الأحد، 27 يوليو 2014

في حقيقة الكشف والرد على الصوفية (السيد حسين البروجردي)


و جملة الكلام في المقام،أنّ المكاشفات الصورية الصادقة المطابقة مما يشترك‌ فيها المؤمن و الكافر و المنافق،و كذا غيرها من أنواع الكرامات كطّي الأرض،و الخفاء عن الأبصار،و تسخير الحيوانات الوحشية و الموذية و إحضار الطعام‌ والفواكه في غير أوانها،و استجابة الدعوات،و الأخبار عن المغيبات و استنطاق‌الجمادات،وعدم التأثر بشي‌ء من الآلات القاتلة،كالسموم و السيف و النار،و غيرذلك مما ربما يحصل لأصحاب الرياضات،و التسخيرات و الطلسمات،و العزائم،بل‌قد يحصل كثير منها بتصفية الباطن،و مخالفة النفس،و تسخير القلب،و تقويته،و غير ذلك مما يقع عن غير المتعبّدين بالنواميس الشرعية،و لذا قيل:إنّه لا تدلّ‌الكرامات على المقامات،و إن توهّمه آخرون كما حكي عنهم فيما قيل شعرا:
بعض الرجال يرى كون الكرامات دليل حقّ على نيل المقامات وإنها عين بشرى قد أتتك بهارسل المهيمن من فوق السمواتو عندنا فيه تفصيل إذا علمتبه الجماعة لم تفرح بآياتكيف السرور و الاستدراج يصحبهافي حقّ قوم ذوي جهل و آفاتو ليس يدرون حقا أنّهم جهلواو ذا إذا كان من أقوى الجهالاتو ما الكرامة إلاّ عصمة وجدتفي حال قوم و أفعال و نيّاتتلك الكرامة لا تبغي لها بدلا واحذر من المكر في طيّ الكرامات‌فخرق العادات المسمّى عندهم مع عدم التحدّي بالكرامات يقع كثيراعلى‌وجه الإمهال و الاستدراج،و تعجيل المثوبة،و التشبّت بذوات الخواصّ و العزائم،و التسخيرات،و غير ذلك من التمويهات الواقعة بين العلويّة و السفليّة،مع أنّ كثيرامن أنواع خرق العادات يشارك فيها الإنسان غيره فان الجن و الشياطين قادرون‌على الاطلاع بالضماير و على الخفاء عن الأبصار و على التمثّل في صور كثيرة،و على‌طيّ الأرض و على دخول الدار من الجدار و على التصرف و الوسوسة في الصدور،بل الطيور و كثير من الحيوانات يتمكّن من كثير من الخوارق بالنسبة إلى الإنسان‌و إن لم تكن خارقة بالنسبة إليها.
بل في«الفتوحات»،أنه سئل أبو يزيد من طيّ الأرض فقال ليس بشي‌ءفإنّ إبليس يقطع من المشرق إلى المغرب في اللحظة الواحدة،و ما هو عند اللّه بمكان.
و سئل عن اختراق الهواء فقال:إن الطير يخترق الهواء و المؤمن عند اللّه‌أفضل من الطير،فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر،و هكذا في غيره،ثم‌قال:إلهي إنّ قوما طلبوك لما ذكروه فشغلتهم به و أهّلتهم له اللّهم مهما أهّلتني لشي‌ءفأهّلني لشي‌ء من أشيائك يقول من أسرارك،فما طلب إلاّ العلم.
ثم هذا كلّه في المكاشفات الصادقة،و الكرامات الواقعة الحقّة،و أمّا المكائد والخدع،و التمويهات و الحيل،و الأخذ على العيون،و غير ذلك مما لا أصل له فلاينبغي التكلّم فيه رأسا.
و أمّا المكاشفات المعنوية،و الإشراقات العلمية،و التجلّيات الحقيقية فهي و ان‌ادّعاها كثير من الناس إلاّ أنّ أكثرهم عن السمع لمعزولون،ألم تر أنّهم في كل واديهيمون،و أنّهم يقولون ما لا يعلمون.و كلّ يدّعي وصلا بليلىو ليلى لا تقرّ لهم بذاكاإذا انبجست خدود من دموعتبيّن من بكى ممن تباكاو حيث إنّ كلا يدّعي لنفسه الإصابة مع الانحرافات العجيبة،والاعوجاجات‌ الغريبة الواقعة منهم فلا بدّ من ميزان يتميز به الحقّ من الباطل و الثابت من الزائل.
اعلم أنّ قلب الإنسان متجاذب بين الملك و الشيطان،و المطاردة بين‌جنودهما قائمة في معركة القلب ما لم يحصل الفتح الكلّي لأحدهما،و ذلك أنّ اللّه‌سبحانه ركّب في الأناس قوى متضادّة و أرواحا متخالفة كالقوى النباتية والحيوانية،و البهيمية،و السبعية،و الشيطانية و الملكية القدسية،و الكليّة الالهية،وهو في أصل‌الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة و الشياطين بالعلم و العلم،و تركهما على ما فصّل في‌غير هذا الموضع،فالخواطر الواردة على القلب يمكن أن تكون من الرحمن،و من‌الشيطان.
كماورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ في القلب لمتّان لمّة من الملك‌إيعاد بالخير و تصديق بالحق،و لمّة من العدوّ إيعاد بالشر و تكذيب للحق و نهي عن‌الخير فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من اللّه،و من وجد الآخر فليتعوّذ باللّه من الشيطان‌الرجيم،ثم قرء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اَلشَّيْطٰانُ يَعِدُكُمُ اَلْفَقْرَ،وَ يَأْمُرُكُمْ‌بِالْفَحْشٰاءِ وَ اَللّٰهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاًو بوجه آخر القلب دائم الانقلاب و التقلّب بين الكينونة المستقيمة الفطريةالطبيعية الّتي هي على هيكل التوحيد فيترسّخ فيه حينئذ الحقائق و يترشّح عنه الى‌ساير الأدوات و الأعضاء الأعمال الصالحة،و الخيرات و الأقوال الحسنة و غيره،و بين الكينونة المعوّجة المنحرفة التطبعية التي هي على هيكل النفاق و الشرك،فيترشّح منه إلى الأدوات الأعمال القبيحة و النفاق و الكذب،و غيرها،فإنّ القلب‌خزانة لأعمال الخوارج.
و لذا قال عيسى بن مريم على نبينا و آله و عليه السّلام:إن اللّسان يتكلّم‌بزوائد القلب و لعلّ‌ في قول مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام،:«لكن يرشح عليك‌ما يطفح منّى» إشارة اليه مع أنّ له وجوها اخرى.
و في«المجلي»لابن جمهور الاحسائي:روي أنّ داود ناجى ربه فقال:إلهي لكل‌ملك خزانة فأين خزانتك؟فقال جلّ جلاله:لي خزانة أعظم من العرش،و أوسع‌من الكرسي،و أطيب من الجنّة،و أزين من الملكوت،أرضها المعرفة،و سمائهاالإيمان و شمسها الشوق،و قمرها المحبّة،و نجومها الخواطر،و سحابها العقل،و مطرهاالرحمة،و شجرها الطاعة،و ثمرها الحكمة و لها أربعة أركان:التوكل،و التفكر،و الأنس،و الذكر،و لها أربعة أبواب:العلم،و الحكمة،و الصبر،و الرضا،ألا و هي‌القلب‌
قال:و روي عن وهب بن المنبّه‌،أنّه قال:إنّ اللّه تعالى قال لموسى عليه‌السّلام:يا موسى جرّد قلبك لحبّي،فإنّي جعلت قلبك ميدان حبّي و بسطت في قلبك‌أرضا من معرفتي،و بنيت في قلبك بيتا من الإيمان،و أجريت في قلبك شمسا من‌شوقي،و أمضيت في قلبك قمرا من محبّتي،و أسريت نجوما من مرادي،و جعلت في‌قلبك عينا من تفكّري،و أدرت في قلبك ريحا من توفيقي،و أمطرت في قلبك مطرامن تفضّلي،و زرعت في قلبك زرعا من صدقي،و أنبتّ في قلبك أشجارا من‌طاعتي،و جعلت أوراقها دعائي،و أوليت ثمرها حكمة من مناجاتي،و أجريت في‌قلبك أنهارا من دقايق علوم أزليّتي،و وضعت في قلبك جبالا من يقيني.
و هذا كلّه في القلوب الصالحة التقيّة الطيّبة الملكية،و أمّا القلوب الطالحة الشقيةالخبيثة الشيطانية فالأمر بالعكس في كل ما سمعت.
و بوجه ثالث قد سمعت أنّ القلب ينطبع فيه صور المعاني و الحقائق الحقّةالواقعية،و الصور المخترعة الوهميّة،و غيرها ممّا حصل له المحاذاة بالنسبة إليه كماأنّ المرآة ينطبع فيها صور الأجسام المحسوسة،و أنّ لكلّ معنى من المعاني‌
 و الحقائق الكونية بل الإمكانية صقعا من العوالم،أمّا في دركات سجّين،فالقلب‌ما دام كائنا في شطر الحق،باقيا وجهه تلقاء عليين ينطبع فيه صور الحقائق و المعاني‌الحقة و الواقعية،فإذا صار منكوسا،منحرفا وجهه عن الملكوت الأعلى،حصل له‌المحاذاة إلى سجّين،فينطبع فيه صور الحقائق و المعاني الحقّة و الواقعيّة،فإذا صادمنكوسا،منحرفا وجهه عن الملكوت الأعلى،حصل له المحاذاة إلى سجّين،فينطبع فيه صور الأوهام الباطلة،و الخيالات المخبثة الشيطانية،و الأهواء الرديّة.
و على كل حال فالواردات القلبية كثيرا ما يشتبه حقّها بباطلها،و صدقهابكذبها،بل ربما يشتبه أيضا على من خطر له هذه الخواطر،فضلا عن غيره،فلذامسّت الحاجة إلى إقامة ميزان،يتميّز به كل من الآخر.
فعن بعضهم أنّ الخواطر الملكية ما يدعوا إلى الطاعة و العبادة،و الشيطانيةما يدعوا إلى المخالفة و المعصية،و ردّ بأنّه ربما يكون الهمّ بالعبادة أفسد من الهمّ‌بالمعصية،لما فيه من مكائد خفيّة للنفس،و قد يلمّ بنشاط في العبادة و العبد يظنّ أنّه‌بخلوص القلب،و ربما كان لنفاق خفي منه،و علّة كامنة في ذاته من طلب المنزلةو الجاه عند الخلق،بل قيل:إنّ معرفة تميز الخواطر صعب المنازل جدّا لا يكاد يتيسّرإلا بعد استقصاء تامّ في العلوم الحقّة مع التقوى،و انه اتّفق المشايخ على أنّ من كان‌أكله من الحرام لا يفرّق بين الوسوسة و الإلهام.
و عن آخر أنّ كلّ ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة في العاقبةو لا يكون سريع الانتقال على غيره،و يحصل بعده توجّه تامّ إلى الحقّ و لذّة عظيمةمرغّبة في العبادة فهو ملكي رحماني،و إلاّ شيطاني،و فيه المنع من اطّراده‌و انعكاسه.
و عن ثالث أنّ ما يظهر من يمين القلب و قدّامه أكثره ملكي،و ما يظهر من‌
 اليسار و الخلف أكثره شيطاني،و ردّ بأنّ الشيطان يأتي من الجهات كلّها كما يستفادمن قوله:ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ‌وَ لاٰ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ‌ نعم قد يقال:إنّ الشيطان لا يأتي من جهة الفوق و التحت،أمّا الأوّل فلأنّه‌لعنه رأى نزول الأنوار على العبد من فوقه فخاف من الاحتراق فلم يتعرّض في‌إتيانه له،و أمّا الثاني على خطّ مستقيم مع الفوق،و أنّ ذلك النور متّصل بالتحت‌للاستقامة،و من هنا وقع النهي عن استقبال القبلة و استدبارها في بعض الأحوال،لأنّهما على خط واحد،و لذا خصّ الجهتين بالذكر في قوله:وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوااَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِيلَ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ‌أَرْجُلِهِمْ‌
و على كلّ حال فهذه الموازين و أمثالها مع عدم الإحساس بها غالبا لا اطّرادلها،و الميزان الكلّي المستفاد من الكتاب و السنّة إنّما هو موافقة الشريعة الطاهرة في‌الأفعال و الأقوال و الأحوال،و إنّما يكون ذلك بخلوص النية،و نقاء السريرة،و التدرّج في مراتب الايمان،و التحقّق بمقام اليقين و الإحسان،و المداومة على اقامةالفرائض و السنن،و مجانبة الفواحش ما ظهر منها و ما بطن،و الاجتهاد في التوجه‌و الإقبال في جميع الأفعال و الأعمال كي يصير ساير عاداته من العبادات و التوسل‌بأنحاء القربات و وظائف الطاعات،و ملازمة قراءة القرآن،و الأدعية و سايرالأذكار،مع التذكر و التدبر و ساير الوظائف الشرعية،و الإشتغال بالتفكر في الموت‌الذي هو حيوة القلوب،و في أناء الليل و النهار،و تذكر قوله تعالى:(واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار) (انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) (وانهم لمن المصطفين الاخيار)والتفرغ للتفكر في خلق الافاق والانفس والتدبر في بديع صنعة تعالى ليلا ونهارا هذا كله مع ملازمة التقوى ودوام الطهارة الظاهرة والباطنة والتخلي عن الاخلاق والصفات الذميمة التي هي من الرذائل والتخلق بالاخلاق الحميدة التي هي من الفضائل والاعتدال والتوسط في جميع ذلك وغيره حتى الاكل والشرب والنوم والتكلم والمعاشرة مع الخلق وسائر الافعال البدنية والنفسانية ودوام الاستقامة في كل مامر وفي غيره مما هو من مقتضيات الولاية وصدورها من جهة الشوق والمحبة فإذا استقام على جميع ذلك كان مخلصا له سبحانه في جميع احواله واطواره وشئونه فينفجر ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ويعتدل مزاجه ويستوفي اخلاقه فيقوى اثر النفس فيه  فيكون محسنا في عمله فيأتيه العلم والحكمة من دون التعلم بمقتضى الاية.
بل‌ قد روى عن مولينا الباقر عليه السّلام أنّه قال:ما من عبد أحبّنا و زاد في‌حبّنا و أخلص في مودّتنا و سئلنا مسئلة إلا أجبناه و نفثنا في روعه جوابا لتلك‌المسئلة.
و بالجملة فهذا العبد حينئذ تنكشف له الحقائق الواقعية و يتجلّى له الصورالمطابقة العمليّة،و مع ذلك فلا بدّ أن يزنه بميزان الشريعة،فإن كان ما انكشف له من‌العلوم موافقا لما ثبت في الشريعة سواء كان من أصول العقائد أو الفروع العلمية،فليحمد اللّه سبحانه على الاستقامة،و إن كان مخالفا لما هو الثابت فيها فليتّهم نفسه،
لأنّ هذه المخالفة لا تكون إلاّ عن اعوجاج في النظر أو انحراف في الأعمال و مباديهاو لو من غير التفات و تذكّر منه لذلك فإن المرآة إذا كانت منحرفة في وضعها،أومعوجّة في نفسها ظهر الانحراف و الاعوجاج في الصور المنطبعة فيها.
و بالجملة فالكشف الصحيح ما ينتج الاستقامة فلا يزال يزيد العلم بالعمل‌و العمل بالعلم،و هو المراد بما في الخبر عن الصادق عليه السّلام:بالحكمة تستخرج‌غور الحكمة.
و بالجملة فالكشف الصحيح الصريح في الصور المثالية في الحقائق العملية إنّمايحصل بما سمعت إجماله من الإخلاص في العبودية و إن شئت فسمّه رياضه شرعيّة،و أمّا الرياضات التي وضعتها و ابتدعتها الجوكية و السحرة و أصحاب التسخيرو العزائم،و غيرها فهي من البدعة التي كلّها ضلالة.
وقد قال عليه السّلام:كلّ بدعة ضلالة،و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار1،بل‌و كذا الرياضات المبتدعة من المتصوفة لتجريد نفوسهم،و تصفية أرواحهم فإنّ تلك‌الرياضات مشوبة بالباطل،موصلة اليه.
أما الأوّل فلما فيها من تحليل بعض المحرّمات،و تحريم بعض المحلّلات و عدم‌الخلوص في النيّة و رفض الطاعات،بتوهّم الوصول إلى مقام اليقين،و تخريب سنّةسيّد المرسلين كما لا يخفى على من اطّلع على مقالاتهم الشنيعة و بدعهم المحدثة.
و أمّا الثاني فلأنّ الحاصل من تجلّياتهم و مكاشفاتهم في خلواتهم و رياضاتهم‌في ما يقضي ضرورة الدين ببطلانه كالقول بوحدة الوجود الشائع الذائع في جمهورالمتصوفة،كما يشهد به كلماتهم و أشعارهم في هذا الباب.
 قال ابن العربي:سبحان من أظهر الأشياء و هو عينها،و قال:
فوقتا يكون العبد ربّا بلا شك و وقتا يكون الربّ عبدا بلا إفك.
و قال في ديباجة ما سمّاه بالفتوحات:إن خاطب عبده فهو المسمع السميع،و إن فعل ما أمر به بفعله فهو المطاع المطيع،ثمّ أنشد:
الربّ عبد و العبد حقّيا ليت شعري من المكلّفإن قلت عبد فذاك ميتأو قلت ربّ أنى يكلف‌فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه،و ينصف نفسه مما تعيّن عليه من‌واجب حقّه،فليس إلاّ أشباح خالية،على عروشها خاوية.
و قال في«الفصوص»فيحمدني و أحمده،و يعبدني و أعبده،ففي حال أقرّ به،و في الأعيان أجحده.
و قال الجندي‌:
البحر بحر على ما كان في القدمإنّ الحوادث أمواج و أنهارلا يحجبنك أشكال تشاكلهاعمّن تشكّل فيها و هي أستارو له أيضا:
هو الواحد الموجود في الكلّ وحدهسوى أنّه في الوهم سمى بالسوى‌و قال بعضهم:
فلما أضاء الفجر أصبحت عارفابأنّك مذكور و ذكر و ذاكر
 و قد اشتهر عن بعض مشايخهم‌،سبحاني سبحاني ما أعظم شأنى،و إني انااللّه و إنّه ليس في جبّتي إلا اللّه،إلى غير ذلك من الهذيانات و الخرافات التي لو لاالمراد إظهار شناعتها لما ساغ التعرّض لها،و ستسمع كثيرا من كلمات الملاّ صدرا،و المحدّث الفيض في ذلك،بل من اطّلع على كلماتهم في ذلك يعلم أنّهم قد ملئوا فيه‌ الكتب و الرسائل.
و كالقول بالأعيان الثابتة،و الصور العلمية،و قدم القرآن،و أنّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء و إنّ اللّه أحب أن يعبد في كل صورة،صرّحوا بأنه ما عبد غير اللّه في كل‌ معبود،إذ لا غير في الوجود،حتى أنّ من يعبد الشمس و القمر و الأصنام،و الأحجار،و العجل،و غيرها،فإنّما يعبد اللّه في صورة التقييد،و لذا أنشد أبن‌العربي في ذلك:
عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه لمّا بدا في صورهم متحوّلا قالوا بما شهدوا و ما جحدوه قد أعذر الشرع الموحّد وحده و المشركين شقوا و إن عبدوه‌و كالقول بأنّ فرعون اللّعين خرج من الدنيا موحّدا،خاليا عن جميع الذنوب‌و المعاصي‌،و أن أبا طالب رحمه اللّه مات مشركا  ،كما ذهب إلى القولين ابن‌ العربي و غيره.
و كالقول بانقطاع العذاب للمشركين و الكفار من أهل النار،و أن النار تصيررحمة لهم،و العذاب عذبا للمجانسة،و بجواز خلف الوعيد و غيرهما من الوجوه‌ الضعيفة التي ستسمع ضعف الجميع،سيّما بعد قيام ضرورة دين الإسلام على فساده،و تظافر الآيات و الأخبار الدالّة على خلودهم فيها معذّبين.
بل هذا القول و إن أبداه ابن العربي و تبعه فيه كثير من المبتعدين و المنحرفين‌عن طريقة الأئمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين،بل ربما مال إليه بعض‌المنتحلين بهذا الدين كالصدر الأجلّ الشيرازي في بعض كتبه،إلاّ أنّه مقالة شرذمةمن اليهود حيث قالوا:لَنْ تَمَسَّنَا اَلنّٰارُ إِلاّٰ أَيّٰاماً مَعْدُودَةً،فرد اللّه عليهم‌بقوله:قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اَللّٰهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ‌مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ‌،بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ‌اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ‌،الى غير ذلك من المذاهب السخيفة الباطلة التي‌يدعون فيها الكشف و الشهود،مع قيام قواطع الأدلّة على خلافها،حسبما سمعت‌شطرا منها.
بل ربما يدّعون أنّهم قد شاهدوا في مكاشفاتهم و تجلّياتهم و لبعض مشايخهم‌أو خلفائهم مناصب جليلة،و مراتب عظيمة ربما تكون مضحكة للثكلى بل ذكرمميت الدين ابن العربي في حتوفاته في ترجمة من سمّاهم بالأولياء الرجبيين:ان‌الذي رأيته منهم قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة في تمام السنة،فكان‌يراهم خنازير،فأتي الرجل المستور الذي لا يعرف عليه هذا المذهب قطّ،و هو
 في نفسه موف به يدين به ربه،فاذا مرّ عليه يراه في صورة خنزير فيستدعيه و يقول‌له تب إلى اللّه فإنّك شيعيّ رافضيّ،فيبقى الآخر متعجبا من ذلك،فإن تاب و صدق‌في توبته رآه إنسانا،و إن قال به بلسانه تبت و هو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيرا،فيقول كذبت في قولك تبت،إلى آخر ما ذكره لعنه اللّه و أخزاه فإنّه أخبر من كشفه‌عن سؤته فهذا حال من ادّعى منهم الكشف و الشهود.
دم زند از كشف و نبود جز هوسكشف عورت ميكند امّا ز پس‌و دع الخطب فيه و في أصحابه و أحزابه الذين كانوا على السنّة الشنيعةفدع عنك نهبا صيح في حجراتهو لكن حديثا ما حديث الرواحل‌و هلّم الخطب في بعض من تبعهم على غرّة و غفلة من الشيعة الإمامية الذين‌لم يقتصّوا آثار أئمتهم في مذاهبهم،و مشاربهم،و مسالكهم حتى ظهر منهم القول‌بوحدة الوجود،و الأعيان الثابتة،و انبساط وجوده على الأعيان و القول بفاعليته‌ بالتجلي لا الاختيار،و أنّ عذاب النار ينقطع عن الكفّار و هذا كله إنّما نشأ من‌انحرافات الطريقة،و اعوجاج السليقة،و قد قال سبحانه:وَ أَنْ لَوِ اِسْتَقٰامُوا عَلَى‌اَلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدقا و المراد بالطريقة مقتضيات الولاية،و قد أمر بالوزن و اقامة الميزان في قوله:
وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ اَلْمُسْتَقِيمِ‌ ،و قوله:وَ اَلسَّمٰاءَ(اي النبوة)رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ‌اَلْمِيزٰانَ‌(اي الولاية) أَلاّٰ تَطْغَوْا فِي اَلْمِيزٰانِ `وَ أَقِيمُوا اَلْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لاٰ تُخْسِرُوا اَلْمِيزٰانَ‌  و بالجملة فإقامة ولايتهم قولا و فعلا و عملا و قلبا و إرادة و اعتقادا هي الميزان‌ العدل المستقيم الذي يعرف به الحق من الباطل.
كماورد في أخبار كثيرة ليس منا من يدّعي ولايتنا و هو متشبث بفروع‌غيرنا.
فإن قلت:إنّا نعلم كثيرا ممّن يدّعى الكشف يتراءى لهم في مكاشفاتهم ما هومخالف عندك للحق و هو صادق في دعواه للكشف،غير متعمّد للكذب فما السبب‌ الذي يكشف به الباطل مع أنّ فتح هذا الباب يئول إلى سدّ باب الكشف رأسا لفقدالترجيح و الأولوية،و تطرّق الاحتمال في كل حال؟قلت:لا ريب أنّ الكشف الصحيح يتضمّن أمرين:
أحدهما إصابة الواقع سواء كان المنكشف عن الصور المثالية الحسية أوالنسب العلمية.
و الآخر ظهور المنكشف على وجه الانجلاء و الوضوح.
أمّا الأول فالطبائع و الأذهان سيما بعد التشبّث بالأديان مختلفة في كميةالإصابة،و كيفيّتها،و سرعتها،و بطؤها،و ساير مشخصاتها،و الفطرة و إن كانت‌مجبولة على الإصابة،و إدراك الوقايع،إلاّ أنّها غير باقية على ما فطرها اللّه عليه،و كلما اقترف الإنسان ذنبا و إن تعقّبه التوبة و المغفرة فقد فقد عصمة و استقامةلا ترجع إليه أبدا،أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواوَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ

 و لعلّ تأثير بعض الانحرافات و الاعوجاجات بمنزلة ذي الخاصية غيرمشروط بالعلم،بل يؤثّر مع الجهل أيضا،فاذا بقي العبد على جادّة الشريعة مراعيالوظايف العبوديّة،و حقوق الولاية فحينئذ ينجلي في قلبه ضياء العلم و الحكمةو المعرفة،فيشرح صدره و يتّسع قلبه لقبول الأعمال الحسنة،و لو رود الخواطرالملكوتية على قليه،فبورود الواردات الملكية يقوى على الأعمال المرضيّة،و بممارسة الأعمال الحسنة يستعدّ قلبه لقبول أشعة أنوار العلم و المعرفة،فكلّ من‌الواردات القلبية و الأعمال البدنية يقوى على صاحبه،بل كان كل منهما مقدمةإعدادية،أو علّية مادية للآخر،بل لا يخفى سريان الحكم إلى جميع الواردات‌و الأعمال،إن خيرا فخير،و إن شرا فشر،فإذا كانت الأعمال و الأفعال و الأقوال‌و الأحوال كلّها على نهج الاستقامة و الاعتدال على حسب ما يقتضيه إقامة الولايةكانت الثمرات المترتبة،و الخاطرات الواردة كلّها على نهج الصواب و السداد،و ان‌كان العكس فالعكس،ضرورة أنّ استقامة الشاخص يلزمه استقامة الظل،و يستلزم الاعوجاج الاعوجاج:وَ اَلْبَلَدُ اَلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ اَلَّذِي‌خَبُثَ لاٰ يَخْرُجُ إِلاّٰ نَكِداً،و هو ما يقتضيه الفطرة الأصلية التي ربما يظهرمقتضياتها عند مصادفة عدم مزاحمة الموانع.

و بالجملة فالإصابة إنما تترّتب على ملازمة الصواب،فإذا كان هناك انحراف‌في شي‌ء من العقائد أو الأعمال انحرف بقدره وجه القلب الذي قلنا إنه كالمرآة عن‌المحاذاة و إذا تعدّى عن السنّة و المنهاج حدث فيه الاعوجاج.
و أمّا الثاني فاعلم أنّ مراتب الرؤية القلبية مع قطع النظر عن كونها على وجه‌  الصواب أو الخطأ تختلف باعتبار شدة ظهور المرئي و خفائه،و بينهما مراتب لا تكادتتناهى كما أنّ مراتب الرؤية البصرية تختلف أيضا هذا الاختلاف و إن لم تكن‌افرادها كالأولى في الكثرة،فإذا نظرت في ظلمة الليل الدامس‌،إلى رجل واقف‌في مقابلتك فلعلك لا ترى شخصه و لا شبحه أصلا فإذا انكشف السحاب،و تجلى لك‌بعض النجوم ترى شبحا قائما في مقابلتك غير أنّك لا تعلم أنّه إنسان أو حجرموضوع أو شي آخر من الأجسام،فإذا طلع الفجر تبيّن لك أنّه إنسان لكنك‌لا تعرف شخصه و لا اسمه و بزيادة النور يزيد العلم بخصوصياته و مشخصاته حتى‌أنّك بعد طلوع الشمس تعرف أوصاف الشخصية من لونه و شكله،و تخطيط أعضائه‌و خصوصيات حركاته و أفعاله فينجلي لك جميع ذلك انجلاء ظاهرا واضحا مكشوفالا خفاء فيه أصلا بل لا يخفى أنّك ربما ترى شبح ذلك الرجل و أنت تعرفه في ظلمةالليل،ثم يتوارد عليه في رؤيته مراتب الظهور و الانجلاء بعد شدة الظلمة و الخفاء،و المرئي في جميع ذلك هو ذلك الرجل المعلوم اولا.
و هذا الكلام في الرؤية القلبية بلا فرق بين الصواب منها و الخطأ،كما أنّه لا فرق‌في الرؤية البصرية بين الأحول و الصحيح.
و بالجملة فالاعتقادات الراسخة في القلب حقّا كان أو باطلا يشتدّ ظهورهاو انجلاؤها و انكشافها بالمجاهدات و الرياضات التي مدارها عندهم على الأمورالأربعة و هي الجوع،و السهر،و العزلة،و الصمت.
أمّا الجوع فانه ينقص دم القلب فيبيّضه،و في بياضه نوره،و يذيب شحم‌الفؤاد،و في ذوبانه رقّته،و كما أنّ قسوته سبب الحجاب فرقّته سبب الانجلاء و الكشف.
و لذا روى أنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود النبيّ على نبينا و آله و عليه السّلام‌يا داود حذّر و أنذر أصحابك أكل الشهوات،فإنّ القلوب المتعلّقة بشهوات الدنياعقولها عنّي محجوبة وعن مولينا الصادق(عليه السّلام):اجتمعت العلماء و الحكماء على أنّ النعيم‌لا يدرك إلاّ بترك النعيم.
وعن المسيح الملكوتي على نبينا و آله و عليه السّلام:يا معشر الحواريين‌جوّعوا بطونكم لعلّ قلوبكم ترى ربكم‌
في الخبر:إنّ البطنة تميت الفطنة. 
وفي النبوي:أحيوا قلوبكم بقلّة الضحك و الشبع و طهّروا بالجوع تصفوا 
وفيه مثل الجوع مثل الرعد،و القناعة كالسّحاب،و الحكمة كالمطرو بالجملة فالجوع يلزمه صفاء القلب،و فراغ النفس،و خفّه الطبع و إيقادالقريحة،و نفاذ البصيرة،و رقّة القلب و صفائه الذي به يتهيأ الإنسان لإدراك لذّةالمناجاة،و للتأثر من الذكر،برفع حجاب قساوة القلب التي تمنع من ذلك،مع‌
 ما يلزمه من الانكسار،و قمع الشهوات،و الذلّ،و رفع الأشر و البطر الذي هو مبدءالطغيان،و الغفلة عن الرحمان،فقد قيل:إنه لا تنكسر النفس و لا تذلّ بشي‌ء مثل‌ما تذّل بالجوع،فعنده تستكين لربّها،و تخشع له و تشاهد عجزها و ضعفها،حيث‌إنّها عجزت،و ذلّت،و ضعفت،و أظلمت عليها الدنيا و ضاقت حياتها،و استكانت‌لربّها،بلقمة طعام فاتتها،أو شربة ماء تأخّرت عنها،و ما لم يشاهد الإنسان ذلّ‌نفسه،و عجزها،لا يرى عزة ربّه،و قهره،و جلالته‌ ثم لا يخفى أنّ مبدء المعاصي كلّها هو الشهوات النفسانية،و الميول الحيوانيةالتابعة للقوى الطبيعية،و الإرادية،و مادّة كلّ ذلك هي الأطعمة التي يستمدّ منهاالقوى البهيمية و الشهوات النفسانية،فتقليلها يضعّف جميعها،فيجعلها مقهورة،تحت سلطان العقل،فالسعيد من ملك نفسه،و الشقي من ملكته نفسه،و أمّا النفس‌كالدابة الجموح إذا جاعت ضعفت،و ضمرت،و انقادت،و إذا شبعت قويت،و شردت،و جمحت و لذا قيل:إنّ الجوع كنز الفوائد و مجمع العوائد و إنّه خزانة من‌خزائن اللّه تعالى،و لعلّه أيضا أحد الوجوه‌
في النبوي(ص):المعدة بيت كلّ داء،و الحمية رأس كل دواء،ثم إنّ الجوع يعين على غيره من الأمور الأربعة المذكورةو على غيرها.
أمّا السهر فقلّة الأكل،و خلوّ المعدة،و قلّة الأبخرة المتصاعدة و ضعف القوى‌البدنية كلها تعين عليه،و سبب الجميع هو الجوع،كما أنّ الشبع سبب لأضدادها،و لذا قيل:لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا،فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا،و السهر يجلي القلب،و ينوّره،و يصفّيه،فيصير القلب كالمرآة المجلّوة المستعدة لظهور ما قوبل بها فيها.
و أمّا العزلة و الصمت فالمقصود الكلّي منهما دفع الشواغل الخارجة،و ضبطالسمع و البصر الذين هما دهليز القلب عن الواردات الشاغلة له عما ينبغي‌الاشتغال به،و لذا قيل:إنّ القلب بمنزله حوض تنصبّ فيه مياه كدرة قذرة من‌أنهار الحواسّ،و المقصود من الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه،و من الطين‌الحاصل فيه لينحضر أسفل الحوض،فينفجر منه الماء اللطيف الطاهر فكيف يصحّ‌أن ينزع الماء من الحوض و الأنهار مفتّحة إليه فيتجدّد في كل حالة أكثر مما ينقص،فلا بدّ من ضبط الحواسّ إلا عن قدر الضرورة.
و بالجملة فالّذي ذكروه من الرياضة بالأمور الأربعة،و غيرها مما يوجب‌صفاء النفس و تفريغها،و ميلها إلى عالم الأعلى إنّما يوجب في الغالب صيرورةالمعتقدات بمنزلة المشاهدات،و أمّا الإصابة و المطابقة للواقع فإنما هي أمر آخر وراءذلك حسبما مرّت اليه الإشارة،و إنّما تحصل بملازمة الشرع و مداومة التقوى،و الاعتصام بحبل الولاية،و لزوم الاستقامة من البداية إلى النهاية.
و لذا ترى كثيرا من العامّة بل غيرهم من فرق الكفر و الشرك أيضا ينكشف‌لهم في رياضاتهم و مجاهداتهم المنحرفة المبتدعة صحة مذاهبهم الباطلة و عقائدهم‌السخيفة الزائلة كما هو المعروف من ابن العربي في مشاهداته و غيره،بل ربما تقذف‌الشياطين في قلوبهم،و يسمعهم صوتها في آذانهم كماسمعه الحسن البصري حين‌تهيّأ لقتال  البصرة على ما رواه في الاحتجاج عن ابن عباس قال:مرّ أمير المؤمنين‌عليه السّلام بالحسن البصري‌،و هو يتوضّأ فقال عليه السّلام:يا حسن أسبغ‌ الوضوء،فقال:يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا اله الا اللّه‌وحده لا شريك له،و أنّ محمّدا عبده و رسوله،يصلّون الخمس،و يسبغون الوضوء،فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟فقال:و اللّه لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت،و تحنّطت،و صببت علىّ سلاحي،و انا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن أم المؤمنين عائشةهو الكفر،فلمّا انتهيت إلى موضع من الحزيبة،ناداني مناد:يا حسن إلى اين؟إرجع فان القاتل و المقتول في النار،فرجعت ذعرا،و جلست في بيتي،فلما كان‌ اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر،فتحنّطت و صببت‌علي سلاحي،و خرجت إلى القتال،حتى انتهيت إلى موضع من الحزيبة فناداني‌مناد من خلفي يا حسن إلى أين مرّة بعد اخرى؟فإن القاتل و المقتول في النار،قال‌علي عليه السّلام:صدقت أ فتدري من ذلك المنادي؟قال:لا،قال علي(عليه‌السّلام):ذاك أخوك إبليس و صدقك أنّ القاتل منهم و المقتول في النار،إلى غيرذلك مما لا يحصى،و هذا كلّه من وحي الشياطين المشار اليه بقوله:وَ إِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ‌لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ لِيُجٰادِلُوكُمْ‌،و قوله:شَيٰاطِينَ اَلْإِنْسِ وَ اَلْجِنِّ يُوحِي‌بَعْضُهُمْ إِلىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ اَلْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ مٰا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مٰايَفْتَرُونَ‌،وَ لِتَصْغىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوامٰا هُمْ مُقْتَرِفُونَ‌.
المصدر: تفسير الصراط المستقيم ج1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق