الخميس، 31 يوليو 2014

صفات الخالق جل وعلا أهي عين ذاته أم زائدة عليها أم لا ذاك لا ذا؟! (الشيخ حسن الميلاني)





صفات الخالق جل وعلا أهي عين ذاته أم زائدة عليها أم لا ذاك لا ذا؟!

     تقول المعرفة البشرية:


إن اللّه‏ تعالى يوصف بصفات عينا أو زائدة...

              وهذا الفصل يحقق الحق بأن:


اللّه‏ تعالى لا يوصف بالصفات مطلقا،

هاهنا نظريات:

1 . إن اللّه‏ تعالى متصف بصفات زائدة على ذاته،

2 . إن للّه‏ تعالى صفات وهي عين ذاته المتعالية،

مدرسة الفلسفة يدعي صحة النظرية الثانية، ولكن الحق أن النظريتين كلتيهما باطلتان، فإن البحث عن زيادة الصفات على الذات أو عينيتها معها لا يستقيم إلا بعد فرض كون الذات قابلة للاتصاف بالصفات، وذلك لا يمكن إلا بعد فرض أن يكون هناك صفة وموصوفا، وذلك متفرع على كون الذات مقدارية عددية، وإذا فرضنا الشيء مقداريا عدديا، فيكون فرض عينية ذاته مع الصفات محالاً ثبوتا، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، وشهادتهما جميعا بالاقتران المتفرع على مقدارية الشيء المستلزم لحدوثه،

فلا يكون الخالق المتعالي عن المقدار والمبائن للعدد بصفة ولا موصوف.

وكما أن الحكم بزيادة الصفات على الذات، يتفرع على كون الذات مقدارية عددية متجزئة، فكذلك الحكم بالعينية أيضا متفرع على فرض أن يكون هناك صفة وموصوفا، وحينئذ فامتناع عينية الذات والصفة من البديهيات.

هذا، وأما إذا كانت الذات متعالية عن المقدار والعدد، منزهة عن الاتصاف بالصفات، فلا يبقى مجال للبحث عن الزيادة أو العينية، بل هو تعالى هو، ليس شيئا غيره، واحد لا من عدد، فلا صفة ولا موصوف هناك موضوعا، وهو ذات، علم، قدرة، حياة، نور، سمع، بصر، وكل هذه صفات إقرار لا إحاطة وتوهم المستلزم للمقدار والأجزاء.

فهو علم كله قدرة كلها؛ حياة كلها، لا أن الكل منه يكون له بعضا حتى يكون مقداريا متجزيا.

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

أول عبادة اللّه‏ معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه، جل أن تحلّه الصفات، لشهادة العقول أن كل من حلّته الصفات مصنوع، وشهادة العقول أنه جل جلاله صانع ليس بمصنوع...[1]

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

... وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف. وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة.[2] فمن وصف اللّه‏ فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله.[3]

الإمام الرضا عليه السلام:

... فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغيوره تحديد لما سواه، فقد جهل اللّه‏ من استوصفه،... ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه.[4]

...بخط أبي الحسن عليه السلام:بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم الحمد للّه‏ الملهم عباده الحمد... الممتنع من الصفات ذاته...[5]

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

... وليس... كالأشياء فتقع عليه الصفات...[6]

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

لا توصف بصفات، ولا تنعت بنعت ولا بوصف.[7]

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

لا يقال له: "كان بعد أن لم يكن" فتجري عليه الصفات.[8]

الإمام الصادق عليه السلام:

... وكل موصوف مصنوع، وصانع الأشياء غير موصوف بحدّ مسمّى...[9]

فإن نفس الاتصاف بالصفات مستلزم لكون الشيء مقداريا عدديا مخلوقا:

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

... ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا...[10]

الإمام الصادق عليه السلام:

ولا تحد [أي لا توصف] فتكون محدودا [مقداريا].[11]

الإمام أبو عبداللّه‏ عليه السلام:

هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، وليس قولى: أنه يسمع بنفسه إنه والنفس شيء آخر، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولاً وإفهاما لك إذ كنت سائلاً، فأقول: يسمع بكله لا أن كله له بعض،ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسى، وليس مرجعي في ذلك إلا أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى.[12]

تقول المعرفة البشرية:

الصفات الكمالية ـ التي تكون عين الذات ـ فكمال التوحيد هو إثباتها له، لأن الذات الفاقدة لها تكون محدودة لخروجها عن تلك الذات ـ ولا شيء من المحدود بواجب ولا خالق ـ فمن وصفه تعالى بصفة كمالية هي عين ذاته فقد وحده، ومن وحده فقد نزهه عن العدد، ومن قدسه عن العدد فقد أثبت أزله، وكذلك يوصف اللّه‏ سبحانه.[13]

وتقول:

المراد من الصفات المنفية، هي الزائدة منها على الذات لأنها التي تشهد على المغايرة كشهادة الموصوف بها عليها.[14]

يقع الإشكال في ما قالته المعرفة البشرية من نواح:

الأولى: كمال التوحيد والإخلاص في التوحيد، هو نفي الصفات عن اللّه‏ تعالى على الإطلاق كما صرح به أولياء الوحى، وإلا بعد فرض كون الذات متصفة بالصفات فإدعاء العينية محال موضوعي، يقول القاضي السعيد القمي في شرح خطبة مولانا الإمام الرضا عليه السلام:وأصل معرفة اللّه‏ توحيده:

... وذلك أي هذا التوحيد إنما ينتظم بأن ننفي الصفات عنه تعالى عينا وزيادة، بمعنى أنه ليس ذاته سبحانه مصداقا لتلك المفهومات كما أن غيره كذلك، بل صفاته جل سلطانه "صفات إقرار" لا "صفات إحاطة" وانتزاع، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله: ونظام توحيد اللّه‏ نفي الصفات عنه. أي الذي ينتظم به التوحيد الحقيقي ويصير به العارف باللّه‏ موحّدا حقيقيّا، هو نفي الصفات عنه، بمعنى إرجاع جميع صفاته الحسنى إلى سلب نقائصها ونفي متقابلاتها لا أن هاهنا ذاتا وصفة قائمة بها أو بذواتها أو أنها عين الذات... لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق.

هذا إبطال للقول بالصفات العينية والزائدة العارضة، أي العقل الصريح غير المشوب بالشبه والشكوك يحكم بمخلوقية الصفة والموصوف سواء كانت الصفة عينية أو زائدة قائمة بذاته تعالى.

ثم يقول بعد توضيح البرهان على بطلان القول بالصفات عيناً وزيادة:

هذا كله مع قطع النظر عن استحالة العينية وامتناع إتحاد الذات والصفة. إذ الذات هو المحتاج إليه المستغني بذاته، والصفة هي المحتاج المفتقر إلى الموصوف، ومن البين امتناع إتحادهما للزوم كون المحتاج محتاجا وبالعكس، المستلزم لاحتياج الشيء إلى نفسه.[15]

ويقول الفاضل المقداد بن عبد اللّه‏ السيوري الحلي "قدس اللّه‏ روحه":

إنه ليس له صفة زائدة على ذاته بل ليس له صفة أصلاً كما أشار إليه ولّى اللّه‏ بقوله: وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف.[16]

الثانية: الوجدان والفقدان ملكة للموجود المقداري وآية المعلولية والمخلوقية.

الثالثة: المحدودية واللامحدودية أيضا تكون من صفات الأقدار وملكاتها.

الرابعة: إن الخالق تبارك وتعالى لايوصف بكون شيء خارجا عنه أو داخلا فيه فإن الخروج وعدم الخروج عن شيء ملكة للذات المقدارية.

الخامسة: التنزية من العدد، هو تنزيه الشيء عن المقدار والأجزاء والوجدان والفقدان والمحدودية واللامحدودية، فلا يصح تفسيرها بكون الشيء لامتناهيا صرفا ومتحدا مع الأشياء بأعيانها وواجدا لذواتها وكمالاتها.

السادسة: إذا كانت هناك ذاتً وصفات، فلازم عدم تناهي كل منها هو التناقض وتحديد كل منها لأختها، لا الحكم بعينيتها جميعا وعينيتها مع الذات كما تدعي الفلسفة ذلك.

جاء في "تفسير الميزان":

التعليم القرآنى... يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أي كثرة تمايز لا في الذات ولا في الصفات، وكل ما فرض من شيء في هذا الباب كان عين الآخر لعدم الحد، فذاته تعالى عين صفاته، وكل صفة مفروضة له عين الآخرى.[17]

إن كون ذاته المتعالية واحدةً قهارةً يبطل التفرقة ـ أي تفرقة مفروضة ـ بين الذات والصفات، فالذات عين الصفات والصفات بعضها عين بعض فمن عبد الذات عبد الذات والصفات، ومن عبد علمه فقد عبد ذاته، ومن عبد علمه ولم يعبد ذاته فلم يعبد لا علمه ولا ذاته وعلى هذا القياس"[18]

هو سبحانه ذو علو ونزاهة... من أن يتصف بشيء من الأمثال الحسنة والصفات الجميلة الكريمة بمعانيها التي يتصف بها غيره كالحيوة والعلم والقدرة و...فإن الذي يوجد من هذه الصفات الحسنة الكمالية الممكنات محدودة متناه... لكن الذي له سبحانه من الصفات محض الكمال وحقيقته غير محدودة ولا متناه..."[19]

إن الكمالات التي هي صفات الوجود كالعلم والقدرة والحيوة والسمع والبصر والوحدة والخلق والملك والغنى والحمد والخبرة ـ مما عد في الآيات السابقة أو لم يعدّ ـ صفات قائمة به تعالى على حسب ما يليق بساحة كبريائه وعزّ قدسه، لأنها صفات وجودية والوجود قائم به تعالى.[20]

و نقول:

1. إن مدرسة الوحي الإلهي تقول بأن الخالق المتعال لا يوصف بالصفات مطلقا، ويقول إن امتناع التعدد والتمايز في الذات المتعالية يكون من جهة كونه جل وعلا منزها عن المقدار وإمكان الاتصاف بالتناهي وعدم التناهي، لا من حيث كونه لا متناهيا وغير محدود.

2. إن لازم كون الذات والصفات لا متناهية غيرمحدوده ـ كما تفرضه الفلسفة والعرفان ـ هو تعارض الوجودات اللامتناهية في الوجود لا عينيتها وكون كل منها عين الأخرى، وإرجاعهم كل ذلك إلى حقيقة الوجود الصرف التي تكون أمرا موهوما من ضيق الخناق ولأجل الوصول إلى النتيجة التي عيّنوها من قبل وإلا فتعارض الوجودات اللامتناهيه وامتناع كونها متحدة مصداقا مع الفرض المذكور فمما لا يعتريه ريب.

3. إن كمال التوحيد هو نفي الصفات عن الخالق جل وعلا، وإلا فمع فرض وجود الذات والصفة وقيام الصفات الوجودية به تعالى فعينيتهما تكون محالا ثبوتا، وعليه فمن عبد الذات والصفات فقد أشرك باللّه‏ ومن عبد الصفات فلم يعبد شيئا.

4. تفسير القهارية بعدم المحدودية في الوجود خطأ واضح، فما تقوله الفلسفة من أن الفارق بين صفات الخالق والخلق هو القهارية والمقهورية بمعنى المحدودية وعدم المحدودية بحيث يصبح بالنتيجه كون الخالق والخلق واحدا ذاتا وصفةً لاينسب إلى التعاليم القرآنية البرهانية إلا جورا واعتسافا.



[1] . بحار الأنوار، 4 / 253
[2]. فلا صفة ولا موصوف هناك أصلا، وإلا فبعد فرض أن يكون هناك صفة وموصوفا ففرض العينية محال وإدعاؤه جزاف.
[3] . بحار الأنوار، 4 / 247
[4] . بحار الأنوار، 4 / 229
[5] . بحار الأنوار، 4 / 284
[6] . بحار الأنوار، 4 / 222
[7] . الصحيفة العلوية، بحار الأنوار، 29
[8] . بحار الأنوار، 4 / 255
[9] . بحار الأنوار، 4 / 161
[10] . بحار الأنوار، 4 / 275
[11] . بحار الأنوار، 98 / 263
[12] . بحار الأنوار، 4 / 70
[13] . الجوادي، عبد اللّه‏: علي بن موسى الرضا عليه السلام والفلسفة الإلهية، 46 ـ 47
[14] . الجوادي، عبد اللّه‏: علي بن موسى الرضا عليه السلام والفلسفة الإلهية، 46
[15] . القاضي، سعيد القمي، محمد بن محمد: شرح توحيد الصدوق، 1 / 115 ـ 119
[16]. الفاضل المقداد: اللوامع الإلهية، 79
[17] . الطباطبايي، محمد حسين: تفسير الميزان، 6 / 91
[18] . الطباطبايي، محمد حسين: تفسير الميزان، 11 / 176
[19] . الطباطبايي، محمد حسين: تفسير الميزان، 13 / 279
[20] . الطباطبايي، محمد حسين: تفسير الميزان، 16 / 236