجمته: من أ نّه أسلم في صباه على يد الإِمام عليّ بن موسى الرضا

فقد روى السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه(2) عن ابن شهرآشوب في المناقب الجزء الرابع باب إمامة أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا


المعلم يقول له: قل ثالث ثلاثة، وهو يقول: بل هو الواحد، فضربه المعلم ضرباً مبرحاً، فهرب ومضى إلى الرضا



وعلى أيّة حال، فتصوّف معروف الكرخي غير ثابت لدينا، كما أنّ كونه من خدّام الإِمام الرضا




وقبره في عصرنا الحاضر في بغداد لا يزوره عادة إلاّ السُنّة، وهم يمجّدون به. وتفترض الصوفيّة أ نّه كان من أكابرهم، ويقول الشيخ المامقاني


ثُمّ إنّنا لا نستبعد أن يكون انتماء كثير من السُنّة إلى سلك التصوّف نتيجةً لتعطّشهم إلى الجانب الروحي، وعدم إمتلاكهم المعين الصافي للقضايا الروحيّة الذي كانت الشيعة تمتلكه، وهو: معين أئمّتهم سلام الله عليهم; ولذا ربّما لا ترى
بلحاظ عصر حضور الأئمّة




ولعلّ أوّل من سُمِّي باسم التصوّف أو من أوائلهم الحسن البصري المتولّد سنة (22)، والمتوفّى سنة (110) هجريّة.
وقال الشيخ المطهّري


أقول : وبهذه المناسبة أذكر بعض ما ورد في رواياتنا عن أهل البيت

ـ ورد في الوسائل(1) عن عبدالله بن سليمان قال: «سمعت أبا جعفر


2 ـ رُوِيَ أنّ عليّ بن الحسين


3 ـ وقيل لعليّ بن الحسين

فقال

وقد يقال: إنّ أوّل من سُمّي باسم الصوفي أو بذر مسلك التصوّف بين المسلمين هو: أبو هاشم الكوفي(4).
وقد رُوِيَ عن الإمام العسكري


وممّن اشتهر بكونه من الصوفيّة: سفيان الثوري. وقيل: إنّه تلميذ لأبي هاشم
الصوفي(1).
وكذلك ممّن اشتهر بذلك امرأة اسمها رابعة العدويّة، ويبالغون فيها وفي قداستها وعظمتها وكشفها وشهودها وما إلى ذلك: وقيل إنّ سفيان الثوري كان يطرح عليها مسائله، وكان يتعظ بمواعظها.
وقيل ـ أيضاً ـ : إنّه حينما توفّي عنها زوجها أراد الحسن البصري أن يتزوج بها، فطرحت رابعة اسئلة على حسن البصري، وعجز الحسن عن الجواب، فحينما رأت رابعة خلوَّ الحسن البصري عن تلك المعارف امتنعت من قبول طلبه، وأرسلت إِليه الأبيات التالية:
راحتي يا إخوتي في خلوتي *** وحبيبي دائماً في حضرتي
لم أجده عن هواه عوضاً *** وهواه في البرايا محنتي
حيثما كنتُ أُشاهدْ حسنه *** فهو محرابي إليه قبلتي
إنْ أمتْ وجداً وما ثمّ رضا *** واعَنائي في الورى واشقوتي
يا طبيبَ القلبِ يا كلَّ المنى *** جدْ بوصل منكَ يشفي مُهْجتي
يا سُروري وحياتي دائماً *** نشأتي منكَ وأيضاً نشوتي
قد هجرت الخلقَ جَمْعاً أرتجي *** منكَ وصْلاً فهو أقصى مُنيتي
وقيل ـ أيضاً ـ : إنّه قال لها ذات يوم سفيان الثوري: صفي لي درجة إيمانك واعتقادك بالله جلَّ وعلا، فقالت رابعة: إنّي لا أعبد الله شوقاً إلى الجنّة، ولا خوفاً من جهنم، وإنّما أعبده لكمال شوقي إليه، ولأداء شرائط العبوديّة. وبعد ذلك أنشأت هذه المناجاة:
اُحبّك حبّين حبَّ الهوى *** وحـبّـاً لأنّـك أهـلٌ لـذاك
فأمّا الذي هو حبُّ الهوى *** فشغلي بذكراك عمّن سواك
وأمّا الذي أنت أهلٌ له *** فحبٌّ شُغِلتُ به عن سواك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي *** ولكن لك الحمد في ذا وذاك(1)
ولنعم ما قال الشيخ ذبيح الله المحلاّتي في كتاب (رياحين الشريعة)(2) تعليقاً على هذه المطالب المنقولة عن رابعة العدويّة، وهو: أنّ هذه الامرأة عاصرت ثلاثة أئمّة: الإمام زين العابدين





وهذا الاستغراب من قبل الشيخ المحلاّتي واكتشافه لعدم واقعيّة وضع رابعة العدويّة صحيح. فلئن كانت رابعة العدويّة سيّدة زمانها في تزكية النفس وتصفية الباطن أفلم تكن سامعةً بوضع الإمام زين العابدين

ومن الذين ترى الصوفيّة أ نّه من أركانهم عبدالقادر الجيلاني. وسلسلة القادريّة تُنهي نفسها إليه. وقد نقلت عنه دعاوى كبيرة في مراتب العرفان والكشوف. وقد مات في سنة (560) أو سنة (561)(3).
وعلى أيّة حال، فلا شكّ لدى الشيعة في أنّ عبدالقادر الجيلاني أحد أئمّة الضلال وأركانهم. وكان منصوباً في مقابل أئمّتنا المعصومين

ويعجبني أن أذكر هنا عن عبد القادر الجيلاني قِصَّتين مع شيء ممّا علّق عليهما الشيخ العلاّمة الأميني

الاُولى : ما ورد في مرآة الجنان(2) كالتالي :
روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقري أبو الحسن عليّ بن يوسف بن جرير بن معاضد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبدالقادر بسنده من خمس طرق، وعن جماعة من الشيوخ الجلّة أعلام الهدى العارفين المقتنين للاقتداء، قالوا: جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبدالقادر، فقالت له: يا سيّدي إنّي رأيت قلب ابني هذا شديد التعلّق بك، وقد خرجتُ عن حقّي فيه لله عزّ وجلّ ولك، فقبله الشيخ، وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق. فدخلت أُمّه عليه يوماً فوجدته نحيلاً مصفرّاً من آثار الجوع والسهر، ووجدته يأكل قُرْصاً من الشعير، فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناءً فيه عِظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت: يا سيّدي، تأكل لحم الدجاج، ويأكل ابني خبز الشعير؟! فوضع يده على تلك العِظام، وقال: قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العِظام وهي رميم، فقامت الدجاجة سويّة وصاحت، فقال الشيخ: إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء.
قال الشيخ العلامة الأميني

الثانية : ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى(1) قال: كان الشيخ عبدالقادر الجيلاني


قال الشيخ الأميني


ذلك الهيكل القدسي واللعب به مهما امتدّت ليلته، وليس إحياؤه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الكرامة، وإن هي إلاّ أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة(1) غلوّاً في الفضائل. انتهى كلام الشيخ الأميني

وعلى أيّة حال، فنحن لا نهدف هنا إلى ذكر أعمدتهم وأركانهم، وإنّما كان هدفنا الإشارة إلى أنّ مدرسةً فُتِحت في أحضان أبناء العامّة، ثمّ سرت في وقت متأخّر ـ وفي أغلب الظنّ بعد غيبة الإمام



وهذا شبيه تماماً بما وقع في علم الأُصول من حُجيّة القياس والاستحسان والمصالح المرسلة لدى السُنّة دون الشيعة فهي عبارة عن مدرسة الرأي ـ في مقابل مدرسة الأئمّة


وأُؤكّد ـ هنا أيضاً ـ أ نّني لا أثِق بأنّ كلَّ من طرحته الصوفيّة بعنوان أ نّه منهم أو من اركانهم فهو كذلك.
وختاماً أُشير إلى أنّ هناك نمطاً آخر ممّن تفترضهم الصوفيّة من أركانهم ودعائمهم يختلف عن نمط الأسماء التي مضى ذكرها، وهو عبارة عن أُناس سجَّل لهم التأريخ نوعاً من الورع والتقوى، ونوعَ تعاطف مع أئمّتنا


بإمامة الأئمّة، أو إنّ الصوفيّة لمّا رأوا أنّ التأريخ سجّل لهم الورع والتقوى اشتهوا أن ينتحلوهم; لكي يقووا بهم، أو لكي ينهوا سلاسلهم اِلى أُناس متقين. وأذكر هنا على سبيل المثال ثلاثة أسماء:
الأوّل : شقيق البلخي الذي يقال عنه: إنّه كان صوفيّاً، وكان تلميذاً لإبراهيم الأدهم(1). وقد سجّل له التأريخ(2) أ نّه كان في بداية أمره صاحب ثروة ومكنة كبيرة، وكان يُكثر الأسفار للتجارة، فسافر في بعض السنين إلى بلاد الترك إلى بلد كان أهله وثنيين، فقال لأحد أكابرهم: إنّ عبادتكم لهذه الأصنام باطلة، فهي ليست بآلهة، وللمخلوق خالق سميع عليم لا يشبهه شيء، وهو الرازق لكلّ حيّ، فقال له ذاك الوثني:
إنّ قولك يخالف فعلك، قال شقيق: وكيف ذلك؟ فقال له الوثني: أنت ترى أنّ لك خالقاً يرزق المخلوقين وبرغم هذا الاعتقاد تتحمل عناء ومشقة السفر إلى هذه البلاد لطلب الرزق. فتنبّه شقيق على أثر هذه الكلمة، ورجع إلى بلده، وتصدّق بكلِّ ما يملك، ولازم العلماء والزهّاد إلى آخر حياته.
وهو وإن لم يذكر بشأنه الاهتداء إلى خطّ الإمامة الثابت لدى الشيعة، ولكن رُويت عنه قِصَّة طريفة مع الإمام موسى بن جعفر

ولأُوبّخنّه، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلاً قال:
يا شقيق، اجتنبوا كثيراً من الظنّ; إنّ بعض الظنّ إثم، ثمّ تركني ومضى. فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم، قد تكلّم بما في نفسي، ونطق باسمي، وما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني، فأسرعت في أَثَره، فلم ألحقه، وغاب عن عيني. فلمّا نزلنا واقصة وإذا به يصلّي، واعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري، قلت: هذا صاحبي أمضي إليه واستحلّه، فصبرت حتّى جلس، وأقبلت نحوه، فلمّا رآني مقبلاً قال: يا شقيق، اتل ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾(1)ثمّ تركني ومضى. فقلت: إنّ هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلّم على سرّي مرتين، فلمّا نزلنا زُبالة إذا بالفتى قائم على البئر، وبيده رَكوة يريد أن يستقي ماءً، فسقطت الرَّكوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماء، وسمعته يقول:
أنْتَ ربّيْ إذا ظمئتُ إِلى الماءِ *** وقوتيْ إذا أردتُ الطعاما
اللهمّ سيّدي مالي غيرها فلا تعدمنيها.
قال شقيق: فو الله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها، فمدّ يده، وأخذ الرَّكوة وملأها ماءً، فتوضّأ وصلّى أربع ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الرَّكوة، ويحرّكه ويشرب، فأقبلت إليه، وسلّمت عليه، فردّ عليّ، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك؟
فقال: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربّك، ثُمّ ناولني الرَّكوة، فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر، فوالله ما شَرِبت قطّ ألذّ منه، وأطيب ريحاً، فشَبِعت ورَوِيت، وأقمت أيّاماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً، ثُمّ لم أرَه حتّى دخلنا مكّة، فرأيته ليلةً إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائماً يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل، فلمّا رأى الفجر جلس في
مصلاّه يسبّح، ثمّ قام فصلى الغداة، وطاف بالبيت أُسبوعاً، وخرج، فتبعته وإذا له غاشيةٌ وأموال، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب

وقد قيل بهذا الصدد :
سلْ شقيقَ البلخي عنه وماعا *** ينَ منه وما الذي كان أبصر
قالَ لمّا حججتُ عاينتُ شخصاً *** شاحبَ اللونِ ناحلَ الجسمِ أسمر
سائراً وحدَه وليس له زا *** دٌ فـمـا زلـتُ دائـمـاً أتـفـكـر
وتوهمّت أنّه يسأل الناسَ *** ولـم أدرِ أنـّه الـحـج الأكـبـر
ثمّ عاينته ونحن نزولٌ *** دونَ قيد على الكثيب الأحمر
يضع الرملَ في الإناء ويشرَ *** بـه فـنـاديـتـه وعـقـلـي محيّر
أسقني شربة فناولني منه *** فـعـايـنـتـه سـويـقـاً وسـكّـر
فسألت الحجيج مَنْ يكْ هذا *** قيل هذا الإمام موسى بن جعفر(1)
ولنعم ما قيل باللغة الفارسيّة:
به راه كعبه شخصى را بديدم *** نزار و زرد رنگ و ناتوان بود
به تنهائى بدون توشه مى رفت *** كه از تنهائيش دل بدگمان بود
گمانم آمد از اهل سؤال است *** ندانستم كه جان كعبه آن بود
چو بنشستيم در نزديك چاهى *** در آنجا تلّ سرخى هم عيان بود
به من از آب وخاكش شربتى داد *** كه شهد سكّرم در كام جان بود
چو پرسيدم ز حالش قائلى گفت *** امـام هـفـتمين شيعيان بود
ل: «ما تقول أنت؟ فقال شقيق: إن أُعطينا شكرنا، وإن مُنِعنا صبرنا. فقال الصادق

والثاني : الفضيل بن عياض، وقد مضى فيما سبق في حديثنا عن النقطة الثانية ذكر قِصّة توبته لدى سماعه لقارئ يقرأ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ...﴾(3). فقال ياربّ قد آن. وقد ذكر النجاشي


وقد نقل المحدّث القمّي



ومن الحكايات التي لها صلة بالفضيل بن عياض ما ورد في عيون أخبار
الرضا(1) في الاحتجاج بين الإمام موسى بن جعفر















والثالث : بشر الحافي وقد جعلوه ـ أيضاً ـ من مشاهير العرفاء(2) وقد ثبّت التأريخ عنه توبته عن معاصيه على يد الإمام موسى بن جعفر


روى العلاّمة الحلّي


يوم في طريقه على باب بشر فسمع من البيت صوت الملاهي والأغاني والرقص، وخرجت من البيت جارية تحمل الوساخات التي تجمع من البيت بالمكنسة، فصبّتها في خارج البيت، فقال لها الإمام




وعلى أيّة حال، فلو ثبت أنّ بعض هؤلاء كانوا من الصوفيّة ومع ذلك كانوا يحبّون الإمام المعصوم


المصدر : كتاب تزكية النفس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق