الخميس، 28 مايو 2015

مقدمة اعتقادات الصدوق (غلام رضا بن غلام حسين المازندراني )

                    

                               بسم الله الرحمن الرحيم


                                        تمهيد

في مسألة الاعتقادات الحمد لله الذي لم يكلنا في شيء من أمورنا إلى آرائنا وأهوائنا بل أمرنا باتباع نبيه وأهل بيته، وأوجب لنا في كتابه وعلى لسان نبيه بالرد إليهم والتسليم لهم وأخذ العلم عنهم - صلوات الله عليهم أجمعين - واللعن على أعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم وغاصبي حقوقهم دهر الداهرين. أما بعد: غير خفي على أهل الإيمان، إن أهم المسائل وأجدارها هي مسألة الاعتقادات وتصحيحها عن الشك والارتياب.
وإن هذا الأمر لما كان أهم المطالب الدينية في شريعتنا، قد تعين من الله ورسوله والأئمة المعصومين عليهم السلام الاعتناء والاهتمام بها، ولهذا نرى أصحاب الأئمة عليهم السلام خوفا من الضلال قد عرضوا عقيدتهم ودينهم لهم حتى يصححوها، كما قص عمرو بن حريث وعبد العظيم الحسني اعتقادهما ودينهما للإمامين الهمامين أبي عبد الله الصادق وعلي الهادي عليهما السلام. فلما كانت العقيدة وتصحيحها من أهم الضروريات فقد تصدى جماعة من قدمائنا المحدثين رضوان الله عليهم، بتصنيف كتاب مستقل وتبويب باب مخصوص من مرويات النبي والأئمة عليهم السلام في هذا الباب. كما لا يخفى ذلك على من راجع بصائر الدرجات والكافي والتوحيد وعيون الأخبار ونهج البلاغة والاحتجاج وأمثالها. وممن كتب في هذا المقام ودرج فيه جملة من الأخبار الشيخ الفقيه وعمدة المحدثين أبو جعفر، ابن بابويه القمي المشتهر بالصدوق رحمه الله، فإنه كتاب عقائد الشيعة المروية عن المعصومين عليهم السلام في الرسالة المستقلة وجعلها اعتقادا لمذهب الإمامية الاثني عشرية. وحيث أن هذا الكتاب لم يطبع بطبعة حديثة بحسب ما اطلعنا عليه فعمدنا إلى تجديد طبعه لتعم الفائدة ويسهل تناوله -
وإليك ما نذكر حول الكتاب ومؤلفة وبعض مسائل أخرى: كلمة حول الكتاب والمؤلف كتاب الإعتقادات للشيخ أبي جعفر الصدوق رحمه الله ذكر فيه جميع اعتقادات الفرقة الناجية، وفي كل باب من أبوابه أورد أحاديثا تتضمن ما قاله أئمة أهل العصمة عليهم السلام فعلى سبيل المثال قوله في باب الاعتقاد في الإرادة والمشيئة: قال الشيخ أبو جعفر: اعتقادنا في ذلك قول الصادق عليه السلام.. الخ: فيتضح لنا من خلال هذا أن هذا الكتاب من الكتب التي عنيت بالإشارة لما هو مروي عن الأئمة الأطهار عليهم السلام فاللائق بنا أن نعتمده لتصحيح ما وقع الاختلاف فيه من العقائد. وأما ما ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة حيث قال: الإعتقادات للشيخ أبي جعفر.. أملاه في نيسابور في مجلس يوم الجمعة ثاني عشر شعبان سنة 368 لما سأله المشائخ الحاضرون أن يملي عليهم وصف دين الإمامية على وجه الايجاز ولذا سماه الشيخ في الفهرس بدين الإمامية، ذكر فيه جميع اعتقادات الفرقة الناجية - الخ . (الذريعة ج 2 ص 226 ط نجف) فهذا مطابق لما بين الصدوق من مذهب الإمامية فيما أملاه على المشائخ ويؤيده ما أورده العلامة المجلسي في البحار نقلا عن كتاب مجالسه، وما ذكر في الذريعة أنسب بكتاب المجالس لا هذا الكتاب. وأما ما قاله الشيخ الطوسي في وجه تسميته بدين الإمامية لعل المقصود منه هو هذا الكتاب أو ما أملاه الشيخ الصدوق في وصف دين الإمامية والموجود في كتاب مجالسه وهذا مما أحببت الإشارة إليه مما خطر ببالي القاصر والله أعلم بحقائق الأمور. وأما مؤلفه: الشيخ الأجل الأعظم، رئيس المحدثين، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو جعفر الصدوق القمي - قدس الله روحه - أمره في العلم والفهم والفقاهة والجلالة والوثاقة وكثرة التصنيف فأشهر من أن ينكر وأوضح  من أن يذكر. أبوه من الذين قد ورد من الإمام العسكري عليه السلام بحقه في توقيعه الشريف: يا شيخي ومعتمدي وفقيهي. ولد رحمه الله بقم بعد وفاة محمد بن عثمان العمري وكانت وفاته سنة 305 ه‍ بدعاء صاحب الزمان روحي له الفداء، وتوفي بالري سنة 381 ه‍ وقبره الآن بالري موجود. ولما كان اشتهاره كالشمس في رابعة النهار نكتفي فقط بما قاله الشيخ الطوسي - ره - في حقه، ومن أراد الاطلاع في أحواله وتصانيفه فليرجع إلى كتب الرجال. قال الشيخ في الفهرست: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، جليل القدر، يكنى أبا جعفر، كان جليلا حافظا للأحاديث، بصيرا بالرجال، ناقدا للأخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف (الفهرست ص 156).
وهنا نشير إلى المسائل التي ينبغي الإشارة إليها:
المسألة الأولى: مسالك الناس في مسألة الاعتقادات:

إن للناس في هذه المسألة آراء متشتة وأهواء مختلفة وكل حزب بما لديهم فرحون. ومن أشهر الآراء والمسالك، مسلك أصحاب الكلام والحكماء والعرفاء ومن حذا حذوهم من الأنام، وكل هذه الفرق تدعي الحق وتنكر على من أنكرها وتقول: إن مرامنا ومذهبنا ليوصل الناس إلى الرب وإن حقيقة المعارف الإسلامية لا تنال إلا بالكلام والفلسفة والعرفان. ومن عقائدهم أيضا أنهم يقولون: وجب علينا لقوة الاستدلال والغلبة على الخصم، تحصيل الفلسفة والكلام وغيرها من الجدليات والأدلة الواهية، ولذا ضيقوا تحصيل المعارف وجعلوا خيالاتهم الحقائق.
مع أن النصوص المروية والاستدلالات الكثيرة من الأئمة عليهم السلام كاف عن أدلتهم وواف عن تعليم كتبهم. فيا ليتنا ثم يا ليتنا نعلم، أي شيء ألزمهم أن يتركوا علوم المعصومين عليهم السلام ويتمسكوا بالقواعد الأجنبية حتى يصيروها أصولا شرعية وأحكاما إلهية، أأنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم أم أنزل دينا تاما فقصر الرسول والأئمة عليهم السلام عن تبليغه وأدائه، هل نقص الكتاب والسنة حتى نحتاج إلى هذه القواعد لإلزام الخصم على ما يدعون، مع وفور إحتجاجات الأئمة عليهم السلام مع المخالفين من الدهرية والزنادقة والعامة وغلبتهم عليهم بالأدلة الإلهية الربانية والمسائل الفطرية الإلهامية دون الاصطلاحات الكلامية والشبهات الحكمية ولا الخدع العرفانية.
وقد قال مولانا الصادق عليه السلام: حاجوا الناس بكلامي فإن حاجوكم كنت أنا المحجوج لا أنتم (الإعتقادات للصدوق ص 22) فالواجب علينا التمسك بكلامهم وأخذ العلم عن لسانهم صلوات الله عليهم. وقد أجاد ما أفاد المحدث المتبحر، الحر العاملي - ره - في هذا المضمار، حيث قال: ومن تتبع أحاديث الأئمة عليهم السلام الواردة في مطالب الكلام، المروية في كتاب أصول الكافي والروضة والاحتجاج والتوحيد وعيون الأخبار وإكمال الدين وكتاب الغيبة ونهج البلاغة وأمثالها وهو كثير جدا، قدر على دفع جميع الشبهات بالأدلة التفصيلية، ولا يقدر أحد من المعاندين والملحدين وأعداء الدين على إلزامه ولا تشكيكه، فإن المخالفين ما زالوا يعترضون على الأئمة عليهم السلام فيجيبونهم بأجوبة إجمالية أو تفصيلية عقلية ونقلية فيها الكفاية (فوائد الطوسية ص 551).
وقال أيضا: لا يخفى أن الأدلة العقلية إذا وافقت الكتاب والسنة، كان كل واحد منهما مؤيدا للآخر فلا بأس بها، وقد كان النبي والأئمة عليهم السلام يستدلون بمثل ذلك والنصوص به متواترة، فتلك الأدلة المروية عقلية نقلية معتمدة موافقة للكتاب وهي من السنة، وذلك كاف عن الأدلة الواهية المأخوذة من الفلاسفة والملاحدة والعامة ونحوهم، والأدلة المشار إليها مروية في أصول الكافي وكتاب الاحتجاج
وكتاب التوحيد ونهج البلاغة وعيون الأخبار وبصائر الدرجات ونحوها، وفيها كفاية عن غيرها والله الموفق (إثبات الهداة ج 1 ص 61).
وهنا نذكر جملة من الروايات بوجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى النبي والأئمة عليهم السلام وعدم جواز الاستقلال بالعقل والرأي والظن في الاعتقادات وغيرها: عن يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: بما أوحد الله عز وجل؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيه ضل ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر. (الكافي، باب البدع والمقائيس).
وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله قال: عنى الله بها من اتخذ دينه رأيه من غير إمام من أئمة الهدى (بصائر الدرجات ص 13).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:.. إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه.. (البحار ج 68 ص 309).
وعنه عليه السلام قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس (الكافي باب البدع والمقائيس).
وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب، ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلا ما خرج من عندنا أهل البيت، وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ منهم والصواب من علي عليه السلام (الوسائل ج 18 ص 46).
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل (بصائر الدرجات ص 511).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لكميل بن زياد في وصيته له: يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا (تحف العقول ص 119 ط بيروت).
وقال أبو عبد الله عليه السلام في حديث: أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا (الوسائل ج 18 ص 47).
وعنه عليه السلام قال: والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وأن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منهم (المصدر ص 85).
وعن الرضا عليه السلام قال: شيعتنا المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا (المصدر ص 83).
وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث في الإمامة قال: أما لو كان أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان (المصدر ص 44).
وعنه عليه السلام قال: من دان الله بغير سماع عن صدق ألزمه الله التيه إلى يوم القيامة (بصائر الدرجات ص 14). وعن الحسين أنه سأل جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم قال أولي الفقه والعلم، قلنا أخاص أم عام؟ قال: بل خاص لنا. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: أولوا الأمر في هذه الآية آل محمد صلى الله عليه وآله (الوسائل ج 18 ص 52).
وقال النبي صلى الله عليه وآله في خطبته: إن الله عز وجل أنزل علي القرآن وهو الذي من خالفه ضل ومن ابتغى علمه عند غير علي عليه السلام هلك - إلى أن قال -: ومن طلب الهدى في غيرهم (يعني أهل بيته) فقد كذبني الخ (البحار ج 38 ص 94).
وقال أبو جعفر عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت (الكافي ج 1 باب 160).
وغير ذلك من الروايات في وجوب طلب العلم والهداية من أهل بيت العصمة والطهارة.
قال العلامة المجلسي - ره -: ثم اعلموا أن الله تعالى لما أكمل نبيه صلى الله عليه وآله قال: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فيجب علينا بنصه تعالى متابعة النبي صلى الله عليه وآله في أصول ديننا وفروعه وأمور معاشنا ومعادنا، وأخذ جميع أمورنا عنه، وأنه صلى الله عليه وآله أودع حكمه ومعارفه وأحكامه وآثاره وما نزل عليه من الآيات القرآنية والمعجزات الربانية، أهل بيته صلوات الله عليهم، فقال بالنص المتواتر: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقد ظهر من الأخبار المستفيضة أن علم القرآن عندهم صلوات الله عليهم (ثم قال): ثم إنهم صلوات الله عليهم تركوا بيننا أخبارهم، فليس لنا في هذا الزمان إلا التمسك بأخبارهم والتدبر في آثارهم، فترك أكثر الناس في زماننا آثار أهل بيت نبيهم واستبدوا بآرائهم (الإعتقادات ص 16).
وأما الروايات بالتحذير من علم الكلام وغيره من الأدلة التي لم تثبت عن أهل الوحي عليهم السلام كثيرة ونحن نذكر بعض هذه الروايات: عن محمد بن عيسى قال: قرأت في كتاب علي بن هلال إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: إنهم نهوا عن الكلام في الدين فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فلم ينهه، فهل ذلك كما تأولوا أم لا؟ فكتب عليه السلام: المحسن وغير المحسن لا يتكلم فإن إثمه أكبر من نفعه (إثبات الهداة ج 1 ص 67).
وعن أبي عبيدة الحذاء قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا أبا عبيدة إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم بأعمالهم - الحديث (المصدر ص 68).
وعن فضيل بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل عليه قوم من هؤلاء الذين يتكلمون في الربوبية، فقال: اتقوا الله وعظموا الله ولا تقولوا ما لا نقول، فإنكم إذا قلتم وقلنا متم ومتنا، ثم بعثكم الله وبعثنا فكنتم حيث شاء الله وكنا (المصدر ص 66).
وعن يونس بن يعقوب أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام في حديث: إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: وبل لأصحاب الكلام، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما قلت: ويل إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون (الوسائل ج 18 ص 45).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة فعليك بالرجوع إليها. ولا يخفى أن هذه الأحاديث صريحة فيمن استبد برأيه بعقله ولم يأخذ الكلام من الأئمة عليهم السلام، وأما من استمسك بهم واستدل بما ثبت عنهم صلوات الله عليهم أجمعين فقد أصاب الحق ويستغني من الأدلة التي مخالفة للآيات والروايات.
وقد قال الشيخ الحر العاملي - ره - بعد ما استدل بالآيات لعدم جواز العمل في الاعتقادات بالظنون والأهواء: وغير ذلك من الآيات الدالة على عدم جواز العمل بالرأي والظن والهوى والعقول الناقصة ومعلوم أن أدلة الكلام كلها أو أكثرها ظنية غير تامة، بل متعارضة متناقضة مخالفة للآيات والروايات واعتقادات الأئمة عليهم السلام غالبا - الخ (إثبات الهداة ج 1 ص 64).
ويناسب في هذا المقام لتميم الكلام أن نذكر جملة من كلام بعض الأعلام: قال العلامة المجلسي - ره - في البحار في آخر باب النار: بعد اتضاح الحق لديك فيما ورد في الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة من أحوال الجنة والنار وخصوصياتها فلنشر إلى بعض ما قاله في ذلك الفرقة المخالفة للدين من الحكماء تفلسفين والم لتعرف معاندتهم للحق المبين ومعارضتهم لشرائع المرسلين (إلى أن قال بعد نقل كلماتهم) ولا يخفى على من راجع كلامهم وتتبع أصولهم أن جلها لا يطابق ما ورد في شرائع الأنبياء وإنما يمضغون ببعض أصول الشرائع وضروريات الملل على
ألسنتهم في كل زمان حذرا من القتل والتكفير
(ثم قال) ولعمري من قال: بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، وكل حادث مسبوق بمادة وما ثبت قدمه امتنع عدمه وبأن العقول والأفلاك وهيولي العناصر قديمة، وأن الأنواع المتوالدة كلها قديمة وأنه لا يجوز إعادة المعدوم، وأن الأفلاك متطابقة، ولا تكون العنصريات فوق الأفلاك، وأمثال ذلك كيف يؤمن بما أتت به الشرائع ونطقت به الآيات وتواترت به الروايات - الخ (البحار ج 8 ص 326 و328).
وقال أيضا: هل رأيت في كلام أحد من الصحابة والتابعين أو بعض الأئمة الراشدين لفظ الهيولى أو المادة أو الصورة أو الاستعداد أو القوة؟ والعجب أن بعض أهل دهرنا ممن ضل وأضل، كثيرا يتمسكون في دفع ما يلزم عليهم من القول بما يخالف ضرورة الدين إلى أمثال هذه العبارات - الخ (البحار ج 40 ص 173).
وقال (ره) في رسالة الاعتقادات: فمنهم من سلك مسلك الحكماء الذين ضلوا وأضلوا، ولم يقروا بنبي ولم يؤمنوا بكتاب واعتمدوا على عقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة (إلى أن قال) فهم يؤولون النصوص الصريحة الصحيحة عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم بأنه لا يوافق ما ذهب إليه الحكماء (ثم قال) ومعاذ الله أن يتكل الناس إلى عقولهم في أصول العقائد فيتحيرون في مراتع الجهالات ولعمري أنهم كيف يجترؤون أن يؤولوا النصوص الواضحة الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة، لحسن ظنهم بيوناني كافر لا يعتقد دينا ولا مذهبا . (الإعتقادات ص 17 ).
ونقل المحدث الحر العاملي - ره - عن رسالة للشهيد الثاني - ره - بأنه قال في تعلم علم الكلام: اعلم أنه علم إسلامي وضعه المتكلمون لمعرفة الصانع وصفاته العليا، وزعموا أن الطرق منحصر فيه أو هو أقرب الطرق، والحق أنه أبعدها وأصعبها وأكثرها خوفا وخطرا ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغور فيه حيث إنه مر على شخصين متباحثين على مسألة كالقضاء والقدر، فغضب صلى الله عليه وآله حتى احمر وجناه.. ثم قال: وليت شعري إن هؤلاء الجماعة يعني المتكلمين هل لهم دليل عقلي أو نقلي على وجوبه أو استحبابه أو مجرد تقليد؟ وهل يقرون بإيمان السابقين على تدوينه أو ينكرون؟ وهل يعترفون بإيمان العوام الغافلة عنه أو لا يعترفون؟ فإن أقروا واعترفوا فما فائدته؟ وإلا فكيف معاشرتهم بالرطوبات مع اعتقادهم بأن عدم المعرفة بالأصول كفر والكافر نجس، وكيف يجوز الاشتغال بالمباح والسنة مع استلزامهما ترك الواجب؟ وكيف يجوز الاشتغال بالواجب مع استلزامه ترك ما هو أوجب؟ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون - انتهى، ثم ذكر في ذم المنطق كلاما طويلا (إثبات الهداة ج 1 ص 68).
ومن الذين شدد التنكير على كسب الاعتقاد من غير طريق النبي والأئمة الأطهار واكتفى بمجرد الفطرة لمعرفة رب الأرباب ورد المتكلمين وأمثالهم، السيد الجليل ابن طاووس (ره) في وصاياه لابنه في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة، وهو رحمه الله - بعد ما أوصى ولده في مسألة العقائد وحذره عن علم الكلام وما فيه من الشبهات وإنه من جملة الطرق البعيدة والمسالك الخطيرة الشديدة التي لا يؤمن معها ما يخرج بالكلية منها -، أمره بالرجوع إلى آثار النبي والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، حيث قال: فانظر إلى كتاب نهج البلاغة وما فيه من الأسرار، وانظر كتاب المفضل بن عمر الذي أملاه عليه مولانا الصادق عليه السلام فيما خلق الله جل جلاله من الآثار، وانظر كتاب الاهليلجة وما فيه من الاعتبار، فإن الاعتناء بقول سابق الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم أفضل السلام موافق لفطرة العقول والأحلام . (كشف المحجة ص 9).
وقال (ره) أيضا: فأوصيك يا ولدي محمد ومن بلغه كتابي هذا ممن يعلم المسترشدين إلى معرفة رب العالمين أن يقوى ما عندهم في الفطرة الأولية بالتنبيهات العقلية والقرآنية والهدايات الإلهية والنبوية (ثم قال) ثم يسلك به سبيل معرفة النبوة والإمامة على قاعدة تعريف النبي والأئمة صلوات الله عليهم ومن سلك سبيلهم من أهل الاستقامة، فهذا كان كافيا لمن يريد تحصيل السلامة وسعادة الدنيا ويوم القيامة . (المصدر ص 23).
وكلام العلماء حول هذا الموضوع طويل ولو لا خوف الإطالة لنقلناه، فعلى هذا إن أصح الاعتقادات وأصوبها ما يؤخذ عن مشكاة النبي والأئمة عليهم السلام لا بالتعلم من العلوم المذمومة والمضيعة للعمر والمولدة للشكوك والعقائد الفاسدة، والتكلم بالاصطلاحات المغلقة والكلمات الصعبة لإظهار المباهاة - أعاذنا الله منها - وإن العقل حجة في معرفة الله وحججه لا أنه مغن عن حججه، فالواجب علينا الاعتقاد بما اعتقده الأئمة عليهم السلام والتسليم لهم وأخذ العلم عنهم. قال المحدث الحر العاملي ره -: بأنه لو لا ذلك (يعني أخذ العقائد الدينية عن النبي والأئمة) لزم صحة جميع الاعتقادات الباطلة وحقية جميع المذاهب الفاسدة، لأن أربابها قد قلدوا أسلافهم وآبائهم وقد استدلوا عليها بأدلة ظنية بآرائهم، وعلموا فيها بعقولهم، وبطلان اللازم والملزوم واضحان ظاهران والله المستعان (إثبات الهداة ج 1 ص 71).

المسألة الثانية: في صحة هذا الكتاب وأمثاله من كتب الثقات: لا شك عند ذوي العقول والأذهان وأهل الاطلاع والبرهان بعد ما غاب عنا شمس الإمامة وكوكب الولاية قد أمرنا بالرجوع إلى رواة الأخبار والاعتماد على كتب الثقات الأخبار كما نطق به توقيع إمام الإنس والجان صلوات الله عليه وعلى آبائه الأطهار. وفي ابتداء الغيبة كان رجوع الناس إلى رواة الأحاديث وكتبهم، لأخذ المسائل الشرعية من الأصلية والفرعية. وهم لا يشكون بل ينقلون ويعملون بما فيها من الأخبار ويعتمدون ما رووه من الآثار، لأن التشكيك في ما يرويه الثقة الذي أخذه من الكتب المعتمدة وقطع على صحتها أو صحة مضمونها، قد منع من قبل الصادقين عليهم السلام كما في التوقيع المقدس حيث يقول عليه السلام: ليس لأحد من موالينا التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا. وفي هذه العجالة ننقل ما قاله المحدث المتبحر الفاضل الشيخ حسين الكركي العاملي رحمه الله، في كتابه هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار وهو (ره) قد أطنب الكلام في هذا المرام وصوب طريق القدماء في الأخذ بالأخبار واستدل في أكثر الموارد فيه بصحة كتب الثقات، وأبطل طريق المتأخرين لتمسكهم بتنويع الحديث والدراية لأخبار الأئمة الأطهار، ولله در مؤلفة حيث أخلص النية لإيضاح سبيل الهدى وأصاب ما أصاب جزاه الله عن الإسلام خير الجزء. وخذ هذا من مقاله وتأمل في كلامه حشره الله مع إمامه. قال (ره): إن القدماء صرحوا بأن الأخبار المنقولة في الكتب المعمول عليها عندهم مقطوع على صحتها أو صحة مضمونها، إما بالتواتر أو بقرائن توجب العلم والعمل بها لثبوت ورودها عن المعصومين عليهم السلام سواء رواها عدل أو غيره وإن كثيرا من الرواة كانت مذاهبهم فاسدة ولكن كتبهم معتمدة، الخ (هداية الأبرار ص 7). وقال أيضا: وإنهم لم يقبلوا إلا ما قطعوا بصحته، لضبطهم وتقواهم وقرب زمانهم من زمان الأئمة (ع) الموجب لسهولة الاطلاع على أحوال الأخبار (المصدر ص 53). وقال: إن اعتماد الفقهاء لم يكن على السند وحده، ولم يكونوا يحكمون بصحة حديث إلا بعد القطع بذلك لأن أكثر الأخبار كانت عندهم متواترة، أو في حكم المتواترة، لقرائن دلت على ذلك (المصدر ص 56). وقال (ره) ردا على من اعتمد على كتب الرجال أو الظنون ولا يرضى بما نصه القدماء في صحة كتبهم: ... إنك تعمل بالظن، والظن الحاصل من هذه الأخبار التي نص أئمة الحديث على صحتها وعملوا بها... ليس بدون الظن المستند إلى ما اعتبرته من البراءة الأصلية والعمومات والاطلاقات المظنونة الدلالة والاعتبارات العقلية التي لا تكاد تسلم قاعدة منها عن الطعن وغاية ما ينتهي إثباتها إلى مقدمة خطابية إن قبلها الوهم تردد فيها العقل، فأخبرني أي الظنين أسلم؟ ظن يستند إلى ما صرح أكابر القدماء بأنه قول المعصوم، أم ظن يرجع إلى قاعدة مخترعة، إن وافقها المجتهد اليوم خالفها غدا، لضعفها وتزلزلها، أو إلى عموم وإطلاق من دون نظر إلى مخصص أو مقيد، ويلزمك من القول بعدم الوثوق والاعتماد على أفكار القدماء هاداتهم واجت وضبطهم، ألا تعتمد على حكمهم بعدالة الراوي الذي اعتبرت قوله لأن ذلك إنما نشأ عن تتبع أحوال الرواة حتى حكموا بالجرح والتعديل وذكروا ذلك في كتبهم مرسلا، لأنهم لم يروا الرواة بل عرفوا أحوالهم بالنقل وتعاضد القرائن الدالة على صدقه فأخبروا عما قطعوا بصحته وشهدوا بمطابقته للواقع بحسب ما تحقق عندهم، فقبول قولهم في هذا دون غيره مما يتعلق بصحة الأخبار وضعفها، مع اتحاد الطريقين تحكم، وأي فرق بين أن يقول النجاشي أو العلامة مثلا فلان ثقة، وأن يقول الصدوق مثلا الحديث الفلاني صحيح مع علمه بضعف رواته؟ (ثم قال) والكليني والصدوق والشيخ الطوسي، ليسوا دون العلامة وأتباعه في معرفة الرجال والصادق منهم والكاذب، فلو لم تظهر قرائن توجب القطع بصحة ما نقلوه من أخبار المجروحين لما حكموا بصحته (المصدر ص 53 و54).
وقال أيضا: وهل يظن الكليني والصدوق والشيخ أن يلفقوا كتبهم من صحيح وغيره، مع تمكنهم من نقل الأحاديث الصحيحة من الكتب التي لخصوا كتبهم منها (ثم قال) ومن غريب أمور المتأخرين: أنهم وجدوا توثيق رجل في كتاب من كتب الرجال ولم يطلعوا له على جرح قطعوا بعدالته وصحة حديثه، مع أن الذي وثقه لم يره، وإنما وثقه لقرائن اقتضت عند الحكم بتوثيقه أداه إليها تفحصه واجتهاده فالتوثيق في كتب الرجال - الآن - من جملة الأخبار المرسلة التي دلت القرائن والشهرة على صدقها، وإذا رأوا حديثا في هذه الكتب مرسلا أو مسندا يشتمل سنده على مجروح أو مجهول، أعرضوا عنه إذا خالف قواعدهم (المصدر ص 59). وكلامه في هذا الباب طويل لا يسعنا نقله ونرجوا من القارئ الكريم الرجوع لهذا الكتاب النفيس الذي هو وحيد في أسلوبه وسلاسته. فعلى هذا فثبوت تلك الأخبار والوثوق بورودها عن أئمة الأطهار التي نقلها قدمائنا الأبرار مثل الكليني والصدوق والطوسي وغيرهم مما لا ينبغي فيه الشك والارتياب، لأن هؤلاء أقطاب الدين وأركانه الذين قد بذلوا جهدهم في تنقيح الأخبار وما لنا طريق للوصول إلى أحاديثهم عليهم السلام إلا بما نقلوه من الآثار، فهم الجسر بيننا وبين أئمتنا. فالواجب علينا الاعتماد على ما رووه في كتبهم، لأنهم ما نقلوا شيئا إلا بعد القطع بصحته، وإياك أن تظن أنهم لفقوا كتبهم من الصحيح وغيره مع اشتهار وثاقتهم وتقواهم عند الخاص والعام، لأنك إن ظننت هذا فعلى أي شيء تعتمد؟ وإلى أي شيء تراجع للعمل بالأحكام الفرعية والاعتقاد بالأصول الدينية؟ كما أشار إلى ذلك المحدث الشيخ يوسف البحراني في اللؤلؤة حيث قال في ترجمة صاحب المعالم بعد ذكر اصطلاح الحادث في تقسيم الأحاديث: هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح حيث إن اللازم منه لو وقف عليه أصحابه لفسدت الشريعة وربما انجر إلى البدع الفظيعة، فإنه متى كان الضعيف باصطلاحهم من إضافة الموثق إليه كما جرى عليه في المدارك ليس بدليل شرعي، بل هو كذب وبهتان مع أن ما عداهما من الصحيح والحسن لا يفيان لهما إلا بالقليل من الأحكام فإلى م يرجعون في باقي الأحكام الشرعية ولا سيما أصولها وفضائل الأئمة وعصمتهم وبيان فضائلهم وكراماتهم ونحو ذلك (ثم قال) والواجب إنما الأخذ بهذه الأخبار كما هو عليه متقدمو علمائنا الأبرار، أو تحصيل دين غير هذا الدين وشريعة أخرى غير هذه الشريعة - إنتهى (اللؤلؤة ص 46).
وحاشا الصدوق ثم حاشا أن يقول ويعتقد بشيء من غير دليل من الكتاب والسنة، لأنه رئيس المحدثين وثقة معتمد عليه وولد ببركة دعاء صاحب الأمر ولقب بالصدوق وهو لا يتبع ولا يقول إلا عن المعصوم وما يعتقد إلا بما اعتقده عليه السلام وعدم السهو والنسيان مخصوص بمن لا ينطق عن الهوى. وقد أجاد المجلسي الثاني في البحار بعد ما ذكر فيما بين الصدوق من مذهب الإمامية، قال (ره): وإنما أوردنا ها لكونه من عظماء القدماء، التابعين لآثار الأئمة النجباء الذين لا يتبعون الآراء والأهواء، ولذا ينزل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه (رض) منزلة النص المنقول والخبر المأثور (البحار ج 10 ص 405).
وقال أيضا في مقدمة شرحه على التهذيب: والذي يقوى عندي وأوردت دلائله في الكتاب الكبير هو أن جميع الأخبار الموردة في تلك الأصول الأربعة وغيرها من تأليفات الصدوق والبرقي والصفار والحميري والشيخ والمفيد وما تيسر لنا بحمد الله من الأصول المعتبرة المذكورة في كتب الرجال - وقد أدخلت أخبارها في كتاب البحار كلها - مورد العمل وأقوى من الأصول العقلية والاستحسانات والقياسات المتداولة بين بعض المتأخرين من الأصحاب - إلى آخر كلامه زاد الله في مقامه - (ملاذ الأخيار ج 1 ص 27).
وقال أبوه المجلسي الأول (ره) في شرحه على الفقيه بعد نقل كلام الشيخ البهائي في بيان تغاير اصطلاحات المتقدمين مع المتأخرين: فإن تصحيحهما (يعني الكليني والصدوق) لا يقصر عن توثيق الرواة من واحد من علماء الرجال كالشيخ والنجاشي والكشي، فإن الظاهر من تصحيحهم الحديث، القول بأنه قال المعصوم يقينا، كما هو الظاهر من تتبع كلامهم - الخ (روضة المتقين ج 1 ص 20).
وهنا لنختم الكلام وفيه الكفاية لمن أراد الهداية. فيا إخواني المؤمنين هلموا إلى هذا الكتاب لتصحيح عقائدكم. ويا يها أ الآباء والأمهات علموا أطفالكم أحاديث الأئمة عليهم السلام وصححوا عقائدهم بكلماتهم قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة. ويا طالبي العلم ومدعي الفضل والكمال، عليكم بهذا الكتاب ومطالعته ومدارسته وارفضوا القيل والقال وتكلفات المقال بمعونة هدى الذين قد نزل في بيتهم الكتاب - جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بعروتهم الوثقى التي لا انفصام لها.
تم الفراغ في شهر شوال المكرم 1412 ه‍ في قم المقدسة، على يد الحقير الفاني غلام رضا بن غلام حسين المازندراني.

الاثنين، 25 مايو 2015

كلام الملا حبيب الله الكاشاني في بطلان قدم العالم وقاعدة الواحد


وكيف كان ، فلا ريب أنّه تعالى قادر مختار ، لأنّه خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من الصنائع الغريبة ، والبدائع العجيبة ، ولم يعي بخلقهنّ ، ولا ريب أنّ وجود العالم بعد عدمه ينافي كون تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ، والقول بقدم العالم ـ كما عن الفلاسفة ـ شطط من الكلام ـ كما حقّق في محلّه ـ كالقول بأنّه سبحانه موجب بالذات ، وأنّ تأثيره في وجود العالم بالإيجاب ، بمعنى أنّ العالم لازم لذاته كتأثير الشمس في الإضاءة ، والنار في الإحراق ، والماء في التبريد ، وإن استدلّ له بأنّ المؤثّر في وجود الشيء إن استجمع جميع ما لا بدّ منه في المؤثّريّة من الشرائط وجوديّا كان أو عدميّا وجب الأثر ، لأنّه لو لم يجب الأثر مع وجود المؤثّر المستجمع للشرائط لكان فعله تارة وتركه أخرى ترجيحا بلا مرجّح ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله. وإن لم يستجمع المؤثّر الشرائط المعتبرة في المؤثّر امتنع وجود الأثر ، لامتناع المشروط عند عدم الشرط. وفيه
أوّلا : أنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، كما أنّ الجائع يختار أحد الرغيفين المتساويين من جميع الوجوه ، والهارب من السبع أو العدوّ يهرب من أحد الطريقين.
وثانيا : أنّ من الشرائط ؛ إرادة المؤثّر في وقت خاصّ وتحقّق المصلحة ، وقوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) يفيد عموم قدرته على جميع الممكنات ، لأنّ لفظة «كلّ» من ألفاظ العموم موضوعة له خاصّة على الأظهر الأشهر ، فاستعماله في غيره مجاز ، وهو خير من الاشتراك ، وإن ذهب إليه بعض. والدليل على عموم قدرته تعالى أنّ الموجب للقدرة ذاته المقدّسة ، ونسبة الذات إلى كلّ الممكنات على السواء ، لمكان تجرّده ، فلو اختصّت قادريّته بالبعض دون البعض افتقر ذاته في كونه قادرا على البعض دون البعض إلى مخصّص ، وهو محال ، لمكان غناه عمّا سواه. قال في شرح الطوالع : والمصحّح للمقدوريّة هو الإمكان المشترك بين جميع الممكنات ، لأنّ ما عدا الإمكان منحصر في الوجوب والامتناع ، وهما يحيلان المقدوريّة. انتهى. وقد ظهر من ذلك فساد ما ذهب إليه جماعة من الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وصرّح بعضهم بأنّ الله تعالى خلق العقل الأوّل المعبّر عنه بالصادر الأوّل ، وقد كان واحدا بسيطا ، وقد صدر عنه العقل الثاني والفلك الأوّل وهكذا إلى العقل العاشر ، وهو خلق الفلك التاسع وهيولى العناصر. وصرّح بعض المنجّمين بأنّ مدبّر هذا العالم ؛ أي عالم العنصريّات وهو ما تحت فلك القمر هو الأفلاك والكواكب وأوضاعها ، لما يشاهد من أنّ تغيّرات أحوال هذا العالم ترتبط بتغيّرات أحوال الكواكب وأوضاعها ، فإن أرادوا أنّ ذلك لم يتحقّق في الخارج ولكنّه مقدور فلا نزاع ؛ إذ القدرة على الشيء لا تستلزم الوقوع الخارجيّ ، وإن أرادوا أنّه تعالى لا يقدر على إيجاد الكثير بلا واسطة وترتيب ، فيدفعه ما تقدّم من الأدلّة على عموم قدرته تعالى. اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ العقل يستحيل تحقّق ذلك ، فلا تتعلّق القدرة بالمحال ؛ نظير تعلّق القدرة بإيجاد شريك الباري تعالى ، فإنّه محال لعدم قابليّة المحال لهذا التعلّق ، فيرجع الكلام إلى أنّ هذا من المحال ، أو من الممكنات القابلة لتعلّق القدرة بها. وهذه مسألة أخرى ينبغي التأمّل فيها. فافهم.
المصدر: تفسير ست سور ص 308 309
310

الأحد، 24 مايو 2015

العقول العشرة - والفلاسفة (الشيخ محمد جواد البلاغي)


                        العقول العشرة - والفلاسفة
لا أخالك تقول مثل بعض الفلاسفة إن الواجب صدر منه العقل الأول بتعليله الطبيعي وهو واحد بسيط ولكن العقل الأول باعتبار إمكانه ووجوبه بالغير وتعقله لذاته ولغيره تكون له جهات بها صلح أن يتعدد معلوله ويعلل أشياء متعددة ولأجل ذلك صدر منه العقل الثاني مع فلك ونفس. وهكذا يتدرج صدور القول والأفلاك بالتعليل إلى العقل العاشر وهو العقل الفعال مع الفلك التاسع وهو فلك القمر. يا شيخ، هل تدري كم على هذه المزاعم من النقود والردود. سامحناهم في بناء مزاعمهم على مزاعم الهيئة القديمة ودعواهم انحصار العالم العلوي بالأفلاك التسعة. وانتهائهم في عدد العقول بانتهاء عدد الأفلاك -
ولكنا نقول لهم:
(أولا): إن الجهات المذكورة إنما هي اعتبارات محض وانتزاعات صرفة ليس لها وجود أصيل حقيقي فلا تصلح لأن تكون معللة للموجود بالوجود الحقيقي ولا يخرج بها الواحد البسيط عن كونه لا يعلل إلا واحدا بسيطا مثله (1).                                                                                     (وثانيا) مهما تعددت جهات المعلولية ومهما تضاعفت من العقل الأول إلى العاشر فإنها لا تبلغ في العاشر أن تكون ألف جهة. ولتكن عشرة آلاف فماذا يصنع هذا المقدار في تعليل الكائنات التي لا تحصى أنواعها ولا تحصى أفراد كل نوع منها.
(ثالثا): إذا سمحتم بأن تكون الانتزاعيات جهات في الواحد البسيط يصلح بها لتعدد التعليل فلماذا لا تسمحون بمثل ذلك للواجب وتقولون إن الواجب يعلل المعلول الأول بذاته ويعلل الثاني والثالث والرابع بجهات تعليله للأول وتعلقه لذاته ولغيره وهكذا فتعللون الكائنات كلها بالواجب باعتبار ذاته وجهات تعليلاته وتعقلاته لغيره ولا تشركون معه في التعليل غيره بهذا الاشراك الوثني. من أين أخذ الامكان والوجوب بالغير والتعقل امتيازها بالصلاحية لأن تكون جهات وجودية مكثرة في العقل الأول دون واجب الوجود؟! مع أنها في المقامين مشتركة في كونها انتزاعات محضة لا حظ لها في الوجود إلا بتصوير الانتزاع العقلي.


الهامش:

1 ـ قد كتب هذا قبل الاطلاع على ما كتبه العلامة الأوحد المحقق نصير الدين الطوسي (قدس الله نفسه) في مختصره فصول الاعتقاد. وبعد الاطلاع آثرنا التبرك بذكر كلامه طاب ثراه في هذه الطبعة الثانية تنويرا للأفكار بأشعة تحقيقه مع مزج كلامه بشئ من شرحه وإيضاحه فقال في مطبوع مصر سنة 1341 في الصحيفة ال‍ 10 و 11 (قالوا لا يصدر عن الباري تعالى بلا واسطة إلا عقل واحد والعقل فيه كثرة، وهي الوجوب بالغير والامكان الذاتي وتعقل الواجب وتعقل ذاته ولذلك (أي ولأجل الكثرة فيه بهذه الأمور) صدر
عنه عقل آخر ونفس وفلك مركب من الهيولى والصورة. ويلزمهم (أي على مبناهم في هذه المزاعم من أن الواحد لا يصدر منه إلا واحد مثله إن العقل الأول واحد لا يصدر إلا واحد مثله وهكذا في جميع المعلولات ولازم ذلك) إن أي موجودين فرضا كان أحدهما علة للآخر بواسطة أو بغير واسطة (إذ يمتنع عل مبناهم أن يكون الموجودان معلولين لعلة واحدة وبطلان اللازم بديهي) و (أما زعمهم في التخلص عن هذا الالزام أن العقل الأول فيه كثرة كما ذكرناه فيرد عليه) أيضا (إن) التكثرات التي (زعموها) في العقل الأول (وتشبثوا بموهومها) إن كانت وجودية صادرة عن الباري جل اسمه لزم صدورها عن الواحد (وهو نقض لمبناهم وهو أنه لا يصدر منه تعالى شأنه إلا الواحد) وإن صدرت عن غيره لزم تعدد الواجب (إذ لا بد من انتهاء الممكن في التعليل إلى الواجب وقد أوضحنا أن واجب الوجود لا يتعدد) وإن لم تكن (تلك التكثرات) موجودة لم يكن تأثيرها معقولا) كما ذكر في الأصل في الاعتراض الأول.


المصدر:المدرسة السيارة ص325 326











الجمعة، 22 مايو 2015

من مقدمة حكمة العارفين ((الشيخ محمد طاهر القمي))


((أما بعد فلما رأيت الناس قد تركوا الحق ومالوا الى الباطل ورفضوا الباقي واختاروا الفاني الزايل وتركوا التمسك بالال وكتاب الاله المتعال وتشبثوا بأذيال ائمة الضلال واستحبوا ماسطروه بالوهم والخيال فتبعوا اراء الفلاسفة الذين هم في الوسوسة بمنزلة الابالسة فصاروا فرقا شتى فأختار بعضهم مذهب المتأخرين من الفارابي وابن سينا وامثالهما وسلك بعضهم مسلك افلاطن وارسطو واضرابهما من اليونانيين والملطيين الضالين المضلين وذهب بعضهم مذهب المتصوفين وتبع بعضهم اثار المبتدعين من المتكلمين صنفت هذا الكتاب في بيان عثراتهم وزلاتهم في المسايل المتعلقة بالدين وسميته حكمة العارفين في دفع شبه المخالفين.......))
من مقدمة حكمة العارفين للشيخ محمد طاهر القمي رحمه الله تعالى

الخميس، 21 مايو 2015

هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟ (الشيخ ماجد الكاظمي)



والجواب عن السؤال الاخير وهو هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟

فنکتفي بجواب المحقق البهبهاني قدس سره حيث قال: (ان قاعدة الواحد لايصدر منه الا واحد تبتني على مسألة السنخيّة بين العلة والمعلول وهي باطلة من وجوه ثلاثة:

     الاول: انها لو صحت فموردها العلة الموجبة لا الفاعل المختار والله جل‌وعلا فاعل مختار وعلى هذا الاساس فلاتحقق للسنخيّة اصلاً. ومن جهة اخرى ان الله جل‌وعلا لاشبيه ولانظير له والسنخيّة تحتاج الى شبيه ولذا فهي محالة في حقه جل‌وعلا.
      الثاني: ان وحدة الباري تختلف عن وحدة الممكنات فان وحدته غير عددية بمعنى انه لا شبيه له ولانظير في حين ان وحدة العالم من قبيل الوحدة العدديّة فلا سنخيّة ولا تناسب بين الوحدتين.
     الثالث: اصلاً واساساً لايوجد موجود له وحدة حقيقّية الا الله جل وعلا وذلك فان كل ممكن فهو مركب من الوجود والماهيّة ولذا قالوا « كل ممكن زوج تركيبي وكل زوج تركيبي ممكن » وذلك فان كل وجود لوكان وجوداً فقط فلا امتياز له مع باقي الموجودات، وامتياز كل موجود عن سائر الموجودات دليل على تركبه من الوجودِ والماهية )[1] انتهى ما افاده قدس‌ سره.
    و لا يخفی ان رؤية الاسلام حول هذه القاعدة المزعومة واضحة حيث يقول تعالی: في سورة الرعد ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار.  [2]~. و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً  انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا(ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه(ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال(ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون[3]) فان قوله ˜ (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي  واسطة في البين  لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً { والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن
خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار.  [4]~. و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً  انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا(ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه(ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال(ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون[5]) فان قوله ˜ (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي  واسطة في البين  لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً { والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم اميرامؤمنين(ع) بالقتل والتحريق بالنار وقضت الائمة(ع) عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام} : والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم واضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم ودعواهم ان الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وانه فوّض اليهم خلق العالم بمافيه وجميع الافعال[6]

الهامش:
[1] اوائل المقالات ص240 و239و238طبع مكتبة الداوري
[2] استدل بهذه الاية المبارکة الامام الصادق ˜ في رد القول بالتفويض وانحصار الخالقية بالذات الالهية المقدسة راجع کتاب اثبات الهداة ج/7 ص/460
[3] اثبات الهداة ج/7 ص/449
[4] استدل بهذه الاية المبارکة الامام الصادق ˜ في رد القول بالتفويض وانحصار الخالقية بالذات الالهية المقدسة راجع کتاب اثبات الهداة ج/7 ص/460
[5] اثبات الهداة ج/7 ص/449
[6]- شرح حال افكار واثار آية الله بهبهاني علي دواني الطبعة الثانية صفحه 249 و250 اقول: والنص باللغة الفارسية وقد ترجمناه.

الثلاثاء، 19 مايو 2015

سقيفة كمال الحيدري وصلت الى سقفها ! (الشيخ حسن الكاشاني)


سقيفة كمال الحيدري وصلت الى سقفها !

لاعجب من الحيدري ان يصدر منه هذه الهراءات بين حين و آخر حيث ان الرجل شمر  ساعده و قام ليكمل مشروع سقيفته الملكوتيه و قد اكتملت حيطان و الاعمدة فوصلت الى سقفها!
و انما العجب من بعض فضلائنا الابرار كيف اخفي عنهم هذه المؤامرة!
افاض علينا هذه المرة بان رواياتنا تتشكل عيونا كدرة و شجرة غير طيبه و ان خمس جنطات منها لايعادل عنده كلمتان من القرآن لما یزعم فیها من وجود روایات ضعیفة!!
فيا عجبا !!
- هل يسوغ لنا ان نصف القرآن بانه عين كدرة لاشتماله على المتشابهات التي يتبعها اهل الزيغ لاغواء الناس؟! 
- و هل قطعية صدور القرآن تعني عصمة المتلقي و المستفيد من القرآن؟
- اليست الفرق المنحرفه كلها تستند الى القرآن فماذا تحكم على من وصف القرآن بالشجرة غير الطيبة حيث انبزغ منها ضلالات و انحرافات؟ و ما من ضال الا و يستند اليه؟
-اذا كانت الاستفادة من القرآن بحاجة الى رعاية منظومة قواعد و اسس و بخلافها يسبب الزيغ و الضلال، كذلك الاستفادة من الروايات رهن منظومة من القواعد و الاليات،  و لا يسوغ لنا الاستهانة باحدهما بذريعة ضلال من لم يراع الاسس في تلقيه للقرآن و العترة؟
- اليس من الاوليات ان تفسير القرآن و تأويله  من شؤون النبي و اهل بيته عليهم السلام، و ان كلامهم هو بيان لبطون القرآن و تأويله و انهم الثقل الثاني للقرآن و لن يفترق القرآن عنه، فما بال الحيدري لايستثقل الثقل الثقيل و يهينه بكل ما عنده من امكانيات الصوت و الحنجرة؟!
و واضح ان الاستهانة بكلام المفسر (بالكسر) توهين للكلام المفسر (بالفتح)
- كما ظاهر القرآن وحي نزل من السماء كذلك بطون القرآن و تخومه و تاويلاته، و الحافظ للظاهر هو المصحف الشريف (مع ما عليه من اختلاف القراءات و عدم وضوح الدلالة و استماله على المتشابهات) كما الحافظ للباطن هو كتب الحديث (خمس جنطات) مع ما عليه من الملابسات نظير القرآن، لكنهما كلاهما وحي الهي.
- مع ان رواياتنا (باطن القرآن و الوحي النازل من السماء) قد مرت بعدة مراحل تصفيه و غربله من قبل الائمة المتاخرين اولا و من قبل الاصحاب و ارباب المشيخة ثانيا و اصحاب المجاميع الحديثيه ثالثا، و كانوا يتحنبون الرواية عن الضعاف و المجهولين و قد الفوا عشرات بل مئات من الكتب في علم رجال الحديث و التراجم و صححوا الصحيح و ضعفوا الضعيف، و مع ذلك كله وقعت تحت انظار نيقد فقهائنا و علمائنا الابرار اكثر من الف سنة، اليس من الجفاء وصف هذا العذب الصافي بالعيون الكدرة؟ 
- فكيف طوعت لسان الحيدري صاحبها فاستهانت بالروايات بهذه الكلمات القاسيه التي تكاد تهتز منها الجبال (خمس جنطات، عيون كدره، شجره غير طيبه) و الحال ان الاستفادة من الروايات كالايات رهن رعاية منظومة الاسس و المبادي؟
-و اي قرآن هذا الذي يفضل الحيدري كلمتين منه على جميع الكتب الاربعه و موسوعة بحار الانوار و وسائل الشيعة و ... (خمس جنطات)؟؟
هل هو الذي لايعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم و هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و لا يمسه الا المطهرون؟ 
ام الذي احتج به عمر بن الخطاب فرد على كلام الرسول و قال حسبنا كتاب الله ان الرجل ليهجر؟
فان كان الاول فلايوجد الا في الجنطات الخمسة!
و ان كان الثاني فلا حاجة الى الجنطة ابدا!
- ثم هل رايت يوما وصف الحيدري كتاب الفصوص و الاسفار بانه عين كدرة لما فيهما من الضلالات و الكفر و الدعوة الى عبادة الاصنام ( الفصوص، الفص الهارونيه، جدلية الدين و الفلسفه ج1 ص 318) و الدعوة الى المثلية (الاسفار ج3 ص 171 - 179 ، جدلية الدين و الفلسفة ج1 ص58) ؟
ما لكم كيف تحكمون؟
-  قال صادق آل محمد عليه السلام: "تمصون الثماد و تدعون النهر الاعظم" لمن يعكف على كلام البشر و يعرض عن تراث اهل البيت عليهم السلام. فاصطلاح العيون الكدرة منهم عليهم السلام وصفوا به تراث غيرهم، لكنما الحيدري اخذ منهم فرد عليهم!
- انها موامرة لتضعيف روايات اهل البيت في مقابل تعظيم و تفخيم تراث المتفلسفة و المتصوفه، و هذا ما سميته - قبل سنتين -  سقيفة ملكوتية يدعو اليها الحيدري!
راجع:
كتابات في الميزان / ماذا يخطط له الحيدري ؟ هل يدعو لايجاد سقيفة جديدة ملكوتية؟ 
- و قد مر قبل ايام و صرح في مقطوعة تقوم موسسته بتقطيعها و نشرها انه يتبع نهج الفقه القرآني دون الفقه الحديثي و من نتائج ذلك ان محرمات النكاح محصورة في القرآن بعدد معين و اغلقت الايه امكانية الزيادة عنها لانه قال بعد ذلك " و احل لكم ما وراء ذلك" لكنما السنة اضافت اليها خمسة اضعاف، و ان على الانسان ان يحدد موقغه من هذين النقيضين ! اما القرآن و اما السنة! و نصح اخيرا بعدم التلاعب في اختيار المنهج!!
- صرح في كلامه ان كون نكاح ذات البعل او الزنا بها من جملة المحرمات من موروث الفقه الروايي و ليس في القرآن منه عين و لا اثر.
فان كانت الایه بصدد بیان الحصر الحقیقی فلایمکن ان یزید فی المحرمات شیئا الا ويستلزم تکذیب القران و نسبة الجهل الی الله. بينما نرى ان هناك محرمات اخرى ذكرت في غير موضع من  القرآن، و المفروض ان الاية قد اغلقت باب الزيادة عليها!
قال الله تعالى فيمن طلق زوجته مرتين (فان طلقها فلا تحل له الا من بعد ان تنكح زوجا غيره) فكيف قال في تلك الايه و احل لكم ماوراء ذلك بينما هو حرم النكاح بعد ثلاث تطليقات و ليس من المذكورات؟ 
هل كان ناسيا حسب زعم الحيدري ام جاهلا؟ نعوذ  بالله من ذلك.
كلا بل القران و السنه كلها بمنزلة كلام واحد لايمكن الاخذ بها الا بعد الرجوع الى جميعها و للمتكلم ان يلحق ما شاء من القيود الى كلامه.
فکیف صار هذا النکاح حراما و لیس من المحصورات؟ 
ثم ماذا عن النكاح بالمعتدة في عدتها؟
و ماذا عن نكاح الجدات؟
فما اجاب به عنها، هو الجواب عن ساير الموارد.
و هذا الجواب بعينه ياتي في ما ثبتت حرمتها بقول النبي و اوصيائه المعصومين عليهم السلام من دون ان يلزم اي محذور.
- جملة مما ورد من المحرمات في السنة انما هو شرح و تفسير للمذكورات في الايه. اليس لله تعالى ان يفصح عن مراده من طريق رسوله صلی الله علیه و آله الامین علی القران، بان مراد الله من الخالة مثلا ما یعم الخالة من الرضاعه و العمة یعم العمة من الرضاعه، و کذلک سائر المحرمات من من افراد و مصاديق المذكورات في الايه؟؟
اذ من ابسط المسائل الضروریه ان للرسول صلى الله عليه و آله ولایة الشرح و التفسیر لكلام الله تعالى، الا ان يكون سيد الانبياء متهما بالكذب و الهجر في عقليه كمال الحيدري!!
-الطامة الكبرى فصله بین مسار الفقه الروائی و الفقه القرآنی، اولیس الرسول لاینطق عن الهوی ان هو الا وحی یوحی؟!
اوما قال الله ما آتاکم الرسول فخذوه و ما نهاکم عنه فانتهوا. و لکم فی رسول الله اسوه حسنه. و اطیعوا الله و اطیعوا الرسول. 
و هل لغیر الراسخون فی العلم الذین هم محمد و آل محمد علیهم السلام ان یقفوا علی تاویل الکتاب؟
-ای قران هذا الذی یسند الیه فقهه الحيدري؟
هل هو القرآن المجید الذی مکنون فی لوح محفوظ و لن یصل الیه ایدی غیر المطهرین من آل محمد، ام القرآن الذی تمسک به ابن الصهاک فرد علی سید الرسل و قال حسبنا کتاب الله ؟
هل هو القران الذی آیات بینات فی صدور الذین اوتوا العلم، ام القران الذی رفع علی الرمح فی صفین؟
فان کان الاول فلافصل بین فقه القرآن و الروایه، بل الرسول و آله هم القرآن الناطق فالفقه الروائی هو حقیقه الفقه القرانی.
-بمقتضی حدیث الثقلین التمسک بالقرآن من دون التمسک بالعترة موجب للضلال و العمی، کما ان فصل العترة عن القران هو الاخر موحب للضلال، فالفقه القرانی من دون الحدیث موجب للضلال کما العکس کذلک، و لیس العاصم الا فقه معية الثقلین. 
- هنالك جملة من المحرمات في النكاح هي من ضروريات الاسلام عند جميع الفرق، و انكارها قد يجعل المنكر في حكم منكر الضروري الخارج عن ربقة الاسلام.

السبت، 16 مايو 2015

ماذا يخطط له الحيدري ؟ هل يدعو لايجاد سقيفة جديدة ملكوتية؟ (الشيخ حسن الكاشاني)


بغض النظر عن جميع المناقشات العلمية و المنهجية على منهج السيد كمال الحيدري، يبدو انه - من حيث يشعر او لايشعر - جاء ينفذ خطة خطيرة غايته في تبديل التراث الروائي الواصل من خزان العلم الالهي بالتراث الفلسفي و العرفاني.
فتراه انه في محاضرة واحدة يكرر عدة مرات و يكدس في ذهن المشاهد ان الموروث الروائي الشيعي فخ خطير و قد وقع فيه بالفعل جمع غفير من اعلام الطائفة و ادى بهم الى الضلال في العقيدة و تعطيل القرآن و المخالفة معه.
و في الوقت نفسه لا يذكر شيئا من الموروث الفلسفي و العرفاني الا باجلال و اعظام و يذكر نتاج مدرسة العرفاء ببهجة و طراوة و انها هي الحل الامثل للمشكلة. فحينما يقوم المشاهد عن محاضرته يقوم و قد حصلت لديه النفرة عن الموروث الروائي و اعتبرها فخا و مليئة بالزندقة و مخالفة القرآن و الاسرائيليات و المجوسيات و النصرانيات، بينما ينجذب الي الموروث العرفاني من امثال ابن العربي و يراه الحل الاخير و ان فيه من اللطافة و الدقة ما يستحق ان يأخذ بمجامع قلبه.
حتى و لو لم يستوعب فهم المشاهد شيئا من ابحاثه الا ان هذه النفرة و ذلك الاعجاب تبقى في نفسه مستقرا، نفرة عن الحديث و جذبة الى العرفان! فيرى الاول فخا يجب التجنب عنه و الثاني جنة يجب ان يقترب منه !
و لعمري ان هذا اخطر من كل اطروحاته التي تناقض ضرورة المذهب، فانه دعوة لبناء سقيفة ليست من خشب و لا حجارة، بل سقيفة ملكوتية توخر تراث اهل البيت عليهم السلام و تقدم تراث فلاسفة يونان و عرفان اكسيوفان في الوقوف على حقائق الملكوت و الوصول الى باطن هذا الدين و فهم القرآن العظيم
...
و لئلا يكون كلامى هذا صرف دعوى بلا دليل اذكر لكم بعض المقاطع من احدى محاضراته ، و هي المحاضرته الثانية عشر من سلسلة \"من اسلام الحديث الى اسلام القرآن \" و الذي تطرق فيها الى مسألة سهو النبي صلى الله عليه و آله ، و موجود نص المحاضرة على صفحته الرسمية:
قال:
«الخطورة هنا أعزائي وهو أن هذا الموروث الروائي تحوّل إلى أصول عقائدية ومباني عقائدية وهذه هي خطورة الموروث الروائي الذي اخترق مدرسة أهل البيت وهو أنه استطاع هذا الموروث الروائي أن يتحول إلى مباني عقديّة وأخذ يشكل العقل الشيعي في عقائده في أخلاقه، في سلوكه، في تعامله مع الآخر. تقول سيدنا من هم هؤلاء الذين تبنوا الجواب: ممّن وقع في فخ هذا الموروث الروائي الشيخ الصدوق، الشيخ الصدوق أعزائي وقع في فخ هذه الروايات ووقع في فخها بشكل شديد ومتشدد»
و قال بعد نقل كلام عن الشيخ الصدوق:
«هذه آثار الموروث الروائي الذي أصيبت به مدرسة أهل البيت»
و قال:
«القضية أعزائي مربوطة بكرامة خاتم الأنبياء انتم تعرفون عمن نتكلم ده نتكلم عن أول مخلوقٍ في نظام العالم عن واسطة الفيض بين الله وبين خلقه نقول بيني وبين الله الصلاة التي يصليها ساهٍ فيها حتى ينبهه أصحابه الذين بالأمس أسلموا على يديه بيني وبين الله أي منطق هذا ولكن هذا الموروث الروائي الذي قلت خطورته أدى بالشيخ الصدوق إلى هذا بالنحو الذي أدى يلعن المفيد لأنك تنكر ماذا؟ السهو.»
«هذا مجمع البيان يقوله ها أعرفوا هذا من أين دخل علي واقعاً أصيب بفخ أين فخ الموروث الروائي قال فأما ما سواه فقط جوزوا عليهم أن ينسوه» 
« مع الأسف الشديد وجدت بعض الكتاب كاتبين أنه نعم هذه الروايات وردت في بعض مصادرنا الروائية ولكن بحمد الله تعالى بقية منظومتنا العقدية نقية »
« والكليني والعهدة على من على صاحب الجواهر وأبي علي الطبرسي الذي قرأنا عبارته تقول يعني واقعاً هؤلاء لم يقرءوا أقول هذه نتيجة الاستناد إلى إسلام الحديث من غير إسلام ماذا القرآن وإلا نظرية الإنسان الكامل في القرآن »
علما بان نظرية الانسان الكامل نظرية عرفانية جعلوها بديلا عن نظرية الامامة. 
« ولا يقول لي قائل سيدنا هذا في الحوزات العلمية مولانا انتهى ذلك الزمان لم يعد شيئاً خافياً الكل ما هو معلن وهذه الكتب موجودة في المواقع والكتب منتشرة عزيزي هذا منطق العاجز ثم إذا كان في كتبنا ما يعيب نحن نعالجه بأنفسنا معالجة العيب بأنفسنا أفضل من معالجة العدو لما هو في كتبنا»
« النكت الاعتقادية المجلد العاشر ص27 و 28 يقول ولسنا ننكر بأن يغلب النوم الأنبياء في أوقات الصلوات حتى تخرج ولسنا ننكر سؤال: نعم هي المشكلة هو هذا الإسلام الحديث فيقضوها»
« بعد ذلك إذن أعزائي دعوى أنّ الموروث الروائي لم يؤثر على المنظومة العقدية دون إثباتها خرط القتات كما يقولون يعني الذي قال ذلك أمي جاهل لم يطالع تراثنا كيف أن الموروث طبعاً وهنا لو كان عندي وقت لذكرت لكم عشرات الموارد التي اثر فيها الموروث الروائي الدخيل والموضوع والمغالى فيه والكذب والزندقة اثر لبناء منظومة عقديّة في العقل الشيعي والى الآن هؤلاء الذين يناقشون أيضاً معتقدون وهم لا يعلمون أنهم اعتقدوا على أساس منظومة أو موروث روائي دخيل موضوع مختلق . فقط أن أريد أجيب أنه من يقول أنّ الموروث الروائي في المصادر لم يؤثر على المنظومة العقدية بينت ماذا لا الموروث الروائي اثر على كل منظومة. ومن هنا أبطل كل هذه العقائد وما هو يناظرها لماذا؟ لأنها مخالفة للقرآن القطعي لنظرية الإنسان الكامل في القرآن وللسنة القطعية من قبيل حديث الثقلين.»
«اعزائي كونوا على ثقة هذه هي الخطوة الأولى والمرحلة الأولى من المشروع التصحيحي الذي لابد من القيام به في كل موروث مدرسة أهل البيت ابتداءً من التفسير ومروراً بالعقائد والفقه والأصول والأخلاق والتاريخ والمعاجز التي نسبة إلى الأئمة والكرامات و…و… فإن اضعف هذه الحلقات كان موروث الروائي وإلّا أدعو الله سبحانه وتعالى أن أقف لأقول ما هو الذي ينبغي أن يحصل موروثنا الفقهي ومن أين اخترقنا ومن أين جاءنا وباء الاختراق في الفقه وفي الفتاوى الفقهية العلامة الحلّي وما إدراك ما العلامة الحلي لابد أن نعرف بأنه كيف اخترق الفقه السني ماذا الفقه الشيعي وأمّا في الأصول فما شاء الله لابد أن نرجع إلى أصول الآخرين إلى المستصفى للغزالي إلى الرسالة للشافعي لنرى ما هي الاختراقات لعلم الأصول الفقهي عند الشيعة أمّا الأخلاق فقد اشرنا إليه سابقاً وان شاء الله أزيده فأمّا التفسير فما شاء الله اختراقه تم على يد تفسيرين معروفين تفسير القمي وهو تفسيرٌ فيه بعض الروايات لعله صحيحة ولكنه مدسوسٌ مغشوشٌ متلاعبٌ فيه وكتابٌ من أبي الجارود الزيدي الملعون هذه تفاسير مع الأسف الشديد أن الإخباريين كانوا على الحق انه هذه لا تكون مدرسة ناصحة ولكنه لم يكن معهم الحق أن يكونوا حشوية ويستندوا على الاخبار ويبتلوا بفخ الاخبار»
... 
و الملفت للنظر الاصرار و التركيز من الحيدري على ان ذلك من تبعات اسلام الحديث بصورة مطلقة و انه من خطورة التراث الروائي بصورة اجمع، حتى لو كان الحيدري يقصد قسما من الموروث الروائي الذي يراه غير صحيح، الا ان الصورة التي تنطبع عند المشاهد هو عدم الثقة بهذا التراث نهائيا ، لاسيما و انه يعمم كلامه لاكثر و كثير من هذا الموروث. فان تراثا يحتوي على نسبة كبيرة من الاسرائيليات و الزندقة و مخالفة القرآن و و و ... لحقيق ان يهجر و ينبذ و لا يقترب منه، لاسيما للعوام الذين هم القاعدة الكبرى من مطالعي محاظراته.
الان حينما استقر عند المشاهد عدم كفائة التراث الروائي لحلحلة المشاكل ، بل هو الفخ و هو الذي اوجد مشاكل كبيرة و خطيرة و كثيرون وقعوا في فخه بالفعل و ان هذا التراث اخترق مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، بدأ في بيان البديل عن هذا التراث و ان كان قد لمح الى ذلك في طيات كلامه حيث جعل نظرية الانسان الكامل العرفاني بحيث النجم من التراث الروائي و أين الثرى من الثريا!
و الان وفي الدقائق الاخيرة من المحاضرة بدأ يجلل و يعظم من الموروث العرفاني بشكل صريح بعد كل تلك التهم التي وجهها للتراث الروائي ، فبين انها هي الحل الامثل.
قال في كلام نقله عن السيد الطباطبائي:
«ومن عظيم الجرم أنّ نعزل العقل كما فعلت من الاشاعرة، الاشاعرة قالوا العقل ما اله ما قاله الله فهو حسن ما فعله فهو حسن قال: لا ليس كذلك إذن ما هي النظرية، النظرية كما قلنا عند العرفاء حلو المشكلات عند النظرية العرفانية وهي حكومة الأسماء بعضها على بعضٍ صحيح الله قادرٌ ولكن الله حكيمٌ أيضاً فإذن عندما نضع الحكمة جنب القدرة هذه القدرة لا تفعل على إطلاقها من يقيدها؟ الحكمة سماحة، مو أنا أقيدها من يقيدها اسم الآخر. ها هي المعروفة بنظرية حكومة الأسماء الإلهية بعضها على بعض ولذا تجد القرآن ماذا يقول ما يقول انتم كتبتم عقلكم قال عليه الرحمة قال: كتب على نفسه الرحمة، هو الكتاب هو المقيد، نعم اسم كتب على اسم آخر وهذه هي المعروفة بنظرية حكومة »
...
و هكذا يتحول عند المشاهد مقام اهل البيت عليهم السلام العلمية بمقام العرفاء و الفلاسفة، و يرجح ان يجعل التراث الفلسفي و العرفاني ثقلا ثانيا بجنب القرآن!
و هذه هي سقيفة يدعو اليها السيد كمال الحيدري!

 الحيدري و ابن العربي
حينما بدأ السيد كمال الحيدري بحملته الشرسة ضد تراثنا الروائي النازل من فوق سبع سماوات و الواصل الينا من خزان علم الله و معادن حكمته واعتبرها فخا يجب الاجتناب عنه؛ نراه يثني على الموروث العرفاني الواصل من أقطاب العرفاء المنحرفين عن اهل البيت عليهم السلام كمحي الدين العربي، بل يرى عدم امكانية الرقي في سماء العلم والمعرفة الا بالتتلمذ عند ابن العربي و دراسة موروثه كالفصوص و الفتوحات و غيرهما.
فلنأت الى سقيفة الحيدري هذه؛ لنرى ما هذا الموروث العرفاني الذي يرشحه لنا مرجعا و كهفا لفهم الدين في سقيفته الملكوتية، و رضى بها بدلا عن التراث الروائي !
إبن العربي ـ هذا الذي يكبره الحيدري بإجلال ـ هو الذي عرف بنصبه وعدائه لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وقد ذهب في جملة مقاله إلى عصمة عمر بن الخطاب. 
قال في الفتوحات في معرفة الطبقة الأولى والثانية من الأقطاب الركبان : « و من أقطاب هذا المقام عمر بن الخطاب و أحمد بن حنبل ، و لهذا قال صلى اللّه عليه و سلم في عمر بن الخطاب ـ يذكر ما أعطاه اللّه من القوة ـ : « يا عمر ما لقيك الشيطان في فج إلا سلك فجا غير فجك ! » فدلّ على عصمته بشهادة المعصوم. و قد علمنا إن الشيطان ما يسلك قط بنا إلا إلى الباطل و هو غير فج عمر ابن الخطاب ، فما كان عمر يسلك إلا فجاج الحق بالنص. فكان ممن لا تأخذه في اللّه لومة لائم في جميع مسالكه و للحق صولة ، ولما كان الحق صعب المرام قوياً حمله على النفوس لا تحمله و لا تقبله بل تمجه و ترده.لهذا قال صلى اللّه عليه و سلم : « ما ترك الحق لعمر من صديق » و صدق صلى اللّه عليه و سلم يعني في الظاهر و الباطن ، أما في الظاهر فلعدم الإنصاف و حب الرئاسة و خروج الإنسان عن عبوديته و اشتغاله بما لا يعنيه و عدم تفرغه لما دعي إليه من شغله بنفسه و عيبه عن عيوب الناس ، و أما في الباطن فما ترك الحق لعمر في قلبه من صديق فما كان له تعلّق إلا باللّه »
(الفتوحات المكيّة ، ابن العربى : 4 / 200 الباب الثلاثون.)
وغير خفي أنّ العصمة إنّما تعني فيما تعنيه عدم صدور الذنب والخطأ والإشتباه ، بخلاف العدالة التي تجتمع مع صدور الخطأ والإشتباه ، وأمّا المعصوم فهو الذي لايصدر منه أي انحراف و زيغ لا عمداً و لاسهواً ولا جهلاً ولا نسياناً ، فهو العالم المحيط بجميع الأحكام والموضوعات و لا يشتبه في تعيين الحكم و لا في تشخيص الموضوع ، ولايفرّط في العمل بما علمه ، و بفعله يستدلّ على مواضع رضى اللّه وسخطه ، فإنّ المعصوم هو ميزان الأعمال. والوصول إلى هذا المقام لايمكن إلا بالعلم اللدني.
والإلتزام بهذا المقام في عمر بن الخطاب يفصح عن النصب الظاهر الجلي حيث يلزم منه القول بأنّ عمر بن الخطاب كان على الحق في جميع مواقفه وأفعاله وأقواله ، فإحراقه لبيت فاطمة وشنّ الهجوم على بيتها وضربها وإسقاط جنينها وكسر ضلعها وغير ذلك من الجنايات القارعة التي اسودّت منها الآفاق كان صواباً وحقاً من دون خطأ واشتباه ، وكذا ايذائها ـ الذي اتّفق الفريقان على أنّه قد آذاها فوجدت عليه الصدّيقة الطاهرة فلم تكلّمه حتى توفيّت ـ طاعة وقربة للّه لاذنب ولاخطأ. « كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبا ».
فما أغلف قلب هذا الرجل الذي يحسب أنّه ما كان في قلب عمر بن الخطاب تعلّق بما سوى اللّه !
أليس هو الذي نسب سيّد الرسل إلى الهجر والهذيان ؟
وليت شعري أي إله أعطى عمر هذه القوّة التي قوى بها على الشيطان فلم يسلك الشيطان فجّه قطّ ؟
هل الإله الذي جعل مودّة قربى النبي أجراً لرسالة الرسول ؟
أم الإله الذي أذهب من أهل بيت الرسول الرجس وطهّرهم تطهيراً ؟
أم الإله الذي جعل رضا فاطمة رضاه وسخطها سخطه ؟
أم الإله الذي نفى عن نبيّه أن ينطق بالهوى ؟ 
ثمّ لِمَ أعطاه هذه القوّة القاهرة ؟
هل ليلطم وجه الصديقة الطاهرة ؟ 
أو ليكسر ضلعها ؟
أو ليحرق دارها ؟
أو لينسب رسوله إلى الهجر والهذيان ؟أو ليرتكب تلكم الجنايات القارعة على ناموس الدين وقدس صاحب الرسالة وحرمة سلطان الولاية ؟
أيسوغ مثل هذا الحمد والثناء لمن يؤمن باللّه واليوم الآخر ويصدّق نبي الإسلام وما جاء به ؟
أم هل يتصوّر له عذر عن التفوّه بهذه الكلمات ؟
أليس كلّ ذلك ممّا ثبت عندهم بالنصّ الصحيح الصريح وقد رواها محدّثوهم وأقرّ به أكابرهم من أهل سنّة الجماعة وجماعة السلطان ؟
مع انّ ما ذكره لو صحّ ودلّ على عصمته ، فإنّما يدلّ عليها واقعاً غير معلّق على ثبوت شيء أو إثباته ، وبما أنّ تلك الجنايات ثابتة واقعاً فلامناص له من الالتزام بما ألزمناه به. فما أقبح عذر من قال إنّ تلك المواقف من عمر غير ثابتة عند ابن العربي.
ثمّ ما عذر السيد کمال الحيدري في اجلال موروث هذا الناصبى و إعظامه، حتي ان من لم يقرأ کتبه و لم يدرسها عند اهله (الذي لايوجد في کل عصر ما خلا واحد او اثنين و في عصرنا هو الوحبد الذي يفهم کلامه على حسب قوله) لا يراه اهلا لفهم القرآن و العلوم الالهيه! 
في حين ينتقص موروثنا الروائي و يدعي ان كثيرا منها من اليهود و المجوس و النصارى؟!!

 "ابن العربي الشيخ الاكبر عند الحيدري"
وقد بلغ من اغترار ابن العربي بنفسه إلى أن قاس نفسه بنفس خاتم الأنبياء وقال كما أنّ اللّه قد ختم برسول اللّه الأنبياء فعسى أن يختم بي الأولياء !!
قال :
« و لقد رأيت رؤا لنفسي في هذا النوع و أخذتها بشرى من اللّه ، فإنّها مطابقة لحديث نبوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام ، فقال صلى اللّه عليه و سلم : « مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي و لا نبي ». فشبّه النبوة بالحائط و الأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط ، و هو تشبيه في غاية الحسن. فإن مسمّى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن فكان صلى اللّه عليه و سلم خاتم النبيين. فكنت بمكة سنة تسع و تسعين و خمسمائة أرى فيما يرى النائم الكعبة مبنية بلبن فضة و ذهب لبنة فضة و لبنة ذهب و قد كملت بالبناء و ما بقي فيها شيء و أنا أنظر إليها و إلى حسنها ، فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني و الشامي هو إلى الركن الشامي أقرب فوجدت موضع لبنتين لبنة فضة و لبنة ذهب ينقص من الحائط في الصفين ، في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب و في الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة ، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبنتين ، فكنت أنا عين تينك اللبنتين و كمل الحائط و لم يبق في الكعبة شيء ينقص و أنا واقف أنظر و اعلم إني واقف و اعلم إني عين تينك اللبنتين لا أشك في ذلك و أنّهما عين ذاتي. واستيقظت فشكرت اللّه تعالى و قلت متأولاً : إنّي في الاتباع في صنفي كرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الأنبياء عليهم السلام ، وعسى أن أكون ممن ختم اللّه الولاية بي و « وَ ما ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزيز » و ذكرت حديث النبي صلى اللّه عليه و سلم في ضربه المثل بالحائط و أنه كان تلك اللبنة. فقصصت رؤاى على بعض علماء هذا الشأن بمكة من أهل توزر ، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي ، وما سميت له الرائي من هو. فاللّه أسأل أن يتمّها علي بكرمه فإن الإختصاص الإلهي لا يقبل التحجير و لا الموازنة و لا العمل و إن « ذلِك من فَضْلِ اللّه يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ من يَشاءُ وَ اللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » ».
(الفتوحات المكيّة ، محي الدين ابن العربي : الباب الخامس و الستون ، ج 4 ص 319.)
ولايخفى أنّ في هذه العبارات تلميح إلى أنّه أفضل من سيّد الرسل ، فإنّ حائط رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان من طين بينما حائطه كان من ذهب وفضّة ، وحائط سيّد الرسل صلى اللّه عليه وآله كان من إحدى الحيطان بينما حائطه كان حائط الكعبة ، وهو أيضاً لعب دور لبنتين في حين أنّه صلّى اللّه عليه وآله أشغل موضع لبنة واحدة ! !
"الرجبيون يرون الشيعة خنازير"!!
قال ابن العربي في مكاشفة الرجبيين :
« ومنهم رضي اللّه عنهم الرجبيون ، وهم أربعون نفساً في كل زمان ، لا يزيدون ولا ينقصون. وهم رجال حالهم القيام بعظمة اللّه ، وهم من الأفراد ، وهم أرباب القول الثقيل من قوله تعالى : « إِنّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقيلا » ... لقيت واحداً منهم بدنيسير من ديار بكر ، ما رأيت منهم غيره... وكان هذا الذي رأيته قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة ، فكان يراهم خنازير. فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه هذا المذهب قطّ ، وهو في نفسه مؤمن به يدين به ربّه فإذا مرّ عليه يراه في صورة خنزير ، فيستدعيه ويقول له : تب إلى اللّه ؛ فإنّك شيعي رافضي ، فيبقى الآخر متعجّباً من ذلك. فإن تاب وصدق في توبته ، رآه إنساناً وإن قال له بلسانه تبت ، وهو يضمر مذهبه ، لا يزال يراه خنزيراً ، فيقول له : كذبت في قولك تبت. وإذا صدق يقول له : صدقت فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه ، فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي. ولقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية ، ما عرف منهما قطّ التشيع ولم يكونوا من بيت التشيع أداهما إليه نظرهما ، وكانا متمكنين من عقولهما ، فلم يظهرا ذلك وأصرّا عليه بينهما وبين اللّه ، فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في علي. فلمّا مرّا به ودخلا عليه ، أمر بإخراجهما من عنده ، فإن اللّه كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير ـ وهي العلامة التي جعل اللّه له في أهل هذا المذهب ـ وكانا قد علما من نفوسهما أنّ أحداً من أهل الأرض ما اطلع على حالهما ، وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنة. فقالا له في ذلك ، فقال : أراكما خنزيرين ، وهي علامة بيني وبين اللّه فيمن كان مذهبه هذا. فأضمرا التوبة في نفوسهما ، فقال لهما : إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب ، فإنّي أراكما إنسانين فتعجّبا من ذلك ، وتابا إلى اللّه ».
(الفتوحات المكية ، ابن العربي : 2 / 8.)
اقول: ما أحوج ابن العربي إلى اختلاق هذه الأساطير المشمرجة ، وهي لا يصدّقها أي قار وباد مهما يقرّها قصّاص في أذنيه ، ولا يصير بها الأمر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الإفك وأبدعت في نسجه مهرة الإفتعال. لكنّه لم يزل يتربّص الدوائر على الشيعة ، ويختلق عليهم طامات كهذه. ثمّ يأتي شيعي ويمدح هذا الناصبي غير مكترث ، وهو يراه خنزيراً !!
وشتّان ما بين هذه الكلمات من ابن العربي وبين أدب الدين ، أدب العلم ، أدب التأليف ، أدب العفة ، أدب الدعاية والنشر. إنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً ، « يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْل ».
و ابن العربي قال عن إيمان أبي بكر وفضله أنّه يرجح على الأمّة جمعاء ، بما فيهم أمير المؤمنين وأهل بيت العصمة المطهّرون.
(الفتوحات المكيّة ، محي الدين ابن العربي : الباب الأحد و ثلاثمائة ، ج 4 ص 6.)
وادّعى المعراج لنفسه ، ويزعم أنّه رأى في المعراج مقام على أدون من مقام أبي بكر وعمر فقال لعلي : أنت الذي كنت ترى نفسك في الدنيا أشرف منهما.
(نقل عنه العلامة المجلسى في عين الحيوة.)
الى غير ذلك من الترّهات والكفريات.
وليست هذه النفثات إلا كتيت الإحن ، ونغران الشحناء. وإن شئت قلت: إنّها سكرة الحبّ ، وسرف المغالاة. قد أعمت الأهواء بصيرة ابن العربي ، فجاء بهذه المخاريق المخزية ، والأفائك المزخرفة ، بيّتها غير مكترثٍ لمغبة صنيعه ، ولا متحاشٍ عن معرة قيله.
ثمّ ياترى ! كيف ساغ للسيد الحيدري أن يعكف على باب إبن العربي هذا الرجل المتهوّك ، و ان يصنع من تراثه ثقلا ثانيا بديلا عن التراث الروائي الصادر من خزنة علم الله؟!

المرجعية الفكرية لأهل البيت صلوات الله عليهم (الشيخ حيدر الوكيل)


اسس الاسلام معارفه على اسس الواقعية ولم يُعر جوانب الاسطورة او رغبات المتسلطين من شياطين الانس والجن اي اهتمام الا بما يُظهر عجز تلك الاطروحات عن تحقيق السعادة الانسانية على مستوى العدل الاجتماعي في الدنيا او النجاة من النار والفوز بالجنة في الاخرة , فظهرت في الاسلام واقعية المعارف وحقانيتها وطلبها من الطرق الصحيحة للتوصل اليها دون غبش او ضبابية كما قال الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله :" قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها " , ولم يختلف المسلمون حول اصل مرجعية الرسول الاعظم صلى الله عليه واله ولكنهم اختلفوا في امتداد المرجعية الى عترته الهادية صلوات الله عليهم فصارت مرجعيتهم ـ بتوجيه منهم ـ علامة للشيعة , يقول ابان بن تغلب ( رحمه الله ) :" يا ابا البلاد أ تدري من الشيعة ؟ الشيعة من اذا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه واله أخذوا بقول علي عليه السلام , واذا اختلفوا عن علي اخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام " .
ومن هنا نجد مرجعية ال البيت صلوات الله عليهم ظاهرة في ما نقله عنه شيعتهم على مستوى التنظير لتلك المرجعية وان ابتعد عنها ـ عمليا ـ بعض من يُظهر الانتماء اليهم غفلة او انسياقا وراء سراب الفكر البشري , اليك غيض من فيض مما دل على المراد :
الحديث الاول : ما رواه الخاصة والعامة بالفاظ متقاربة مما يظهر منه تواتره ـ معنويا ـ جليا لا نحتاج معه الى كلفة الاستدلال : قال رسول الله صلى الله عليه واله :" يا ايها الناس انى تارك فيكم الثقلين اما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتى فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " .
ويكفي هذا الحديث الشريف في اثبات المطلوب وذلك لتواتره ووضوح مضمونه ودلالته على عصمة العترة ..
الحديث الثاني : ما ورد في تحديد " اهل الذكر " وهي اخبار كثيرة منها :
1ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعملون إلا الكف عنه والتثبت فيه والرد إلى أئمة المسلمين حتى يعرفوكم فيه الحق ويحملوكم فيه على القصد ، قال الله عزوجل : " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " .
2ـ عن الوشاء قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت له : جعلت فداك " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ؟ فقال : " نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ، قلت : فأنتم المسؤولون ونحن السائلون ؟ قال : نعم ، قلت : حقا علينا أن نسألكم ؟ قال : نعم ، قلت : حقا عليكم أن تجيبونا ؟ قال : لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل ، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى : " هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب " .
الحديث الثالث : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب " قال أبو جعفر عليه السلام : إنما نحن الذين يعلمون والذين لا يعلمون عدونا وشيعتنا أولو الالباب " .
الحديث الرابع : ما ورد في تفسير الراسخون في العلم وهي اخبار كثيرة منها :
1ـ عن بريد بن معاوية ، عن أحدهما عليهما السلام في قوله الله عز وجل : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " فرسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الراسخين في العلم ، قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله ، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم ، فأجابهم الله بقوله " يقولون آمنا به كل من عند ربنا " والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، فالراسخون في العلم يعلمونه .
الحديث الخامس : ما ورد في الاية :" بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " .
وهي عدة اخبار منها :
عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام في هذه الآية : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " . . ثم قال : أما والله يا أبا محمد ما قال بين دفتي المصحف ؟ قلت : من هم ؟ جعلت فداك ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا .
الحديث السادس : ما ورد في تفسير قوله تعالى " انما انت منذر ولكل قوم هاد " .
وهي عدة اخبار منها :
عن أبي بصير قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر وعلي الهادي ، يا أبا محمد هل من هاد اليوم ؟ قلت : بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك ، فقال : رحمك الله يا أبا محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ، ماتت الآية ، مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى .
الحديث السابع : عن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما أنتم ؟ قال : نحن خزان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الارض .
الحديث الثامن : ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الاوصياء هم أبواب الله عز وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عزوجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه .
الحديث التاسع : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحب أن يحيى حياة تشبه حياة الانبياء ، ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء ويسكن الجنان التي غرسها الرحمن فليتول عليا وليوال وليه وليقتد بالائمة من بعده ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، اللهم ارزقهم فهمي وعلمي ، وويل للمخالفين لهم من امتي ، اللهم لا تنلهم شفاعتي .
الحديث العاشر : عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى علمين : علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله ، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه ، وعلما استأثر به فإذا بدا لله في شئ منه أعلمنا ذلك وعرض على الائمة الذين كانوا من قبلنا .
الحديث الحادي عشر : عن إبراهيم بن زياد ، قال : قال الصادق عليه السلام : كذب من زعم أنه يعرفنا وهو مستمسك بعروة غيرنا
هم لا سواهم
قد يقال ان مرجعية ال البيت صلوات الله عليهم لا تعني الغاء مرجعية غيرهم لا سيما فيما لم يرد فيه عنهم شيء . بل ان هناك مساحة هي لغيرهم كالاعتقادات فان الاعتماد عليهم فيها يلزمه الدور , كما ان للعقل الكاشفية عن الحق والائمة سادة العقلاء فما يكون من مقررات العقل يكون من متبنياتهم بما هم عاقلون ..
والجواب : ان هنا ثلاثة محاور مهمة
المحور الاول : انحصار المرجعية في ال البيت صلوات الله عليهم وقد دلت عليها اخبار كثيرة منها :
عن فضيل ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كل ما لم يخرج من هذا لبيت فهو باطل .
2ـ عن محمد بن مسلم ، قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أما إنه ليس عند أحد علم ولا حق ولا فتيا إلا شئ أخذ عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعنا أهل البيت ، وما من قضاء يقضى به بحق وصواب إلا بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه من علي عليه السلام ومنا . فإذا اختلف عليهم أمرهم قاسوا وعملوا بالرأي ، وكان الخطأ من قبلهم إذا قاسوا ، وكان الصواب إذا اتبعوا الآثار من قبل علي عليه السلام .
3ـ عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمه الله التيه إلى الفناء ، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك ، وذلك الباب هو الأمين المأمون على سر الله المكنون .
4ـ عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه إلى يوم القيامة .
المحور الثاني : شبهة الدور , وهي من الشبه الغريبة التي استولت على الكثير من الباحثين بدعوى ان الاعتماد على النص فرع حجيته وهي تتوقف على ثبوت حجية قول المعصوم وهي تتوقف على ثبوت التوحيد والعدل والنبوة , وهذا من غرائب الاشكالات لاسيما مع ملاحظة امتدادات هذا الاشكال ...
والجواب : ان الاخذ عن ال البيت صلوات الله عليهم على قسمين :
الاول : ما يرجع الى حجية اقوالهم والتعبد ببياناتهم وهذا ما يبتني عليه اشكال الدور .
الثاني : ما يرجع الى بيانهم لاصل الدعوة التي استحفظوا عليها وبلغوها عن الله تعالى , ومن هذا القسم تظهر ـ بوضوح ـ انحصار المرجعية فيهم دون سواهم حتى ان كل ما لم يرد في بياناتهم ـ وان كان حقا في نفسه ـ لا يصح نسبته الى دعوتهم و لا تقف أي من الحواجز دون هذا القسم , وشأنهم صلوات الله عليهم في هذا القسم شأن غيرهم من اهل الافكار والاراء فاننا لا نجد من ينسب قولا لديفد هيوم او ماركس او كانت او بيكون او ابن سينا او غيرهم دون تحقق قوله به فلا يمكن ان نقول ان فلانا عاقل فننسب له ما لم يقله بل ان رايه فرع بيانه في مرحلة الاثبات لرايه ..
ومن هنا فان الائمة الهداة صلوات الله عليهم تصدوا لبيان كل ما هو من امر الدين , وامروا شيعتهم بالرجوع اليهم في كل شيء ولكن نوع البيان يختلف فالتعبدي له مجاله والفكري الاستدلالي له مجاله .
المحور الثالث : نعم الائمة الهداة سادة الخلق وسدنة الحق , ولكن العقل له دور الادراك لا التاسيس العقائدي , والكثير من مفردات العقائدية عصية على الادراك العقلي دون دلالة المعصوم صلوات الله عليه , وفي الخبر : ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمه الله التيه إلى الفناء ، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك ، وذلك الباب هو الأمين المأمون على سر الله المكنون .
وسيأتي مزيد بيان ..
شيعتهم امتداد مرجعيتهم
بعد ان بينا انحصار مرجعية الاسلام الفكرية في الحجج المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين علينا ان نتعرف الطريق اليهم والا رجع الامر الى الاخذ عن غيرهم , ونجد في بيانات المعصومين ايضاح المحجة الى معرفة قول الحجة على الناس , فارشدوا الى الاخذ عن اصحابهم المؤمنين بهم ونهوا عن الاخذ عن غيرهم لانهم خائنون , واليك بعض ما ورد في ذلك :
1ـ عن علي بن سويد السابي قال : كتب إلى أبو الحسن عليه السلام وهو في السجن : وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا ، فانك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكة ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة - في كتاب طويل .
2ـ عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني ؟ وكتب أخوه أيضا بذلك ، فكتب إليهما : فهمت ما ذكرتما ، فاعتمدا في دينكما على مسن في حبكما وكل كثير القدم في أمرنا ، فإنهم كافوكما إن شاء الله تعالى .
3ـ عن الثمالي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إياك و الرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال ، فقلت : جعلت فداك : أما الرئاسة فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال ، فقال : ليس حيث تذهب ، إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال .
وتطفوا هنا اشكاليات : اهمها :
الاشكالية الاولى : الاحتكار الفكري والتعتيم باتجاه واحد مما يلغي الاخر ويفرض ديكتاتورية فكرية احادية .
والجواب : ان الحرية الفكرية ترجع الى استعراض ذوي الفكر لافكارهم والسماح لمن يود التعرف عليها بقرائتها والاطلاع عليها , وهذا غير ما نحن فيه , فان ما ندعيه هو في مقام بيان الفكرة وتأمين مصدر انتشارها وحصر البيان بالائمة الهداة صلوات الله عليهم والنقل بالمؤمنين بهم , ليس الا محافظة على الفكرة لتصل عبر الاجيال فيؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر , وعلى ذلك سيرة العقلاء من ذوي الافكار , واعتبر ـ اليوم ـ بما تجعله الدول والمؤسسات من قنوات رسمية مكتوبة ومسموعة ومرئية لبث افكارها دون غيرها فلا تكون ملزمة بما تحكيه عنها .. 
الاشكالية الثانية : اننا نجد في نقلة اخبار الائمة الاطهار صلوات الله عليهم من هم من غير شيعتهم فكيف يكون الامر محصورا بالشيعة ؟
والجواب : ان الاخذ عن غيرهم فيه جانبان :
الاول : الاستقلال عن الحجج الالهية بحيث يكون الناقل ليس في مقام النقل بل يرى في نفسه انه مرجعية في عرض مرجعية ال البيت صلوات الله عليهم وهذا هو مورد التحذير وهو الخائن الذي خان الامانة ..
الثاني : من يكون واسطة في النقل فقط فيرجع الامر الى ما هو الحجة في النقل حسب اختلاف المباني , ومع القول بحجية الخبر المتواتر او المحتف بالقرينة المفيدة للعلم فلا يبقى مجال للتشكيك فيما نجده من الاخبار وبعض رواته من غير الشيعة اذ ملاك اعتباره يتجاوز هذه الحيثيات .
الراي من سبل الابتعاد عن المرجعية الحقة
الرأي وهو في اللغة على قسمين : الاول : رأي القلب . والثاني : رأي العين .
قال الخليل بن احمد الفراهيدي :" الرأي : رأي القلب ، ويجمع على الآراء ، تقول : ما أضل آراءهم ، على التعجب و ( راءهم ) أيضا . ورأيت بعيني رؤية . ورأيته رأي العين ، أي : حيث يقع البصر عليه " . وقد فرق النحاة بين " رأى " البصرية فهي تنصب مفعولا واحدا , و " رأى " القلبية فهي تنصب مفعولين .
فـ " الرأي " هو عمل القلب , فهو يمتزج بالهوى والرغبات والميول , ولعل من هذا المنطلق حرم الاسلام العمل بالرأي , وتحريم الاسلام للعمل بالرأي صارم جدا حتى انه لا يؤجر التابع لرأيه حتى في حال اصابة الحق ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : يرد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب ولا سنة فننظر فيها ؟ - فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم توجر ، وإن أخطأت كذبت على الله .
وقد ثبت نهيهم عن العمل بالرأي في اخبار كثيرة منها :
قال أمير المؤمنين عليه السلام لانسبن اليوم الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلى ولا ينسبه أحد بعدى إلا بمثل ذلك ، الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو العمل ، والعمل هو الاداء ، إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه عن ربه فأخذ به ، إن المؤمن يرى يقينه في عمله ، والكافر يرى انكاره في عمله ، فوالذي نفسي بيده ما عرفوا أمر ربهم فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين باعمالهم الخبيثة .
2ـ عن محمد بن الطيار قال قال لي أبو جعفر عليه السلام : تخاصم الناس ؟ - قلت : نعم ، قال : ولا يسألونك عن شئ إلا قلت فيه شيئا ؟ - قلت : نعم ، قال : فأين باب الرد إذا ؟ !
3ـ عن ابن مسكان ، عن أبي الربيع الشامي قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : ما أدنى ما يخرج العبد من - الايمان ؟ - فقال : الرأى يراه مخالفا للحق فيقيم عليه .