الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

التوحيد بالأسماء لا بالوحدة الشخصيّة (الشيخ محمد السند)


(التوحيد بالأسماء لا بالوحدة الشخصيّة)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم


بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين محمد الأمين ، وعلى آله أمناء الدين .

كلام الكلام ـ على أيَّةِ حال ـ في برهان الصّدّيقين : دليل الإطلاق والتقييد ، أو نقول : السعة مقابل الضيق ، والصياغة الثانية ـ للإطلاق والتقييد ـ : وهي السعة الخارجيّة .


ومرَّ بنا التذكيرُ بشبهةِ علقتْ في ذهنِ كثيرٍ من العُرفاءِ أو الصوفيّةِ أو الفرق الباطنيّة أو غيرهم ربّما يعزوها البعضُ نتيجةَ هذا الدليل ، باعتبارِ أنّ هذا الدليل فيه أنّ سعةَ الذاتِ الأزليّة ليست سعةً جسمانيّة بل سعةَ إحاطةِ الوجود ، ونفاذِ الوجود ، وقوّةِ الوجود في كلِّ وجودِ الوجودِ ، أي لا يخلو منه وجودٌ . هذا ـ طبعاً ـ موجودةٌ في بياناتِ الوحي ( يا مَنْ لا يخلو منه شيءٌ ) ، أو في دعاء كميل : ( وبأسمائك التي ملئت أركان كلِّ شيء ) طبعاً الأسماء غير الذّات ، فكل شيء مخلوق له أركان ، وقد ملئت الأسماءُ الإلهيّةُ أركانه ، فالاسم الإلهي يملأُ ويسعُ ، فضلاً عن الذات الإلهيّة أي المُسمَّى .


الاسم يملأ ـ يعني واسع ـ ، ويملأ لا يعني مُحاط ، ومظروف بل مُحِيط ، فاسم القدير ملأ هذا الشيء ، وملأ هذا الشيء يعني وسعه وأحاط به . ( أركان كلِّ شيء ) يعني كلّ شيء بقضّه وقضيضه ، وبأسره مملوءٌ ومحاطٌ بإحاطةِ وهيمنةِ الأسماءِ الإلهيّةِ ، ولا يعني ذلك أنّها اسم واحد ، بل أسماء ( وبأسمائك ) . إذاً ؛ ( ملئت ) لا يعني أنّها صارت مظروفة ، بل هي محيطة ونافذة ولطيفة ومهيمنة ، هذا هو معنى ( ملئت ) ، فالملأ ليس على وتيرة الأجسام ـ فالجسم يحتاج إلى مملوء ، فالّذي يُملأُ به يصير مظروفاً ، والمملوء يصير ظرفاً ـ فليس المُراد ذلك ، فملأَ كلَّ شيء ، أي نفذ وهيمن وأحاط بكلِّ شيء .


هذا بالنسبة للأسماء ، فكيف بالنسبة للذات الإلهيّة الأزليّة . إذاً : هذه السعة ـ سعة الهيمنة والنفوذ والإحاطة ـ علقة من هذا الدليل وهذا البرهان نوع من الكدورة في التصوّر بحسبان أنّ بمقتضى هذا الدليل أن المخلوقات لا حظَّ لها من الوجود ، ولا حظَّ لها من الواقعيّة ، لأنّا لو بنينا أنّ لها حظَاً من الواقعيّة أو حظّاً من الوجود ، إذاً : لكانت ندّاً أو مزاحمة للواقعيّة الذاتية الأزلية له تعالى .


فلو كانت لها وجود لاختصّت بذالك القدر من الوجود ونزعته ونقصته من الباري ، هكذا توهّموا . هذه نوع من السلفيّة والوهابية في هذا البحث ، لأنَّ الوهابية السلفيّة نفس الشيء ، إذ أنّهم يقولون : تعظيم غير الله معناه الندّ ، فعندهم تقديس وتعظيم غير الله ـ وإنْ كان بأمرٍ من الله ـ معناه الندّ .


ولكنّا نقول: ماذا يعني ( غير الله ) ؟ فهنا يأتي بيت الجواب هل معنى ( غير الله ) رؤية غير الله في الشيء ؟ وإنْ كان كذلك فما هو هذا الشيء ؟ أو لم يقلْ أمير المؤمنين عليه السلام ( وبأسمائك التي ملئت أركان كل شيء ) فكل شيء يحكي الوجود الأزلي الذاتي ، يحكي أي نافذٌ فيه ، ومحيط به ، وسيع نفوذُه ، هو يحكي عنه ، فكيف يكون غير الله ؟ وعليه فليس معناه رؤية غير الله في الشيء .


هل معنى ( غير الله ) أي غير مستقل ؟ وإنْ كان كذلك فمَنْ هذا الغير مستقل ؟ لأنّه لا تقوم قائمة شيء من الأشياء بدون الله ، وعليه فهذا غير متصوَّر أيضاً .


إذاً : هنا صار خلط ـ عند الوهابية على صعيد التوحيد الأفعالي أو العبادة وبين العُرفاء أو الصوفيّة على صعيد التوحيد الوجودي لو التزموا بالوحدة الشخصيّة الخاطئة ـ بين الغيريّة المستقلّة والغيريّة غير المستقلّة ، وهذه بالتالي ليست غير ، وهي ليست عين ومعنى .


هل الأشياء المخلوقة قائمة بنفسها ؟ طبعاً لا ، هل في زاوية من زواياها قائمة بنفسها ؟ لا ، لأنّ الأسماء ( ملئت أركان كل شيء ) فبالتالي لا يوجد زاوية من زوايا هذا الموجود المخلوق ليس فيه اسميّة من أسمائه تعالى ، يعني ليس فيه دلالة على أنّه قائمٌ بالله تعالى ، فكل أركان كينونة وكيان وركن كيان أركان هذا الشيء المخلوق مملوء بالأسماء الإلهيّة ، ومملوء بالأسماء الإلهيّة تعني الأسماء الإلهيّة تحكي قيامه تعالى .


فأيُّ غيريّة مقصودة ؟ يقول أنا رجل ، يكون زاوية من زوايا هذا المخلوق أنا رجل ، أي أنا قوّي بنفسي وقادر بنفسي ، وأنا كينونة كائن بنفسي ، من أين ؟ لأنّ تمامَ حقيقتي أنّي فعلٌ لربّي ، هذا هو الصحيح ، فأيّ مخلوق ينطق بهذا الأمر ، تمام حقيقة نفسي أنّي مخلوق لله ، أنّي فعلٌ لربّي ، لا أنّي عين ذات ربّي ، فهناك فرق بينهما . بين أصنام ندّيّة ـ وهذا غير صحيح ـ ، وبين عينيّة ذاتيّة ـ وهذا غير صحيح ـ وبين حواكي عن الله ـ وهذا الصحيح ـ .


فالشُقوق ـ في معرفة الغيرية ـ ليست ثُنائيّة[1] فهناك شِقٌ ثالث ، وهو : آياتٌ إلهيّة ، وأسماء إلهيّة ، يعني تمام حقيقة الأشياء أنّها اسمٌ له ، أنّها له ، وإنّيّتها له ـ وإنّيّتها وجودها ـ فتمام إنّيّتُها كائنة في هذه الواقعيّة ( له ) ، ولا يقولون ( به ) ، فتمام إنّيّتها له ، أمّا إذا أردتَ أنْ تحذفَ ( له ) ـ فمعناه أنه ليس ( له ) ـ فأنتَ وقعتَ بالشرك من جهة من حيثُ لا تشعر ، إذا قلتَ بالوحدة الشخصيّة فقد نفيت ( له ) .


لذلك هناك برهان يبيّنه أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الاحتجاج ـ وهو حديث معروف ـ يسطّر فيه عليه السلام كلّ علوم القرآن ـ يعني أُسُس علوم القرآن ـ ، وهناك يبيّن أمير المؤمنين عليه السلام فلسفة خِلقة الخَلق ما هي ؟ أهل البيت عليهم السلام بعكس ما يدّعيه العُرفاء يبيّنون عدّة غايات للخِلقة ـ لماذا خلق الخلق ؟ ـ وهذا بحثٌ من بحوث أُسس المعارف ، ما هي العلّة والغاية من خلق الخلق ؟


يبيّن ـ هناك ـ أمير المؤمنين ربّما حكمتين ـ أو أكثر ـ بديعتين حول سرّ خلق الله للمخلوقات ، يبيّن هذا المقطع ، يقول : ( فخلق الخلقَ وأمرهم ونهاهم ليتحقق حقيقة الاسم ) .


فمعناه أنّك عندما تقول : الله قادر ، معناه : أنّ المقدور موجود ، وتقول : عالم ، فمعناه : أن المعلوم موجود ـ وإنْ كان لدينا يوجد عالم بلا معلوم ولكن ـ ليتحقّق مطابقة العلم وأنّه حقيقي ينوجد المعلوم على طبق العِلم ، وينوجد المقدور على طبق القدرة ، ينوجد المُحاط على طبق اسم المحيط ( ليتحقق حقيقة الاسم ) . فالوحدة الشخصيّة تؤدي إلى إنكار وجحود الأسماء الإلهيّة ، ولكن كيف يؤدّي إلى إنكار الأسماء الإلهيّة ؟


لأنّ الاسم الإلهي هو الشيء الدالّ على الله[2] ، فلازم الوحدة الشخصيّة نفي الأسماء ، وجحد الأسماء والكفر بالأسماء ـ وكلامنا حول الكفر ليس الكفر الفقهي بل الكُفر العِلمي ـ أي جهل الأسماء ، مع أنَّه لا يوجد عاقل في فطرته ينكر الأسماء الإلهيّة ، فلا أحد يشكك أنّ الله قادر وغني وأول وآخر وحيّ ومريد ولطيف وواسع ومحيط ، فلا يستطيع إنكار هذه الأسماء ومقتضاها أنّها ( ملئت ) ـ كما يقول أمير المؤمنين ـ ( ليتحقق حقيقة الاسم ) كيف يتحقق حقيقة الاسم ؟


بناءاً تفترض أنّ هناك أشياء خُلقت في ظلِّ الأسماء ـ ظلّ أي تبع ـ لكن تلك الأشياء المخلوقة ليست أنا رجل ، ليست آلهة ، كلّها بقضّها وقضيضها ملئتها أسماؤه تعالى ( وبأسمائك التي ملئت أركان كل شيء ) يعني لا تدع لشيء في شيئيّته إلاّ ويقول : عبدٌ مخلوق ، عبدٌ مخلوق ، قِنٌّ مخلوق ( كفى بي فخراً ـ تمام حقيقة الأشياء ـ أن أكون لك عبداً ) فأكون أي : كوني عبوديّة ، أي اسميّة له تعالى ( وكفى بي عزّاً ـ أي اعتزازي ـ أنْ تكونَ لي ربّاً ) لذلك الوهابية من حيث لا يشعرون ، وأصحاب الوحدة الشخصيّة في بحثِ المعرفة الإلهيّة في المقام الأول من حيث لا يشعرون ـ من العرفاء وغيرهم ـ وهابيّة من نمطٍّ معيّن .


فالسقيفة سقيفة سياسية ، كما توجد سقيفة عقائديّة ـ أيضاً ـ ، والوهابية كذلك ، فيوجد وهابية في بحث العبادة والتوسّل ويوجد وهابية بهذا النمط ـ أقصد نفس الشاكلة ونفس الانزلاق ، ونفس الغفلة والجهالة على صعيد أصل المعرفة الإلهيّة ـ .


دعوني أقولها بصراحة : بعض العُرفاء أو الصوفيّة يظنّ أنّه إذا ركّزت على مقامات أهل البيت عليهم السلام ومعارف أهل البيت يكون توحيدُك ناقصاً ، وهذا عجيبٌ ، وعندهم هذه النظرة ، شبيه السلفيّة ولكن في مقام التوحيد ، وهذه ملفّات سريّة في المعرفة ، ولكن لا بأس بكشف الأوراق بعض الشيء ، ومثل هذه المشارب موجودة ، والحال أنّك إنْ جعلتَ الذات الأزليّة وحدة شخصيّة في الأسماء ـ والعياذ بالله ـ صارت : ذات خاوية عن الكمالات ، فالأسماء مظهر كمالات الله ، فنحن لا نقول عين ، بل مظهر ( وله الأسماء الحُسنى ) لذلك صار ذكرُهم ذكرَ الله ، ( اللهم إنّي أسألُك بمعاني جميع ما يدعوك .. المأمونون على سرِّك ، الواصفون لقدرتك ، المعلنون لعظمتك ، أسألُك بما نطق فيه من مشيئتك فجعلتهم ـ هؤلاء المقرّبين ـ معادن كلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك ) إذاً : أركان التوحيد والآيات والمقامات هم هؤلاء ، الذين هم عبوديّة محضة لله تعالى ، لا أنّه خِلاف التوحيد ، بل هو رُكن التوحيد ( مَنْ أراد الله بدأ بكم ، ومَنْ وحّده قَبِلَ عنكم ) ولكن على هذا المسلك المتعسلك : لا تصير توحيديّاً ، فلا تركّز على معارف ومقامات أهل البيت كثيراً !! ، ونحن هل ندّعي في أهل البيت إلاّ ما أعطاهم الله ؟ هذه عطايا الله لماذا نخفيها ؟ هم أفعال الله ، فلماذا نخفيها ؟ لماذا نسكت عنها ؟


إذاً : حجبنا معرفتنا عن فيض الله ، وفيه نوع نقص من المعرفة بالله ( فجعلتهم أركاناً لتوحيدك ) كيف تعرض التوحيد ؟ تعرض التوحيد يعني ملئ كل شيء ، هو ملئ له تعالى ، أنت إذا تتحسّس من عبارة ( له ) فأنت لم توحِّد الله في أسمائه ( التي ملئت أركان كل شيء ) ، فإذا كان كلّ شيء أسماء له ، وعبودية له ، فأين الابتعاد عن التوحيد ؟ هذا التوحيد الذي ننشده بغير الوحدة الشخصيّة .


أمّا الذين ينشدون التوحيد بالوحدة الشخصيّة بأنْ تنفيَ كلّ شيء عدا أنه هو الله ، لم ينشدوا التوحيد .


فإذا نفيت كلّ شيء ، لم تنشد التوحيد ، فإذا أردت أنْ تنشدَ التوحيد ( فجعلتهم أركاناً لتوحيدك ولآياتك ومقاماتك ، وملئت بهم سماءك وأرضك حتّى ظهر أن لا إلا إلاّ أنت ) إذاً تظهر عظمته أكثر وتتبدا أكثر فأكثر .


وبهذا البيان ـ أي بالوحدة الشخصيّة تُخفي عظمة الله ، فهم كالوهابية ، فأهل الوحدة الشخصيّة في مقام المعرفة الإلهيّة ، أما الوهابيون ففي مقام توحيد العبادة ، فهم يصغّرون الله من حيث لا يشعرون .


فأولئك ـ أي الوهابية والسلفية ـ في مقام توحيد العبادة يظلمون اللهَ عندما ينفون الوسائل والوسيلة إلى الله ، وينفون الآيات ، ويعتبرون كلّ شيء غير الله ، فهم يعتبرون كل هذه الأشياء قائمة غير الله ، وهذا هو الخطأ ، وهذا هو الكُفر ، لأنّ كلّ الأشياء قائمة به ( يا مَنْ كلّ شيء قائم به ) ( وأسألك بأسمائك التي ملئت كل شيء ) إذا ملئت كل شيء ، فأين غير الله ؟ الغير يعني مستقلّ ، ولكن لا وجودَ لهذا المستقل ، فالغير بمعنى مستقل وبمعنى ندّ وبمعنى شريك لا وجود لها ، أمّا أشياء ملؤها أسماء الله ، وملئ أركان وجودها أسماء الله ـ بالعكس ـ هذه عظمة الله ، هذا توحيد الله ، ولكن بهذا النظام ، نظام الأسماء ، نظام الآيات ، نظام أولياء الله ، نظام المقرّبين ، لا النظام الذي يكفر بالله بأشكل المشكلات وهي الجحود لآيات الله وبأسماء الله ( وذروا الّذين يلحدون في أسمائه ) بهذا اللحاظ ، وللبحث تتمّة وصلى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين


_________________________


[1] أي ليست حصر بالثنائيّة إمّا ندّ مستقل أو عينٌ ذاتيّةٌ شخصيّةٌ . ( منه حفظه الله )


[2] وسيأتي في موطنه بحث الأسماء وهو بحث زلزالي كبير وعظيم في معارف أهل البيت عليهم السلام ، ونحنُ لا زلنا في المرحلة الأولى من المعرفة ( أول الدين معرفته ) فنحن لا زلنا في هذه المرحلة ، أمّا المراحل الأُخرى ( وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ) جميع هذه المراحل ستأتي ، الآن في المرحلة الأولى بحسب بيان أمير المؤمنين : أصل المعرفة وشبهة الوحدة الشخصيّة . ( منه حفظه الله )


ملاحظة : تم نقل هذه المحاضرة من قبل أحد الفضلاء دون تدقيق وتقويم للنص , نشرت لتعم الفائدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق