الاثنين، 18 أغسطس 2014

معرفة اللّه‏ باللّه‏ (الشيخ حسن الميلاني)




إشارة          
قد يستشهد أصحاب الفلسفة والعرفان على عقيدتهم الضالة المضلة من الحصول على معرفة ذات الخالق تعالى وشهودها بنفسه بما ورد من النصوص القائلة بأنه: "لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا به"

وحينئذ فعلينا بيان أنه:

كيف ينحل ما يتوهم من عقدة التعارض بين ما دل على أنه: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏" وما دل على أن: "معرفة الخالق بنفسه محال"؟!

 ويصطاد الجواب عن خلال إيضاح الأمور التالية:

إن الشيء إذا امتنع عن الأشباه والنظائر فلا يصح تعريفه بالأمثال والأشباه، فلا يعرف إلا بنفسه
إذا كان وجود الموجود اللائق للألوهية ـ وهو الوجود المتعالي عن المقدار ـ مجهولاً مطلقا عند المخلوق، بحيث لا يمكنه الالتفات إلى ذلك بنفسه، فلا يحصل ذلك إلا بتعريف الخالق له نفسه، فلا يعرف اللّه‏ تبارك وتعالى إلا بنفسه
ما أصابك من حسنة فمن اللّه‏ وما أصابك من سيئة فمن نفسك
لا يمكن الوصول إلى دفائن العقول ومواثيق الفطر من معرفة اللّه‏ تعالى إلا بتذكير الحجج الإلهية صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين وعليه فمن من مات وليس له إمام مات ميتة كفر وضلال ونفاق
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بآثاره وأعلامه وخلقه
وإليك تفصيل ذلك:
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏(1)
لا يخفى على من له أدنى أنس بالروايات المأثورة عن معادن العلم والحكمة الإلهية، أن أئمة أهل البيت صلوات اللّه‏ عليهم صرحوا بأن معرفة اللّه‏ تعالى به لا بغيره، فلعلّك أن ترى بين ما قدمناه من انحصار طريق معرفة اللّه‏ تعالى بالآثار وبين تلك الروايات تناقضا وتنافيا، ولكنك بالتأمل تجد نفسك لما بيناه مؤيدا، فإن هاهنا معان أربعة صحيحة تدل الروايات المذكورة عليها:
الأول: أنه بعد ما ثبت:
الف: أن الإدراك والمعرفة فرع المقدار والعدد، فلا يعرف إلا ما هو كذلك، ولا يوصف شيء إلا بالأشباه والنظائر
ب: أنه تعالى شيء بخلاف الأشياء، مخالف لكل مقدار وعدد وتصور توهم
فواضح أنه تعالى لا يعرف إلا به، أي لا يكون أيّ شيء مرأة له حتى يعرّفه ويريه، بل ما من شيء يتصور ويتوهم إلا وهو غيره.
مثال: بينما أنت تعرف شيئا وتريد أن تعرّفه لغيرك الجاهل به، فلك أن توصف ذلك وتمثّله بالأمثال والأشباه والنظائر، حتى يصبح عارفا به وإن لم يكن يراه.
وأما إذا أردت أن توصف ذات اللّه‏ تعالى لنفسك أو لغيرك، فلا توصف شيئا ولا تتوهم صورة إلا وهو تعالى يكون غيرهما، ولا يقرّبانك من معرفته تعالى شيئا. فلا يعرف الخالق إلا به، ولا يعرف بغيره من الأشياه والنظائر.
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... وإنما يشبه الشيء بعديله، وأما ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله...[1]
الإمام الصادق عليه السلام:
... لا يدرك ببصر، ولا يحس بلمس، ولا يعرف بخلقه...[2]
سئل أمير المؤمنين عليه السلام: بم عرفت ربك؟ قال: بما عرّفني نفسه، قيل: وكيف عرّفك نفسه؟ قال: لا يشبهه صورةٌ ولا يحسّ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في قربه، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره.[3]
الإمام الصادق عليه السلام:
إنما عرف اللّه‏ من عرفه باللّه‏، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره. ليس بين الخالق والمخلوق شيء، واللّه‏ خالق الأشياء لا من شيء، يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره والموصوف غير الواصف، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة.[4]
الإمام الكاظم عليه السلام:
... وليس للّه‏ حد ولا يعرف بشيء يشبهه...[5]
الإمام الرضا عليه السلام:
... فليس اللّه‏ عرف من عرف بالتشبيه ذاته...[6]
الإمام الصادق عليه السلام:
... ومن زعم أنه يعرف اللّه‏ بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك، لأن الحجاب والمثال والصورة غيره، وإنما هو واحد موحّد فكيف يوحّد من زعم أنه عرفه بغيره...[7]
لا شبه له تعالى حتى يعرف به، كما أنه لا رسول ولا وليّ يدعى الرسالة والولاية بغير حق إلا ويفضح نفسه بأباطيله ومنكراته في القول والفعل:
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... إعرفوا اللّه‏ باللّه‏، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.[8]
الإمام السجاد عليه السلام:
... من كان ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كان نعته لا يشبه نعت شيء فهو ذاك...[9]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
يا من دل على ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملائمة كيفياته.[10]
هو هو، لا جزء له ولا بعض، ولا صورة له ولا شكل، ولا شيء يمكن أن يعرف لنا بها ذاته القدوس ، فليس هو إلا هو:
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
يا هو، يا من هو هو، يا من ليس هو إلا هو. يا هو، يا من لا هو إلا هو.[11]
يا هو، يا من لا يعلم ما هو، ولا كيف هو، ولا أين هو، ولا حيث هو إلا هو.[12]
يا اللّه‏ يا هو، يا هو، يا من ليس كهو إلا هو، يا من لا هو، إلا هو.[13]
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا باللّه (2)
قد تقدم أن المخلوق لا يحتمل الوجود إلا للموجود المقداري، متناهيا فرضه أم غير متناه، ولا يدرك شيئا وراء إدراكه، ولا يحتمل وجود شيء خارجا عما يحتمل وجوده وهو لا يلتفت إلى هذا النقصان في إدراكه، فهو بالنسبة إلى الخالق الخارج عن ذلك جاهل مطلق، لا يمكنه إثباته ولا نفيه نفيا خاصا. فإنه ينظر إلى الموجود من عين لا يريه إلا المخلوق، فإثبات شيء أو نفيه خارجا عن المقدار يطلب عينا أخرى له أعم منها، وذلك لا يمكن له مع انحصار الموجود عند المخلوق بما يرى بالعين الواحدة الأولى.
فلا طريق للمخلوق إلى إثبات الخالق إلا بعد إغاثة الخالق بأن يلفته إلى نفسه القدوسة، وإلى انحصار إدراكه بالمقداري، فالمعرفة من صنعه وبه، وليس من صنع المخلوق، (وقد تقدم روايات الباب في مبحث الانسداد). وليس للعقل باستقلالها النيل إلى إثبات وجود الخالق بحقيقته التي تكون مركبة من جزئين:
1. الإثبات
2. بلا تشبيه
أو فقل:
1. لا تعطيل
2. لا تشبيه
بل يصبح العقل باستبداده بنفسه واستقلاله في النظر إلى خالقه إما منكرا وإما مشبها، وأما بعد الالتفات إلى الموضوع اللائق للألوهية بواسطة الخالق تعالى فهو يصبح إما مؤمنا بالتسليم عند سلطان عقله، وإما جاحدا تبعا لهوى نفسه.
وقد ترى بالمراجعة إلى كل مدارس المعرفة البشريه أن أهلها بأجمعهم يترددون بين منكر ومشبّه، ولا يعبدون إلا أوثانا مصورة محدودية، لا متناهية موهومة. فأين يذهبون وأين يتاه بهم؟!!
الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
ومن أراد الحكمة فليأتها من بابها.[14]
الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
وسدّ الأبواب إلا بابه، فقال: أنا مدينة العلم وعلى بابها.[15]
لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا باللّه (3)
الثالث من معاني كون معرفة اللّه‏ باللّه‏ هو: أن كل ما لنا من الحسنات ـ ويكون أشرفها وأعلاها هو الإيمان باللّه‏ تعالى ـ ليس إلا به تعالى.
الوجود، العقل، العلم، القدرة، التوفيق والهداية للمخلوق ليس إلا من فضل الخالق تعالى وكرمه وجوده ومنّه، فكل ما نكتسب من الخيرات والحسنات فهو بها أولى:
«ما أصابك من حسنة فمن اللّه‏، وما أصابك من سيئة فمن نفسك».[16]
«إن النفس لأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربى».[17]
«ولولا فضل اللّه‏ عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن اللّه‏ يزكي من يشاء».[18]
«يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم بل اللّه‏ يمن عليكم إن هديكم للإيمان إن كنتم صادقين».[19]
112+لا حول ولا قوة إلا باللّه‏ العلي العظيم.
الإمام الصادق عليه السلام:
... لا يدرك مخلوق شيئا إلا باللّه‏ ولا تدرك معرفة اللّه‏ إلا باللّه‏...[20]
... فليس أحد أن يبلغ شيئا من وصفك، ولا يعرف شيئا من نعتك إلا ما حددته له ووفقته إليه وبلغته إياه...[21]
يابن آدم، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.[22]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
...فجعلت لي سمعا يسمع آياتك، وعقلاً يفهم إيمانك، وبصرا يرى قدرتك، وفؤادا يعرف عظمتك، وقلبا يعتقد توحيدك...[23]
الإمام الصادق عليه السلام:
... لم يقدروا على عمل ولا معالجة في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم...[24]
وفي الدعاء عن النبي صلی الله عليه وآله ‏وسلم:
يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده، وجعل ما امتنّ به على عباده كفاء لتادية حقه صل على محمّد وآل محمّد و...[25]
الإمام سيدالشهداء عليه السلام:
... به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف...[26]
الإمام السجاد عليه السلام:
... بك عرفتك، وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت...[27]
ولو لا أنت ربي ما اهتدينا إلى طاعتك، ولا عرفنا أمرك، ولا سلكنا سبيلك...[28]
الإمام الباقر عليه السلام:
... يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية، وحباني بمعرفة الربوبية، وخلصني من الشك والعمى...[29]
... عن سلمان الفارسي (رضي اللّه‏ عنه). في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مأة من النصاري، وما سأل عنه أبابكر فلم يجبه،ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام فسأله عن مسائل فأجابه عنها، وكان في ما سأله أن قال له: أخبرني أعرفت اللّه‏ بمحمّد أم عرفت محمّدا باللّه‏؟
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عرفت اللّه‏ عز وجل بمحمّد صلی الله عليه وآله ‏وسلم ولكن عرفت محمّدا باللّه‏ عز وجل، حين خلقه، وأحدث فيه الحدود من طول وعرض فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة، كما ألهم الملائكة طاعته وعرّفهم نفسه بلا شبه ولا كيف...[30]
الإمام الرضا عليه السلام:
...وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمّها كلّها فقد تكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك؛ واللّه‏ عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا.[31]
الإمام الرضا عليه السلام:
... فلما أفل الكوكب قال لا أحب الآفلين، لأن الأفول عن صفات المحدث لا من صفات القديم... إن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض، وكان ما احتج به علي قومه ما ألهمه اللّه‏ وأتاه كما قال اللّه‏ تعالي: «وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه»...[32]
الائمة أمير المؤمنين والباقر والصادق عليهم السلام:
فسبحانك تثيب علي ما بدؤه منك، وانتسابه إليك، والقوة عليه بك، والإحسان فيه منك، والتوكل في التوفيق له عليك.[33]
عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول اللّه‏ عز وجل: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» قال عليه السلام:
سمعت رسول اللّه‏ صلی الله عليه وآله ‏وسلم يقول: إن اللّه‏ عز وجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة؟[34]
لا يعرف اللّه‏ تعالي إلا باللّه (4)
إن اللّه‏ تبارك وتعالي بعد أن منّ علينا بمعرفته وصنعها فينا بتفضله، فقد عرضنا نسيان نعمته بعد نزولنا إلي دار الدنيا، وأصبحنا غافلين عن معرفته فاحتاجت فعلية المعرفة والإقرار بالخالق إلي مرحلة أخري من التعريف بالتذكير من سفرائه الكرام البررة.
ويشهد لذلك المراجعة إلي تواريخ الأمم كلها حيث إنهم لم يزالوا بين من اشتغل بالدنيا الفانية وغفل عن المبدأ والمعاد بالمرة، وبين من استهدف النظر إلي ماوراء الحياة الدنيا، ولكنهم مع الأسف فما وصلوا بدقيق نظرهم وقياس عقولهم إلا إلي أوهام ظنية باطلة، وما اتخذوا آلهتهم إلا أوثانا في الحقيقة بصورها المختلفة من النور والنار والشمس والقمر والكواكب والبشر وحقيقة الوجود اللامتناهية الموهومة وأمثال ذلك مما لا يليق بالألوهية.
ولكن الرسل والحجج الإلهية صلوات اللّه‏ عليهم أثاروا لهم بتبيين الآيات وتذكير البينات دفائن عقولهم، وجعلوا للمعرفة الفطرية والهداية الربانية الذرية المودعة في قلوبهم فعلية وظهورا.
وبهذا يعلم أن المعرفة الذرية لا تكون مغنية عن الرجوع إلي الرسل والحجج الإلهية في دار الدنيا.
«بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم؛ يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين، علي صراط مستقيم، لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون».[35]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة... [36]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... إلي أن بعث اللّه‏ سبحانه محمّدا صلی الله عليه وآله ‏وسلم، لإنجاز دعوته وإتمام نبوته، مأخوذا علي النبيين ميثاقه... وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه للّه‏ بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلي غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة...[37]
فحكم بعضهم بأنه "إن عاش إنسان وحده في البراري والفلوات لكان مؤمنا موحدا ومقرا للّه‏ بالربوبية" تخرصا بالغيب!!
ويقول الإمام أبو عبد اللّه‏ عليه السلام في قوله تعالي «كان الناس أمة واحدة فبعث اللّه‏ النبيين مبشرين منذرين»:
وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته، بقي شيث وصيه لا يقدر علي إظهار دين اللّه‏ الذي كان عليه آدم وصالح ذريته، وذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية والكتمان، فازدادوا كل يوم ضلالاً حتى لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد اللّه‏، فبدا للّه‏ تبارك وتعالي أن يبعث الرسل، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا «قد فرغ من الأمر» وكذبوا إنما هو شيء يحكم به اللّه‏ في كل عام ثم قرء «فيها يفرق كل أمر حكيم» فيحكم اللّه‏ تبارك وتعالي ما يكون في تلك ألسنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك. قيل: أفضلاّلا كانوا قبل النبيين أم علي هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة اللّه‏ التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق اللّه‏، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم اللّه‏. أما تسمع قول إبراهيم: «لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين» أي ناسيا للميثاق.[38]
الإمام الصادق عليه السلام:
... والكفر، إسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ولم يخلق اللّه‏ العبد حين خلقه كافرا، إنه إنما كفر من بعد إن بلغ وقتا لزمته الحجة من اللّه‏ تعالى، فعرض عليه الحق فجحده، فبإنكار الحق صار كافرا...[39]
... إن اللّه‏ عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بحجود، ثم بعث اللّه‏ الرسل تدعوا العباد إلى الإيمان به...[40]
الإمام الصادق عليه السلام:
 تبطل حجج اللّه‏ وبيناته.[41]
الإمام الصادق عليه السلام:
لم يخل اللّه‏ الأرض منذ خلق آدم من حجة للّه‏ فيها ظاهر مشهور أو خائف مغمور... ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة للّه‏ فيها، ولو لا ذلك لم يعبد اللّه‏. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.[42]
الإمام الصادق عليه السلام:
الحمد للّه‏ المحتجب بالنور دون خلقه... وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوا.[43]
... سئل أبو عبد اللّه‏ عليه السلام عن قول اللّه‏ عز وجل: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». فقال: كانوا أمة واحدة، فبعث اللّه‏ النبيين ليتخذ عليهم الحجة.[44]
ولا يتم الحجة إلا بوجود الحجة:
قال اللّه‏ تعالى:
«لئلا يكون للناس على اللّه‏ حجة بعد الرسل».[45]
«لئلا يقول أحد لو لا أرسلت إلينا رسولاً منذرا وأقمت لنا علما هاديا».[46]
الإمام الرضا عليه السلام:
إن الحجة لا تقوم للّه‏ على خلقه إلا بإمام حي يعرف.[47]
وقد قطع اللّه‏ عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله لئلا يكون للناس على اللّه‏ حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقه...[48]
... عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة احتج اللّه‏ عز وجل على خمسة؛ على الطفل، والذي مات بين النبيين أي في زمان الفترة وغلبة الجور وخفاء الحجة والحق، والذي أدرك النبى صلی الله عليه وآله ‏وسلم وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم والأبكم، فكل واحد منهم يحتج على اللّه‏ عز وجل. قال: «فيبعث اللّه‏ إليهم رسولا...»[49]
ولم يخل اللّه‏ سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة...[50]
... عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام:... قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام قال: لا، قلت: فإنا نروي عن أبي عبد اللّه‏ عليه السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط اللّه‏ على أهل الأرض أو على العباد. قال: لا، لا تبقى، إذا لساخت.[51]
الإمام الصادق عليه السلام:
لو كان الناس رجلين كان أحدهما الإمام.
وقال:
آخر من يموت الإمام، لئلا تحتج أحد على اللّه‏ أنه تركه بغير حجة للّه‏ عليه.[52]
الإمام الباقر عليه السلام:
ليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجة منه على الناس منذ يوم خلق اللّه‏ آدم وأسكنه الأرض.[53]
... قال فأخبرني عن المجوس أبعث اللّه‏ إليهم نبيا؟ فإني أجد لهم كتبا... قال: ما من أمة إلا خلى فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند اللّه‏ فأنكروه وجحدوا الكتاب...[54]
 
وهم ودفع
فبما أوضحناه في المباحث الأربعة:
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (1).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (2).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (3).
لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (4).
يظهر أنه لا تنافي بين: "انحصار طريق معرفة اللّه‏ تعالى بأفعاله وآثاره" وبين "كون معرفته تعالى به، وامتناع معرفته بغيره" بوجه، فإنه:
قد يسأل أولاً: هل للّه‏ تعالى شبيه ونظير وعديل فيعرف به؟
فيجاب بأنه: لا، بل إنه يعرف به فقط لا بغيره، حيث لا غير يكون مرآ ة لمعرفته تعالى، وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (1).".
وقد يسأل ثانيا: هل للمخلوق بنفسه احتمال وجود الخالق بعينه حتى يثبت وجوده؟!
فيجاب بأنه: ليس ذاك بممكن، بل اللّه‏ هو الذي يعرّف نفسه إلى خلقه فالمعرفة من صنعه لا غير. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (2).".
وقد يسأل ثالثا: هل المخلوق في معرفته وفعله وقدرته و... مستقل مستغن عن خالقه؟!
فيجاب بأنه: إن المخلوق لا يفعل ولا يدرك ولا... إلا باللّه‏ تعالى. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (3).".
وقد يسأل رابعا: هل الإنسان بعد الهبوط إلى الدنيا يكون عارفا باللّه‏ مؤمنا به بالفعل، أم لا يهتدي إليه تعالى إلا بتذكير الحجج وتنبيههم؟!
فيقال: إنه لا يخلص الإنسان من ورطة الشهوات الحاضرة وشبهات الشياطين المضلة، ولا يهتدي إلى المعارف الحقة إلا بعد تبليغ الحجج صلوات اللّه‏ عليهم أجمين. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ إلا باللّه‏ (4).".
وقد يسأل خامسا: هل المعرفة يتعلق باللّه‏ تعالى بذاته بلا واسطة خلقه، أم لا يحصل العلم بوجوده تعالى إلا من آياته وأعلامه وصنعه وخلقه؟
فيجاب: لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بآثاره وأعلامه وآياته وخلقه. وهو ما بيناه تحت عنوان: "لا يعرف اللّه‏ تعالى إلا بأثره وفعله".







[1]. بحار الأنوار، 4 / 276
[2]. بحار الأنوار، 3 / 193
[3] . الوافي، 1 / 340، نقلا عن الكافي، 1 / 85
[4] . بحار الأنوار، 4 / 161
[5]. التوحيد، 141
[6]. بحار الأنوار، 4 / 228
[7]. بحار الأنوار، 4 / 161
[8]. التوحيد، 286
[9]. بحار الأنوار، 4 / 304
[10]. القمي: مفاتيح الجنان، دعاء الصباح، عن المجلسي "قدس سره"، عن مصباح السيد بن الطاووس
[11]. بحار الأنوار، 95 / 158
[12] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء المشلول
[13] . بحار الأنوار، 95 / 170
[14] . دعاء الندبة
[15] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء الندبة
[16] . النساء: 79
[17] . يوسف: 53
[18] . النور: 21
[19] . الحجرات: 18
[20] . بحار الأنوار، 4 / 161
[21] . بحار الأنوار، 95 / 421
[22] . التوحيد، 363
[23] . بحار الأنوار، 95 / 257
[24] . بحار الأنوار، 4 / 161
[25]. بحار الأنوار، 95 / 204
[26]. بحار الأنوار، 4 / 301
[27] . القمي: مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزه الثمالى
[28] . بحار الأنوار، 95 / 425
[29] . بحار الأنوار، 95 / 338
[30]. بحار الأنوار، 3 / 272
[31]. بحار الأنوار، 4 / 179
[32] . نور الثقلين، 1 / 735 ـ 736، عن عيون الأخبار
[33]. بحار الأنوار، 95 / 404
[34]. التوحيد، 28
[35].يس: 1 ـ 7
[36]. نهج البلاغة، الخطبة، 1
[37]. نهج البلاغة، الخطبه، 1
[38]. الصافي، عن تفسير العياشى
[39] . بحار الأنوار، 10 / 171
[40].الكافي، 2 / 417 ـ 69
[41]. إثبات الهداة، 1 / 113
[42]. إثبات الهداة 1 / 107، عن إكمال الدين
[43]. إثبات الهداة، 1 / 119، عن ثواب الأعمال
[44] . إثبات الهداة، 1 / 119، عن علل الشرائع
[45]. النساء: 165
[46] . طه: 20
[47].إثبات الهداة، 1 / 139، عن الاختصاص
[48] .الاحتجاج، 1 / 368
[49].الشبر،"قدس سره": حق اليقين، 2 / 106، عن الخصال
[50].نهج البلاغة، الخطبه، 1
[51].إثبات الهداة، 1 / 78 ـ 79، عن الكافي والعلل
[52] .إثبات الهداة، 1 / 80
[53] .إثبات الهداة، 1 / 80، عن الكافي
[54] . بحار الأنوار، 10 / 179، الإمام الصادق عليه السلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق