(التوحيد بالأسماء لا بالوحدة الشخصيّة)
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين محمد الأمين ، وعلى آله أمناء الدين .
كلام الكلام ـ على أيَّةِ حال ـ في برهان الصّدّيقين : دليل الإطلاق والتقييد ، أو نقول : السعة مقابل الضيق ، والصياغة الثانية ـ للإطلاق والتقييد ـ : وهي السعة الخارجيّة .
ومرَّ بنا التذكيرُ بشبهةِ علقتْ في ذهنِ كثيرٍ من العُرفاءِ أو الصوفيّةِ أو الفرق الباطنيّة أو غيرهم ربّما يعزوها البعضُ نتيجةَ هذا الدليل ، باعتبارِ أنّ هذا الدليل فيه أنّ سعةَ الذاتِ الأزليّة ليست سعةً جسمانيّة بل سعةَ إحاطةِ الوجود ، ونفاذِ الوجود ، وقوّةِ الوجود في كلِّ وجودِ الوجودِ ، أي لا يخلو منه وجودٌ . هذا ـ طبعاً ـ موجودةٌ في بياناتِ الوحي ( يا مَنْ لا يخلو منه شيءٌ ) ، أو في دعاء كميل : ( وبأسمائك التي ملئت أركان كلِّ شيء ) طبعاً الأسماء غير الذّات ، فكل شيء مخلوق له أركان ، وقد ملئت الأسماءُ الإلهيّةُ أركانه ، فالاسم الإلهي يملأُ ويسعُ ، فضلاً عن الذات الإلهيّة أي المُسمَّى .
الاسم يملأ ـ يعني واسع ـ ، ويملأ لا يعني مُحاط ، ومظروف بل مُحِيط ، فاسم القدير ملأ هذا الشيء ، وملأ هذا الشيء يعني وسعه وأحاط به . ( أركان كلِّ شيء ) يعني كلّ شيء بقضّه وقضيضه ، وبأسره مملوءٌ ومحاطٌ بإحاطةِ وهيمنةِ الأسماءِ الإلهيّةِ ، ولا يعني ذلك أنّها اسم واحد ، بل أسماء ( وبأسمائك ) . إذاً ؛ ( ملئت ) لا يعني أنّها صارت مظروفة ، بل هي محيطة ونافذة ولطيفة ومهيمنة ، هذا هو معنى ( ملئت ) ، فالملأ ليس على وتيرة الأجسام ـ فالجسم يحتاج إلى مملوء ، فالّذي يُملأُ به يصير مظروفاً ، والمملوء يصير ظرفاً ـ فليس المُراد ذلك ، فملأَ كلَّ شيء ، أي نفذ وهيمن وأحاط بكلِّ شيء .
هذا بالنسبة للأسماء ، فكيف بالنسبة للذات الإلهيّة الأزليّة . إذاً : هذه السعة ـ سعة الهيمنة والنفوذ والإحاطة ـ علقة من هذا الدليل وهذا البرهان نوع من الكدورة في التصوّر بحسبان أنّ بمقتضى هذا الدليل أن المخلوقات لا حظَّ لها من الوجود ، ولا حظَّ لها من الواقعيّة ، لأنّا لو بنينا أنّ لها حظَاً من الواقعيّة أو حظّاً من الوجود ، إذاً : لكانت ندّاً أو مزاحمة للواقعيّة الذاتية الأزلية له تعالى .
فلو كانت لها وجود لاختصّت بذالك القدر من الوجود ونزعته ونقصته من الباري ، هكذا توهّموا . هذه نوع من السلفيّة والوهابية في هذا البحث ، لأنَّ الوهابية السلفيّة نفس الشيء ، إذ أنّهم يقولون : تعظيم غير الله معناه الندّ ، فعندهم تقديس وتعظيم غير الله ـ وإنْ كان بأمرٍ من الله ـ معناه الندّ .
ولكنّا نقول: ماذا يعني ( غير الله ) ؟ فهنا يأتي بيت الجواب هل معنى ( غير الله ) رؤية غير الله في الشيء ؟ وإنْ كان كذلك فما هو هذا الشيء ؟ أو لم يقلْ أمير المؤمنين عليه السلام ( وبأسمائك التي ملئت أركان كل شيء ) فكل شيء يحكي الوجود الأزلي الذاتي ، يحكي أي نافذٌ فيه ، ومحيط به ، وسيع نفوذُه ، هو يحكي عنه ، فكيف يكون غير الله ؟ وعليه فليس معناه رؤية غير الله في الشيء .
هل معنى ( غير الله ) أي غير مستقل ؟ وإنْ كان كذلك فمَنْ هذا الغير مستقل ؟ لأنّه لا تقوم قائمة شيء من الأشياء بدون الله ، وعليه فهذا غير متصوَّر أيضاً .
إذاً : هنا صار خلط ـ عند الوهابية على صعيد التوحيد الأفعالي أو العبادة وبين العُرفاء أو الصوفيّة على صعيد التوحيد الوجودي لو التزموا بالوحدة الشخصيّة الخاطئة ـ بين الغيريّة المستقلّة والغيريّة غير المستقلّة ، وهذه بالتالي ليست غير ، وهي ليست عين ومعنى .
هل الأشياء المخلوقة قائمة بنفسها ؟ طبعاً لا ، هل في زاوية من زواياها قائمة بنفسها ؟ لا ، لأنّ الأسماء ( ملئت أركان كل شيء ) فبالتالي لا يوجد زاوية من زوايا هذا الموجود المخلوق ليس فيه اسميّة من أسمائه تعالى ، يعني ليس فيه دلالة على أنّه قائمٌ بالله تعالى ، فكل أركان كينونة وكيان وركن كيان أركان هذا الشيء المخلوق مملوء بالأسماء الإلهيّة ، ومملوء بالأسماء الإلهيّة تعني الأسماء الإلهيّة تحكي قيامه تعالى .
فأيُّ غيريّة مقصودة ؟ يقول أنا رجل ، يكون زاوية من زوايا هذا المخلوق أنا رجل ، أي أنا قوّي بنفسي وقادر بنفسي ، وأنا كينونة كائن بنفسي ، من أين ؟ لأنّ تمامَ حقيقتي أنّي فعلٌ لربّي ، هذا هو الصحيح ، فأيّ مخلوق ينطق بهذا الأمر ، تمام حقيقة نفسي أنّي مخلوق لله ، أنّي فعلٌ لربّي ، لا أنّي عين ذات ربّي ، فهناك فرق بينهما . بين أصنام ندّيّة ـ وهذا غير صحيح ـ ، وبين عينيّة ذاتيّة ـ وهذا غير صحيح ـ وبين حواكي عن الله ـ وهذا الصحيح ـ .
فالشُقوق ـ في معرفة الغيرية ـ ليست ثُنائيّة[1] فهناك شِقٌ ثالث ، وهو : آياتٌ إلهيّة ، وأسماء إلهيّة ، يعني تمام حقيقة الأشياء أنّها اسمٌ له ، أنّها له ، وإنّيّتها له ـ وإنّيّتها وجودها ـ فتمام إنّيّتُها كائنة في هذه الواقعيّة ( له ) ، ولا يقولون ( به ) ، فتمام إنّيّتها له ، أمّا إذا أردتَ أنْ تحذفَ ( له ) ـ فمعناه أنه ليس ( له ) ـ فأنتَ وقعتَ بالشرك من جهة من حيثُ لا تشعر ، إذا قلتَ بالوحدة الشخصيّة فقد نفيت ( له ) .
لذلك هناك برهان يبيّنه أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الاحتجاج ـ وهو حديث معروف ـ يسطّر فيه عليه السلام كلّ علوم القرآن ـ يعني أُسُس علوم القرآن ـ ، وهناك يبيّن أمير المؤمنين عليه السلام فلسفة خِلقة الخَلق ما هي ؟ أهل البيت عليهم السلام بعكس ما يدّعيه العُرفاء يبيّنون عدّة غايات للخِلقة ـ لماذا خلق الخلق ؟ ـ وهذا بحثٌ من بحوث أُسس المعارف ، ما هي العلّة والغاية من خلق الخلق ؟
يبيّن ـ هناك ـ أمير المؤمنين ربّما حكمتين ـ أو أكثر ـ بديعتين حول سرّ خلق الله للمخلوقات ، يبيّن هذا المقطع ، يقول : ( فخلق الخلقَ وأمرهم ونهاهم ليتحقق حقيقة الاسم ) .
فمعناه أنّك عندما تقول : الله قادر ، معناه : أنّ المقدور موجود ، وتقول : عالم ، فمعناه : أن المعلوم موجود ـ وإنْ كان لدينا يوجد عالم بلا معلوم ولكن ـ ليتحقّق مطابقة العلم وأنّه حقيقي ينوجد المعلوم على طبق العِلم ، وينوجد المقدور على طبق القدرة ، ينوجد المُحاط على طبق اسم المحيط ( ليتحقق حقيقة الاسم ) . فالوحدة الشخصيّة تؤدي إلى إنكار وجحود الأسماء الإلهيّة ، ولكن كيف يؤدّي إلى إنكار الأسماء الإلهيّة ؟
لأنّ الاسم الإلهي هو الشيء الدالّ على الله[2] ، فلازم الوحدة الشخصيّة نفي الأسماء ، وجحد الأسماء والكفر بالأسماء ـ وكلامنا حول الكفر ليس الكفر الفقهي بل الكُفر العِلمي ـ أي جهل الأسماء ، مع أنَّه لا يوجد عاقل في فطرته ينكر الأسماء الإلهيّة ، فلا أحد يشكك أنّ الله قادر وغني وأول وآخر وحيّ ومريد ولطيف وواسع ومحيط ، فلا يستطيع إنكار هذه الأسماء ومقتضاها أنّها ( ملئت ) ـ كما يقول أمير المؤمنين ـ ( ليتحقق حقيقة الاسم ) كيف يتحقق حقيقة الاسم ؟
بناءاً تفترض أنّ هناك أشياء خُلقت في ظلِّ الأسماء ـ ظلّ أي تبع ـ لكن تلك الأشياء المخلوقة ليست أنا رجل ، ليست آلهة ، كلّها بقضّها وقضيضها ملئتها أسماؤه تعالى ( وبأسمائك التي ملئت أركان كل شيء ) يعني لا تدع لشيء في شيئيّته إلاّ ويقول : عبدٌ مخلوق ، عبدٌ مخلوق ، قِنٌّ مخلوق ( كفى بي فخراً ـ تمام حقيقة الأشياء ـ أن أكون لك عبداً ) فأكون أي : كوني عبوديّة ، أي اسميّة له تعالى ( وكفى بي عزّاً ـ أي اعتزازي ـ أنْ تكونَ لي ربّاً ) لذلك الوهابية من حيث لا يشعرون ، وأصحاب الوحدة الشخصيّة في بحثِ المعرفة الإلهيّة في المقام الأول من حيث لا يشعرون ـ من العرفاء وغيرهم ـ وهابيّة من نمطٍّ معيّن .
فالسقيفة سقيفة سياسية ، كما توجد سقيفة عقائديّة ـ أيضاً ـ ، والوهابية كذلك ، فيوجد وهابية في بحث العبادة والتوسّل ويوجد وهابية بهذا النمط ـ أقصد نفس الشاكلة ونفس الانزلاق ، ونفس الغفلة والجهالة على صعيد أصل المعرفة الإلهيّة ـ .
دعوني أقولها بصراحة : بعض العُرفاء أو الصوفيّة يظنّ أنّه إذا ركّزت على مقامات أهل البيت عليهم السلام ومعارف أهل البيت يكون توحيدُك ناقصاً ، وهذا عجيبٌ ، وعندهم هذه النظرة ، شبيه السلفيّة ولكن في مقام التوحيد ، وهذه ملفّات سريّة في المعرفة ، ولكن لا بأس بكشف الأوراق بعض الشيء ، ومثل هذه المشارب موجودة ، والحال أنّك إنْ جعلتَ الذات الأزليّة وحدة شخصيّة في الأسماء ـ والعياذ بالله ـ صارت : ذات خاوية عن الكمالات ، فالأسماء مظهر كمالات الله ، فنحن لا نقول عين ، بل مظهر ( وله الأسماء الحُسنى ) لذلك صار ذكرُهم ذكرَ الله ، ( اللهم إنّي أسألُك بمعاني جميع ما يدعوك .. المأمونون على سرِّك ، الواصفون لقدرتك ، المعلنون لعظمتك ، أسألُك بما نطق فيه من مشيئتك فجعلتهم ـ هؤلاء المقرّبين ـ معادن كلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك ) إذاً : أركان التوحيد والآيات والمقامات هم هؤلاء ، الذين هم عبوديّة محضة لله تعالى ، لا أنّه خِلاف التوحيد ، بل هو رُكن التوحيد ( مَنْ أراد الله بدأ بكم ، ومَنْ وحّده قَبِلَ عنكم ) ولكن على هذا المسلك المتعسلك : لا تصير توحيديّاً ، فلا تركّز على معارف ومقامات أهل البيت كثيراً !! ، ونحن هل ندّعي في أهل البيت إلاّ ما أعطاهم الله ؟ هذه عطايا الله لماذا نخفيها ؟ هم أفعال الله ، فلماذا نخفيها ؟ لماذا نسكت عنها ؟
إذاً : حجبنا معرفتنا عن فيض الله ، وفيه نوع نقص من المعرفة بالله ( فجعلتهم أركاناً لتوحيدك ) كيف تعرض التوحيد ؟ تعرض التوحيد يعني ملئ كل شيء ، هو ملئ له تعالى ، أنت إذا تتحسّس من عبارة ( له ) فأنت لم توحِّد الله في أسمائه ( التي ملئت أركان كل شيء ) ، فإذا كان كلّ شيء أسماء له ، وعبودية له ، فأين الابتعاد عن التوحيد ؟ هذا التوحيد الذي ننشده بغير الوحدة الشخصيّة .
أمّا الذين ينشدون التوحيد بالوحدة الشخصيّة بأنْ تنفيَ كلّ شيء عدا أنه هو الله ، لم ينشدوا التوحيد .
فإذا نفيت كلّ شيء ، لم تنشد التوحيد ، فإذا أردت أنْ تنشدَ التوحيد ( فجعلتهم أركاناً لتوحيدك ولآياتك ومقاماتك ، وملئت بهم سماءك وأرضك حتّى ظهر أن لا إلا إلاّ أنت ) إذاً تظهر عظمته أكثر وتتبدا أكثر فأكثر .
وبهذا البيان ـ أي بالوحدة الشخصيّة تُخفي عظمة الله ، فهم كالوهابية ، فأهل الوحدة الشخصيّة في مقام المعرفة الإلهيّة ، أما الوهابيون ففي مقام توحيد العبادة ، فهم يصغّرون الله من حيث لا يشعرون .
فأولئك ـ أي الوهابية والسلفية ـ في مقام توحيد العبادة يظلمون اللهَ عندما ينفون الوسائل والوسيلة إلى الله ، وينفون الآيات ، ويعتبرون كلّ شيء غير الله ، فهم يعتبرون كل هذه الأشياء قائمة غير الله ، وهذا هو الخطأ ، وهذا هو الكُفر ، لأنّ كلّ الأشياء قائمة به ( يا مَنْ كلّ شيء قائم به ) ( وأسألك بأسمائك التي ملئت كل شيء ) إذا ملئت كل شيء ، فأين غير الله ؟ الغير يعني مستقلّ ، ولكن لا وجودَ لهذا المستقل ، فالغير بمعنى مستقل وبمعنى ندّ وبمعنى شريك لا وجود لها ، أمّا أشياء ملؤها أسماء الله ، وملئ أركان وجودها أسماء الله ـ بالعكس ـ هذه عظمة الله ، هذا توحيد الله ، ولكن بهذا النظام ، نظام الأسماء ، نظام الآيات ، نظام أولياء الله ، نظام المقرّبين ، لا النظام الذي يكفر بالله بأشكل المشكلات وهي الجحود لآيات الله وبأسماء الله ( وذروا الّذين يلحدون في أسمائه ) بهذا اللحاظ ، وللبحث تتمّة وصلى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين
_________________________
[1] أي ليست حصر بالثنائيّة إمّا ندّ مستقل أو عينٌ ذاتيّةٌ شخصيّةٌ . ( منه حفظه الله )
[2] وسيأتي في موطنه بحث الأسماء وهو بحث زلزالي كبير وعظيم في معارف أهل البيت عليهم السلام ، ونحنُ لا زلنا في المرحلة الأولى من المعرفة ( أول الدين معرفته ) فنحن لا زلنا في هذه المرحلة ، أمّا المراحل الأُخرى ( وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ) جميع هذه المراحل ستأتي ، الآن في المرحلة الأولى بحسب بيان أمير المؤمنين : أصل المعرفة وشبهة الوحدة الشخصيّة . ( منه حفظه الله )
ملاحظة : تم نقل هذه المحاضرة من قبل أحد الفضلاء دون تدقيق وتقويم للنص , نشرت لتعم الفائدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق