الأحد، 14 سبتمبر 2014

الرد على شبهات ابن عربي (السيد عبد الله شبر)


شبهة محيي الدين بن العربي في انقطاع العذاب وزواله:

اعلم انه لاخلاف بين كافة المسلمين في ان الكفار الذين تمت عليهم الحجة مخلدون في النار وفي العذاب ، وقد تظافرت بذلك الايات وتواترت به الروايات عن النبي والائمة الهداة، بل هو ضروري الدين لاخلاف فيه بين احد من المسلمين ، إلى ان انتهت النوبة الى بعض من ينتحل الإسلام من المتصوفية والمتفلسفين ، فتركوا التمسك بكتاب الله الذي : (لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وبسنة رسول الله الذي : (لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) (النجم13) . واستبدلوا بأوهامهم الفاسدة وارائهم الكاسدة ، فزعموا ان الكفار وإن كانوا مخلدين في النار إلى مالا نهاية له ـ، إلا ان عذابهم لابد له من انقطاع وزوال، فتكون النار عليهم بردا وسلاما بعد ذلك . وأول من فتح هذا الباب فيما أظن محيي الدين العربي ، فقالوا في الفص اليونسي من فصوص الحكم : وأما اهل النار فمألهم الى النعيم ولكن في النار ، إذ لابد لصورة بعد انتهاء مدة العذاب ان تكون بردا وسلاما على من فيها وهذا نعيمهم. فنعيم اهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين القي في النار .
وقال في الفص الاسماعيلي : الثناء بصدق الوعد لابصدق الوعيد ، والحضرة الالهية تطلب الثناء المحمود بالذات ، فيثنى عليها بصدق الوعد لابصدق الوعيد ، بل بالتجاوز : ( فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله) ولم يقل وعيده ، بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع انه توعد على ذلك، وصرح بذلك ايضا في الباب الثامن والخمسين من الفتوحات ، وقال في الباب الخامس والثلاثمئة منها : ولابد من حكم الرحمة على الجميع ، اي اهل الجنة والنار ، ثم قال ولايلزم ممن كان من اهل النار الذين يعمرونها ان يكونوا معذبين بها ، فإن أهلها وعمارها وخزنتها وهم ملائكة ، وما فيها من الحشرات والحيات وغير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة ولاواحد منها يكون النار عليه عذابا،كذلك من يبقى فيها لايموتون فيها ولايحيون ، وكل من ألف موطنه كان به مسرورا، وأشد العذاب مفارقة الوطن، ولو فارق النار اهلها لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له، وإن الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الوطن ، فعمرت الداران وسبقت الرحمة الغضب، ووسعت كل شيء جهنم ومن فيها والله ارحم الراحمين كما قال عن نفسه.

قد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم الله على الرحمة ، انهم يرحمون جميع عباد الله حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم . وقد قال تعالى عن نفسه انه ارحم الراحمين ، فلايشك أنه أرحم منا بخلقه ، فكيف يسرمد العذاب عليهم . وهو بهذه الصفة العامة ان الله اكرم من ذلك ، ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على ان الباري لاتنفعه الطاعات ولاتضره المخالفات ، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه ، وان الخلق مجبورون في اختيارهم . انتهى ملخصا.
وتبعه على ذلك القيصري وعبد الرزاق الكاشي وغيرهما ، والعجب من المحقق الفيلسوف الشيرازي ، والمحقق المحدث الكاشاني ، حيث تبعاه الاسفار وعين اليقين والمعارف ، وقد استقصينا كلماتهم في كتابنا مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار . واستند بعض هؤلاء في ذلك إلى حديث عامي مقطوع مرسل ، وهو سيأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير . وما رواه البغوي في معالم التنزيل عن ابن مسعود قال : ليأتين على جهنم زمان ليس فيها احد ، وذلك بعد مايلبثون فيها احقابا . هذا خلاصة ماشيدوا به هذا المطلب العظيم المخالف للقرأن الكريم والسنة وضرورة الدين في الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت ، وأنه لأوهن البيوت.

الجواب على شبهة محيي الدين العربي:
أقول وبالله التوفيق وبيده ازمة التحقيق لايخفى فساد مازعموه وبطلانه من وجوه:
الأول: ان مرسلة الجرجير ومقطوعة ابن مسعود مع انهما في غاية الضعف ونهاية القصور ، ولم يوجد منهما عين ولا اثر في كتب الإمامية، مخالفان للقرأن ، وقد تواتر عنه صلى الله عليه واله وسلم فيما رواه الفريقان كل حديث لايوافق كتاب الله فهو زخرف، مع أته قد روى ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن موفق مولى أبي الحسن أي الكاظم عليه السلام قال : كان مولاي أبو الحسن إذا أمر بشراء البقل يأمرني بالاكثار من الجرجير ، فيشتري له، وكان يقول ما أحمق بعض الناس يقولون إنه ينبت في وادي جهنم والله عز وجل يقول: (وقودها الناس والحجارة) فكيف تنبت البقل.
وروى حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بلغنا انه يأتي على جهنم حين تصطفق ابوابها . فقال لا والله انه الخلود . قلت خالدين فيها مادامت السماوات والارض إلا ماشاء ربك، فقال هذه في الذين يخرجون من النار ، واصطفاق الابواب كناية عن خلوها من الناس ، وهو رد على ابن مسعود ، وربما يتوهم من قوله تعالى في اهل جهنم:
(لابثين فيها احقابا) انقطاع العذاب ،فقد ذكر بعض المفسرين ان الحقب ثمانون سنة من سني الاخرة ، وقيل ان الاحقاب ثلاثة واربعون حقبا، كل حقب سبعون خريفا، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم الف سنة.
وفي معاني الاخبار عن الصادق عليه السلام في الايات ان الاحقاب ثمانية احقاب والحقب ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمئة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون . ولكن ولكن قد ذكر جماعة من المفسرين ان المعنى احقابا لا انقطاع لها، كلما مضى حقب جاء بعده حقب اخر إلى ابد الابدين ، فليس للأحقاب عدة الا الخلود في النار.
وقال بعضهم ان المعنى : (لابثين فيها احقابا لايذوقون في تلك الاحقاب (إلا حميما وغساقا) ثم يلبثون لايذوقون فيها غير الحميم والغساق من انواع العذاب ، فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار ، وجملة منهم على ان ذلك التحديد لأهل التوحيد ، وهو المروي من طرقنا.
فروى العياشي باسناده عن حمران قال: سألت ابا جعفر عن هذه الأية ، فقال هذه في الذين يخرجون من النار . وروي عن الاحوال مثله.
الوجه الثاني: ماذكروه من حسن خلف الوعيد ، كما قال تعالى : ( ولاتحسبن الله مخلف وعده رسله) ولم يقل وعيده ، بل قال ( يتجاوز عن سيئاتهم)، فاسد من وجوه:
أولا: فإن اثبات الشيء لايدل على نفي ماعداه، ولادليل على وجوب انقطاع مدة العذاب وانتهائه ،بل الادلة على خلافه على أنه لاوعيد بالنسبة للرسل والانبياء.
ثانيا: فلأن الوعيد الذي يحسن خلفه من قسم الانشاء ، ولكن الخلود في العذاب قد دلت عليه الايات والروايات بطريق الاخبار ، وأخبار الله يمتنع فيها الكذب ضرورة.
ثالثا: فلأن الله تعالى قد وعد انبيائه ورسله بالانتقام من اعدائهم وخلودهم في العذاب الدائم ، وعد من الله لأنبيائه يمتنع خلفه ، فتكون الاية ردا عليهم.
رابعا: فإن مقتضى شبهاتهم المذكورة ان الكفار لايستحقون الخلود في العذاب ، بل لايجوز ذلك عليهم . ووعيد الله لهم بالعذاب ودوامه يدل على استحقاقهم لذلك ، حتى يحسن ويصدق العفو ، فيلزمهم إنكار أصل الوعيد ، وإنكاره تكذيب للقرأن وما يقال من أن الغرض من هذا الوعيد اصلاح الخلق لينزجروا عن المعاصي ففاسد، إذ لو تم لقام في أصل العذاب ايضا ، وهم لايقولون به. وبقيام هذه الاحتمالات الواهية الركيكة ينسد باب التكليف ، ويرتفع الوثوق بأقوال برب العالمين والانبياء والمرسلين، ويلزم منه الخروج عن زمرة المسلمين.
خامسا: فإن قوله تعالى (ويتجاوز عن سيئاتهم ) مخصوص ببعض أهل المعاصي من فرق المسلمين الذين لايخلدون ، كما ذكره المفسرون ووردت به الروايات ، غلى ان التجاوز لايتحقق إلا قبل دخول جهنم أو بعد الدخول مع الخروج عنها ، وأما دفع العذاب
عنهم وهم فيها بعد عذابهم بقدر مايستحقونه فلا يسمى ذلك تجاوزا بل عدلا على زعمهم.
الوجه الثالث :ان قولهم ان الطاعات لاتنفع الله والمعاصي لاتضره كلام حق، بل الطاعات تنفع فاعليها والمعاصي تضرهم . وقولهم ان الخلق مجبورون في حال اختيارهم ظاهرة الجبر وحينئذ فأصل عذابهم قبيح فضلا عن دوامه.
الوجه الرابع : ان مايزعمون من ان من له ادنى رحمة من العباد لايرضى بدوام عذاب عدوه ، وإن اساء معه ما أساء فما ظنك بأرحم الراحمين فيه.
أولا: ان هذا يقبح اصل العذاب ونوعه فضلا عن دوامه.
وثانيا: ان قياس ارحم الراحمين على رحمة العبد الجاهل المسكين قياس مع الفارق، إذ الفرق واضح بين الإيلام بطريق الاصلاح ، وبين العقوبة بطريق الاستخفاف والاستهانة وتعذيب الكفار من الثاني كما قال تعالى : (اخسأوا فيها ولاتكلمون) (ذق انك أنت العزيز الكريم) (خذوه فغلوه) الاية، وفرق بين حال العبد الضعيف الجاهل العاجز وبين الرب الخالق العالم الجبار القهار ، الا ترى ان انواع الامراض والاوجاع والزمانات والبلاء والابتلاء والتعذيبات الواقعة في الدنيا التي ابتلى بها خلقه لحكم ومصالح هو اعلم بها ، لو فوضت إلى اقسى العباد قلبا وأجفاهم غلظة لرفعها عن الناس ولم يرض بها ، سيما بالنسبة إلى الاطفال والصبيان والرضع والمشائخ والعاجزين، فكيف يقاس فعل رب العالمين بحال الجاهل المسكين ، على أ، افعال الله في الدنيا فضلا عن الاخرة تعجز عن ادراكها العقول ، كإنزال أنواع العذاب على الامم السالفة والقرون الماضية ، وجعل الله تعالى إدخال مقدار الحشفة في اللواط موجبا للقتل والحرق، مع ان الله تعالى يقول في شأن اهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) ويقول سبحانه: (من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) (الاسراء72). على ان جملة من محققيهم قد ذكروا في جواب من ادعى قبح اصل العذاب ان العذاب ليس بفعل منتقم خارجي ، بل هو من لوازم أفعالهم ونتائج اعتقاداتهم واعمالهم، وحينئذ فكما يصح ان يكون العذاب والعقوبة من نتائج الاعمال يصح ان يكون بعض انواعه نتيجة لدوام العذاب والعقاب .
الوجه الخامس: ان غاية مايدل عليه حسن خلف الوعيد وشمول الرحمة ونحوهما حسن العفو والتجاوز، ويدعي الخصم وجوب العفو وقبح دوام العذاب، فإن كان دوام العذاب والعقاب عدلا فلا قبح فيه، وإن كان ظلما وجورا فلا معنى للتجاوز والعفو.
الوجه السادس: ان هؤلاء كأنهم لم يتدبروا الايات المتظافرة والروايات المتواترة الدالة على دوام العذاب واستمرار العقاب ، قال تعالى ردا على اليهود الذين زعموا ان العذاب يصيبهم مدة أيام عبادتهم العجل ثم ينقطع عنهم: (وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولوا على الله مالاتعلمون) (البقرة 80) . وقد ذكر المفسرون ان السبب في نزولها ماذكر وورد في اخبارنا ذلك.
وقال تعالى : ( ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلايخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) (البقرة 85).
وقال تعالى: ( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفارأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب) (البقرة 161) . وقال ايضا : (خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون) (البقرة 162)
وقال تعالى: (إن الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) (النساء 56).
وفي ايات عديدة(مأواهم جهنم وساءت مصيرا) و(بئس المصير)، و(بئس المهاد)، و(عذاب اليم)، و(عذاب مهين) ، (وبئس مثوى الظالمين).
وقال تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملء الارض ذهبا ولو اقتدى به اولئك لهم عذاب اليم)(ال عمران 91)
وقال تعالى (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم) (ال عمران 188)
وقال تعالى (ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون ان يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم)(المائدة 36)
وقال تعالى (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون الا بما كنتم تكسبون) (يونس 52)
وقال تعالى (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولايكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وماهو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) (ابرهيم15)
وقال تعالى : (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلايخفف عنهم ولا هم ينظرون) (النحل 85)
وقال تعالى : (ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) (النحل 58). وقال تعالى: (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) (الاسراء 97).
وقال تعالى: (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) (الكهف299).
وقال تعالى: ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به مافي بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) (الحج 20).
وقال تعالى حكاية عن اهل النار: ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسأوا فيها ولاتكلمون) (المؤمنون 107).
وقال تعالى : (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (الفرقات 69)
وقال تعالى: (ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) (يونس 52)
وقال تعالى: (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها) (السجدة 20) . وقال تعالى: (والذين كفروا لهم نار جهنم لايقضى عليهم فيموتوا ولايخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا -إلى أن قال- فذوقوا فما للظالمين من نصير)(فاطر 36-37)
وقال تعالى: (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)(غافر 49).
وقال تعالى: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لايفتر عنهم وهم فيه مبلسون وماظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) (الزخرف 77). أي لابثون دائمون في العذاب كما ذكره المفسرون . وعن ابن عباس والسدي: إنما يجييبهم بذلك مالك بعد الف سنة ، إلى غير ذلك من الأيات الكثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية وقد بسطنا الكلام في هذا المرام في (مصابيح الأنوار).
المصدر : (حق اليقين في معرفة أصول الدين ج2 (ص499-ص506))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق