الأربعاء، 20 أغسطس 2014

أية الهداية (السيد جعفر سيدان)


آية الهداية
(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
الآية التي نحن بصددها قد طرحت مسألة الهداية ومفهومها كالتالي: »انا لم نعط الهداية لكل احد« وهذا المعنى مما يثير السؤال فهل الهداية كلاً مغلقة أم أنها مغلقة بالنسبة إلى اولئك الذين سوف تمتلأ جهنم منهم؟ ويمكن استنباط معنى صحيح من الآية وهو: اننا لو أردنا هداية الناس بالاجبار لاستطعنا ذلك مثل: ان نريهم قسما من انواع العذاب ونعمل بعض الاعمال التي تجر الناس الى مسير الحقّ من حيث يريدون أو لا يريدون لكن حق القول مني (فهذا القول هو الثابت مني) وهو: حيث انّ هؤلاء – وباختيار منهم – انتخبوا طريق الضلال فلأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين وصار من المعلوم انّ قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) ليس فيه جبر ولا اجبار لأحد بل المفروض بالناس أن ينتخبوا هم طريق الهداية لا ان الهداية تُفرض عليهم.
ومع ملاحظة الآيات الاخر حول الهداية يتضح انّ المراد من هذه الآية المباركة هو عدم الهداية الاجبارية يعني انّ المنفي في الآية المباركة هو الاجبار على الهداية وقد ذكرت الآيات التالية الذكر ان حصول الهداية أمر اختياري:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُورا)
(إِنَّ علينَا لَلْهُدَى)
(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)
وترى في ذيل هذه الآيات الآتية انّ الهداية منوطة بإرادة الإنسان:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ …
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى)
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عليهمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ  خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ودرجات الهداية والضلال تكون على اساس افعال الإنسان (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىوَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
وفي هذه الآية كما نجد القدرة الالهية كذلك نرى انتخاب الإنسان وفعله (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَيُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَيَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
والمقصود من هذه الآية هي كلمة (سأصرف) حيث يقول: انّي سأصرف هؤلاء عن الإيمان بي ولو أنّهم رأوا الآيات والدلائل مع ذلك فهم لا يؤمنون وانّهم لا يسلكون طريق الرشد والصلاح ويتخذون طريق الغي والضلال وذلك لانهم تكبروا اَمام اللَّه جلّ وعلا وكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم هي الوقوع في الهلاك.
ومن المعلوم انّ التكبر فعل نفس الإنسان والآيات التي يكون فعل الإنسان واختياره موضوعا للحكم فيها كثيرة نذكر بعض النماذج منها:
(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)
فمع ملاحظة جميع هذه الآيات المباركة نستطيع القول انّ المراد من نفي الهداية هو: نفي الهداية الاجبارية يعني انّ اللَّه سبحانه وتعالى لا يريد الزام الناس واجبارهم على الهداية بل الهداية في اختيار الإنسان الذي يختار الهداية وينتخبها.
ومن هنا فأكثر الجنّ والإنس يُعرضون عن الهداية ويتابعون اهواءهم واميالهم النفسية ويسلكون طريق الضلالة ويكون فعل اللَّه سبحانه وتعالى على اساس انتخابهم هذا ويلقي بهم في نار جهنم التي هم انتخبوها.
وهذا المعنى موافق للعقل السليم ومؤيد بتعاليم الوحي.
كلام ملاصدرا
قال في الاسفار:
«ثم انك تعلم انّ نظام الدنيا لا ينصلح إلاّ بنفوس جافية وقلوب غلاظ شداد قاسية فلو كان الناس كلّهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب اللَّه وقلوب خاضعة خاشعة لاختل النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجالة وكالنفوس المكّاره… ».
ثمّ بعد ما ذكر حديثا ذكر هذه الآية:
(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
فيدعي ملاصدرا انّه لاجل اصلاح نظام الدنيا لا بدّ من وجود الصالحين والاشرار (حتى الفراعنة والدجاجلة و…) ولو كان اهل العالم كلهم صالحين لاختل نظام الدنيا.
ويقول: طالحية هذا القسم من الناس من ذاتيات خلقتهم ولاجل هذا ولدوا ويوجه كونهم من أهل العذاب وجهنم بأنّهم من سنخ جهنم وطبعها وهنالك علاقة بين وجودهم وبين نار جهنم فلا يرون فيها عذابا ولا صعوبة ويقول:
فيكون لها غايات حقيقية ومنازل ذاتية والأمور الذاتية التي جبلت عليها الأشياء إذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة.
وعلى اساس هذا البيان فجهنم هي المنزل الذاتي لهؤلاء حيث انهم من بدو حياتهم قد خلقوا لجهنم وحينما يرجعون إلى جهنم يجدون فيها لذتهم واطمينانهم ولو انهم وصلوا اليها بعد حين من الزمن وقد كانوا عنها بعيدين زمانا كثيرا كما قال تعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ).
إذن خلاصة كلام ملاصدرا حول الآية المذكورة هو: لو أراد اللَّه هداية الناس لهداهم ولكن اللَّه جلّ وعلا لم يفعل ذلك – عمدا – لأجل أن يكون في الدنيا الأشرار والخبثاء وأهل المعصية وطبعا لقد خلق اللَّه جهنم لأجل أن يملاءها بهؤلاء (ولكن على هؤلاء ان لا يغتموا فانّ العذاب لهم عذب و… )
في نقد وتحقيق هذا الكلام نستطيع ان نقول: كيف ان نقول ان هذا هو مراد اللَّه جلّ وعلا؟! فهل العقل لا يبدي الاّ هذا الاحتمال؟! أو لم يقل اللَّه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حول الهداية كلاما آخر غير هذا؟!
أو ليس من الانصاف من جهة علمية وعقلية ان ننظر إلى جميع الآيات نظرة واحدة ونستخرج منها معنىً واحدا؟!
والذي يمكن تصوره عن معنى الهداية معنيان:
1-الهداية العامة (وهي الهداية الاختيارية) والتي يقول عنها جلّ وعلا: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)
الهداية الاجبارية: ولأجل معرفة ان ايّهما مراد من الآية المباركة لابد من اقامة الدليل عن خارج الآية عليه ولابد ان لا يتنافى الفهم الحاصل من الآية مع الفاظ القرآن الاخرى ومع الأصول القطعية الاخرى للوحي.
ومع المراجعة للآيات القرآنية حول الهداية والتي قد تقدمت الإشارة اليها فان رؤية القرآن عن مسألة الهداية واضحة ومشخصة.
وحول انّ اللَّه جلّ وعلا يملأ جهنم من الجنّ والإنسان فهو أيضا يتصور له معنيان:
1- انّ ورودهم لجهنم انما كان على اساس اختيارهم.
2- انّ وردهم لجهنم كان على اساس خلقتهم.
والآية المباركة لم تتعرض لبيان أحدهما ولابد من اقامة الدليل من الخارج على أحدهما و…
روايات الطينة
من الممكن ان يرد في الذهن انّ كلام ملاصدرا يتطابق مع أحاديث الطينة والتي قد بينت سعادة وشقاوة الناس قبل ورودهم إلى الدنيا.
ولأجل توضيح هذا الموضوع ينبغي لنا أن نذكر نموذجين من هذه الأحاديث ثمّ نحقق الكلام فيها.
الحديث الأوّل:
روي عن الإمام السجاد× انّه قال:
انّ اللَّه عزّوجلّ خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وابدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وجعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجّين قلوبهم وابدانهم.
الحديث الثاني:
وروي عن الإمام السجاد× أيضا انّه قال:
أخذ اللَّه ميثاق شيعتنا معنا على ولايتنا لا يزيدون ولا ينقصون انّ اللَّه خلقنا من طينة عليين وخلق شيعتنا من طينة أسفل من ذلك وخلق عدونا من طينة سجين وخلق اولياءهم من طينة اسفل من ذلك.
الجواب:
والجواب حول روايات الطينة و… كما أشرنا اليه انّ هناك أصلا عقليا عاما حول كلّ المباحث وهو انّه لو كان هنالك مطلب ثابت قطعا بالأدلة الواضحة والتصريحات الكثيرة أو كان ذلك المطلب من دعائم الدين واصوله فالعقل يحكم بأن كل ما يخالفه لابد من تأويله ان كان سنده معتبرا ولو لم يكن قابلا للتأويل وكل ما يقال فيه من توجيهات وتبريرات غير مقنع فلابد من رد علمه إلى أهله.
والتبريرات والتوجيهات المختلفة حول روايات الطينة كالتالي:
1-قسم من هذه الروايات ضعيفة.
2-يقول البعض: انّ هذه الروايات تتناسب مع التقية وذلك لأنّ قسما من العامة قائلون بالجبر.
3-ويقول البعض الآخر: انّ هذه الروايات كناية عن استعدادات وقابليات الاشخاص.
4-وهنالك رأي آخر يقول: انّ هذه الروايات كناية عن علم اللَّه جلّ وعلا بالنسبة إلى المسير الذي يطويه الاشخاص (فاللَّه جلّ وعلا يعلم احوالهم فكان هؤلاء خلقهم على طينات مختلفة).
5-ويرى البعض: انّ اختلاف الطينات متفرع على الامتحان في عالم الذر و…
كلام السيد الطباطبائي:
كلّ هذه الأقوال ليست تامة في نظرنا ويرد على كلّ منها اشكالات والتوجيه الصحيح لها ما قاله السيد الطباطبايي في حواشيه على اصول الكافي حيث قال:
لا شك ولا ترديد في أنّ التربية في الجملة مؤثرة في حياة وتصرفات الإنسان وان وقوع عمله مبتن على ذلك في طول ادوار حياته وانه مع التربية الصحيحة والصالحة اقرب إلى السعادة ومع التربية غير الصحيحة اقرب إلى الشقاوة (بحسب ما يرد إلى الذهن من معنى السعادة والشقاوة).
وحصول هذا الأمر للإنسان بواسطة افعاله حيث انه قادر على الفعل والترك (يعني انّ افعاله اختيارية) وكما انّ هذه الأفعال بالنسبة للإنسان ممكنة (بمعنى انه يمكن ان يفعل وأن لا يفعل)كذلك السعادة والشقاوة – واللتان هما نتيجة تراكم الأوصاف النفسانية الحاصلة من افعاله – فانهما بالنسبة للإنسان ايضا ممكنان.
ومن جانب آخر فالإنسان احد اجزاء علل هذه الأفعال الصادرة منه – مثل الأكل – فانّ ارادة الإنسان احد اجزاء وجود فعله الذي يمكن صدوره منه وذلك حينما يريد الأكل ويقرّب تلك المادة ليأكلها ومع حصول كلّ الشروط اللازمة لحصول ذلك الفعل – يعني مع اجتماع الشرائط وفقدان الموانع بلا استثناء – فانّ المفروض وجوب صدور ذلك الفعل وحصوله بالضرورة.
إذن بعد معرفة هذا الأمر يتضح انّ السعادة والشقاوة واللتان تحصلان بواسطة افعال الإنسان الإختيارية عند ذاك الذي ينسب للإنسان هو نسبة الإمكان والاختيار وحينما تنسب إلى مجموع العلة التامة – والتي أحد اجزائها هو الإنسان – فهذه النسبة ضرورية وحتمية.
من الواضح ان قضاء العلم الإلهي وحكمه من جهة حصول العلة التامة ومن هنا يمكن القول انّ قضاء اللَّه جلّ وعلا وحكمه بالسعادة والشقاوة ماضٍ في حق كلّ انسان وانّه غير قابل للتبديل والتغيير وهذا لا يتنافى مع إمكان اختيار الإنسان للسعادة والشقاوة وقد جاء في هذا الحديث انّ الإمام×قال: «انّ اللَّه خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه… ».
ومعنى كلام الإمام× هو انّ اللَّه سبحانه وتعالى يعلم العلل التامة التي توجب السعادة والشقاوة في حق الإنسان وبها يحكم، وهذا القضاء والحكم الإلهي لا يتنافى مع افعال الإنسان الإختيارية وكذلك السعادة والشقاوة التي تلحق الانسان من جهة افعاله.
فعلى اساس هذا البيان انّ الإنسان احد اجزاء علة صدور الفعل ومادام انّ الإنسان لم يُرِدْ فلا تحقق للفعل ولو حصلت جميع الشرائط وارتفعت جميع الموانع فانّ وقوع ووجوده الفعل أمر حتمي وضروري.
انّ ارادة واختيار الإنسان وبالإقتران مع سائر العلل توصل فعل الإنسان الخيّر والشرير إلى الحتميّة ومن بعدها الحكم بالسعادة أو الشقاوة.
وهذه السعادة والشقاوة (واللتان هما نتيجة افعال الإنسان الإختيارية) لو نظرنا اليهما قبل ارادة الإنسان فنسبتهما للإنسان نسبة الإختيار والإمكان ولو لاحظناهما بعد إرادة الإنسان وسائر العلل فانّ نسبتهما للإنسان ضرورية وحتمية.
واللَّه جلّ وعلا يعلم ماذا سيكون بعد وجود ارادة الإنسان وسائر العلل والقضاء الالهي يعني العلم والحكم الإلهي انما هو من جهة هذه العلل التامة.
إذن اللَّه جلّ وعلا عالم بالعلل التامة والقضاء والحكم الإلهي نافذ واللَّه سبحانه عالم بالسعادة والشقاوة التي ينتخبها الإنسان وانّه يقضي ويحكم على فعله بعد اختياره له والقضاء الحتمي الإلهي هو العلم الإلهي وهو ليس منافيا لإختيار الإنسان في افعاله ولا مع السعادة والشقاوة اللتين هما تابعتان لافعال الإنسان، فانّ عمل الإنسان وفعله اختياري وهو الذي ينتخب السعادة والشقاوة لنفسه.
(اقول: ان المؤلف قد ارتضی قول السيد الطباطبائي في المقام وذلک باطل من جهات:
الاولی:انه خلط بين باب السعادة والشقاوة وباب الطينة.
الثانية: يقول السيد الطباطبائي: “ان نسبة الانسان بلا ارادة الی فعله، هي نسبة المعلول الی العلة الناقصة وهي الامکان”، و هو غير صحيح، لان نسبة المعلول الی العلة الناقصه هي الامتناع لا الامکان، فيدور الامر علی تفسيره بين الوجوب والامتناع وهو عين القول بالجبر لا الاختيار .
الثالثة: ان نسبة الانسان لنفس ارادته ايضا ً عند السيد الطباطبائي هي اما النسبة الی العلة التامة فواجبة، واما النسبة الی العلة الناقصة فممتنعة، وبالنتيجة فلا يبقی مع ذلک للانسان اي اختيار حتی في نفس ارادته.
الرابعة: ان تفسير القضاء الالهي بعلمه تعالی باطل.
الخامسة: ان عمل الانسان يبتني علی اختياره .
السادسة: يصرح الطباطبائي في کتبه بان تفسير القدرة والاختيار بمعنى انه يمكن الانسان ان يفعل وأن لا يفعل ان هذا التفسير في نظره غلط.
السابعة: ان الانسان في افعاله ـ طاعة کانت او معصية ـ هو الفاعل التام لا انه جزء العلة.
الثامنة: القول بوجوب صدور فعل الانسان وحصوله بالضرورة، هو نفس القول بالجبر. کما ان القول بانّ قضاء اللَّه جلّ وعلا وحكمه بالسعادة والشقاوة في حق كلّ انسان بحيث يکون غير قابل للتبديل والتغيير، يکون باطلا وقولا بکون يد الله تعالی مغلولة، تعالی الله عن ذلک.
التاسعة: اذا کان معنی كلام الإمام عليه السلام هو انّ اللَّه سبحانه وتعالى يعلم العلل التامة التي توجب السعادة والشقاوة في حق الإنسان، فاي مجال واي معنی لحکمه تعالی بذلک، وهو يفعل ما يشاء و يحکم ما يريد؟!
والصحيح في حل مشکلة احاديث الطينة هو ان يقال ان الله تعالی علم ان المؤمن يؤمن باختياره فخلقه من طينة عليين، وعلم ان الکافر يکفر بسوء اختياره فخلقه من طينة سجين ، ولا يکون ايمان المؤمن ولا کفر الکافر من آثار طينتهما جبراً وبلا اختيار منهما. المترجم)
كلام الطباطبائي في الميزان
من الواضح انّ الهداية والضلالة أمران اختياريان وانّ اللَّه جلّ وعلا لا يجبر الإنسان على الهداية أو الضلالة ولو انّ التوفيق وسلب التوفيق اللذين يختارهما الإنسان يظهران هنا ويعدان من المقتضيات والمحركات ولابدّ من البحث عنهما مستقبلا ولا ربط لهما بمسألة الجبر والإختيار للطباطبائي حول هذه الآية المباركة (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) كلام في الميزان غير صحيح من وجهة نظرنا فانّه يقول في معنى الآية المباركة:
أي لوشئنا أن نعطي كلّ نفس – أعم من المؤمنة والكافرة – الهدى الذي يختص بها ويناسبها لاعطيناه لها بأن نشاء من طريق اختيار الكافر وارادته ان يتلبس بالهدى من طريق الإختيار والإرادة – كما شئنا في المؤمن كذلك – فتلبّس بالهدى باختيار منه وإرادة من دون أن ينجرّ إلى الالجاء والإضطرار فيبطل التكليف ويلغو الجزاء.
نقد وتحقيق
الهداية الإجبارية على أقسام مثل الهداية نتيجة لنزول العذاب والمصائب الشديدة والهداية الحاصلة بواسطة التصرف في ارادة الإنسان واختياره و…
وكلام الطباطبائي – هنا – حول الكافر صحيح يعني انّ اللَّه جلّ وعلا لو أراد اجبار الكافر على الهداية فانه يتصرف بارادته وهو يضطر إلى الهداية ولا يضل اصلا.
وظاهر كلام السيد الطباطبائي حول هداية المؤمن انّه كذلك يعني انّ اللَّه جلّ وعلا قد تصرف في ارادة المؤمن وجعله ينتخب طريق الهداية.
ومن الواضح انه لا يمكن ان نقبل هذا الكلام بل الكل – المؤمن والكافر – كلاهما مختاران وبامكان كل انسان أن يختار الهداية أو الضلالة وهنا يكون معنى للثواب والعقاب والجنّة والنار و…
طبعا لو لم يكن في كلام السيّد الطباطبائي كلمة «شئنا» لكان كلامه صحيحا لكن وجود هذه الكلمة في عبارته »كما شئنا في المؤمن كذلك« اصبح المعنى المتبادر في الذهن غير صحيح.
تذكير
لقد تقدم قبل ذلك انّ ملاصدرا – هنا كان متمايلا للقول بالجبر وكان معتقدا انّ اللَّه جلّ وعلا لأجل اصلاح الدنيا (وبقول ابن عربي لأجل أن تأخذ كلّ الإستعدادات الصالحة رشدها ومراتبها وكذلك الإستعدادات الطالحة مع كلّ مراتبها أن تتجلى في كلّ مظاهر الخير والشرّ) لابدّ أن يخلق قسما من الناس (لأجل أن يتكامل العالم ويأخذ رشده في جميع ابعاد القبح والحسن ويتكامل من جميع الجهات الصالحة والطالحة).
قسم من أهل العرفان ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتقدوا انّ الإنسان شأن من شؤونات الحقّ سبحانه وتعالى وطور من أطواره ومع هذا الإعتقاد فلا توجد حقيقة ولا موجود مستقل كزيد وعمر وحينئذ لا معنى للإختيار هنا حتّى يصل الكلام إلى الجبر والتفويض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق