الجمعة، 29 أغسطس 2014

خطر الدعوة الى معرفة الله بمعرفة النفس (الشيخ علي الكوراني)

 
كان التصوف في الأمة وما زال تياراً قوياً وجذاباً ، وبسبب بُعده عن أهل البيت عليهم السلام كان الخطأ فيه أكثر من الصواب ، والكذابون أكثر من الصادقين ، ولقلقة اللسان أكثر من عقد الجنان .
أما دليله العلمي فأشهره منهج معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس وقد نظَّرَ له المتأثرون بالفلسفة اليونانية وكتبوا فيه واستدلوا لها بآيات وأحاديث ، وهو الطريقة الأكثر رواجاً في قم والنجف وغيرهما .
ومن أعلامه السيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان رحمه الله وهذه فقرات من كلامه المطول في تفسيره:6/169: (في الغرر والدرر للآمدي عن علي عليه السلام قال: من عرف نفسه عرف ربه. أقول ورواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله أيضاً وهو حديث مشهور ، وقد ذكر بعض العلماء أنه من تعليق المحال ومفاده استحالة معرفة النفس لاستحالة الإحاطة العلمية بالله سبحانه. ورُدَّ أولاً، بقوله صلى الله عليه وآله في رواية أخرى:أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وثانياً،بأن الحديث في معنى عكس النقيض لقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ . وفيه عنه عليه السلام : قال الكيِّس من عرف نفسه وأخلص أعماله...
وفيه عنه عليه السلام قال: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين. أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتين المعرفة بالآيات الأنفسية والمعرفة بالآيات الآفاقية، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الأفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ شَهِيدٌ.(حم السجده:53)وقال تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.(الذاريات: 21). وكون السير الأنفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لاتنفك عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقية....وهذا موقف علمي يهدي الإنسان إلى تكاليف ووظائف بالنسبة إلى ربه وبالنسبة إلى أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، وهي التي نسميها بالدين...
فتلخص مما ذكرنا أن النظر في الآيات الأنفسية والآفاقية ومعرفة الله سبحانه ، بها يهتدي الإنسان إلى التمسك بالدين الحق والشريعة الإلهية....
وفي الدرر والغرر عن علي عليه السلام قال: العارف من عرف نفسه فأعتقها ونزهها عن كل ما يبعدها . أقول: أي أعتقها عن إسارة الهوى وَرِقِّية الشهوات . وفيه، عنه عليه السلام قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه...
وأما سائر الفرق المذهبية ، من الهنود كالجوكية أصحاب الأنفاس والأوهام ، وكأصحاب الروحانيات ، وأصحاب الحكمة ، وغيرهم ، فلكل طائفة منهم رياضات شاقة عملية لا تخلو عن العزلة وتحريم اللذائذ الشهوانية على النفس... وأما البوذية فبناء مذهبهم على تهذيب النفس ومخالفة هواها وتحريم لذائذها عليها ، للحصول على حقيقة المعرفة...
وأما الصابئون ، ونعني بهم أصحاب الروحانيات ، فهم وإن أنكروا أمر النبوة ، غير أن لهم في طريق الوصول إلى كمال المعرفة النفسانية طرقاً لا تختلف كثيراً عن طرق البراهمة والبوذيين...
وهؤلاء وإن اختلفوا فيما بين أنفسهم بعض الإختلاف في العقائد العامة الراجعة إلى الخلق والايجاد ، لكنهم متفقوا الرأي في وجوب ترويض النفس للحصول على كمال المعرفة وسعادة النشأة .
وأما المانوية من الثنوية ، فاستقرار مذهبهم على كون النفس من عالم النور العلوي وهبوطها إلى هذه الشبكات المادية المظلمة المسماة بالأبدان ، وأن سعادتها وكمالها التخلص من دار الظلمة إلى ساحة النور ، إما اختياراً بالترويض النفساني ، وإما اضطراراً بالموت الطبيعي المعروف.
وأما أهل الكتاب ونعني بهم اليهود والنصارى والمجوس ، فكتبهم المقدسة وهي العهد العتيق والعهد الجديد وأوستا ، مشحونة بالدعوة إلى إصلاح النفس وتهذيبها ومخالفة هواها...وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتياضات والأعمال النفسية ، كأصحاب السحر والسيمياء ، وأصحاب الطلسمات وتسخير الأرواح والجن ، وروحانيات الحروف والكواكب وغيرها ، وأصحاب الإحضار وتسخير النفوس ، فلكل منهم ارتياضات نفسية خاصة تنتج نوعاً من السلطة على أمر النفس....
وجملة الأمر على مايتحصل من جميع ما مرَّ: أن الوجهة الأخيرة لجميع أرباب الأديان والمذاهب والأعمال هو تهذيب النفس بترك هواها ، والإشتغال بتطهيرها من شوب الأخلاق والأحوال غير المناسبة للمطلوب..
فالأعمال والمجاهدات والإرتياضات الدينية ترجع جميعاً إلى نوع من الإشتغال بأمر النفس...فظهر بهذا البيان أن الأديان والمذاهب على اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس في الجملة، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا...
إياك أن يشتبه عليك الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدين هو العرفان والتصوف، أعني معرفة النفس كما توهمه بعض الباحثين من الماديين.... والتأمل العميق في جميع الأديان والنحل يعطي أنها مشتملة نوع اشتمال على هذا الروح الحي حتى الوثنية والثنوية ، وإنما وقع الإختلاف في تطبيق السنة الدينية على هذا الأصل والإصابة والخطأ فيه...
واعلم أن عرفان النفس بغيةٌ عملية لايحصل تمام المعرفة بها إلا من طريق السلوك العملي دون النظري...).
 
نقد هذه الدعوة

ما ذكره قدس سره من الطريقين لمعرفة الله تعالى: النظر في الآفاق والنظر في الأنفس، مطلبٌ شائع بين العرفانيين والمتصوفة ، والظاهر أنهم أخذوه من قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الأفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ . والبحث فيه متشعب ، نكتفي منه بملاحظات:
1- مما يدل على أن معرفة الله تعالى لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الأئمة المعصومين عليهم السلام : أن الله تعالى عندما أرسل نبيه صلى الله عليه وآله وأنزل عليه كتابه ، فقد حدد طريق معرفته وعبادته بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله . وعندما بلغ النبي صلى الله عليه وآله أمته فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وأنهما لايفترقان الى يوم القيامة ، فقد حدد طريق معرفة الله تعالى وعبادته بهما. فالقرآن هو الأصل وأئمة العترة عليهم السلام هم الشرح . والقرآن هو الدستور وهم المفسرون الشرعيون له القُوَّام على تطبيقه . وبذلك انتهى الأمر ولم يبق مجال للفذلكة والفلسفة !
ودليل آخر على أن أهل البيت عليهم السلام بهم يُعْرفُ الله تعالى وبهم يُعبد: أن معرفته وعبادته تحتاج الى علم وتجسد عملي ، ولن تجد العلم الصحيح بالله إلا عندهم ، ولا التجسيد الصحيح لمعرفته تعالى وعبادته إلا فيهم . وقد رأيت أن الذين تركوهم افتقروا من العلم فالتجؤوا الى الحاخام كعب الأحبار ، فشبهوا الله تعالى وجسدوه ، ولم يقفوا في انحدارهم حتى جعلوا ربهم شاباً أمرد وعبدوه ! فأي فكر هذا ، وأي معرفة لخالق الكون ، وأي عبادة لرب العالمين؟!!
2- بحثَ فقهاؤنا الحد الأدنى الواجب من معرفة الله تعالى ، ولم يذكر أحد منهم أن من طرقه التأمل في النفس ! بل نصَّت الأحاديث الصحيحة على أن المعرفة من صنع الله تعالى ، ففي الكافي:1/163: (عن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام : المعرفة من صُنْع من هي؟ قال: من صُنع الله ليس للعباد فيها صنع) .
3- سند حديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"غير تام ، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، وأقوى ما يستدل به لتصحيحه أن بعض علماء الحديث تلقاه بالقبول .
وعلى فرض صحته فهو يدل على أن الإنسان كلما عرف نفسه بالإمكان والنقصان ، عرف ربه بالوجوب والكمال ، فهو يدعو الى تركيز النظر على محدودية النفس ومحاسبتها ومكافحة العجب والغرور ، ولا يدل على أن معرفة النفس طريق معرفة الله تعالى .
بينما يريدون له أن يكون منهجاً للمعرفة ، وأن الإنسان يصل به الى مقامات ودرجات كدرجات الأولياء والأنبياء صلوات الله عليهم ! لأن الإنسان كما يدعون موضع تجلي الله تعالى وخليفته في أرضه..الخ. وهم بذلك ينفخون في ذاتيته ويوهمونه أنه ولي كبير لله تعالى ، أو إلهٌ صغير! وهذا نقيض معنى الحديث !
4- لو سلمنا أن مقولة معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس، صحيحة وقطعية ، لكن الكلام فيما يحدث عندما ندعو اليها الناس !
إن الذي حدث وسيحدث أنك تقدم لعوام الناس ومتعلميهم باسم الدين ، دعوةً مبهمةً الى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة أنفسهم والتأمل فيها ، وسرعان ما يجدوا فيها مشروعاً لتحقيق الذات وتضخيمها وادعاء صاحبها أنه بالإستغراق في نفسه سيملك طاقات عظيمة ، ويبلغ مقامات خيالية ! كما ترى في نماذجهم مع الاسف !
جاءني مجموعة شباب وكهول قالوا إنهم من (أهل السلوك والعرفان) ومن عاشقي الإمام المهدي عليه السلام الذين يأملون بالفوز بلقائه روحي فداه ، وأن يكونوا من أصحابه الخاصين ! فسألتهم عن دراستهم فأخذ يجيبني شيخهم بأنه درَّسهم عدداً من كتب العرفان لفلان وفلان، ومطالب من كتب ابن عربي ! وتعمدت أن أسمع منهم فسمعت كلام عوام متحفزين لتحقيق ذواتهم بهذا الحزب الجديد الذي دلهم عليه شيخهم! وقدَّرت أنهم أقرب الى المقاتلين والحرامية منهم الى المتدينين! لكن(شيخهم)لم يسمح لي أن أواصل الإستماع اليهم،فطرح مطلبه مني أن أعطيهم برنامجاً لمعرفة الإمام المهدي عليه السلام بالنورانية، حيث أكملوا معرفته بالولاية وبالطريقة الفلانية والفلانية ، ووصلوا الى معرفة الإمام عليه السلام بالنورانية ، فهم يريدون أن يروه صلوات الله عليه بالتجلي النوراني !
فأجبتهم: لا بأس، لكن أول البرنامج أن تمضي عليكم ستة أشهر لاتتركوا فيها واجباً ولا ترتكبوا فيها حراماً في عمل ولا قول ، وأن تتورعوا عن كل ما لا يليق بالأخيار ! وشرحت لهم خطأ أن يكون هدف الإنسان من العرفان مشاهدة منامات وعلامات وآيات عن المقام الذي وصل اليه،أو اللقاء بأولياء الله العظماء كالإمام المهدي أرواحنا فداه ، فإن صاحب هذه النية يعمل للدنيا وليس لله تعالى !
طبعاً لم يرتاحوا مني ! ولا أقول إنهم ضحايا دعوة العرفان عن طريق معرفة النفس ، بل ضحايا أنفسهم الأمارة ، وقد وجدوا في هذه الدعوة خصوبة لهواهم فتلبسوها !
عندما أقول لرجل أو امرأة: إنك تستطيع أن تكون من أهل السلوك والعرفان، ولا يكلفك ذلك إلا أن تعرف نفسك وتتأمل فيها فتُفَجِّر بذلك طاقاتها العظيمة! فعليَّ أن أدرك الى أين دفعت هذا الشخص!
إن حب الذات أقوى غرائز الإنسان ، واعتقاده بحصول العرفان ومقاماته بدون تحديد الوسائل والأهداف ، يجعله أمام خطر عبادة الذات وتعظيمها ، فيتخيل أنه وصل إلى الله تعالى وصار صاحب أسرار إلهية ! ويزين له الشيطان عالماً من نسج خياله ، ويدفعه الى الإدعاءات الباطلة ، أعاذنا الله وجميع المؤمنين .
أمَا كان الأحرى بدل ذلك أن توجهه الى العمل، وترك المحرمات وأداء الواجبات، وأن يدقق في مكسبه ومأكله ومشربه هل هو حلالٌ زكيّ أم خبيثٌ رديّ؟ وفي سلوكه مع من هم تحت يده ، هل هو لهم أبٌ رفيق ، أو أخٌ شفيق ، أم عليهم كالسبع الضاري ؟!
وفي عقائده بربه عز وجل ونبيه صلى الله عليه وآله وما أنزل الله عليه، وأئمته عليهم السلام وسيرتهم ومناقبهم . وإيمانه بآخرته ويقينه بها ، ومعايشته لعوالم عقيدته وأجوائها ؟! ونظرته الى لناس ورحمته لهم عامة، وحبه لمن كان له في رسول الله وآله صلى الله عليه وآله نصيب . وعمله لخدمتهم..الخ.
ومن جهة أخرى ، تنطوي دعوة الناس لمعرفة الله عن طريق التأمل بالنفس ، على خطر أن تصير أداةً لتعذيب الذات وسوء ظن الإنسان بنفسه والناس ، ثم تتحول حالة تعذيب الذات عند صاحبها أداة لقمع الآخرين وتعذيبهم باسم العرفان وتزكية النفس! وبإمكانك أن تجد في مدعي الإشتغال بالعرفان وتزكية النفس نماذج من القساة الذين يشتمون الناس في مواعظهم ، وكأنهم يثأرون منهم !
وفي كلتا الحالتين حالة تعظيم النفس وحالة تعذيبها ، يتضمن هذا السلوك خطورة أن ينسى أصحابه أولوية تطبيق أحكام الشريعة ! وينسى التعرف على طريقة أهل البيت عليهم السلام في معرفة الله تعالى .
5- من الأدلة الواضحة على أن دعوتهم عائمة مبهمة ، أنها تتسع للضد والنقيض في الأساليب والأهداف والقدوات ! فبعض دعوات معرفة الله عن طريق معرفة النفس تتبنى العزلة والرهبنة ، وبعضها يتبنى إصلاح النفس والمجتمع والعمل لتسلم السلطة، وبعضها يدعو إلى التقيد بأحكام الشريعة حسب هذا المذهب أو ذاك ، وبعضها يدعو إلى تقليد الأستاذ شيخ الطريقة أو أستاذ الأخلاق ، ويدعي له أنه متعمق في العرفان متصلٌ بالله تعالى فيُلهم العقائد والأحكام ولا يحتاج إلى شريعة ! وبعضهم لايحتاج الى نبوة !
وبعض الدعوات تجعل قدوتها بعض الصحابة أو الأولياء الذين لم يجعلهم الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله قدوة ! وبعضهم يجعل قدوته عرفاء ومتصوفة غير مسلمين.. إلى آخر أنواعهم .
ولهذا ، لو قلنا لإنسان إعرف الله تعالى عن طريق معرفة نفسك ، فمن حقه أن يسألنا: كيف؟ بجهادها زتعذيبها؟أو بتعظيمها ونفخها؟
أما عندما نقول له: إقتدِ بأستاذك حتى تصل الى الله تعالى ثم تصير أنت أستاذاً ! فنحن ندعوه الى معرفة الله تعالى بطاعة شخص والتحزب له ، وما أيسر أن يدخل الشيطان في هذا الحزب !
5- لاشك أن النظر في ملكوت السماوات والأرض، أي فيما يمكن للإنسان فهمه من خلقهما وقوانيهما ويأخذ العبرة منه، أمرٌ محبوب شرعاً ، يؤثر زيادة الإيمان بالله تعالى ومعرفته . قال تعالى: أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ. (الاعراف:185) ، لكن لم أجد سنداً للحديث الذي ذكره رحمه الله :"المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين"، وأستبعد أن يكون حديثاً أصلاً !
ثم إن نفس الإنسان جزءٌ من الملكوت والآفاق لاقسيمها ولا مقابلها ، فلماذا لايكون مقابل معرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالى ، أو معرفته بأنبيائه وأوليائه ، وآياته الأخرى ، فلا وجه لحصر المقابلة بالتأمل بالآفاق.
وإذا شملت المعرفة بالسير الآفاقي معرفة الله بالله تعالى وبأوليائه عليهم السلام ، فلا يصح تفضيل معرفته عن طريق النفس عليها؟!
6- ما دامت معرفة النفس طريقاً إلى عبادة الله ، وما دامت عبادته عز وجل غاية الخلق وطريق التكامل الوحيد ، ولا تحصل إلا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام . فالدعوة الى تطبيق الشريعة مقدم رتبةً على التأمل في النفس،وكذلك الإقتداء بالنبي وآله صلى الله عليه وآله ، فلا بد في الدعوة إلى العرفان من دعوة المسلم الى إطاعة الأحكام الشرعية حسب فتوى مرجع تقليده ، وأن يتخذ من النبي وآله صلى الله عليه وعليهم قدوة وأئمة في المسلك والسلوك . ولذا أجاب أحد الفقهاء الكبار شخصاً سأله: ما هو العرفان وكيف يكون الإنسان عارفاً ؟ فقال: هذه الأحكام الشرعية التي تطبقها يومياً فتصلي وتصوم وتقوم بالواجبات وبعض المستحبات ، وتترك المحرمات ، هي العرفان ، وأنت بسلوكك هذا تمارس المعرفة .

السبت، 23 أغسطس 2014

موقف السيد حسين الشاهرودي من الفلسفة والعرفان


(1) الصوفية فرقة منحرفة


العضو السائل : بوحسن.73

السؤال :
سلام عليكم سيدنا العزيز ورحمة الله وبركاته
نبارك لكم الشهر الفضيل وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال
ما هو رأي سماحتكم بالمذهب الصوفي ؟


الجواب :
الصوفيّة فرقة منحرفة عن خط الأئمة المعصومين عليهم السلام، بل أصلُ تأسيس هذه الفرقة كان لأجل اطفاء نور الأئمة عليهم السلام، ومنع الناس من الاهتداء بهم والوصول الى ابوابهم والاستضاءة بنورهم، ولأجل ذلك وردت روايات كثيرة في ذم الصوفيّة، بل يظهر من بعض الروايات أن لفظ الصوفي يشتمل على نقص في الدين حيث ورد في حق احمد بن هلال العبرتائي قول الإمام (ع) : (احذروا الصوفي المتصنع احمد بن هلال)

واليك بعض الروايات الواردة في هذه الفرقة :
1. في وصية النبي (ص) لأبي ذر الغفاري رحمه الله قال : يا أبا ذر، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون ان الفضل بذلك على غيرهم، اولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض (بحار الأنوار ج77 ص91)

2. عن الرضا عليه السلام : لا يقول بالتصوف أحد إلا لخدعة أو ضلالة أو حماقة، وأمّا من سمّى نفسه صوفياً للتقية فلا اثم عليه.
وفي رواية أخرى عنه بزيادة قوله : وعلامته ان يكتفي بالتسمية ولا يقول بشيء من عقائدهم الباطلة.

3. عن قرب الاسناد للشيخ الاقدم علي بن بابويه القمي، بسنده عن ابي محمد العسكري (ع) انه قال : سُئِلَ ابو عبد الله (ع) عن حال ابي هاشم الكوفي، فقال (ع) انه كان فاسد العقيدة جداً، وهو الذي ابتدع مذهباً يقال له التصوف، وجعله مفراً لعقيدته الخبيثة.

4. عن البزنطي واسماعيل بن بزيع عن الرضا (ع) قال : من ذكر عنده الصوفية ولم ينكرهم بلسانه وقلبه فليس منا، ومن أنكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله (ص).

5. عن البزنطي انه قال : قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمد (ع) : قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية، فما تقول فيهم ؟
قال (ع) : انهم اعداؤنا فمن مال اليهم فهو منهم، ويحشر معهم، وسيكون أقوام يدّعون حبَّنا ويميلون اليهم ويتشبّهون بهم، ويلقِّبون أنفسهم بلقبهم، ويؤوِّلون أقوالهم، الا فمن مال اليهم فليس منّا، وأنا منه براء، ومن أنكرهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكفّار بين يدي رسول الله (ص) (سفينة البحار مادة صوف).



  (2) لا عذر لمن أخذ عن الفلاسفة اليونانيين والصوفية كأبن عربي والغزالي
العضو السائل : سلطان الواعظين

السؤال :
هل هناك اشكال بأخذ العلم والاعتقاد به من بعض الفلاسفة اليونانيين كأرسطوا وسقراط وأفلاطون وبعض علماء الصوفيه كاأبن عربي والغزالي؟


الجواب :
كل علم لا يخرج من معدن الرسالة والنبوة وأهل بيت الوحي لا يكون مأموناً من الخطأ والاشتباه، ولا يمكن الاعتقاد به والاذعان اليه مع الالتفات الى ذلك.
نعم قد يحصل العلم والقطع بصدق بعض اقاويل الفلاسفة او الصوفية بعد مطالعتها والتدقيق فيها، لكن لا يمنع ذلك من ضلالها وعدم مطابقتها للواقع، لان العلم قد يكون مصيباً وقد يكون مخطئاً.
فاذا اعتمد على علمه الحاصل من الفلسفة او التصوف وخالف الواقع لا يكون معذوراً لأنه مقصّرٌ في مقدّمات هذا العلم والقطع، إذ لم يأخذ العلم من أهله وهم المعصومون عليهم السلام.

مضافاً الى أن الصوفية ليس لهم مسلك خاص، فهم مع الشيعة شيعة، ومع السنة سنة، ومع الناصبين من أهل النصب والعداء لأهل البيت عليهم السلام، ويتشكّلون بكلّ شكلٍ حتى الكلب والخنزير، فهذا ابن العربي مثلاً يقول في شعره :
رأيت ولائي لآل طه فريضة * على رغم اهل البعد يورثني القربى
فهل طلب المبعوث أجراً على الهدى * بتبليغه الا المودة في القربى
لكنه يقول في مورد آخر : لما عرج بي الى السماء رأيت مرتبة علي (ع) أدون من مرتبة أبي بكر وعمر وعثمان، فقلت له : كنت ترى نفسك أفضل منهم فما عدا مما بدا ؟ (مضمون كلامه)
ويقول : ان لله أولياء يقال لهم الرجبيون، يعلمون بواطن الناس، وقد التقيت بأحدهم فسألته عما يرى ؟ فقال : ارى الروافض بصورة الخنزير !!

وكذلك الغزالي فقد زعم انه بعدما اعتزل الناس واشتغل بالعبادة والرياضة أربعين سنة انكشف له ان الحق مع أبي بكر !!
نعم قيل في حقه أنه استبصر وكتب كتاب (سر العالمين) في اثبات معتقدات الشيعة، والعهدة على القائل.
وكتابه (احياء العلوم) مشتمل على كثيرٍ من الانحرافات والضلالات والمخالفة مع الشرع المقدس صريحاً.

قال شيخنا البهائي رحمه الله في كشكوله : (سانحة : من أعرض عن مطالعة العلوم الدينية، وصرف اوقاته في افادة الفنون الفلسفية، فعن قريبٍ لسانُ حاله يقول عند شروع شمس عمره في الأفول :
تمام عمر با اسلام در داد وستد بودم *** كنون مي ميرم واز من تب وزنار مي ماند

وقال الآغا محمد باقر الغروي في آخر اجازته للسيد بحر العلوم رحمه الله (واوصيه أيده الله بالكدّ في تحصيل المقامات العالية الأخروية، سيّما الجدّ في نشر أحاديث أهل بيت النبوة والعصمة صلوات الله وسلامه عليهم، ورفض العلائق الدنيوية الدنيّة، واياه وصرف العمر العزيز في العلوم المموهة الفلسفية، فانها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً) مستدرك الوسائل ج3 ص386 الطبعة القديمة.



(3) دراسة الفلسفة لدفع شبهات الفلاسفة

العضو السائل : سلطان الواعظين

السؤال :
ما رأي سماحتكم في الفلسفة والعرفان ؟


الجواب :
لا بأس بدراسته لأجل الاطلاع على مسالك القوم لمن يأمن من الوقوع في انحرافاتهم وضلالهم، فإن دفع شبهاتهم يحتاج الى ذلك، ولا نظن ان علم الفلسفة يتمكن من تأسيس عقائد صحيحة للانسان مهما اجتهد علماء الاسلام في تطبيقه على الاعتقادات الدينية الصحيحة، فانهم لم يفلحوا في ذلك، بل وقع بعضهم في انحرافاتهم من حيث لا يشعر.

وأمّا العرفان فباعتقادنا ان العرفان الصحيح هو اتباع منهج النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، والسير على خطاهم في جميع المجالات الاعتقادية والقلبية والعملية والعبادية.

قال الله تعالى : {ولكم في رسول الله اسوة حسنة}
فمن يريد معرفة الله او الوصول الى الكمالات والقرب المعنوي من الله تعالى فليطالع سيرة المعصومين وكلماتهم واقوالهم ومواعظهم وادعيتهم وعباداتهم ومعاشرتهم مع الناس، واحتجاجاتهم مع الزنادقة والمنحرفين والصوفية الذين كانوا يدّعون العرفان.
 
 (4) لاحجية للمكاشفة على غير المدعي لها

العضو السائل : شيخ الطائفة


السؤال :
هل المكاشفة حجة ؟؟


الجواب :
قد تكون حجة لمن حصلت عنده اذا علم بذلك، أما للغير فليست حجة ولا يثبت بها شيء، فلو علم المجتهد مثلاً بالحكم الشرعي من المكاشفة فلا يكون حجة في حق مقلِّده لأن العلم الذي يكون حجة للمقلد ويجوز له تقليده فيه هو العلم الحاصل من الاسباب الطبيعية.
 
 
(5) إنحراف وضلال ابن عربي

العضو السائل : المسلم الشيعي


السؤال :
السلام عليكم
ما هو راى سماحة السيد بالنسبة الى ابن العربي صاحب الفصوص و الفتوحات المكية
شكرا



الجواب :


هو من أركان المتصوفة، له كلمات مضلة ودعاوى فاسدة وقد عبروا عنه ب (مميت الدين) بدلاً من محيي الدين لكثرة كلماته المنحرفة في مختلف مجالات العقيدة من التوحيد والنبوة والامامة .

قال في أول فتوحاته : (سبحان من أظهر الاشياء وهو عينها) وهو ظاهر في وحدة الوجود والموجود، وانكار الخالق والمخلوق او عدم الفرق بينهما.

وقال في الفصوص : (اعلم ان التنزيه عند اهل التحقيق في الجناب الالهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه اما جاهل واما صاحب سوء.. _الى ان قال_ : فالحق محدود بكل حد لأن كل ما هو محدود بحد مظهر من مظاهره، ظاهره من اسمه الظاهر وباطنه من اسمه الباطن، والمظهر عين الظاهر باعتبار الأحدية)

وقال في وصف قوم نوح عليه السلام : {مما خطيئاتهم} : (فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهو الحيرة)
{فادخلوا ناراً} (في عين الماء .. فلم يجدوا من دون الله انصاراً فكان الله عين انصارهم فهلكوا فيه الى الابد.. الى ان قال : وان كان الكل لله وبالله، بل هو الله ..)

وقال في الفص الهاروني : (فكان عتب موسى اخاه هارون لمّا وقع الامر في انكاره وعدم اتّساعه فان العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء)

وقال في قوله تعالى {انا اعطيناك الكوثر} : (اي معرفة الكثرة بالوحدة، علم التوحيد التفصيلي وشهود الوحدة عين الكثرة بتجلي الواحد الكثير والكثير الواحد..}

وفي سورة نوح {لأنذرن آلهتكم} : (اي معبوداتكم التي عكفتم بهواكم عليها من ودّ البدن الذي عبدتموه بشهواتكم واحببتموه وسواع النفس ويغوث الاهل ويعوق المال ونسر الحرص {مما خطيئاتهم اغرقوا} في بحر الهيولا .. )

وقد ادعى العروج وعلم الغيب ونحو ذلك، فمن اقواله ان لله تعالى أولياء يعرفون بالرجبيين، يعلمون بواطن الناس ويرونهم بصورتهم الواقعية، وقد ادعى انه لقي أحدهم وساله عما يرى فقال اني ارى الرافضة في صورة الخنزير !

وقال : لما عرج بي الى السماء رأيت علياً في مرتبة ودرجة نازلة ودون أبي بكر عمر وعثمان، فقلت له : كنت تدعي في دار الدنيا أنك افضلهم فما بدا مما عدا.

وادعى انه يعلم الغيب وكان يقول : اذهب الى العرش في كل ليلة عشر مرات (نقل بالمضمون)
الى غير ذلك من الاراجيف والكلمات التي تدل على ضلاله وانحرافه وانهماكه في توهمات الصوفية ووساوسهم.
 
المصدر:http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=170096

الجمعة، 22 أغسطس 2014

عرفان أمير المؤمنين (عليه السلام) (الشيخ إبراهيم الأنصاري الخوئيني الزنجاني)

مقدمة: العرفان ضرورة دينية

اتفق الشيعة والسنة وغيرهما على نقل حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وهو قوله (عليه السلام): (الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان)([1]).

ومضمونه متفق عليه، لأن الإسلام - كما في آيات كثيرة - دعا إلى (الإيمان والعمل والصالح)، واللسان مثل بقية الأعضاء، له نصيب من العمل، صالحًا كان أو فاسدًا، كما أن من المسلّم طلب تكميل كلّ من الجهات الثلاث من المرتبة الضعيفة إلى أعلى المراتب، وتكميل مراتب الاعتقاد يسمى بـ(العرفان).

وتكميل مراتب الاعتقاد له شُعبتان: (إحداهما) ترجع إلى العقل والنظر، (والثانية) إلى القلب والعواطف.

فالأولى اصطلحوا عليها بـ(علم الكلام)، والثانية بـ(علم العرفان).

وبتعبير آخر: العلم المتكفل لباطن الإنسان ومقاماته الغيبية يسمى بالعرفان، وحيث إن هذا عطش فطري موجود عند كل إنسان، فلذا لم يوجد دين سماوي أو أرضي إلا وفيه فرقة تدعو إلى العرفان، سواء في اليهودية أو المسيحية أو المجوسية أو الإسلام، أو في البوذية والهندوسية والكونفوشيوسية وغيرها.

ولكن هناك نكتة تجب الإشارة إليها، وهي:

أن كل حقيقة واقعية كما يوجد جَمْعٌ يتبنّونها بعنوان أنها حقيقة دينية، كذلك يوجد جمع يتّخذونها وسيلةً للمال أو الجاه أو ما شابه ذلك.

ولتمييز حقّها من باطلها، والمدّعِي لها حقًا عن المدّعِي لها رياءً ونفاقًا، معاييرٌ وموازين، لسنا في مقام بيان تفاصيلها، بل نريد الاكتفاء، بل الالتجاء إلى باب مدينة العلم والعرفان، إلى من هو ميزان الحقّ والباطل في كل ما يمكن أن يتّصف بهما، وهو إمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ولا يمكننا التعرض لجميع جوانب عرفانه (عليه السلام)، بل نشير إلى نموذج منه، ولعله هو (عليه السلام) يجعله بابًا يفتح منه ألف باب:

1- التوحيد العرفاني

إن العرفان الصوفي يعتبر أن كمال توحيده تعالى الذي يسمونه (توحيد أخص الخواص) والمبالغة في تعظيم شانه ونفي الشريك عنه بالكليّة يقتضي إنكار حقائق الموجودات، وادعاء كونها جميعًا موجوداتٍ خيالية وهمية:

كل ما في الكون وهم أو خيال
 
 
أو عكوس في المرايا أو ظلال [2]
 

ويتهمون الاعتراف بحقائق واقعية غير الله تعالى - كما يقوله المتكلمون والفلاسفة المخالفون للصوفية - بكونه خروجًا عن التوحيد الخالص، بل داخلاً في الشرك بالنسبة إلى الواصلين بمرتبة التوحيد (أخص الخواص)، وإن كان مقبولاً من أهل المراتب الأخرى العاجزين القاصرين عن الوصول لتلك المرتبة، فهم يفتخرون ويتبجحون بالوصول إلى مرتبة لا يرون فيها موجودًا حقيقيًا غير الله تعالى، بخلاف بقية مراتب التوحيد، فإن أصحابها يتخيلون أن موجودات العالم كلها حقائق خارجية.

والحقّ أن ما استندوا إليه في موارد كثيرة من صريح كلامهم لإثبات هذه الدعوى صحيح، وهو أن المخلوقات بشراشر وجودها وكمون ذاتها وصفاتها لا تملك شيئًا إلا من الله حدوثًا وبقاء، فلا يتصور أن يستغنوا عنه تعالى، بل هم دائمًا محتاجون في جميع شؤونهم إلى باريهم.

وهذا أمر متفق عليه لا يجهله العوام فضلاً عن الخواص، ومجرد اتخاذه شعارًا وتكراره في الأشعار واللسان والقلم لا يدل على كون من ينادي به أشدّ علمًا أو إخلاصًا واعتقادًا به من غيره.

ولكن هذا المعنى لا يُثبت ما ادعوه من خيالية العالم وكون الموجودات بأجمعها موهومات، بل نقول إن الأمر بالعكس، لأن الاعتراف بعالم واقعيٍّ وموجودات حقيقية من سماء وأرض، وإنسان وحيوان، وجبال وبحار، ونجوم ومجرّات، وبالكرسي الذي وسع السماوات والأرض، وباللوح والقلم، والعرش العظيم، وعالم النور وما فيه، مما لا يعلمه إلا الذين هبطوا من ذلك العالم واطّلعوا عليه من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، إن الاعتراف بواقعية كل هذه المخلوقات أدلّ على عظمة خالقها وتوحيده من الاعتراف بربّ خلق موجودات وهمية ويحكم حكومة وهمية.

إذ لا ريب أن الإنسان يخلق في ذهنه موجودات وهمية ويصنع بقوّة الخيال سماوات وأرضين ومجرات وغير ذلك مما يحاكي المخلوقات التي خلقها الله تعالى.

فلو كانت مخلوقاته تعالى أيضًا وهمًا وخيالاً لا واقع له بل {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ}([3])، كما يفسّرونها به، فما الفرق بينه تعالى وبين عبيده؟!

ومنشأ المغالطة أنهم توهموا أنّه كلما بالغنا في تنزيل شأن المخلوق فقد رفعنا بالمقدار عينه من شأن الخالق، وكلما رفعنا من شأن المخلوقات واعترفنا بوجودها الحقيقي وبعظمة بعضها فقد نزّلنا من شأن خالقها، وجعلناها بمنزلة النّد والشريك لله تعالى، وابتعدنا عن التوحيد الخالص، ووقعنا في الشرك الخفي حقيقة، أو في نظر الواصلين إلى هذه المرتبة.

والحق أن هذا خلاف العقل والفطرة، فإن خالق الأمر الواقعي العظيم أولى بنفي الشريك عنه، فإن اعتقادنا أنه تعالى خالق سماوات واقعية ومجرات، وعرش وكرسي، وأرض، وإنسان وجنّ، وملائكة حقيقية، مع كون أزمّة جميع الأمور بيده، أدل على عظمة الخالق وأبلغ في الإخلاص والتوحيد من الاعتقاد بإله خالقٍ لسماوات وهمية وأرض وإنسان وجنّ وملك وعرش وكرسي خيالية، لا مادة لها ولا حقيقة، بل كلها مثل خيالات ذهننا وأوهامه، أو مثل صور المرآة وظلال الأجسام.

فالحق ما ذهب إليه المتكلمون والفلاسفة العقليون، من أن كمال التوحيد يقتضي الاعتقاد بكون الموجودات حقائق، فإن ترفيع شأنها ترفيع لشأن خالقها وإخلاص في توحيده.

2- العرفان والحلول والاتحاد

العرفان العلَوي يركّز على نفي كل نوع من الاتحاد والحلول ونحوهما، فضلاً عن الوحدة، فلا وجوده القدوس يليق بأن نراه في ضمن الكثرة بعد خلق الموجودات، كما أن صدور الوجود المنبسط - على اصطلاحهم-، وسريان الوجود الكلي، لا يقتضيان وحدته تعالى وسريانه في المخلوقات (الوحدة والكثرة)، ولا خالقيته تعالى من سنخ صدور شيء عن شيء، ليكون مقتضى قانون (فاقد الشيء لا يكون معطيًا له)، هو أن صدور الموجودات منه دليل على انطوائها في ذاته تعالى بعنوان (الكثرة والوحدة)، بل خلقه تعالى للأشياء من العدم المهيأ بعيد عن قانون (إن المعطي للشيء يجب أن يكون واجدًا له)، فلا صدور ولا انطواء (لم يلد)، بل خلقٌ وإيجاد من العدم، كما أن قانون (كن فيكون) يبطل حلوله في خلقه وسريانه فيه على ما هو مقتضى قانون (الوحدة والكثرة) فليست نسبة وجوده إلى الموجودات من سنخ انطوائه فيها واحتوائها إياه، فلا يصح فرض مجموعة واقعية مشتملة عليه تعالى كما في العرفان المنحرف.

وهذا من أهم الفروق بين عرفان أمير المؤمنين (عليه السلام) وعرفان المدّعين بأن الخالق هو المخلوق،وأن العبودية جوهرة كنهها الربوبية، بل القرآن والحديث وبالخصوص عرفان أمير المؤمنين (عليه السلام) يركّز على نفي جميع أنواع الوحدة والاتحاد والسريان وغيرها، فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنت المولى وأنا العبد... وأنت المالك وأنا المملوك... وأنت العزيز وأنا الذليل... أنت الخالق وأنا المخلوق... وأنت العظيم وأنا الحقير... وأنت الغني وأنا الفقير... أنت الباقي وأنا الفاني... وأنت الربّ وأنا المربوب...)، فكل من هذه الكلمات تثبت المباينة في عين الحضور وعدم الاتحاد في عين الإحاطة والشهود.

3- رُبَّ عارفٍ يعبد نفسه

العارف في العرفان المصطلح يجعل اتصافه بهذه الصفات هدفًا، فيعبد الله لأمور روحية من صفاء ومكاشفة وكشف حجب وغير ذلك من أهدافٍ ترجع إلى روحه، كما أن بعض المثقفين يعلّلون الدين بأهداف مادية جسمانية من تقوية البدن وسلامة الأعصاب وتنظيم حركات القلب، وكلاهما يعبدان أنفسهما: هذا يعبد جسمه، وذاك روحه.

وأما العرفان العلَوي، فإنه يركّز على التعبد، فلا يعبد الله لشيء يرجع إلى جسمه، ولا لشيء يرجع إلى روحه، بل تعبّدًا بأمره ونهيه، كما هو مقتضى العبودية وطريقة المتكلمين والفقهاء.

4- تعميم العرفان وابتذاله

لا إشكال أن من جملة طرق محاربة أيّ حقيقة والتقليل من شأنها، هو تعميمها وبذلها لمن ليس أهلاً لها، كما لو فرضنا أنّا أطلقنا كلمة (آية الله العظمى) على كل معمّم عنده شيء من العلم، فإنه لا يرفع من شأنهم شيئًا، وإنما ينزّل من قيمة هذه الكلمة، وكذا لو فرضنا أن كل من ورد إلى الحوزة العلمية بدأ بتدريس الكفاية أو حضر في درسها أو حضر درس الخارج، فإنه يسقط قدر هذه الأمور ولا يرفع من قدر نفسه.

ومن هذا الباب نرى أمير المؤمنين (عليه السلام) مع كثرة الأدعية والخطب الواردة عنه، قد قلّل من النكات التي تعدّ من الرموز والإشارات العرفانية في كلماته، حتى أن بعضهم جمعها على زعمه في كتاب مستقل، ومع ذلك لم يجد شيئًا معتدًا به، رغم أنه تمسّك: بكل ما فيه شيء من مشتقات (عرف، يعرف)، حتى العبارات التي فيها ردّ صريح للعرفان المصطلح.

وكذلك سائر أئمتنا (عليهم السلام)، فإن كلامهم إما مباين لمباني العرفان المصطلح، أو غير متعرّض له.

وهذا دليل على أنهم نظروا إلى العرفان - أي ما كان مقبولاً عندهم - نظرة الاحترام، فضنوا به عن غير أهله، ومنعوا من تعميمه والحط من كرامته، على خلاف العرفان المصطلح الذي يسعى أهله في تعميمه وابتذاله.

5- تبديل الوسيلة إلى غاية

التأمل في القرآن وكلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) يفيد أنه لم يكن ينظر إلى الحب والودّ والتوكّل بنظرة استقلالية وصفتية، كما في القطع الموضوعي، بل بنظرة مرآتية بحيث لا يرى إلا المحبوب والربّ وجلاله وجماله وكماله، فلا ترى في كلماته التركيز على نفس هذه الصفات إلا قليلاً.

بخلاف العرفان المصطلح، فإنه ينظر إلى هذه الصفات بنظر استقلالي، فيركّز على صفة الحب والفناء والعشق والتيه وغير ذلك، أكثر من ذكر المحبوب والمعشوق و... المفني فيه.

6- الأنانية العرفانية

العرفان العلَوي يستغرق في وصف كمال المحبوب وجماله جلاله، ويسترسل فيه كما في دعاء الافتتاح، وكميل، والصباح، وغيرها، ولا يلتفت إلى نفس الداعي إلا أحيانًا قليلة، بخلاف العرفان المصطلح، فإنه يغلب فيه مدح نفسه أو جماعته بعنوان (أنا أو نحن) ويسترسل في أنه عاشق أو فانٍ أو تايه، أو واله، أو ما شابه ذلك، أكثر من توجّهه إلى ربّه.

والفرق بين العرفانَين هو أن النظر في العرفان العلوي يركز على الصفة أو متعلَّقها، بينما في العرفان المصطلح ينظر إلى الموصوف المدّعي لصفة العشق ونحوه، أو المعشوق والمحبوب وما شابه، وربما يوجّهون عملهم عن طريق وحدة العاشق والمعشوق، والفاني والمفني فيه، وفيه ما فيه...

7- المفاهيم أو الحقايق

إن المدعين للعرفان المصطلح يهمّهم علم العرفان والخوض في مفاهيمه والعناوين المطروحة فيه بالحمل الأولي، أعني مفهوم الحب والتيه والفناء وما شابه ذلك، حتى أنهم يرون القدرة على تصوّرها وفهم مراتبها دليلاً على الوصول إلى واقعها، وربما تساعدهم قوّة الخيال بأن يعتقدوا لأنفسهم ذلك.

وهذا بخلاف العرفان العلَوي، فإنه يسعى لتحصيل واقع هذه الصفات بالحمل الشايع ولا يقدر الشيطان ولا قوّة الخيال على تلبيس الأمر عليهم حتى يتخيّلوا الوصول إلى بعض هذه المراتب بمجرد قدرتهم على تصوّرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
* أستاذ العقائد في الحوزة العلمية في قمّ المشرفة.
[1] - راجع وسائل الشيعة (آل البيت): 15/329، ب46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح33. وهي مروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضًا، راجع نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، دار الوفاء، بيروت: 4/50، خطبة رقم 227. وراجع سنن ابن ماجة. محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،دار الفكر - بيروت،  ج1 ص26.
[2] - البيت مطلع غزل للعارف عبد الرحمن الجامي في ديوانه، راجع تفسير آيات القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني، الطبعة الأولى 1418 هـ، مؤسسة العروج: 1/ 131.
[3] - سورة النور: من الآية39.
المصدر: http://www.al-najaf.org/resalah/6/3-erfane.htm

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

أية الهداية (السيد جعفر سيدان)


آية الهداية
(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
الآية التي نحن بصددها قد طرحت مسألة الهداية ومفهومها كالتالي: »انا لم نعط الهداية لكل احد« وهذا المعنى مما يثير السؤال فهل الهداية كلاً مغلقة أم أنها مغلقة بالنسبة إلى اولئك الذين سوف تمتلأ جهنم منهم؟ ويمكن استنباط معنى صحيح من الآية وهو: اننا لو أردنا هداية الناس بالاجبار لاستطعنا ذلك مثل: ان نريهم قسما من انواع العذاب ونعمل بعض الاعمال التي تجر الناس الى مسير الحقّ من حيث يريدون أو لا يريدون لكن حق القول مني (فهذا القول هو الثابت مني) وهو: حيث انّ هؤلاء – وباختيار منهم – انتخبوا طريق الضلال فلأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين وصار من المعلوم انّ قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) ليس فيه جبر ولا اجبار لأحد بل المفروض بالناس أن ينتخبوا هم طريق الهداية لا ان الهداية تُفرض عليهم.
ومع ملاحظة الآيات الاخر حول الهداية يتضح انّ المراد من هذه الآية المباركة هو عدم الهداية الاجبارية يعني انّ المنفي في الآية المباركة هو الاجبار على الهداية وقد ذكرت الآيات التالية الذكر ان حصول الهداية أمر اختياري:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُورا)
(إِنَّ علينَا لَلْهُدَى)
(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)
وترى في ذيل هذه الآيات الآتية انّ الهداية منوطة بإرادة الإنسان:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ …
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى)
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عليهمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ  خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ودرجات الهداية والضلال تكون على اساس افعال الإنسان (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىوَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
وفي هذه الآية كما نجد القدرة الالهية كذلك نرى انتخاب الإنسان وفعله (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَيُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَيَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
والمقصود من هذه الآية هي كلمة (سأصرف) حيث يقول: انّي سأصرف هؤلاء عن الإيمان بي ولو أنّهم رأوا الآيات والدلائل مع ذلك فهم لا يؤمنون وانّهم لا يسلكون طريق الرشد والصلاح ويتخذون طريق الغي والضلال وذلك لانهم تكبروا اَمام اللَّه جلّ وعلا وكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم هي الوقوع في الهلاك.
ومن المعلوم انّ التكبر فعل نفس الإنسان والآيات التي يكون فعل الإنسان واختياره موضوعا للحكم فيها كثيرة نذكر بعض النماذج منها:
(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)
فمع ملاحظة جميع هذه الآيات المباركة نستطيع القول انّ المراد من نفي الهداية هو: نفي الهداية الاجبارية يعني انّ اللَّه سبحانه وتعالى لا يريد الزام الناس واجبارهم على الهداية بل الهداية في اختيار الإنسان الذي يختار الهداية وينتخبها.
ومن هنا فأكثر الجنّ والإنس يُعرضون عن الهداية ويتابعون اهواءهم واميالهم النفسية ويسلكون طريق الضلالة ويكون فعل اللَّه سبحانه وتعالى على اساس انتخابهم هذا ويلقي بهم في نار جهنم التي هم انتخبوها.
وهذا المعنى موافق للعقل السليم ومؤيد بتعاليم الوحي.
كلام ملاصدرا
قال في الاسفار:
«ثم انك تعلم انّ نظام الدنيا لا ينصلح إلاّ بنفوس جافية وقلوب غلاظ شداد قاسية فلو كان الناس كلّهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب اللَّه وقلوب خاضعة خاشعة لاختل النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجالة وكالنفوس المكّاره… ».
ثمّ بعد ما ذكر حديثا ذكر هذه الآية:
(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
فيدعي ملاصدرا انّه لاجل اصلاح نظام الدنيا لا بدّ من وجود الصالحين والاشرار (حتى الفراعنة والدجاجلة و…) ولو كان اهل العالم كلهم صالحين لاختل نظام الدنيا.
ويقول: طالحية هذا القسم من الناس من ذاتيات خلقتهم ولاجل هذا ولدوا ويوجه كونهم من أهل العذاب وجهنم بأنّهم من سنخ جهنم وطبعها وهنالك علاقة بين وجودهم وبين نار جهنم فلا يرون فيها عذابا ولا صعوبة ويقول:
فيكون لها غايات حقيقية ومنازل ذاتية والأمور الذاتية التي جبلت عليها الأشياء إذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة.
وعلى اساس هذا البيان فجهنم هي المنزل الذاتي لهؤلاء حيث انهم من بدو حياتهم قد خلقوا لجهنم وحينما يرجعون إلى جهنم يجدون فيها لذتهم واطمينانهم ولو انهم وصلوا اليها بعد حين من الزمن وقد كانوا عنها بعيدين زمانا كثيرا كما قال تعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ).
إذن خلاصة كلام ملاصدرا حول الآية المذكورة هو: لو أراد اللَّه هداية الناس لهداهم ولكن اللَّه جلّ وعلا لم يفعل ذلك – عمدا – لأجل أن يكون في الدنيا الأشرار والخبثاء وأهل المعصية وطبعا لقد خلق اللَّه جهنم لأجل أن يملاءها بهؤلاء (ولكن على هؤلاء ان لا يغتموا فانّ العذاب لهم عذب و… )
في نقد وتحقيق هذا الكلام نستطيع ان نقول: كيف ان نقول ان هذا هو مراد اللَّه جلّ وعلا؟! فهل العقل لا يبدي الاّ هذا الاحتمال؟! أو لم يقل اللَّه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حول الهداية كلاما آخر غير هذا؟!
أو ليس من الانصاف من جهة علمية وعقلية ان ننظر إلى جميع الآيات نظرة واحدة ونستخرج منها معنىً واحدا؟!
والذي يمكن تصوره عن معنى الهداية معنيان:
1-الهداية العامة (وهي الهداية الاختيارية) والتي يقول عنها جلّ وعلا: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)
الهداية الاجبارية: ولأجل معرفة ان ايّهما مراد من الآية المباركة لابد من اقامة الدليل عن خارج الآية عليه ولابد ان لا يتنافى الفهم الحاصل من الآية مع الفاظ القرآن الاخرى ومع الأصول القطعية الاخرى للوحي.
ومع المراجعة للآيات القرآنية حول الهداية والتي قد تقدمت الإشارة اليها فان رؤية القرآن عن مسألة الهداية واضحة ومشخصة.
وحول انّ اللَّه جلّ وعلا يملأ جهنم من الجنّ والإنسان فهو أيضا يتصور له معنيان:
1- انّ ورودهم لجهنم انما كان على اساس اختيارهم.
2- انّ وردهم لجهنم كان على اساس خلقتهم.
والآية المباركة لم تتعرض لبيان أحدهما ولابد من اقامة الدليل من الخارج على أحدهما و…
روايات الطينة
من الممكن ان يرد في الذهن انّ كلام ملاصدرا يتطابق مع أحاديث الطينة والتي قد بينت سعادة وشقاوة الناس قبل ورودهم إلى الدنيا.
ولأجل توضيح هذا الموضوع ينبغي لنا أن نذكر نموذجين من هذه الأحاديث ثمّ نحقق الكلام فيها.
الحديث الأوّل:
روي عن الإمام السجاد× انّه قال:
انّ اللَّه عزّوجلّ خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وابدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وجعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجّين قلوبهم وابدانهم.
الحديث الثاني:
وروي عن الإمام السجاد× أيضا انّه قال:
أخذ اللَّه ميثاق شيعتنا معنا على ولايتنا لا يزيدون ولا ينقصون انّ اللَّه خلقنا من طينة عليين وخلق شيعتنا من طينة أسفل من ذلك وخلق عدونا من طينة سجين وخلق اولياءهم من طينة اسفل من ذلك.
الجواب:
والجواب حول روايات الطينة و… كما أشرنا اليه انّ هناك أصلا عقليا عاما حول كلّ المباحث وهو انّه لو كان هنالك مطلب ثابت قطعا بالأدلة الواضحة والتصريحات الكثيرة أو كان ذلك المطلب من دعائم الدين واصوله فالعقل يحكم بأن كل ما يخالفه لابد من تأويله ان كان سنده معتبرا ولو لم يكن قابلا للتأويل وكل ما يقال فيه من توجيهات وتبريرات غير مقنع فلابد من رد علمه إلى أهله.
والتبريرات والتوجيهات المختلفة حول روايات الطينة كالتالي:
1-قسم من هذه الروايات ضعيفة.
2-يقول البعض: انّ هذه الروايات تتناسب مع التقية وذلك لأنّ قسما من العامة قائلون بالجبر.
3-ويقول البعض الآخر: انّ هذه الروايات كناية عن استعدادات وقابليات الاشخاص.
4-وهنالك رأي آخر يقول: انّ هذه الروايات كناية عن علم اللَّه جلّ وعلا بالنسبة إلى المسير الذي يطويه الاشخاص (فاللَّه جلّ وعلا يعلم احوالهم فكان هؤلاء خلقهم على طينات مختلفة).
5-ويرى البعض: انّ اختلاف الطينات متفرع على الامتحان في عالم الذر و…
كلام السيد الطباطبائي:
كلّ هذه الأقوال ليست تامة في نظرنا ويرد على كلّ منها اشكالات والتوجيه الصحيح لها ما قاله السيد الطباطبايي في حواشيه على اصول الكافي حيث قال:
لا شك ولا ترديد في أنّ التربية في الجملة مؤثرة في حياة وتصرفات الإنسان وان وقوع عمله مبتن على ذلك في طول ادوار حياته وانه مع التربية الصحيحة والصالحة اقرب إلى السعادة ومع التربية غير الصحيحة اقرب إلى الشقاوة (بحسب ما يرد إلى الذهن من معنى السعادة والشقاوة).
وحصول هذا الأمر للإنسان بواسطة افعاله حيث انه قادر على الفعل والترك (يعني انّ افعاله اختيارية) وكما انّ هذه الأفعال بالنسبة للإنسان ممكنة (بمعنى انه يمكن ان يفعل وأن لا يفعل)كذلك السعادة والشقاوة – واللتان هما نتيجة تراكم الأوصاف النفسانية الحاصلة من افعاله – فانهما بالنسبة للإنسان ايضا ممكنان.
ومن جانب آخر فالإنسان احد اجزاء علل هذه الأفعال الصادرة منه – مثل الأكل – فانّ ارادة الإنسان احد اجزاء وجود فعله الذي يمكن صدوره منه وذلك حينما يريد الأكل ويقرّب تلك المادة ليأكلها ومع حصول كلّ الشروط اللازمة لحصول ذلك الفعل – يعني مع اجتماع الشرائط وفقدان الموانع بلا استثناء – فانّ المفروض وجوب صدور ذلك الفعل وحصوله بالضرورة.
إذن بعد معرفة هذا الأمر يتضح انّ السعادة والشقاوة واللتان تحصلان بواسطة افعال الإنسان الإختيارية عند ذاك الذي ينسب للإنسان هو نسبة الإمكان والاختيار وحينما تنسب إلى مجموع العلة التامة – والتي أحد اجزائها هو الإنسان – فهذه النسبة ضرورية وحتمية.
من الواضح ان قضاء العلم الإلهي وحكمه من جهة حصول العلة التامة ومن هنا يمكن القول انّ قضاء اللَّه جلّ وعلا وحكمه بالسعادة والشقاوة ماضٍ في حق كلّ انسان وانّه غير قابل للتبديل والتغيير وهذا لا يتنافى مع إمكان اختيار الإنسان للسعادة والشقاوة وقد جاء في هذا الحديث انّ الإمام×قال: «انّ اللَّه خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه… ».
ومعنى كلام الإمام× هو انّ اللَّه سبحانه وتعالى يعلم العلل التامة التي توجب السعادة والشقاوة في حق الإنسان وبها يحكم، وهذا القضاء والحكم الإلهي لا يتنافى مع افعال الإنسان الإختيارية وكذلك السعادة والشقاوة التي تلحق الانسان من جهة افعاله.
فعلى اساس هذا البيان انّ الإنسان احد اجزاء علة صدور الفعل ومادام انّ الإنسان لم يُرِدْ فلا تحقق للفعل ولو حصلت جميع الشرائط وارتفعت جميع الموانع فانّ وقوع ووجوده الفعل أمر حتمي وضروري.
انّ ارادة واختيار الإنسان وبالإقتران مع سائر العلل توصل فعل الإنسان الخيّر والشرير إلى الحتميّة ومن بعدها الحكم بالسعادة أو الشقاوة.
وهذه السعادة والشقاوة (واللتان هما نتيجة افعال الإنسان الإختيارية) لو نظرنا اليهما قبل ارادة الإنسان فنسبتهما للإنسان نسبة الإختيار والإمكان ولو لاحظناهما بعد إرادة الإنسان وسائر العلل فانّ نسبتهما للإنسان ضرورية وحتمية.
واللَّه جلّ وعلا يعلم ماذا سيكون بعد وجود ارادة الإنسان وسائر العلل والقضاء الالهي يعني العلم والحكم الإلهي انما هو من جهة هذه العلل التامة.
إذن اللَّه جلّ وعلا عالم بالعلل التامة والقضاء والحكم الإلهي نافذ واللَّه سبحانه عالم بالسعادة والشقاوة التي ينتخبها الإنسان وانّه يقضي ويحكم على فعله بعد اختياره له والقضاء الحتمي الإلهي هو العلم الإلهي وهو ليس منافيا لإختيار الإنسان في افعاله ولا مع السعادة والشقاوة اللتين هما تابعتان لافعال الإنسان، فانّ عمل الإنسان وفعله اختياري وهو الذي ينتخب السعادة والشقاوة لنفسه.
(اقول: ان المؤلف قد ارتضی قول السيد الطباطبائي في المقام وذلک باطل من جهات:
الاولی:انه خلط بين باب السعادة والشقاوة وباب الطينة.
الثانية: يقول السيد الطباطبائي: “ان نسبة الانسان بلا ارادة الی فعله، هي نسبة المعلول الی العلة الناقصة وهي الامکان”، و هو غير صحيح، لان نسبة المعلول الی العلة الناقصه هي الامتناع لا الامکان، فيدور الامر علی تفسيره بين الوجوب والامتناع وهو عين القول بالجبر لا الاختيار .
الثالثة: ان نسبة الانسان لنفس ارادته ايضا ً عند السيد الطباطبائي هي اما النسبة الی العلة التامة فواجبة، واما النسبة الی العلة الناقصة فممتنعة، وبالنتيجة فلا يبقی مع ذلک للانسان اي اختيار حتی في نفس ارادته.
الرابعة: ان تفسير القضاء الالهي بعلمه تعالی باطل.
الخامسة: ان عمل الانسان يبتني علی اختياره .
السادسة: يصرح الطباطبائي في کتبه بان تفسير القدرة والاختيار بمعنى انه يمكن الانسان ان يفعل وأن لا يفعل ان هذا التفسير في نظره غلط.
السابعة: ان الانسان في افعاله ـ طاعة کانت او معصية ـ هو الفاعل التام لا انه جزء العلة.
الثامنة: القول بوجوب صدور فعل الانسان وحصوله بالضرورة، هو نفس القول بالجبر. کما ان القول بانّ قضاء اللَّه جلّ وعلا وحكمه بالسعادة والشقاوة في حق كلّ انسان بحيث يکون غير قابل للتبديل والتغيير، يکون باطلا وقولا بکون يد الله تعالی مغلولة، تعالی الله عن ذلک.
التاسعة: اذا کان معنی كلام الإمام عليه السلام هو انّ اللَّه سبحانه وتعالى يعلم العلل التامة التي توجب السعادة والشقاوة في حق الإنسان، فاي مجال واي معنی لحکمه تعالی بذلک، وهو يفعل ما يشاء و يحکم ما يريد؟!
والصحيح في حل مشکلة احاديث الطينة هو ان يقال ان الله تعالی علم ان المؤمن يؤمن باختياره فخلقه من طينة عليين، وعلم ان الکافر يکفر بسوء اختياره فخلقه من طينة سجين ، ولا يکون ايمان المؤمن ولا کفر الکافر من آثار طينتهما جبراً وبلا اختيار منهما. المترجم)
كلام الطباطبائي في الميزان
من الواضح انّ الهداية والضلالة أمران اختياريان وانّ اللَّه جلّ وعلا لا يجبر الإنسان على الهداية أو الضلالة ولو انّ التوفيق وسلب التوفيق اللذين يختارهما الإنسان يظهران هنا ويعدان من المقتضيات والمحركات ولابدّ من البحث عنهما مستقبلا ولا ربط لهما بمسألة الجبر والإختيار للطباطبائي حول هذه الآية المباركة (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) كلام في الميزان غير صحيح من وجهة نظرنا فانّه يقول في معنى الآية المباركة:
أي لوشئنا أن نعطي كلّ نفس – أعم من المؤمنة والكافرة – الهدى الذي يختص بها ويناسبها لاعطيناه لها بأن نشاء من طريق اختيار الكافر وارادته ان يتلبس بالهدى من طريق الإختيار والإرادة – كما شئنا في المؤمن كذلك – فتلبّس بالهدى باختيار منه وإرادة من دون أن ينجرّ إلى الالجاء والإضطرار فيبطل التكليف ويلغو الجزاء.
نقد وتحقيق
الهداية الإجبارية على أقسام مثل الهداية نتيجة لنزول العذاب والمصائب الشديدة والهداية الحاصلة بواسطة التصرف في ارادة الإنسان واختياره و…
وكلام الطباطبائي – هنا – حول الكافر صحيح يعني انّ اللَّه جلّ وعلا لو أراد اجبار الكافر على الهداية فانه يتصرف بارادته وهو يضطر إلى الهداية ولا يضل اصلا.
وظاهر كلام السيد الطباطبائي حول هداية المؤمن انّه كذلك يعني انّ اللَّه جلّ وعلا قد تصرف في ارادة المؤمن وجعله ينتخب طريق الهداية.
ومن الواضح انه لا يمكن ان نقبل هذا الكلام بل الكل – المؤمن والكافر – كلاهما مختاران وبامكان كل انسان أن يختار الهداية أو الضلالة وهنا يكون معنى للثواب والعقاب والجنّة والنار و…
طبعا لو لم يكن في كلام السيّد الطباطبائي كلمة «شئنا» لكان كلامه صحيحا لكن وجود هذه الكلمة في عبارته »كما شئنا في المؤمن كذلك« اصبح المعنى المتبادر في الذهن غير صحيح.
تذكير
لقد تقدم قبل ذلك انّ ملاصدرا – هنا كان متمايلا للقول بالجبر وكان معتقدا انّ اللَّه جلّ وعلا لأجل اصلاح الدنيا (وبقول ابن عربي لأجل أن تأخذ كلّ الإستعدادات الصالحة رشدها ومراتبها وكذلك الإستعدادات الطالحة مع كلّ مراتبها أن تتجلى في كلّ مظاهر الخير والشرّ) لابدّ أن يخلق قسما من الناس (لأجل أن يتكامل العالم ويأخذ رشده في جميع ابعاد القبح والحسن ويتكامل من جميع الجهات الصالحة والطالحة).
قسم من أهل العرفان ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتقدوا انّ الإنسان شأن من شؤونات الحقّ سبحانه وتعالى وطور من أطواره ومع هذا الإعتقاد فلا توجد حقيقة ولا موجود مستقل كزيد وعمر وحينئذ لا معنى للإختيار هنا حتّى يصل الكلام إلى الجبر والتفويض.

الاثنين، 18 أغسطس 2014

معرفة اللّه‏ باللّه‏ (الشيخ حسن الميلاني)




إشارة          
قد يستشهد أصحاب الفلسفة والعرفان على عقيدتهم الضالة المضلة من الحصول على معرفة ذات الخالق تعالى وشهودها بنفسه بما ورد من النصوص القائلة بأنه: "لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا به"

وحينئذ فعلينا بيان أنه:

كيف ينحل ما يتوهم من عقدة التعارض بين ما دل على أنه: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏" وما دل على أن: "معرفة الخالق بنفسه محال"؟!

 ويصطاد الجواب عن خلال إيضاح الأمور التالية:

إن الشيء إذا امتنع عن الأشباه والنظائر فلا يصح تعريفه بالأمثال والأشباه، فلا يعرف إلا بنفسه
إذا كان وجود الموجود اللائق للألوهية ـ وهو الوجود المتعالي عن المقدار ـ مجهولاً مطلقا عند المخلوق، بحيث لا يمكنه الالتفات إلى ذلك بنفسه، فلا يحصل ذلك إلا بتعريف الخالق له نفسه، فلا يعرف اللّه‏ تبارك وتعالى إلا بنفسه
ما أصابك من حسنة فمن اللّه‏ وما أصابك من سيئة فمن نفسك
لا يمكن الوصول إلى دفائن العقول ومواثيق الفطر من معرفة اللّه‏ تعالى إلا بتذكير الحجج الإلهية صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين وعليه فمن من مات وليس له إمام مات ميتة كفر وضلال ونفاق
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بآثاره وأعلامه وخلقه
وإليك تفصيل ذلك:
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏(1)
لا يخفى على من له أدنى أنس بالروايات المأثورة عن معادن العلم والحكمة الإلهية، أن أئمة أهل البيت صلوات اللّه‏ عليهم صرحوا بأن معرفة اللّه‏ تعالى به لا بغيره، فلعلّك أن ترى بين ما قدمناه من انحصار طريق معرفة اللّه‏ تعالى بالآثار وبين تلك الروايات تناقضا وتنافيا، ولكنك بالتأمل تجد نفسك لما بيناه مؤيدا، فإن هاهنا معان أربعة صحيحة تدل الروايات المذكورة عليها:
الأول: أنه بعد ما ثبت:
الف: أن الإدراك والمعرفة فرع المقدار والعدد، فلا يعرف إلا ما هو كذلك، ولا يوصف شيء إلا بالأشباه والنظائر
ب: أنه تعالى شيء بخلاف الأشياء، مخالف لكل مقدار وعدد وتصور توهم
فواضح أنه تعالى لا يعرف إلا به، أي لا يكون أيّ شيء مرأة له حتى يعرّفه ويريه، بل ما من شيء يتصور ويتوهم إلا وهو غيره.
مثال: بينما أنت تعرف شيئا وتريد أن تعرّفه لغيرك الجاهل به، فلك أن توصف ذلك وتمثّله بالأمثال والأشباه والنظائر، حتى يصبح عارفا به وإن لم يكن يراه.
وأما إذا أردت أن توصف ذات اللّه‏ تعالى لنفسك أو لغيرك، فلا توصف شيئا ولا تتوهم صورة إلا وهو تعالى يكون غيرهما، ولا يقرّبانك من معرفته تعالى شيئا. فلا يعرف الخالق إلا به، ولا يعرف بغيره من الأشياه والنظائر.
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... وإنما يشبه الشيء بعديله، وأما ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله...[1]
الإمام الصادق عليه السلام:
... لا يدرك ببصر، ولا يحس بلمس، ولا يعرف بخلقه...[2]
سئل أمير المؤمنين عليه السلام: بم عرفت ربك؟ قال: بما عرّفني نفسه، قيل: وكيف عرّفك نفسه؟ قال: لا يشبهه صورةٌ ولا يحسّ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في قربه، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره.[3]
الإمام الصادق عليه السلام:
إنما عرف اللّه‏ من عرفه باللّه‏، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره. ليس بين الخالق والمخلوق شيء، واللّه‏ خالق الأشياء لا من شيء، يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره والموصوف غير الواصف، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة.[4]
الإمام الكاظم عليه السلام:
... وليس للّه‏ حد ولا يعرف بشيء يشبهه...[5]
الإمام الرضا عليه السلام:
... فليس اللّه‏ عرف من عرف بالتشبيه ذاته...[6]
الإمام الصادق عليه السلام:
... ومن زعم أنه يعرف اللّه‏ بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك، لأن الحجاب والمثال والصورة غيره، وإنما هو واحد موحّد فكيف يوحّد من زعم أنه عرفه بغيره...[7]
لا شبه له تعالى حتى يعرف به، كما أنه لا رسول ولا وليّ يدعى الرسالة والولاية بغير حق إلا ويفضح نفسه بأباطيله ومنكراته في القول والفعل:
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... إعرفوا اللّه‏ باللّه‏، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.[8]
الإمام السجاد عليه السلام:
... من كان ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كان نعته لا يشبه نعت شيء فهو ذاك...[9]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
يا من دل على ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملائمة كيفياته.[10]
هو هو، لا جزء له ولا بعض، ولا صورة له ولا شكل، ولا شيء يمكن أن يعرف لنا بها ذاته القدوس ، فليس هو إلا هو:
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
يا هو، يا من هو هو، يا من ليس هو إلا هو. يا هو، يا من لا هو إلا هو.[11]
يا هو، يا من لا يعلم ما هو، ولا كيف هو، ولا أين هو، ولا حيث هو إلا هو.[12]
يا اللّه‏ يا هو، يا هو، يا من ليس كهو إلا هو، يا من لا هو، إلا هو.[13]
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا باللّه (2)
قد تقدم أن المخلوق لا يحتمل الوجود إلا للموجود المقداري، متناهيا فرضه أم غير متناه، ولا يدرك شيئا وراء إدراكه، ولا يحتمل وجود شيء خارجا عما يحتمل وجوده وهو لا يلتفت إلى هذا النقصان في إدراكه، فهو بالنسبة إلى الخالق الخارج عن ذلك جاهل مطلق، لا يمكنه إثباته ولا نفيه نفيا خاصا. فإنه ينظر إلى الموجود من عين لا يريه إلا المخلوق، فإثبات شيء أو نفيه خارجا عن المقدار يطلب عينا أخرى له أعم منها، وذلك لا يمكن له مع انحصار الموجود عند المخلوق بما يرى بالعين الواحدة الأولى.
فلا طريق للمخلوق إلى إثبات الخالق إلا بعد إغاثة الخالق بأن يلفته إلى نفسه القدوسة، وإلى انحصار إدراكه بالمقداري، فالمعرفة من صنعه وبه، وليس من صنع المخلوق، (وقد تقدم روايات الباب في مبحث الانسداد). وليس للعقل باستقلالها النيل إلى إثبات وجود الخالق بحقيقته التي تكون مركبة من جزئين:
1. الإثبات
2. بلا تشبيه
أو فقل:
1. لا تعطيل
2. لا تشبيه
بل يصبح العقل باستبداده بنفسه واستقلاله في النظر إلى خالقه إما منكرا وإما مشبها، وأما بعد الالتفات إلى الموضوع اللائق للألوهية بواسطة الخالق تعالى فهو يصبح إما مؤمنا بالتسليم عند سلطان عقله، وإما جاحدا تبعا لهوى نفسه.
وقد ترى بالمراجعة إلى كل مدارس المعرفة البشريه أن أهلها بأجمعهم يترددون بين منكر ومشبّه، ولا يعبدون إلا أوثانا مصورة محدودية، لا متناهية موهومة. فأين يذهبون وأين يتاه بهم؟!!
الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
ومن أراد الحكمة فليأتها من بابها.[14]
الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
وسدّ الأبواب إلا بابه، فقال: أنا مدينة العلم وعلى بابها.[15]
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا باللّه (3)
الثالث من معاني كون معرفة اللّه‏ باللّه‏ هو: أن كل ما لنا من الحسنات ـ ويكون أشرفها وأعلاها هو الإيمان باللّه‏ تعالى ـ ليس إلا به تعالى.
الوجود، العقل، العلم، القدرة، التوفيق والهداية للمخلوق ليس إلا من فضل الخالق تعالى وكرمه وجوده ومنّه، فكل ما نكتسب من الخيرات والحسنات فهو بها أولى:
«ما أصابك من حسنة فمن اللّه‏، وما أصابك من سيئة فمن نفسك».[16]
«إن النفس لأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربى».[17]
«ولولا فضل اللّه‏ عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن اللّه‏ يزكي من يشاء».[18]
«يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم بل اللّه‏ يمن عليكم إن هديكم للإيمان إن كنتم صادقين».[19]
112+لا حول ولا قوة إلا باللّه‏ العلي العظيم.
الإمام الصادق عليه السلام:
... لا يدرك مخلوق شيئا إلا باللّه‏ ولا تدرك معرفة اللّه‏ إلا باللّه‏...[20]
... فليس أحد أن يبلغ شيئا من وصفك، ولا يعرف شيئا من نعتك إلا ما حددته له ووفقته إليه وبلغته إياه...[21]
يابن آدم، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.[22]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
...فجعلت لي سمعا يسمع آياتك، وعقلاً يفهم إيمانك، وبصرا يرى قدرتك، وفؤادا يعرف عظمتك، وقلبا يعتقد توحيدك...[23]
الإمام الصادق عليه السلام:
... لم يقدروا على عمل ولا معالجة في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم...[24]
وفي الدعاء عن النبي صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده، وجعل ما امتنّ به على عباده كفاء لتادية حقه صل على محمّد وآل محمّد و...[25]
الإمام سيدالشهداء عليه السلام:
... به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف...[26]
الإمام السجاد عليه السلام:
... بك عرفتك، وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت...[27]
ولو لا أنت ربي ما اهتدينا إلى طاعتك، ولا عرفنا أمرك، ولا سلكنا سبيلك...[28]
الإمام الباقر عليه السلام:
... يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية، وحباني بمعرفة الربوبية، وخلصني من الشك والعمى...[29]
... عن سلمان الفارسي (رضي اللّه‏ عنه). في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مأة من النصاري، وما سأل عنه أبابكر فلم يجبه،ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام فسأله عن مسائل فأجابه عنها، وكان في ما سأله أن قال له: أخبرني أعرفت اللّه‏ بمحمّد أم عرفت محمّدا باللّه‏؟
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عرفت اللّه‏ عز وجل بمحمّد صلی الله عليه وآله ‏وسلم ولكن عرفت محمّدا باللّه‏ عز وجل، حين خلقه، وأحدث فيه الحدود من طول وعرض فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة، كما ألهم الملائكة طاعته وعرّفهم نفسه بلا شبه ولا كيف...[30]
الإمام الرضا عليه السلام:
...وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمّها كلّها فقد تكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك؛ واللّه‏ عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا.[31]
الإمام الرضا عليه السلام:
... فلما أفل الكوكب قال لا أحب الآفلين، لأن الأفول عن صفات المحدث لا من صفات القديم... إن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض، وكان ما احتج به علي قومه ما ألهمه اللّه‏ وأتاه كما قال اللّه‏ تعالي: «وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه»...[32]
الائمة أمير المؤمنين والباقر والصادق عليهم السلام:
فسبحانك تثيب علي ما بدؤه منك، وانتسابه إليك، والقوة عليه بك، والإحسان فيه منك، والتوكل في التوفيق له عليك.[33]
عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول اللّه‏ عز وجل: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» قال عليه السلام:
سمعت رسول اللّه‏ صلی الله عليه وآله ‏وسلم يقول: إن اللّه‏ عز وجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة؟[34]
لا يعرف اللّه‏ تعالي إلا باللّه (4)
إن اللّه‏ تبارك وتعالي بعد أن منّ علينا بمعرفته وصنعها فينا بتفضله، فقد عرضنا نسيان نعمته بعد نزولنا إلي دار الدنيا، وأصبحنا غافلين عن معرفته فاحتاجت فعلية المعرفة والإقرار بالخالق إلي مرحلة أخري من التعريف بالتذكير من سفرائه الكرام البررة.
ويشهد لذلك المراجعة إلي تواريخ الأمم كلها حيث إنهم لم يزالوا بين من اشتغل بالدنيا الفانية وغفل عن المبدأ والمعاد بالمرة، وبين من استهدف النظر إلي ماوراء الحياة الدنيا، ولكنهم مع الأسف فما وصلوا بدقيق نظرهم وقياس عقولهم إلا إلي أوهام ظنية باطلة، وما اتخذوا آلهتهم إلا أوثانا في الحقيقة بصورها المختلفة من النور والنار والشمس والقمر والكواكب والبشر وحقيقة الوجود اللامتناهية الموهومة وأمثال ذلك مما لا يليق بالألوهية.
ولكن الرسل والحجج الإلهية صلوات اللّه‏ عليهم أثاروا لهم بتبيين الآيات وتذكير البينات دفائن عقولهم، وجعلوا للمعرفة الفطرية والهداية الربانية الذرية المودعة في قلوبهم فعلية وظهورا.
وبهذا يعلم أن المعرفة الذرية لا تكون مغنية عن الرجوع إلي الرسل والحجج الإلهية في دار الدنيا.
«بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم؛ يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين، علي صراط مستقيم، لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون».[35]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة... [36]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... إلي أن بعث اللّه‏ سبحانه محمّدا صلی الله عليه وآله ‏وسلم، لإنجاز دعوته وإتمام نبوته، مأخوذا علي النبيين ميثاقه... وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه للّه‏ بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلي غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة...[37]
فحكم بعضهم بأنه "إن عاش إنسان وحده في البراري والفلوات لكان مؤمنا موحدا ومقرا للّه‏ بالربوبية" تخرصا بالغيب!!
ويقول الإمام أبو عبد اللّه‏ عليه السلام في قوله تعالي «كان الناس أمة واحدة فبعث اللّه‏ النبيين مبشرين منذرين»:
وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته، بقي شيث وصيه لا يقدر علي إظهار دين اللّه‏ الذي كان عليه آدم وصالح ذريته، وذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية والكتمان، فازدادوا كل يوم ضلالاً حتى لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد اللّه‏، فبدا للّه‏ تبارك وتعالي أن يبعث الرسل، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا «قد فرغ من الأمر» وكذبوا إنما هو شيء يحكم به اللّه‏ في كل عام ثم قرء «فيها يفرق كل أمر حكيم» فيحكم اللّه‏ تبارك وتعالي ما يكون في تلك ألسنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك. قيل: أفضلاّلا كانوا قبل النبيين أم علي هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة اللّه‏ التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق اللّه‏، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم اللّه‏. أما تسمع قول إبراهيم: «لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين» أي ناسيا للميثاق.[38]
الإمام الصادق عليه السلام:
... والكفر، إسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ولم يخلق اللّه‏ العبد حين خلقه كافرا، إنه إنما كفر من بعد إن بلغ وقتا لزمته الحجة من اللّه‏ تعالى، فعرض عليه الحق فجحده، فبإنكار الحق صار كافرا...[39]
... إن اللّه‏ عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بحجود، ثم بعث اللّه‏ الرسل تدعوا العباد إلى الإيمان به...[40]
الإمام الصادق عليه السلام:
 تبطل حجج اللّه‏ وبيناته.[41]
الإمام الصادق عليه السلام:
لم يخل اللّه‏ الأرض منذ خلق آدم من حجة للّه‏ فيها ظاهر مشهور أو خائف مغمور... ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة للّه‏ فيها، ولو لا ذلك لم يعبد اللّه‏. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.[42]
الإمام الصادق عليه السلام:
الحمد للّه‏ المحتجب بالنور دون خلقه... وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوا.[43]
... سئل أبو عبد اللّه‏ عليه السلام عن قول اللّه‏ عز وجل: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». فقال: كانوا أمة واحدة، فبعث اللّه‏ النبيين ليتخذ عليهم الحجة.[44]
ولا يتم الحجة إلا بوجود الحجة:
قال اللّه‏ تعالى:
«لئلا يكون للناس على اللّه‏ حجة بعد الرسل».[45]
«لئلا يقول أحد لو لا أرسلت إلينا رسولاً منذرا وأقمت لنا علما هاديا».[46]
الإمام الرضا عليه السلام:
إن الحجة لا تقوم للّه‏ على خلقه إلا بإمام حي يعرف.[47]
وقد قطع اللّه‏ عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله لئلا يكون للناس على اللّه‏ حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقه...[48]
... عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة احتج اللّه‏ عز وجل على خمسة؛ على الطفل، والذي مات بين النبيين أي في زمان الفترة وغلبة الجور وخفاء الحجة والحق، والذي أدرك النبى صلی الله عليه وآله ‏وسلم وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم والأبكم، فكل واحد منهم يحتج على اللّه‏ عز وجل. قال: «فيبعث اللّه‏ إليهم رسولا...»[49]
ولم يخل اللّه‏ سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة...[50]
... عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام:... قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام قال: لا، قلت: فإنا نروي عن أبي عبد اللّه‏ عليه السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط اللّه‏ على أهل الأرض أو على العباد. قال: لا، لا تبقى، إذا لساخت.[51]
الإمام الصادق عليه السلام:
لو كان الناس رجلين كان أحدهما الإمام.
وقال:
آخر من يموت الإمام، لئلا تحتج أحد على اللّه‏ أنه تركه بغير حجة للّه‏ عليه.[52]
الإمام الباقر عليه السلام:
ليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجة منه على الناس منذ يوم خلق اللّه‏ آدم وأسكنه الأرض.[53]
... قال فأخبرني عن المجوس أبعث اللّه‏ إليهم نبيا؟ فإني أجد لهم كتبا... قال: ما من أمة إلا خلى فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند اللّه‏ فأنكروه وجحدوا الكتاب...[54]
 
وهم ودفع
فبما أوضحناه في المباحث الأربعة:
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (1).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (2).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (3).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (4).
يظهر أنه لا تنافي بين: "انحصار طريق معرفة اللّه‏ تعالى بأفعاله وآثاره" وبين "كون معرفته تعالى به، وامتناع معرفته بغيره" بوجه، فإنه:
قد يسأل أولاً: هل للّه‏ تعالى شبيه ونظير وعديل فيعرف به؟
فيجاب بأنه: لا، بل إنه يعرف به فقط لا بغيره، حيث لا غير يكون مرآ ة لمعرفته تعالى، وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (1).".
وقد يسأل ثانيا: هل للمخلوق بنفسه احتمال وجود الخالق بعينه حتى يثبت وجوده؟!
فيجاب بأنه: ليس ذاك بممكن، بل اللّه‏ هو الذي يعرّف نفسه إلى خلقه فالمعرفة من صنعه لا غير. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (2).".
وقد يسأل ثالثا: هل المخلوق في معرفته وفعله وقدرته و... مستقل مستغن عن خالقه؟!
فيجاب بأنه: إن المخلوق لا يفعل ولا يدرك ولا... إلا باللّه‏ تعالى. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (3).".
وقد يسأل رابعا: هل الإنسان بعد الهبوط إلى الدنيا يكون عارفا باللّه‏ مؤمنا به بالفعل، أم لا يهتدي إليه تعالى إلا بتذكير الحجج وتنبيههم؟!
فيقال: إنه لا يخلص الإنسان من ورطة الشهوات الحاضرة وشبهات الشياطين المضلة، ولا يهتدي إلى المعارف الحقة إلا بعد تبليغ الحجج صلوات اللّه‏ عليهم أجمين. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (4).".
وقد يسأل خامسا: هل المعرفة يتعلق باللّه‏ تعالى بذاته بلا واسطة خلقه، أم لا يحصل العلم بوجوده تعالى إلا من آياته وأعلامه وصنعه وخلقه؟
فيجاب: لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بآثاره وأعلامه وآياته وخلقه. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بأثره وفعله".







[1]. بحار الأنوار، 4 / 276
[2]. بحار الأنوار، 3 / 193
[3] . الوافي، 1 / 340، نقلا عن الكافي، 1 / 85
[4] . بحار الأنوار، 4 / 161
[5]. التوحيد، 141
[6]. بحار الأنوار، 4 / 228
[7]. بحار الأنوار، 4 / 161
[8]. التوحيد، 286
[9]. بحار الأنوار، 4 / 304
[10]. القمي: مفاتيح الجنان، دعاء الصباح، عن المجلسي "قدس سره"، عن مصباح السيد بن الطاووس
[11]. بحار الأنوار، 95 / 158
[12] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء المشلول
[13] . بحار الأنوار، 95 / 170
[14] . دعاء الندبة
[15] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء الندبة
[16] . النساء: 79
[17] . يوسف: 53
[18] . النور: 21
[19] . الحجرات: 18
[20] . بحار الأنوار، 4 / 161
[21] . بحار الأنوار، 95 / 421
[22] . التوحيد، 363
[23] . بحار الأنوار، 95 / 257
[24] . بحار الأنوار، 4 / 161
[25]. بحار الأنوار، 95 / 204
[26]. بحار الأنوار، 4 / 301
[27] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزه الثمالى
[28] . بحار الأنوار، 95 / 425
[29] . بحار الأنوار، 95 / 338
[30]. بحار الأنوار، 3 / 272
[31]. بحار الأنوار، 4 / 179
[32] . نور الثقلين، 1 / 735 ـ 736، عن عيون الأخبار
[33]. بحار الأنوار، 95 / 404
[34]. التوحيد، 28
[35].يس: 1 ـ 7
[36]. نهج البلاغة، الخطبة، 1
[37]. نهج البلاغة، الخطبه، 1
[38]. الصافي، عن تفسير العياشى
[39] . بحار الأنوار، 10 / 171
[40].الكافي، 2 / 417 ـ 69
[41]. إثبات الهداة، 1 / 113
[42]. إثبات الهداة 1 / 107، عن إكمال الدين
[43]. إثبات الهداة، 1 / 119، عن ثواب الأعمال
[44] . إثبات الهداة، 1 / 119، عن علل الشرائع
[45]. النساء: 165
[46] . طه: 20
[47].إثبات الهداة، 1 / 139، عن الاختصاص
[48] .الاحتجاج، 1 / 368
[49].الشبر،"قدس سره": حق اليقين، 2 / 106، عن الخصال
[50].نهج البلاغة، الخطبه، 1
[51].إثبات الهداة، 1 / 78 ـ 79، عن الكافي والعلل
[52] .إثبات الهداة، 1 / 80
[53] .إثبات الهداة، 1 / 80، عن الكافي
[54] . بحار الأنوار، 10 / 179، الإمام الصادق عليه السلام