الاثنين، 25 مايو 2015

كلام الملا حبيب الله الكاشاني في بطلان قدم العالم وقاعدة الواحد


وكيف كان ، فلا ريب أنّه تعالى قادر مختار ، لأنّه خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من الصنائع الغريبة ، والبدائع العجيبة ، ولم يعي بخلقهنّ ، ولا ريب أنّ وجود العالم بعد عدمه ينافي كون تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ، والقول بقدم العالم ـ كما عن الفلاسفة ـ شطط من الكلام ـ كما حقّق في محلّه ـ كالقول بأنّه سبحانه موجب بالذات ، وأنّ تأثيره في وجود العالم بالإيجاب ، بمعنى أنّ العالم لازم لذاته كتأثير الشمس في الإضاءة ، والنار في الإحراق ، والماء في التبريد ، وإن استدلّ له بأنّ المؤثّر في وجود الشيء إن استجمع جميع ما لا بدّ منه في المؤثّريّة من الشرائط وجوديّا كان أو عدميّا وجب الأثر ، لأنّه لو لم يجب الأثر مع وجود المؤثّر المستجمع للشرائط لكان فعله تارة وتركه أخرى ترجيحا بلا مرجّح ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله. وإن لم يستجمع المؤثّر الشرائط المعتبرة في المؤثّر امتنع وجود الأثر ، لامتناع المشروط عند عدم الشرط. وفيه
أوّلا : أنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، كما أنّ الجائع يختار أحد الرغيفين المتساويين من جميع الوجوه ، والهارب من السبع أو العدوّ يهرب من أحد الطريقين.
وثانيا : أنّ من الشرائط ؛ إرادة المؤثّر في وقت خاصّ وتحقّق المصلحة ، وقوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) يفيد عموم قدرته على جميع الممكنات ، لأنّ لفظة «كلّ» من ألفاظ العموم موضوعة له خاصّة على الأظهر الأشهر ، فاستعماله في غيره مجاز ، وهو خير من الاشتراك ، وإن ذهب إليه بعض. والدليل على عموم قدرته تعالى أنّ الموجب للقدرة ذاته المقدّسة ، ونسبة الذات إلى كلّ الممكنات على السواء ، لمكان تجرّده ، فلو اختصّت قادريّته بالبعض دون البعض افتقر ذاته في كونه قادرا على البعض دون البعض إلى مخصّص ، وهو محال ، لمكان غناه عمّا سواه. قال في شرح الطوالع : والمصحّح للمقدوريّة هو الإمكان المشترك بين جميع الممكنات ، لأنّ ما عدا الإمكان منحصر في الوجوب والامتناع ، وهما يحيلان المقدوريّة. انتهى. وقد ظهر من ذلك فساد ما ذهب إليه جماعة من الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وصرّح بعضهم بأنّ الله تعالى خلق العقل الأوّل المعبّر عنه بالصادر الأوّل ، وقد كان واحدا بسيطا ، وقد صدر عنه العقل الثاني والفلك الأوّل وهكذا إلى العقل العاشر ، وهو خلق الفلك التاسع وهيولى العناصر. وصرّح بعض المنجّمين بأنّ مدبّر هذا العالم ؛ أي عالم العنصريّات وهو ما تحت فلك القمر هو الأفلاك والكواكب وأوضاعها ، لما يشاهد من أنّ تغيّرات أحوال هذا العالم ترتبط بتغيّرات أحوال الكواكب وأوضاعها ، فإن أرادوا أنّ ذلك لم يتحقّق في الخارج ولكنّه مقدور فلا نزاع ؛ إذ القدرة على الشيء لا تستلزم الوقوع الخارجيّ ، وإن أرادوا أنّه تعالى لا يقدر على إيجاد الكثير بلا واسطة وترتيب ، فيدفعه ما تقدّم من الأدلّة على عموم قدرته تعالى. اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ العقل يستحيل تحقّق ذلك ، فلا تتعلّق القدرة بالمحال ؛ نظير تعلّق القدرة بإيجاد شريك الباري تعالى ، فإنّه محال لعدم قابليّة المحال لهذا التعلّق ، فيرجع الكلام إلى أنّ هذا من المحال ، أو من الممكنات القابلة لتعلّق القدرة بها. وهذه مسألة أخرى ينبغي التأمّل فيها. فافهم.
المصدر: تفسير ست سور ص 308 309
310

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق