الخميس، 11 ديسمبر 2014

ادوار علم الكلام الشيعي (الشيخ حيدر الوكيل)


 
                          ادوار علم الكلام
نستطيع ان نميز اربعة ادوار لعلم الكلام في اطار مدرسة الشيعة الامامية .
الدور الاول : هو الدور الذي بدأ فيه اصحاب الائمة (عليهم السلام) ببيان العقيدة والدفاع عنها ، فنجد ان قيسا الماصر ( كان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين ) كما في النص السابق ، ونجد على باب الامام ابى عبد الله الصادق (عليه السلام) مجموعة من اعيان اصحابه كلهم يحسن الكلام ونجد الرواية السابقة وغيرها تعطي للكلام موقعا مهما تجعل يونس بن يعقوب يتحسر عليه . ومن مميزات هذا الدور هو وجود الامام المعصوم بين المتكلمين فهو المرجعية الواضحة المعصومة منه يأخذ المتكلمون ما يشكل عليهم من تقاصيل هذا العلم وما يحتاجونه منه لاداء مهمتيه ، البيان والدفاع ، والامام عليه السلام يعتني بهم بل ويقوم بتقييم اصحابه فيقول في اخر النص السابق ( يا حمران تجري الكلام على الاثر فتصيب ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : تريد الاثر ولا تعرف ثم التفت إلى الاحول فقال : قياس رواغ ، تكسر باطلا بباطل ، لكن باطلك أظهر ، ثم التفت إلى قيس الماصر فقال : يتكلم وأقرب ما يكون من الخبر عن الرسول صلى الله عليه وآله أبعد ما يكون منه ، يمزج الحق بالباطل ، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل ، أنت والاحول قفازان ، حاذقان ، قال يونس بن يعقوب : وظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال : يا هشام لاتكاد تقع ، تلوي رجليك إذا هممت بالارض طرت ، مثلك فليكلم الناس ، اتق الزلة ، والشفاعة من ورائك ) .
وهذا يعني ان هناك علم كلام اهتم الائمة برعاية طلابه واعدادهم لبيان الحق وتوظيفهم للدفاع عن مذهب اهل البيت (صلوات الله عليهم) ولكننا لا نظن ان الاصحاب قد تبلور لديهم أي شيء من الافكار يخالف ما يريده الائمة (صلوات الله عليهم) وذلك لقرب العهد وسهولة الوصول و مرجعية الائمة الضاربة بجذورها في اعماق شيعتهم لذلك نجد ان كتب العقائد او ما وصلنا من الكتب المهتمة بالعقائد كانت عبارة عن روايات ولعل من اهمها كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار (ره) وكتاب بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي الاشعري (ره) ومن امتدادات هذه المرحلة الشيخ الكليني (ره) في كتابه الكافي و شيخنا الصدوق (قده) وكتبهم العقائدية تمثل هذه المرحلة وتعطي للمتتبع تمثلا واضحا لطريقة اصحاب الائمة في علم الكلام والاعتماد بالدرجة الرئيسة على مرجعية اهل البيت العقائدية ، والتوحيد ومعاني الاخبار واكمال الدين وغيرها من الكتب شاهد على ذلك .
الدور الثاني : ويبدء بالشيخ المفيد وطلاب مدرسته كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي (قدست اسرارهم) . وقد تميز هذا الدور بان هناك انفتاحا بالنسبة للشيعة على الواقع الاسلامي العام ـ دون وجود الامام المعصوم بين ظهرانيهم ـ جعل كرسي الكلام عند الشيخ المفيد الذي فرض نفسه >بعلمه وتقواه < كعالم الشيعة ومتكلمهم الذي له الباع الطويل في الدفاع عن المذهب الحق وبيان معتقداته وهذا هو الذي فرض عليه نوعاً من الطرح المغاير لطرح السابقين عليه بل والمعاصرين له ممن لم يكونوا بهذا الموقع المنفتح على الآخر كاعلام مدرسة قم ، ومن هنا نجد ان كتب العقائد اختلفت منهجيا عن كتب المرحلة السابقة , فتميزت بالابتعاد عن ذكر الروايات واعتمدت بيان العقيدة باسلوب المتكلمين من المذاهب الاخرى ولعلهم انتهجوا هذا المنهج لايجاد لغة مشتركة مع المذاهب الاخرى تفتح باب الحوار وتقرب المسافات بين الفرق المختلفة .
سيطرت هذه اللغة حتى اعطت للبحث الكلامي ومناهجه نسقا اخر غير ما عرف زمن الائمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) .
بل نجد ان هناك انسياقا مع امواج ذلك المنهج العامي المفروض الى حد التاثر به في تحقيق الحق وفي هذا خطورة كبيرة اسست لتقبل الواقع العلمي عند الشيعة للدور الثالث الذي انخزل عن الاخبار الشريفة كثيرا واعتمد الفلسفة المشائية ومنطقها كاسس للعقيدة الاسلامية عند الامامية.
ومن مؤشرات هذا الانسياق مسالة رجوع الصفات الالهية الذاتية الى السلبية فان اعلام هذا الدور لم يتعرضوا لها رغم كونها من اهم المباحث المميزة للعطاء الامامي في مسالة الصفات , مع ان الشيخ المفيد (ره) لم يتعقبها في نقده على عقائد الشيخ الصدوق مما يعني موافقته عليها و لا يخفى ان رجوع الصفات الذاتية الى السلبية بنفي اضدادها بمعنى ان ( عالم ) بمعنى ( لا يجهل ) مثلا , صار هذا الاصل العظيم في بحث الصفات من خفيات المطالب بل سمعنا وقرئنا انكار هذه الفكرة من قبل جمع من اعلام الشيعة فانظر عقائد الامامية وغيرها , وتمام الكلام في مباحث التوحيد .
الدور الثالث : ولعل ابرز اعلامه هو الخواجة نصير الدين الطوسي (ره) ومن اوضح سمات هذا الدور انه وظف قواعد الفلسفة وفق المنهج المشائي لرفد حركة علم الكلام وقد بهر هذا الاسلوب اعلام المتكلمين والفلاسفة معا فوجدوا فيه عالما محققا في العلمين معا وقد جمع في كتابه التجريد , الفلسفة والكلام في نسيج واحد ، باهر ، جعل كتابه محط انظار الفريقين شرحا وتعليقا ومما وفر الظروف لهذا النوع من الطرح العقائدي هو ظرف الانفتاح الذي بدأ انذاك واتضحت معالمه وقطفت ثماره بجهود العلامة الحلي ( ره ) وهو تلميذ الخواجة الطوسي .
ولعلنا نتلمس الفرق واضحا بين هذا الدور والدور الاول بشكل كبير اذ ضاعت فيه ملامح الكلام في الدور الاول ولا يدلك على هذا مثل دعوى الطوسي في نقد المحصل ان ليس في البداء الا رواية وهي خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا , مما يدل على انه لا اطلاع له على تراث الائمة الروائي وكتب الاصحاب في تحقيق المسألة , بل هو متكلم فيلسوف اعجب علماء عصره بدقة نظره في الفنين .
وسار على نهج الخواجة الطوسي (ره) جمع من الاعلام حتى لا نكاد نجد بيانا لمطالب التوحيد الا واعتمد منهج التجريد في البيان معتمدين دليل الامكان الذي تطور ليكون ( دليل الصديقين ) وليكون بحيث لايتم دليل الحدوث الا به كما ادعاه العلامة الحلي (ره) .
ومن الانصاف ان نقول ان في هذا الدور اعلام اجلاء لهم الدور الكبير في حفظ العقيدة الحقة والدفاع عنها لعل من اشهرهم المحقق الفاضل المقداد السيوري ( ره ) فله يد طولى في بيان المعارف الحقة لكن على نهج متكلمي هذا الدور , بل ان الخاجة الطوسي والعلامة الحلي لهم ايضا يد بيضاء في نشر التشيع والوقوف امام شبهات الفلاسفة المشهورة التي تمس الدين مباشرة كالقول بقدم العالم مثلا .
الدور الرابع : وهو الدور الذي بدأت فيه سيطرة الفلسفة على الساحة العقائدية والغت دور علم الكلام ولعل التبلور الواضح لهذا الدور يبدء على يد ملا صدرا واتباع مدرسته ، وهذا هو دور الضعف والخور لعلم الكلام فيما يبدو لنا .
وفي هذا الدور انهار علم الكلام لتقف الفلسفة في ثوبها الصدرائي الدخيل بديلا عنه, مدخلة لافكار نأت عن العطاء الاسلامي الامامي جملة وتفصيلا.
ومن مشاكل هذه الفلسفة انها تفرض المشكلة لتصور ان هناك ( معضلة علمية ) لا تحل الا بالعطاء الفلسفي لهذه المدرسة , وربما بدت بيانات الحق وكأنها ساذجة امام التعقيد الذي تعرض به هذه المدرسة فكرها ولنمثل لابتعاد هذه المدرسة عن معالم الحق.
اولا: القول بان المعاد منحصر بالروحاني:
قال الشيخ محمد تقي املي في درر الفوائد ج2 ص460:" ( اقول ) هذا غاية ما يمكن ان يقال في هذه الطريقة ولكن الانصاف انه عين انحصار المعاد في الروحاني لكن بعبارة اخفى فانه بعد فرض كون شيئية الشئ بصورته وان صورة ذات النفس هو نفسه وان المادة الدنيوية لمكان عدم مدخليتها في قوام الشئ لا يحشر وان المحشور هو النفس غاية الامر اما مع انشائها لبدن مثالي قائم بها قياما صدوريا مجردا عن المادة ولوازمها الا المقدار كما في نفوس المتوسطين من اصحاب الشمال او اصحاب اليمين واما بدون ذلك ايضا كما في المقربين. (ولعمري) ان هذا غير مطابق مع ما نطق عليه الشرع المقدس على صادعه السلام والتحية.
وانا اشهد الله وملائكته وانبياءه ورسله اني اعتقد في هذه الساعة وهي ساعة الثلاث من يوم الاحد الرابع عشر من شهر شعبان المعظم سنة 1368 في امر المعاد الجسماني بما نطق به القران الكريم واعتقد به محمد صلى الله عليه واله والائمة المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين وعليه اطبقت الامة الاسلامية و لا انكر من قدرة الله شيئا.
ثانيا : دعوى ان الارادة من صفات الذات
قال السيد هاشم الحسيني الطهراني في ما علقه على كتاب التوحيد للشيخ الصدوق قدس سره ص328 في تعليقته على الحديث الصحيح عن ابي عبد الله عليه السلام قال : المشيئة محدثة, قال معقبا:" ومشيئة الله تعالى تارة تؤخذ باعتبار تعلقها بافعاله تعالى فهي عند الحكماء واكثر المتكلمين قديمة من صفات الذات وعند ائمتنا صلوات الله عليهم وبعض المتكلمين كالمفيد رحمه الله حادثة من صفات الفعل ..
ثالثا : انكار الخالقية:
يقول ملا صدرا:" فما وضعناه أولا بحسب النظر الجليل من أن في الوجود علة ومعلولا أدى بنا أخيرا من جهة السلوك العلمي والنسك العقلي إلى أن المسمى بالعلة هو الأصل والمعلول شأن من شؤونه وطور من أطواره. ورجعت العلية والإفاضة إلى تطور المبدأ الأول بأطواره وتجليه بأنحاء ظهوراته" .

اشارة:
ولكن لابد من الاشارة الى ان علم الكلام في جانب الدفاع عن العقيدة خصوصا الامامة استمر بنفس القوة لا تهزه الهزاهز وما كتاب العبقات والغدير والمراجعات ودلائل الصدق واحقاق الحق وملحقات الاحقاق , وانتهاءا الى في رحاب العقيدة الا فتوحا كلامية اعتمدت وضوح الحجة على الحق واقامة المحجة لسالك طريق الهداية وفي جانب الدفاع هذا يكمن الكثير من البيان الذي اعتمده الاعلام بيانا للحقيقة وكذلك لم نعدم ابحاثا كلامية مختصره غرضها عرض الحق لطالبيه كمقدمات للكتب الفتوائية صارت في هذا العصر الاخير كتبا مستقلة كاصول العقيدة لآية الله السيد الحكيم (دام ظله) ومقدمة منهاج الصالحين لآية الله الوحيد الخراساني (دام ظله).
ومن هذا نعرف ان الجهد الكلامي مستمر بشقيه عرض العقيدة والدفاع عنها، لكن لم يلتزم المتكلمون بالكلام الذي تكون الفلسفة المشائية مقدمة له وهذا ما اعطى فرصة لمدرسة ملا صدرا لمصادرة جهود هؤلاء الاعلام المحققين ولا نؤيد ان الاعلام اخطأوا او قصروا بعدولهم عن ذلك المنهج ، كلا وحاشا ولكننا نقول لو تصدى الاعلام للبيان والاعلان عن المنهج المختار ومميزاته وعدم الضرورة لمنهج التجريد لكان اولى وادفع للاشكال ولعلهم لم يتصدوا لذلك لعدم الحاجة اليه من وجهة نظرهم ابان تأليف هاتيك المؤلفات الشامخة.
نماذج من هذه الادوار:
الدليل على وجود الباري سبحانه في البيان الروائي وهو الدور الاول من ادوار علم الكلام عند الامامية: عن ابي عبد الله صلوات الله عليه من الاستدلال في وجود الباري ومغايرته سبحانه لخلقه:" قال له السائل: فما هو؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي: الله إثبات هذه الحروف: ألف ولام وهاء، ولا راء، ولا باء ولكن ارجع إلى معنى وشئ خالق الأشياء وصانعها ونعت هذه الحروف وهو المعنى سمي به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود عزوجل. قال له السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا ، قال أبو عبد الله عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف غير موهوم ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك به تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق، إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية: التشبيه إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار إليهم أنهم مصنوعون وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لبيانها ووجودها . قال له السائل : فقد حددته إذ أثبت وجوده ، قال أبو عبد الله عليه السلام : لم أحده ولكني أثبته إذا لم يكن بين النفي والإثبات منزلة" .
ولكننا نجد في استدلال شيخ الطائفة الطوسي قدس سره على التوحيد ما يبتعد في منهجه عن الدور الاول وان كان اصل الاستدلال واحدا اذ لا دليل الا الحدوث ولكنه عرضه باسلوب يتناغم مع الواقع العلمي انذاك حيث الانفتاح على العامة فنجده مثلا يناقش الاشعري وغيره لبيان الحق.
قال قدس سره:
" فصل (في ذكر بيان ما يؤدي النظر فيه إلى معرفة الله تعالى)
لا يمكن الوصول إلى معرفة الله تعالى الا بالنظر في حدوث ما لا يدخل تحت مقدور المخلوقين، وهو الاجسام والاعراض المخصوصة، كالالوان والطعوم والاراييح والقدرة والحياة والشهوة والنفار وما جرى مجرى ذلك. فأما ما يدخل جنسه تحت مقدور القدر كالحركات والسكنات والاعتمادات والاصوات، فلا يمكن بالنظر فيها الوصول إلى معرفة الله تعالى. والكلام في حدوث الاجسام أظهر، لانها معلومة ضرورة لا يحتاج فيها في العلم بوجودها إلى الدليل بل انما يحتاج إلى الكلام في حدوثها، ثم بيان أن لها محدثا يخالفها فيكون ذلك علما بالله، ثم الكلام في صفته. ولنا في الكلام في حدوث الاجسام طريقان: أحدهما: أن ندل على أنها ليست قديمة ، فيعلم حينئذ أنها محدثة، لانه لا واسطة بين القدم والحدوث. والطريق الثاني: أن نبين أنها لم تسبق المعاني المحدثة، فيعلم أن حكمها حكمها في الحدوث" .
وقال:
"فصل (في اثبات صانع العالم وبيان صفاته) إذا ثبت حدوث الاجسام بما قدمنا، فالذي يدل على أن لها محدثا هو ما ثبت في الشاهد من أن الكتاب لا بد لها من كاتب والبناء لا بد له من بان والنساجة لا بد لها من ناسج وغير ذلك من الصنائع. وانما وجب ذلك فيها لحدوثها ، فيجب أن تكون الاجسام إذا شاركتها في الحدوث أن تكون محتاجة إلى محدث. فان قيل: كيف تدعون العلم بذلك وههنا من يخالف في ذلك ويقول الكتابة لا تعلق لها بالكاتب ولا البناء بالباني ولا غير ذلك من الصنائع، وهو الاشعري وأصحابه، لان عندهم أن هذه الصنائع لا كسب للعبد فيها وانما هي من فعل الله وحده. قلنا: الاشعري لم يدفع حاجة البناء إلى بان ولا الكتابة إلى كاتب، وانما قال فاعلها هو الله تعالى دون العبد . ونحن لم ندع العلم بحاجة هذه الافعال إلى فاعل معين بل ادعينا حاجتها إلى صانع ما في الجملة. ثم هل هو القديم أو الواحد منا؟ موقوف على الدليل، ودليله هو أنه يجب وقوع هذه الافعال بحسب دواعينا وأفعالنا ويجب انتفاؤها بحسب صوارفنا وكراهتنا ، فلو كانت متعلقة بغيرنا لما وجب ذلك، كما لا يجب ذلك في طولنا وقصرنا وخلقنا وهيأتنا لم لما تكن متعلقة بنا ، فالوجوب الذي اعتبرناه يبطل تعلقها بغيرنا. فان قيل: ما أنكرتم أن يكون ذلك [بالعادة دون أن يكون] واجبا. قلنا: ذلك فاسد من وجهين ..." .
لكننا نجد وضوحا في هجر هذا المنهج في الدور الثالث حيث يصرح العلامة الحلي رحمه الله بان دليل الحدوث لا يتم بنفسه بل بدليل الامكان.
قال بعد ان شرح كلام الخواجة الطوسي ره " الموجود ان كان واجبا.. " وهو دليل الامكان: " والمتكلمون سلكوا طريقا اخر فقالوا: العالم حادث فلابد له من محدث , فلو كان محدثا تسلسل او دار, وان كان قديما ثبت المطلوب لان القدم يستلزم الوجوب , وهذه الطريقة انما تتمشى بالطريقة الاولى " .
اما الدور الرابع فقد صرح اعلامه بان الباري تعالى هو ( الوجود ) وهذا ما لم نجد له عينا ولا اثرا في المأثور عن الثقلين واستدلوا على دعواهم انطلاقا من اثبات اصالة الوجود.
قال السيد الطباطبائي في بدية الحكمة :" حقيقة الوجود ـ التي هي اصيلة لا اصيل دونها , وصرفة لا يخالطها غيرها لبطلان الغير فلا ثاني لها كما تقدم في المرحلة الاولى ـ واجبة الوجود " .
وقال في نهاية الحكمة:
" ان حقيقة الوجود التي هي عين الاعيان وحاق الواقع وحقيقة مرسلة يمتنع عليها العدم.. " .
وهذا القول ابتنى على القول باصالة الوجود التي تؤدي بالضرورة الى القول بوحدة الوجود لذا صرح ملا صدرا: "فكما وفقني الله تعالى بفضله ورحمته الاطلاع على الهلاك السرمدي والبطلان الازلي للماهيات الامكانية والاعيان الجوازية فكذلك هداني ربي بالبرهان النير العرشي الى صراط مستقيم من كون الموجود والوجود منحصرا في حقيقة واحدة شخصية لا شريك له في الموجودية الحقيقية ولا ثاني له في العين , وليس غيره في دار الوجود ديار " .

هناك تعليق واحد:

  1. رائع البحث حتى النخاع. سلمت يداك
    ياشيخ حيدر الوكيل. ادام الله قلمك بمداد الالق.

    ردحذف