الجمعة، 2 مايو 2014

في إبطال حجية الكشف بما يستفاد من الآيات والأخبار ((السيد قاسم علي أحمدي ))

 في إبطال حجية الكشف
بما يستفاد من الآيات والأخبار
((حجة الاسلام و المسلمين السيد قاسم علي احمدي))



لا يخفى أنّ ترائي الشيطان في صور مختلفة هو نصّ الكتاب الكريم والأخبار الكثيرة الدّالة على ظهورهم وترائيهم لأولياء الضلال .
فمن الكتاب الكريم قوله سبحانه وتعالى : « هل أنبّئكم على من تنزّل الشياطين ، تنزّل على كلّ أفّاك أثيم ، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون » .
أي تنزّل الشياطين على كلّ كذّاب فاجر كثير الإثم .
قال الطبرسى: يلقون السمع معناه أنّ الشياطين يلقون ما يسمعونه إلى الكهنة والكذّابين ، ويخلطون به كثيراً من الأكاذيب ويوحونه إليهم .
وفي تفسير الصافي : أي الأفّاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنوناً وأمارات لنقصان علمهم ، فيضمون إليها ـ على حسب تخيّلاتهم ـ أشياءا لا يطابق أكثرها(تفسير الصافى 4 / 55).
وقوله سبحانه وتعالى : « وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ، ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون » (الأنعام : 112 ـ 113) .
وقوله عزّ وجلّ حكاية عن إبليس : « لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين»(الأعراف : 17) .
إلى غير ذلك من الآيات .
ولا يخفى أنّ رؤساء الصوفية هم أظهر مصاديق هذه الآيات ، ومن لاحظ كلمات ابن العربي ـ كدعواه رؤية النبى وتجلّي الحق فيه وإسرائه إلى السّماء وتلقّيه الأحكام من المعدن الّذي يأخذ منه الملك الّذي يوحى به إلى الرّسل ، وادّعائه أنّه خاتم الولاية ، واستهزائه بآيات اللّه‏ وتأويله لها على المعاني الباطلة ، وتصحيحه لعبادة مَن دون اللّه‏ من الأصنام والأوثان إلى غير ذلك من الأباطيل ـ عرف أنّه ونظراءه من أظهر مصاديق تلك الآيات .
وأمّا الاخبار ؛ فروي عن أميرالمؤمنين أنّه قال : « اتّخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا واتّخذهم له أشراكا فباض وفرّخ في صدورهم ودبّ ودرج في حجورهم فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم فركب بهم الزّلل وزيّن لهم الخطل فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه ..» .
وعن مولانا على بن الحسين عليهماالسلام قال: «..إلهي جعلت لي عدوّا يدخل قلبي ويحلّ محلّ‏الرّأي والفكرة منّي وأين الفرار إذا لم يكن منك عون عليه ..» .
أقول : لا شك في أنّ الأئمّة معصومون من السهو والخطأ والنسيان ومن جميع الرذائل والفواحش ومحفوظون من شرّ الشيطان ووسوسته من أوّل عمرهم إلى آخره ، فالمقصود من هذه العبارة غيرهم .
وروى الكشي عن سعد عن أحمد بن محمّد عن أبيه وابن يزيد والحسين بن سعيد جميعاً عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبدالحميد عن حفص بن عمرو النخعي قال : كنت جالساً عند أبي عبداللّه‏ فقال له رجل : جعلت فداك إنّ أبا منصور حدّثني أنّه رفع إلى ربّه وتمسّح على رأسه وقال له بالفارسية : يا پسر! (يعني يا ولد)
فقال له أبو عبد اللّه‏ : «حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏ عليه‏و‏آله وسلم قال : إنّ إبليس اتّخذ عرشاً فيما بين السماء والارض ، واتخذ زبانية كعدد الملائكة ، فاذا دعا رجلاً فأجابه ووطئ عقبه وتخطت إليه الأقدام ، ترائى له إبليس ورفع إليه ، وإنّ أبا منصور كان رسول إبليس ، لعن اللّه‏ أبا منصور ، لعن اللّه‏ أبا منصور» ثلاثاً .
أقول : أنظر إلى هذه الرواية الصحيحة حتّى تظهر لك حقيقة هذه المكاشفات وتعلم أنّهم ـ أي ابن عربي وأمثاله ـ عرجوا إلى الشيطان ومعراجه .. ومعه يحشرون .
وروى الكشي مسنداً عن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه‏ : «أخبرني عن حمزة ، أيزعم أنّ أبي آتيه» ؟ قلت : نعم . قال : «كذب واللّه‏ ما يأتيه إلاّ المتكوّن ، إنّ إبليس سلّط شيطاناً يقال له : المتكوّن ، يأتي النّاس في أيّ صورة شاء ، إن شاء في صورة صغيرة وإن شاء في صورة كبيرة ، ولا واللّه‏ ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي » .

 وروى الكشي بإسناده عن أبي عبد اللّه‏ قال : قال : « تراءى ـ واللّه‏ ـ إبليس لأبي الخطاب على سور المدينة أو المسجد فكانّي أنظر إليه وهو يقول له : إيها تظفر الآن ، إيها تظفر الآن . . » .
قال العلامة المجلسي : الظاهر أنّ إبليس إنّما قال له ذلك عند ما أتى العسكر لقتله ، فحرّضه على القتال ليكون أدعى لقتله ، فالمعنى : اسكت ولا تتكلم بكلمة توبة واستكانة ؛ فإنّك تظفر عليهم الآن . . ! ويحتمل الرضا والتصديق أيضاً .
وروى الكشي أيضا : عن محمّد بن قولويه عن سعد عن محمّد بن عثمان عن يونس عن عبد اللّه‏ بن سنان عن ابيه عن أبي جعفر أنه قال : « إنّ عبد اللّه‏ بن سبا كان يدّعي النبوّة ويزعم أنّ أمير المؤمنين هو اللّه‏ ـ تعالى عن ذلك ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله ، فأقرّ بذلك وقال : نعم أنت هو . . وقد كان ألقي في روعي أنّك أنت اللّه‏ وأنّي نبيّ .
فقال له أمير المؤمنين : «ويلك ! قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا، ثكلتك امّك وتب ..» فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام ، فلم يتب فأحرقه بالنّار وقال : «إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك » .
وروى الكشي قدس‏سره في رجاله مسنداً عن مولانا الصادق أنّه قال : «سمعت أبي يقول : إنّ شيطاناً يقال له : المذهب ، يأتي في كلّ صورة إلاّ أنّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبىّ ، ولا أحسبه إلاّ وقد ترائى لصاحبكم فاحذروه» .
وروى الكشي بسند صحيح عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إلىّ أبو الحسن العسكري ابتداءا منه : «لعن اللّه‏ القاسم اليقطيني ، ولعن اللّه‏ علىّ بن حسكة القمّي ، إنّ شيطاناً تراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً» .
وعن مولانا الإمام الباقر ـ في حديث طويل جاء فيه ـ : « إنّه ليس من يوم ولا ليلة إلاّ وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضّلالة ، ويزور أئمّة الهدى عددهم من الملائكة حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى وليّ الأمر ، خلق اللّه‏ ـ أو قال : ـ قيّض اللّه‏ عزّوجلّ من الشياطين بعددهم ، ثمّ زاروا وليّ الضلالة فأتوه بالإفك والكذب حتّى لعلّه يصبح فيقول : رأيت كذا وكذا . . فلو سأل ولىّ الأمر عن ذلك لقال : رأيت شيطاناً أخبرك بكذا وكذا . . حتى يفسّر لها تفسيرها ، ويعلّمه الضلالة الّتي هو عليها . . »
وروى الكشي قدس‏سره بإسناده عن يونس قال : سمعت رجلاً من الطيّارة يحدّث أبا الحسن الرضا عن يونس بن ظبيان أنّه قال : كنت في بعض اللّيالي وأنا في الطواف ، فإذا نداء من فوق رأسي : يا يونس ! إنّي أنا اللّه‏ لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري فرفعت رأسي فاذا ج .
فغضب أبو الحسن غضباً لم يملك نفسه ، ثمّ قال للرجل : «اخرج عنّي ، لعنك اللّه‏ ولعن اللّه‏ من حدّثك ، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة كلّ لعنة منها تبلغك إلى قعر جهنّم ، وأشهد ما ناداه إلاّ شيطان ، أما إنّ يونس مع أبي الخطاب في أشدّ العذاب مقرونان ..» .
وفي الاحتجاج عن الإمام الصادق أنّه قال : «إنّ الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه في ما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم عن أشياء تحدث وذلك من وجوه شتّى : فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح مع قذف في قلبه ؛ لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤدّيه إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف ، وأمّا أخبار السماء فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السّمع إذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وانّما منعت من استراق السّمع لئلاّ يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه‏ لإثبات الحجة ونفي الشبه ، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه‏ في خلقه فيختطفها ثمّ يهبطها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به فهو ما أدّاه إليه شيطانه لما سمعه وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السّمع انقطت الكهانة ، واليوم إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهانها أخباراً للناس بما يتحدثون به وما يحدّثونه والشياطين تؤدّي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق .. ومن قاتل قتل .. ومن غائب غاب .. وهم بمنزلة النّاس أيضاً صدوق وكذوب»
أقول: قال العلامة المحدث النوري:إنّ ما ينكشف للطوائف المذكورة ويخبرون به عن الغيب هو بعض الأمور الجزئية والحوادث اليومية مع التخلف في أغلب مواردها ، بل ومع انقطاع جملة منها بعد ولادة خاتم الأنبياء صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ثمّ ذكر رحمه‏الله هذا الحديث الشريف .
وعن ابن عبّاس أنه قال : لما فرغ علىّ من قتال أهل البصرة ، وضع قتباً على قتب ثمّ صعد عليه فخطب فحمد اللّه‏ وأثنى عليه ، فقال : «يا أهل البصرة، يا أهل المؤتفكة ! ..» إلى أن قال : ثمّ نزل يمشي ـ بعد فراغه من خطبته ـ فمشينا معه فمرّ بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: «يا حسن ، أسبغ الوضوء ! » فقال : يا أمير المؤمنين ! لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه‏ وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء ، فقال له أميرالمؤمنين : « فقد كان ما رأيت . . فما منعك أن تعين علينا عدوّنا ؟ » فقال : واللّه‏ لاُصدقنّك يا أمير المؤمنين ! لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلت وتحنّطت وصببت عليّ سلاحي ، وأنا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر ، فلمّا انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد : يا حسن ! إلى أين ؟ ارجع ، فإنّ القاتل والمقتول في النّار ، فرجعت ذعراً وجلست في بيتي ، فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشك أنّ التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ، فتحنّطت وصببتُ عليّ سلاحي وخرجت أريد القتال حتّى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفى : يا حسن ! إلى أين ؟ ارجع ، فإنّ القاتل والمقتول في النار ، فرجعت ذعراً وجلست في بيتي ، فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشك أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر ، فتحنّطت وصببت عليّ سلاحي وخرجت أريد القتال حتّى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي : يا حسن ! إلى أين مرة بعد أخرى ؟ فإنّ القاتل والمقتول في النار . . قال علىّ : «صدّقك ! أفتدري من ذلك المنادي ؟» قال : لا . قال : «ذاك أخوك إبليس ، وصدّقك أنّ القاتل والمقتول منهم في النار».
فقال الحسن البصري : ألآن عرفت يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكى .
أقول: يفهم من هذا الحديث أنّ الشياطين ربما ينادون أوليائهم ويخاطبونهم من غير أن يظهروا لهم .
ويدلّ على ذلك أيضاً ما في الصحيح عن أمير المؤمنين في قصّة أصحاب الرّس ـ بعد ما ذكر أنّه كانت لهم إثنتي عشرة قرية ، وفى كلّ منها صنوبرة يعبدونها ـ قال : «.. وقد جعلوا في كلّ شهر من السّنة في كلّ قرية عيداً يجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة الّتي بها كلّة من حرير فيها من أنواع الصّور ، ثمّ يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قرباناً للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذّبايح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النّظر إلى السماء خرّوا للشجرة سجّدا من دون اللّه‏ عزّوجلّ ، يبكون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجيء ويحرّك أغصانها ويصيح ـ من ساقها صياح الصّبي ـ : إنّى قد رضيت عنكم عبادي ، فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً ، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك .. إلى أن قال: حتّى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه أنواع الصّور ، وجعلوا له إثني عشر باباً كلّ باب لأهل قرية منهم ، فيسجدون للصّنوبرة خارجاً من السّرادق ويقرّبون لها الذبايح أصناف ما قرّبوا للشجرة الّتي في قراهم ، فيجيء إبليس عند ذلك فيحرّك الصّنوبرة تحريكاً شديداً ، ويتكلّم من جوفها كلاماً جهوريّاً ، ويعدهم ويمنّيهم بأكثر ممّا وعدتهم ومنّتهم الشياطين في تلك الشجرات الأخر للبقاء ، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط مالا يفيقون ولا يتكلّمون ..»
أقول : هذا الحديث الصحيح يوضح ويبيّن حال مشايخ الصوفيّة ومكاشفاتهم .
ثمّ إنّ تمثّل الشيطان بكلّ صورة وشكل ـ غير صورة الأنبياء والأوصياء ـ في اليقظة والمنام من الواضحات في أحاديثنا ، والكتاب العظيم أيضاً شاهد عليه .
وقد جاء إبليس في صورة سراقة بن مالك عند كفار مكة في غزوة بدر ، فقال لهم : إنّي جار لكم ، ادفعوا إلىّ رايتكم . . . فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : إنّي بريء منكم ، إنّي أرى ما لا ترون .
وقد تمثّل إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود لمرحب ـ في غزوة خيبر حين هرب ولم يقف ، خوفاً ممّا حذرته منه ظئره وذاك عند ما سمع من أمير المؤمنين على يرتجز ويقول : « أنا الّذي سمتني أمّي حيدرة » ـ فقال : إلى أين يا مرحب . . ؟
وفي قصة المرأة الأنصارية الّتي زنت مع الراعي . . . واعترض لها إبليس لعنه اللّه‏ فقال : أنت حامل ، قالت : ممّن ؟ قال : من الراعي . . فصاحت : وافضيحتاه ! فقال : لا تخافي ! إذا رجعت إلى الوفد قولي لهم : إنّي سمعت قراءة المقدسيّ فقربت منه ، فلمّا غلب عليّ النوم دنا مني وواقعني ولم أتمكّن من الدفاع عن نفسي بعد القراءة ..
وقد روي في ما حدث في السقيفة من قصّة أوّل من بايع الخليفة الأوّل ، عن سلمان رضى‏الله‏عنه أنّه قال : رأيت شيخاً كبيراً يتوكأعلى عصاه بين عينيه سجّادة شديد التشمير ، صعد المنبر أوّل من صعد وخرّ وهو يبكي ويقول : الحمد للّه‏ الّذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان ، ابسط يدك ، فبسط يده فبايعه ، ثمّ قال : يوم كيوم آدم ! ثمّ نزل فخرج من المسجد .
فقال على : «يا سلمان ! أتدري من هو» ؟
قلت : لا ؟ . . . قال× : «ذلك إبليس لعنه اللّه‏» .
وقد حكي عن رجل أنّ أباه كان يخبر بأخبار البلاد المتباعدة وما يقع بها ، ويرسل كتابات يصل من مثل الشّام إلى مكّة في أوقات يسيرة يعلم ذلك من تاريخها ، وكان النّاس يتعجّبون من ذلك ونحوه ، فلمّا توفّي الأب أخبر الولد أنّ بعد وفات أبيه جاء شخص بصورة عبد أسود طويل فقال له : أنا كنت خادما لأبيك في حياته ، فإن أردت أن أكون لك كما كنت لأبيك فعليك أن تقوم بشرط كان بيني وبينه ، وهو أنّي شرطت عليه أن يسجد لي دون اللّه‏ ! فقبل وفعل ، فامتنع الولد من ذلك فانصرف ولم يره بعده .
وقد نقل المحقق التنكابني عن عمّه الآخوند ملاّ عبدالمطلب حكاية الدرويش المعروف بطيّ الأرض ، وكان شرط تعليمه إنكار إمامة عليّ بن موسى الرضا× ، وترك الصلوة .
ثمّ ذكر حديثاً من كتاب زينة المجالس في قصة الإمام مع المرتاض الهندي وكيفية إسلامه، فراجع إن شئت.
أقول : إنّ التأمّل في ما ورد عن الأئمة المعصومين في التوحيد وشؤونه وما يتعلق به من معرفته سبحانه وصفاته و . . تغنينا عن مقالة المنحرفين وسفسطة المتشدّقين بعناوين أمثال : الحكيم الإلهي ، والحكماء المتألّهون ، والعرفاء الشامخون ، وأهل اللّه‏ وأمثال ذلك ؛ إذ هذا النوع من التبجيل والتكريم لا يختصّ بهؤلاء ، بل ذلك دعوى كلّ مبطل ، إذ إنّ كلّ منحرف يهتمّ بأمثال هذه العناوين كيما يروّج باطله ، ولا يسعه أن يسقي سمّه إلاّ وأن يخلطه بعسل الولاية وكلمات المعصومين كي ينطلي ذلك على البسطاء وأبناء الحقيقة ، فإنّك بعد ما سمعت من الأحاديث عن الّذين زكّاهم اللّه‏ واصطفاهم وجعلهم ولاة أمره والمستودعين لسرّه ومعادن علمه وحكمته : « إنّ إبليس اتّخذ عرشاً فيما بين السماء والأرض واتّخذ زبانية كعدد الملائكة » و « يرفع إليه بعض أوليائه » و« يأتي الرجل في كلّ صورة شاء إلاّ ما استثني » و« يأتيه ويلقي في روعه : انّك أنت اللّه‏ » و« يوحي إليه ويأتيه زخرف القول والإفك » و« قد ينادي أولياءه وأتباعه ويخاطبهم من غير أن يظهر لهم : إنّي أنا اللّه‏ لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري » و« قد ينادي بأمر باطل آخر ، ويؤدّي إليهم ما يحدث من الحوادث والوقايع » و« قد كانت الشياطين تدخل أجواف بعض الأشياء ، وتخبر أهلها من كلّ ما يسألون » وهو أعظم ممّا يدّعيه هؤلاء الصوفية ، فلا أظنّ أنّك تشكّ في بطلان هذه المكاشفات من ابن عربي وغيره من الّذين ادّعوا أنّ الأشياء جميعاً مجالي الحق ومظاهره ، بل هي عين الحق وأنّ عبدة الأوثان والأصنام وكذلك العابدون للشمس والقمر والكواكب والشجر والحجر والنار والعجل كلّهم جميعاً عابدون للّه‏ تعالى .
والحاصل أنّه قد ظهر مما ذكرناه في هذا المقام : أنّ المؤسّس لهذا المسلك ـ أي وحدة الوجود والموجود ـ هو إبليس ، حيث أوحى بذلك إلى أوليائه فأطاعوه ، واتّخذه لهم ديناً ، وجعلوا أنفسهم للشيطان قريناً فساء قريناً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق