(التوحيد والتحريف)
ثم إن كلمة التوحيد عندهم هو:
الإقرار بوجود خالق متعال عن المقدار والعدد والجزء والكل والاتصاف بالتناهي وعدم التناهي، وعن وجود الخلق بأسره، هو المنشيء للأشياء لا من شيء، والخالق الباريء لما سواه لا عن وجود؛
هذا، وقد أصبح هذا المعنى عند البعض من المتأخرين محرفا عن حقيقته إلى معنى آخر، فالتوحيد عند هؤلاء هو أن:
حقيقة الوجود ـ وهو عندهم نفس ذات المعبود جل عن وصف الواصفين وأوهام المتوهمين ـ حقيقة محضة صرفة لا متناهية، هي المتجلي بالصور المتخالفة، والمتعيّن بأعيان الأشياء المتبائنة أزلا وأبدا، وحيث إن لهذه الحقيقة الشدة والسعة الوجودية غير المتناهية ـ بل فوق ما لا يتناهى [!]بما لا يتناهى [!!] ـ فلا مجال لفرض وجود غيره مطلقا. هو كل الأشياء وكل الأشياء هو، وليس في الدار غيره ديار.[1]
هم المبتهجون بتحقيق هذا المعنى أشد الابتهاج، ويعدون ذلك من أعلى وأغلى ما وصلت إليه يد التحقيق والتفكر والتعمق في معرفة الذات الإلهية.[2]
ونحن نروم بالاختصار إلى بيان معنى حقيقة التوحيد على أساس البرهان ونصوص الوحي والقرآن أولا، ثم نكشف الستر عن بطلان ما عليه أصحاب الفلسفة والعرفان في ذلك ثانيا.
هو تعالى واحد، ما معناه؟ وما هو البرهان عليه؟!
للواحد معنيان: معنى اعتباري ـ وليس من العدد إلا ذاك ـ ومعنى حقيقي؛
أما المعنى الاعتباري فهو أن تعتبر مقدارا معينا من الشيء واحدا، فتعدّ ذلك الشيء بإعتبار الواحد المفروض، فتعتبر مثلاً الإنسان واحدا ـ وهو في الحقيقة أجزاء متكثرة ـ فتعدّ أفراد قوم باعتبار آحادهم.
ولك أن تفرض القوم شيئاًًً واحدا ـ وهو كثير في الحقيقة ـ فتعدّ بإعتباره الأقوام، ولك أن تعتبر كل جزء من الأجزاء المختلفة في وجود الإنسان واحدا فتعدّ باعتباره يدا ورجلاً وبطنا ورأسا وفما و...
وتعتبر كل جزء مما يتركب منه كل عضو واحدا، فتعدّ كل عضو من أعضاء الإنسان باعتبار الواحد المفروض لحما وعظما ودما و...
من الظاهر أنه لا شيء تتصوره ثم تعتبره واحدا، إلا وهو قابل لزيادة مثله عليه، وبذلك يدخل في باب الأعداد، كما أنه لا شيء تتصوره وتعتبره واحدا إلا وهو قابل للانقسام والدخول في باب الأعداد، ولذلك نقول: ما من شيء يتصور إلا كان مقداريا عدديا قابلا للزيادة والنقصان.
وأما الواحد الحقيقي، فهو ما يكون بخلاف الذات المقدارية المتجزية، فلا جزء ولا مقدار لها حتى تقسمها أو تعتبر بعضها واحدا ويدخل باعتبار ذلك البعض في باب الأعداد، فالتعديد فرع المقدار وقابلية المعدود للزيادة والنقصان، وأما ما يكون بخلاف المقدار فلا يتعدد بذاته، وذلك لانتفاء قابلية التعديد والتحديد في موضوعه، فلا شبيه له ولا نظير، ولا شريك له ولا عديل، ولا جزء له ولا كل ثبوتا.
فهو الواحد الأحد الفرد المتفرد بوحدانيته، المتعالي عن الأشباه والأنداد والنظائر، وهو المسمى بالواحد الحقيقي المعبر عنه بالصمد، أي ما لا جوف له، أي لا داخل له ولا مدخل ولا جزء ولا بعض:
الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم:
اللّه واحد وأحدي المعنى والانسان واحد ثنوي المعنى، جسم، وعرض، وبدن وروح.[3]
الإمام الرضا عليه السلام:
يوحد ولا يبعض.[4]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
كل مسمى بالوحدة غيره قليل.[5]
وذلك لأن المقدار والعدد قابل للزيادة دائما، وأما الخالق جل وعلا فلا تنسب إليه القلة والكثرة والمحدودية وغير المحدودية لأن كل ذلك فرع المقدار والعدد:
الإمام الباقر عليه السلام:
الأحد الفرد المتفرد، والأحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرد الذي لا نظير له، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد؛ والواحد: المتبائن الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد، لأن العدد لا يقع على الواحد بل على الاثنين، فمعنى قوله: اللّه أحد، أي: المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه.[6]
... قال [الزنديق] فكيف هو اللّه الواحد؟
قال [الإمام الصادق عليه السلام ]: واحد في ذاته فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزي وهو تبارك وتعالى واحد لا متجزي ولا يقع عليه العد.[7]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
واحد لا من عدد.[8]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
أحد لا بتأويل عدد.[9]
فلا مصداق للواحد الحقيقي إلا الذات المتعالية،[10] وكل شيء غيره تعالى فهو متجزيء، كثير متعدد في ذاته:
الإمام السجاد عليه السلام:
لك يا إلهي وحدانية العدد.[11]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
لا يشمل بحد ولا يحسب بعدّ.[12]
الإمام الرضا عليه السلام:
واللّه جل جلاله واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان.[13]
وحدة الخالق تعالى ذاتية له،كما أن الكثرة لما سواه تكون ذاتية كما أن التعدد للموجود المخالف للمقدار يكون مستحيلاً ثبوتا وبالذات، فكذلك يكون فرض الوحدة للذات المقداري والعددي محالاً ثبوتا.
وهذا هو سرّ ضعف كل دليل أقيم على إثبات وحدة الخالق في الفلسفة والفكرة البشرية، ومن هناك أيضا اضطر كثير من الباحثين إلى الإقرار بغموض الأدلة العقلية التي أقيمت على إثبات توحيد الباري، فإنه ليس ذلك إلا من حيث أنهم يرومون إثبات ما لا يمكن ثبوتا وبالذات، ولكنك ترى بالتفرقة بين الواحد الاعتباري المقداري والواحد الحقيقي المتعالي عن المقدار، أن الطريق إلى إثبات توحيده تعالى يصبح سهلاً واضحا بل أسهل كل شيء.
وإن تعجب فاعجب منهم حيث يجعلون مسألة إثبات وحدة الخالق وردّ الشبهة الموهونة المعروفة لابن كمونة، من الصعوبة بدرجة يقولون: إنه لو ظهر مولانا صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، لا نطلب منه معجزة سوى حل هذه المعضلة!!
وأعجب من ذلك وأغرب، هو حل تلك الشبهة على مبان أوهن من أصل الشبهة ـ كالقول بصرافة الوجود وأصالته، وادعاء الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة، ونفي وجود الغير مطلقا، وكون بسيط الحقيقة كل الأشياء، وأمثال ذلك ـ مما يكون صريحا في الالتزام بالتركب والتعدد الحقيقي لذات المعبود، وتحريف معنى وحدة الخالق تعالى من الوحدة الحقيقية إلى الوحدة الاعتبارية.
توضيح ذلك: إن مما استدل به أصحاب الفلسفة لإثبات وحدة واجبهم هو قولهم:
لو كان هناك واجب وجود آخر لتشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود، فلا بد من تميز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك الأمر المشترك. وذلك يستلزم تركب كل منهما من شيئين: أحدهما يرجع إلى ما به الاشتراك، والآخر إلى ما به الامتياز، وقد عرفت أن واجب الوجود بالذات بسيط ليس مركبا لا من الأجزاء العقلية ولا الخارجية.[14]
ويقال في هذا المعنى أيضا:
لو تعدد الواجب بالذات، كأن يفرض واجبان بالذات وكان وجوب الوجود مشتركا بينهما وكان تميزهما بأمر وراء المعنى المشترك بينهما فإن كان داخلا فيالذات لزم التركب وهو ينافي الوجوب...[15]
بطلان هذا الإستدلال واضح وذلك أن:
ألف.إن وجوب الوجود، من المعقولات الثانية الفلسفية عندهم، فلا حقيقة له في الخارج في عرض حقيقة الشيء الذي حكم بوجوبه حتى يلزم التركب المفروض من وجوب الوجود وشيء آخر. قال العلامة الحلي "قدس سره":
وهذا إنما يتمشي بعد إثبات كون الوجوب ثبوتيا.[16]
كما أن الفاضل المقداد "قدس سره" أيضا يقول:
إن مفهوم واجب الوجود شيء ما له وجوب الوجود، والوجوب أمر عدمي، وما جزؤه عدمي فهو عدمي، فلا يوجب الاشتراك فيه التركيب، ولإن سلمنا أن الوجوب ثبوتي، لكن الشيئية والوجوب من المعقولات الثانية (والمعقولات الثانية لا توجد إلاّ في العقل). اللاحقة للمعقولات الأولى، والاشتراك فيهما لا يوجب الاشتراك في الذوات. كما أنه لا يلزم من اشتراك ممكنين في حمل هذا المعنى عليهما تركيبهما من هذا المفهوم ومن فصل آخر.[17]
ولايخفي علي أحد أنهم بأنفسهم يقولون بالوجودات المتعددة المجردة، فهل يصح عندهم الإشکال بأن المجردات المتعددة مرکبة من جهة مشترکة هي التجرد و جهة مختصة هي ما به التمايز؟!
ب. لا دليل لأهل الفلسفة والعرفان على امتناع تركيب واجبهم، بل هذا الادعاء منهم أمر غريب وهم يحرفون معنى التركيب عن معناه الحقيقي إلى معنى التركيب من الوجود والعدم!! ويلتزمون بكون واجبهم عين الأشياء الخارجية المركبة المتجزية مصداقا!!
ثم إنه ينسب إلى إبن كمونه أنه قال:
لم لا يجوز أن يكون هناك ماهيتان بسيطتان مجهولتا الكنه، متبائنتان بتمام الذات.[18]
وجاء في نهاية الحكمة ردا على ما قاله "ابن كمونة":
وأجيب عن الشبهة بأنها مبنية على انتزاع مفهوم واحد عن مصاديق كثيرة متبائنة بما هي كثيرة متبائنة وهو محال.[19]
ولكن بطلان هذا الجواب واضح، لأنه:
ألف. هذا الجواب أجنبي عن الشبهة، لأنه يدل على استحالة انتزاع مفهوم واحد عن حقائق متبائنة بما أنها متبائنة، ولكن الشبهة تبتني على الحكم على حقائق متبائنة بما هي مشتركة في أمر واحد ـ وهو أصل التحقق والوجود الذي ينكر صاحب الشبهة أصالته الفلسفيةـ، لا بما هي متبائنة فلا يلزم محال أصلا؛ بل كيف، وجوابهم هذا هو بعينه حكم واحد ـ وهو امتناع انتزاع مفهوم واحد ـ على مصاديق كثيرة متبائنة، فكيف يكون أمرا ممتنعا؟!.
ب.لا دليل على كون مفهوم الوجود أمرا انتزاعيا عن مصاديقه، بل كيف يمكن التفوه بذلك في شأن الخالق الذي لا يدخل تحت التصور والوصول مطلقا حتى يمكن انتزاع مفهوم عنه تعالى؟!
[20]والصحيح في الجواب هو أن يقال: إن فرض التعدد لشيء يناقض فرض بساطته بالذات، لأن فرض التعدد لشيء متفرع على كونه مقداريا عدديا قابلا للتعدد وهو خلاف فرض كونه بسيطا، فالشبهة ساقطة من أصلها.
ثم هذا الإستدلال لإثبات توحيد الخالق جل وعلا، والشبهة فيه، والجواب عن الشبهة، كل ذلك أجنبي عن حقيقة معنى توحيد الرب تبارك وتعالى كماترى،لأن مبنى الكلام في كل ذلك على كون الخالق المتعال قابلا للتعدد والتكثر وهو خروج عن الموضوع اللائق بالخالقية والربوبية.
والحق في الجواب هو التذكير بأن الخالق جل وعلا يتعالى بنفس ذاته القدوس، عن المقدار والعدد والزيادة والنقصان وساير صفات الأشياء ذو المقدار والعدد القابلة للزيادة والنقصان والتعدد والتكثر:
الإمام الرضا عليه السلام:
... ليس في محال القول حجة... ولا في إبانته عن الخلق ضيم إلا بامتناع الأزلي أن يثنى... [21]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
... وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما في غيره.[22]
الإمام الرضا عليه السلام:
الحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم، ولإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع.[23]
و على ما بيناه تعلم أن وجود الشريك للّه تعالى محال ثبوتي، فلا نحتاج لنفيه إلى إقامة الدليل، فإن تعدد الآلهة فرع إمكان التعدد، وإمكان التعدد فرع المقدار، والمقدارية آية المخلوقية ولا تليق بالإله الخالق المعبود المتعال.
فما لم تفرض الذات بخلاف المقدار وغير قابلة للتعدد بالذات فلا تليق بأن تكون إلها، ولو فرضت بخلاف المقدار فهي غير قابلة للتعدد بنفسها لا بدليل آخر.
فمن يفرض للخالق جل وعلا ثانيا، ويطلب الدليل لنفي ذلك الثاني بعد إمكان فرض وجوده، فقد أخرجه عما يليق به من معنى الألوهية وجعله مخلوقا أولا، ثم يفحص عن وجود الدليل لجعل المخلوق خالقا!! ولإثبات كون الكثير واحدا!! والحال هذه، فإن أثبت من هذا الموجود القابل للتعدد بالذات ألوفا لم يضرنا ذلك في دعوانا من وحدة الباري، وإن نفى وجود كلها ـ أو أثبت وحدتها على الفرض المحال ـ لم ينفعنا ذلك شيئا أيضا من إثبات الخالق الواحد المتعال، لأنه خارج عن الفرض، وكلامه حينئذ في وحدة المخلوق لا الخالق!! وقد قلنا كما أن تعدد الخالق محال ذاتا، فكذلك وحدة المخلوق محال أيضا ذاتا وثبوتا. فأنّى يتيسر لهم إثبات ما هم بصدده؟! فإن كل ثان دليل على أنه نفسه وما تقدم عليه كلاهما مخلوقان متجزيان فلا يمكن فرض الوحدة لهما فضلاً عن إثباتها لهما!!
إن التوحيد ليس بمعنى "كون الخالق تعالى واحدا أم أكثر"،فإن هذه الوحدة والكثرة ملكتا المقادير المخلوقة، بل يكون التوحيد بمعنى كونه تعالى بخلاف كل الأشياء والمقادير والتوهمات والتصورات،وكونه بلا شبيه ولا نظير ثبوتا وبالذات، فالتوحيد هو ما يقابل العدد، وليس معناه ما يقابل الثاني والثالث.
وعليك بالتأمل في كلام أمير الكلام عليه صلوات اللّه الملك العلام حتى ترى كيف أخرج عليه السلام معنى توحيد الباري جل وعلا عما يكون عدديا وجعله في معنى مقابل للمقدار والعدد:
إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول: إن اللّه واحد؟ قال: فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابى أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابى، إن القول في أن اللّه واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: "واحد" يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال: إنه ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز، لأنه تشبيه وجل ربنا وتعالى عن ذلك، وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا. وقول القائل: إنه عزّ وجلّ أحدي المعنى، يعني به: أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربنا عزّ وجلّ.[24]
التوحيد هو المدعى وهو الدليل
بما أن نفس حقيقة وجود الخالق جل وعلا تستلزم وحدته، فالدليل هو نفس المدعى:
قال اللّه تعالى:
«شهد اللّه أنه لا إله إلا هو».[25]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
اسم اللّه الأعظم وعماد التوحيد للّه: لا إله إلا هو. ثم قرء:
«شهد اللّه أنه لا إله إلا هو».[26]
فكلمة "لا إله إلا اللّه" لا يحتاج إلى إثبات، بل هي المدعى وهي الدليل:
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
معرفته توحيده... وتوحيده تمييزه من خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة [فإن العزلة ليست إلا ملكة للمقادير أيضا] ما تصور فهو بخلافه.[27]
الإمام الرضا عليه السلام:
أول عبادة اللّه معرفته، وأصل معرفة اللّه توحيده، ونظام توحيد اللّه نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل موصوف أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الإقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس اللّه عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نّهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عنى من شبهه ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه... [28]
الإمام الصادق عليه السلام:
جل عن الأشباه والأضداد وتكبر عن الشركاء والأنداد.[29]
الإمام العسكري عليه السلام:
اللّه واحد أحد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد... جل ثناؤه وتقدست أسمائه أن يكون له شبه، هو لا غيره، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.[30]
إن كون ما سوى اللّه تعالى مقداريا قابلاً للوجود والعدم، هو وجه تعليل التوحيد:
ولا تدع مع اللّه إلها آخر لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.[31]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
وعلا عن اتخاذ الأبناء، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء، وعزّ وجلّ عن مشاركة الشركاء فليس له في ما خلق ضد، ولا في ما ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد.[32]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
وارتفع عن مشاركة الأنداد، وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد.[33]
الإمام سيد الشهداء عليه السلام:
فذلك اللّه لا سمي له تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.[34]
وحدته تعالى يختص به، ولا يجري على خلقه إلا دون المعنى الجاري عليه تعالى:
الإمام الباقر عليه السلام:
إن اللّه عزّ وجلّ ـ تبارك أسماؤه وتعالى في علو كنهه ـ أحد، توحّد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو أحد صمد ملك قدوس، يعبده كل شيء ويصمد إليه، وفوق الذي عسينا أن نبلغ، ربنا وسع كل شيء علما.[35]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
وخص نفسه بالوحدانية.[36]
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
التوحيد ظاهره في باطنه، وباطنه في ظاهره، ظاهره موصوف لا يرى وباطنه موجود لا يخفى، يطلب بكل مكان، ولم يخل منه مكان طرفة عين، حاضر غير محدود، وغائب غير مفقود.[37]
إن ما يكون قابلاً للتجزية والتوليد بالذات ـ وهو المعبر عنه بالإناث، ـ فلا يوحد بالذات:
قال اللّه تعالى:
«إن يدعون من دونه إلا إناثا».[38]
كما أن ما يكون بخلاف ذلك ويتعالى عنه ـ وهو المعبر عنه بالصمد ـ لا يتعدد بالذات:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، قل هو اللّه أحد، اللّه الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد».[39]
إن نفس فرض وجود اللّه تعالى بحيث يجوز أن يكون خالقا مبدعا يستلزم كونه واحدا أحدا، لأن ملاك الوحدة والخالقية واحد وهو كون الشيء متعاليا عن المقدار، قال اللّه تعالى:
«بديع السموات والأرض، أنى يكون له ولد ولم يكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، ذلكم اللّه ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فأعبدوه».[40]
الهوامش:
[1]. يقول ابن العربى: وما في الكون أحدية إلا أحدية المجموع: كتاب المعرفة، 36
[2]. الإمام السجّاد عليه السلام: لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنّه لا يدركه، فشكر معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكرا كما جعل علم العالمين أنّهم لا يدركونه إيمانا. (بحار الأنوار، 78/142)
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد للّه الّذي أعجز الأوهام أن تنال إلاّ وجوده. (بحار الأنوار، 4/221).
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلاّ بالعجز عن معرفتك. (بحار الأنوار، 94/150).
الإمام الصادق عليه السلام: من نظر في اللّه كيف هو، هلك. (كافى، 1/93؛ بحار الأنوار، 3/259).
الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام: كمال معرفته التصديق به. (نهج البلاغه، الخطبة،1).
[3] . بحار الأنوار، 3 / 304
[4] . بحار الأنوار، 3 / 293
[5] . بحار الأنوار، 4 / 309
[6] . بحار الأنوار، 3 / 222 ـ 223
[7] . بحار الأنوار، 4 / 67
[8] . بحار الأنوار، 4 /222
[9] . بحار الأنوار، 4 / 229؛ نهج البلاغة، الخطبة، 152
[10] إن المعرفة البشرية تبتني على أن تنسب إلى اللّه تعالى أشرف طرفي النقيض مما تتوهمه وتتصوره، وحيث إنها تزعم أن الموجود لا بد وأن ينقسم إلى المتناهي وغير المتناهي ويكون غير المتناهي أشرف من المتناهي فاللّه تبارك وتعالى هو الموجود اللامتناهي بل أشد و أعلى من اللامتناهي بمراتب لا متناهية!!
وهذه الفكرة هي أصل الخطأ ومنشأ الضلالة عن المعرفة الحقة حيث إن تقسيم الموجود إلى المتناهي و غير المتناهي تقسيم موهوم خاطيء جداً و ذلك أن:
ألف ) الموجود ينقسم إلى:
1. الموجود ذو المقدار و الأجزاء القابل للانقسام و الزيادة والنقصان (المخلوق).
2. الموجود المتعالي عن المقدار والعدد والتجزي (الخالق) فالتناهي وعدم التناهي من صفات الشيء ذى المقدار القابل للزيادة والنقصان وهما له كالملكة و العدم فيختصان به، وأما الخالق المتعالي عن كونه ذا مقدار وأجزاء و المنزه عن قابلية التصور بالزيادة و النقصان فلا يتصف بالتناهي و عدم التناهي ثبوتاً، ويكون خارجا عن طرفي التقسيم بذينك موضوعاً.
ب ) كل ما احتمل الزيادة و النقصان و كان مقداريا (المخلوق) فهو محدود دائما وصيرورته غير متناه يكون خلاف ذاته. فالاعتقاد بوجود اللامتناهي موهوم جدا وهو باطل ثبوتا وموضوعا كما حققناه في محله مفصلا.
ج. إذا كان الشيء غير متناه، فكيف يوجد شيء أعلى منه وأشد، فضلا عن أن تكون تلك الشدة أيضا بمراتب لا متناهية؟!
[11] . الصحيفة السجادية، الدعاء 28
[12] . بحار الأنوار، 4 / 254
[13] . بحار الأنوار، 4 / 173
[14] . السبحاني، جعفر: تلخيص الإلهيات، تلخيص علي الرباني الگلپايگاني، 50. جاء في نهاية الحكمة أيضا:وهذه الشبهة كما تجري على القول بأصالة الماهية المنسوب إلى الإشراقيين، تجري على القول بأصالة الوجود وكون الوجودات حقايق بسيطة بتمام الذات المنسوب إلى المشائين.والحجة مبنية على أصالة الوجود وكونه حقيقة واحدة مشككة ذات مراتب مختلفة. نقول: إن كانت الحجة مبنية على أصالة الوجود وكونه مشككا فهو مصادرة واضح البطلان؟! مضافا إلى أن تقرير الحجة بما ذكره هناك لا يوافق القول بأصالة الوجود كما هو واضح لمن راجع
[15] . الطباطبائي، محمد حسين: نهاية الحكمة، 278
[16] . العلامة الحلي "قدس سره": أنوار الملكوت، 95
[17] . الفاضل المقداد "قدس سره": إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، 250
[18] . الطباطبائي، محمد حسين: نهاية الحكمة، 2
[19] . الطباطبائي، محمد حسين: نهاية الحكمة، 278
[20] قيل: إن الاستدلال موقوف على جواز وقوع الذات الأحدية مصداقا لمفهوم ولو انتزاعي، وقد ذهب جماعة ـ ومنهم القائلون بالوحدة المزبورة ـ بأن مرتبة من الوجود لا اسم له ولا رسم، بل صرح بعضهم بأنه لا يخبر عنه. وعلى مذاقهم فهذا الاستدلال ساقط من أصله. عن التنزيه23+
[21] . عيون أخبار الرضا عليه السلام، 1/ 126
[22] . بحار الأنوار، 4/ 254
[23] . التوحيد، 56
[24] . بحار الأنوار، 3 / 206 ـ 207
[25] . آل عمران، 19
[26] . بحار الأنوار، 3 / 222
[27] . بحار الأنوار، 4 / 253
[28] . بحار الأنوار، 4/ 228، عن التوحيد والعيون
[29] . بحار الأنوار، 3 / 196
[30] . الكافي، 1 / 103
[31] . قصص، 88
[32] . بحار الأنوار، 4 / 270
[33] . بحار الأنوار، 4 / 319
[34] . بحار الأنوار، 4 / 301
[35] . بحار الأنوار، 3 / 228
[36] . بحار الأنوار، 4 / 270
[37] . بحار الأنوار، 4 / 264
[38] . النساء، 117
[39] . الإخلاص
[40] . الأنعام، 102 ـ 103
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق