الجمعة، 1 مايو 2015

بيان الأدلّة النقلية في إثبات حدوث العالم (السيد قاسم علي أحمدي)




أمّا الآيات فعلى طوائف

        منها ما فيها لفظ « خَلَقَ » كقوله تعالى :

        « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَا فِي الاْءَرْضِ جَمِيعاً »(90) .

        « إِنَّ رَبَّكُمُ اللّه‏ُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ والاْءَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ »(91) .

        « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاْءَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ »(92) .

        « الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاْءَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ »(93) .

        « أَوَلاَ يَذْكُرُ الاْءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً »(94) .

        « اللّه‏ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ »(95) .

        ومنها ما فيها لفظ « بَدأ » كقوله تعالى :

        « إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ »(96) .

        « قُلِ اللّه‏ُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ »(97) .

        « أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّه‏ُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ »(98) .

        ومنها ما فيها لفظ « بديع » كقوله تعالى :

        « بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاْءَرْضِ »(99) .

        « بَدِيعُ السَّماوَاتِ وَالاْءَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ »(100) .

        ومنها ما فيها لفظ « انشأ » كقوله تعالى :

        « هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاْءَبْصَارَ وَالاْءَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ »(101) .

        « هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ »(102) .

        والحاصل : إنّ الآيات الدالّة على حدوث خلق السماوات والأرضيين و ما بينهما ـ عموماً و خصوصاً ـ كثيرة جدّاً .

        ويتبيّن لكلّ من يتتبّع كلام العرب وموارد استعمالاتهم وكتب لغتهم أنّ أالفاظ « الخلق » و« الإبداء » و« الإبداع » و« الإيجاد » و« الإحداث » و« الفطر » و« الاختراع » و« الصّنع » و« الجعل » ، لاتُطْلق إلا على الإيجاد بعد العدم(103) .

        وقال المحقق الطوسي في شرح الإشارات :

        الصّنع : إيجاد شيء مسبوق بالعدم ، وفي اللغة : الإبداع الإحداث ، ومنه « البدعة » لمحدثات الأمور ، وفسّروا الخلق بإبداع شيء بلا مثال سابق (104) .

كلام أهل اللغة في تفسير هذه التعابير القرآنية

        وجدير بنا أن ننقل كلام بعض أهل اللغة ليظهر لك حقيقة ما ذكرناه .

        لفظ « بدأ » :

        في أقرب الموارد : بَدَاتُ بالشيء بدأً وابتدأتُه وبه وتَبَدّأتُ به : افتتحتهُ .

        البدأ : افتتاح الشيء والأوّل والابتداء(105) .

        وفي مجمع البحرين : بدأتُ الشيء : فعلته ابتداءا(106) .

        وفي لسان العرب : بَدأتُ الشيءَ : فعلته ابتداءا .

        البدء والبديء : الأوّل .

        البدء : فعل الشيء الأوّل .

        بدأ : في أسماء اللّه‏ عزّوجلّ المُبْدئ : هو الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداءا من غير سابق مثال(107) .

        لفظ : « خَلَقَ » :

        في لسان العرب : الخلق في كلام العرب : ابتداع الشيء على مثال لم يُسْبَق إليه وكلّ شيء خَلَقَه اللّه‏ فهو مبتَدِئه على غير مثال سبق إليه :

«أَلا لَه الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللّه‏ أَحْسَن الخالِقين» .

        ابن سيده : خلق اللّه‏ الشيء يخلقه خلقا ، أحدثه بعد أن لم يكن(108) .

        وقال في النهاية : في لغة خَلَقَ : في أسماء اللّه‏ تعالى : الخالق ، وهو الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة(109) .

        وفي أقرب الموارد : خَلَقَ الشيء : أوجده وأبدعه على غير مثال سبق(110) .

        لفظ « أنشأ » :

        في لسان العرب : أنشَأَه اللّه‏ : خَلَقَه .

        أنْشَأ اللّه‏ الخلق أيْ ابتدأ خلقَهم .

        وقال الزجاج في قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ »(111) : أي ابتدعها وابتدأ خلقَها(112) .

        وفي مجمع البحرين : قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ » أي ابتدأكم وخلقكم وكل من ابتدأ شيئاً فقد أنشأه ، ومثله : أنشأ جنّات معروشات وينشئ السحاب الثقال(113) .

        وفي أقرب الموارد : أنْشَأ الشيء : أحدثه .

        أنشأ اللّه‏ الخلقَ : ابتدأ خلقهم .

        أنشَأ اللّه‏ الشيء : خلقه(114) .

        وفي مجمع البيان : الإنشاء : إحداث الفعل ابتداءا لا على مثالٍ سبق ، وهو كالابتداع .

        وقال في قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ »(115) أي خلق وابتدع لا على مثال(116) .

        لفظ « بدع » :

        في أقرب الموارد : بَدَعه وأبْدَعَهُ وابْتَدَعَهُ كلها بمعنى اخترعه لا على مثال .

        البِدْعَةُ : ما اختُرع على غير مثالٍ سابق(117) .

        وفي لسان العرب : بدع الشيء يبدعُهُ بَدْعاً وابتدعه : أنْشَأه وبدأه .

        البديعُ والبِدْعُ : الشيء الذي يكون أوّلاً .

        وفي التنزيل : « قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ »(118) أي ما كنتُ اوّل من أُرسِل ، قد أُرْسِلَ قبلي رُسُلٌ كثيرٌ .

        فلانٌ بِدْعٌ في هذا الأمر أي أوّل لم يسبقه أحدٌ .

        ابتدعتُ الشيءَ : اخترعتُه لا على مثال .

        بديع السموات والأرض : أي خالقها ومبدعها فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثالٍ سابقٍ(119) .

        وفي مجمع البحرين : بدع : ما كنت بدعاً من الرسل ، أي ما كنت بدءاً من الرسل أي ما كنت أوّل من أُرسل من الرسل ، قد كان قبلي رسل كثيرة .

        بديع السماوات والأرض . . : أي مبدعهما وموجد لهما من غير مثال سابق(120) .

        وفي كتاب العين : البدع : إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة .

        واللّه‏ بديع السموات والأرض : ابتدعهما ولم يكونا قبل ذلك شيئاً يتوهمهما متوهم ، وبدع الخلق .

        البدع : الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال اللّه‏ عزّوجلّ : « قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ »(121) أي لست أوّل مرسل(122) .

        والحاصل : إنّ المستفاد من كتب اللغة أنّ لفظ « بدع » مختص بالإيجاد الابتدائي أي الإيجاد بعد العدم ، ولا يستعمل في الإيجاد من شيء (123).

سائر الأَلفاظ :

        ولا يخفى إنّ المعنى الذي ذكرناه في « بَدَءَ » و« خَلَقَ » و« بَدَعَ » هو نفس المعنى المستفاد من سائر الكلمات ـ أي « الإيجاد » و« الإحداث » و« الاختراع » . . . ـ على ضوء كتب اللغة .

        وهذا المعنى هو الظاهر والمتبادر من هذه الكلمات بلا احتياج إلى قرينة وبالرجوع إلى كتب اللغة وموارد استعمالاتهم يحصل الاطمئنان بأنها لا تطلق إلاّ على الإيجاد بعد أن لم يكن . . أي الخلق الابتدائي ، وفهم المعنى الآخر يحتاج إلى قرينة .

        فالمعنى الأوّل والمتبادر من هذه الكلمات هو الخلق الابتدائي أي الإيجاد بعد العدم .

        وسنذكر الأحاديث الكثيرة الصريحة في هذا المعنى وانّها تصدّق الظهور المستفاد من الآيات .

        ولا يبقى ريب فيما قلناه لمن تتبع الآيات والأخبار ، كقوله عليه‏السلام : « لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلّة فلا يصحّ الابتداع »(124) كما قد وقع التصريح بالحدوث بالمعنى المعهود في أكثر النصوص الآتية بحيث لا تقبل التأويل ، وبانضمام بعضها مع بعض يحصل القطع بالمراد .

        فعلى هذا إنّ التأمّل في الآيات المتظافرة والأحاديث المتواترة بأساليب مختلفة تسبّب حصول القطع بالحدوث بالمعنى الذي أسلفناه .


الأحاديث الصريحة الدالّة على حدوث ما سوى اللّه‏ تعالى

        أمّا الروايات الدالة على وقوع التفكيك بينه تعالى وبين ما سواه وأنّ جميع ما سوى اللّه‏ حادث بمعنى انتهاء أزمنة وجودها في الأزل إلى حدّ وينقطع وأنّها كائنة بعد أن لم يكن بعديّة حقيقية لا بالذات فقط فمتواترة جدّاً كما لا تخفى على العارف بالأخبار .

        ونحن نذكر الآن جملة منها ، ولكن قبل سرد الروايات لابد من الاشاره إلى أنّ البحث الذي نحن الأن بصدد بيانه هو حول الدليل النقلي مع قطع النظر عن الدليل العقلي ، وإن كان بعض الأدلّة النقلية الآتية متضمنة للدليل العقلي أيضاً .

        * روى الشيخ الطبرسي ـ ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام عن مسائل كثيرة . . ـ :

        إنّه قال الزنديق : من أيّ شيء خلق اللّه‏ الأشياء ؟

        قال عليه‏السلام : « لا من شيءٍ » .

        فقال : كيف يجيء من لا شيء شيء ؟

        قال عليه‏السلام : « إنّ الأشياء لا تخلو ، إمّا أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء ، فإن كان خلقت من شيء كان معه ، فإن ذلك الشيء قديم ، والقديم لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغيّر . . » .

        إلى أن قال الزنديق : فمن أين قالوا إنّ الأشياء أزليةٌ ؟

        قال : « هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء فكذّبوا الرسل ومقالتهم والأنبياء وما أنبأوا عنه ، وسمّوا كتبهم أساطير ، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم . . . لو كانت قديمة أزليّة لم تتغيّر من حال إلى حال ، وإنّ الأزلي لا تغيّره الأيام ولا يأتي عليه الفناء »(125) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        بيان : « والقديم لا يكون حديثاً . . » ، أي ما يكون وجوده أزلياً لا يكون محدثاً معلولاً فيكون الواجب الوجود بذاته ، فلا يعتريه التغيّر والفناء .

        وقد نسب إلى بعض الحكماء أنه قال : المبدع الأوّل هو مبدع الصور فقط دون الهيولى ، فإنّها لم تزل مع المبدع . . فأنكر عليه سائر الحكماء ، وقالوا : إنّ الهيولى لو كانت أزليّة قديمة لما قبلت الصور ، ولما تغيّرت من حال إلى حال ، ولما قبلت فعل غيرها . . إذ الأزليّ لا يتغيّر(126) .

        * عن إلامام أمير المؤمنين علي عليه‏السلام أنه قال :

« الحمد للّه‏ خالق العباد ، وساطع المهاد ، ومسيل الوهاد ، ومخصب النجاد ، ليس لأوليّته إبتداء ، ولا لأزليّته انقضاء ، هو الأوّل لم يزل ، والباقي بلا أجل . . »

        إلى أن قال عليه‏السلام :

« لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة ولا من أوائل أبديّة ، بل خلق ما خلق فأقام حدّه وصوّر ما صوّر فأحسن صورته . . »(127).

        أقول : إنّ صراحة قوله عليه‏ السلام : « لم يخلق الأشياء من أصول أزلية » واضحة ومبيّنة لحدوث العالم بشكل لا يقبل التأويل بأيّ وجه من الوجوه .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي اسحاق اللّيثي ، قال : قال لي أبو جعفر محمدّ بن علي الباقر عليهماالسلام :

« يا ابراهيم ! إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم يزل عالماً قديماً ، خلق الأشياء لا من شيء ، ومن زعم أنّ اللّه‏ تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر ؛ لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته وهويّته كان ذلك الشيء أزليّاً ، بل خلق اللّه‏ تعالى الأشياء كلّها لا من شيء . . »(128) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‏السلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه فأسماؤه وصفاته هي هو ؟

        فقال أبو جعفر عليه ‏السلام :

« . . . إن كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ اللّه‏ أن يكون معه شيء غيره ، بل كان اللّه‏ ولا خلق ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه وهي ذكره ، وكان اللّه‏ ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو اللّه‏ القديم الذي لم يزل »(129) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏ الله :

        هذا صريح في نفي تعدد القدماء ، ولا يقبل تأويل القائلين بمذاهب الحكماء(130) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن جابر الجُعْفي قال : جاء رجلٌ من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه‏السلام فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحداً يُفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس فقال كلّ صنف غير ما قاله الآخر !

        فقال أبو جعفر عليه‏السلام : « وما ذلك ؟ »

        فقال : أسألك ما أوّل ما خلق اللّه‏ عزّوجلّ من خلقه ؟ فإنّ بعض من سألته قال : القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح .

        فقال أبو جعفر عليه‏السلام :

« ما قالوا شيئاً ، أُخبرك أنّ اللّه‏ علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزاً ولا عزّ ، لأنه كان قبل عزّه ، وذلك قوله : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ »(131) وكان خالقاً ولا مخلوق ، فأول شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء » .

        فقال السائل : فالشيء خلقه من شيء أو من لا شيء ؟

        فقال عليه‏السلام :

« خلق الشيء لا من شيء كان قبله ، ولو خلق الشيء من شيء إذاً لم يكن له انقطاعٌ أبداً ، ولم يزل اللّه‏ إذاً ومعه شيء ، ولكن كان اللّه‏ ولا شيء معه فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء »(132) .

        وقال العلاّمة المجلسي رحمه‏ الله :

        هذا الخبر نصّ صريح في الحدوث ولا يقبل التأويل بوجه(133) .

        * ورواه الكليني مسنداً عن محمدّ بن عطية عن أبي جعفر عليه‏السلام قال :

« . . . أُخبرك أن اللّه‏ تعالى كان ولا شي غيره ، وكان عزيزاً ولا أحد كان قبل عزّه ، وذلك قوله : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ »(134) وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أوّل ما خلق من خلقه ، الشيء من الشيء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً ولم يزل اللّه‏ إذاً ومعه شيء ، ليس هو يتقدّمه ، ولكنه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه ، فجعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسباً يضاف إليه . . »(135) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏ الله :

        توضيح : قوله عليه‏السلام : « ولو كان أوّل ما خلق . . » أي لو كان كما تزعمه الحكماء : كل حادث مسبوق بمادّة ، فلا يتحقق شيء يكون أوّل الأشياء من الحوادث ، فيلزم وجود قديم سوى اللّه‏ وهو محال(136) .

        * عن أمير المؤمنين علي عليه‏السلام أنه قال :

« لا تصحبه الأوقات ولا تَرْفِدُهُ الأدوات ، سَبَقَ الأوقاتَ كونُهُ ، والعدمَ وجودُه ، والابتداء أزله . . »

        إلى أن قال عليه‏ا السلام :

« لا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ ! إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتَجَزَّأَ كُنهه ولامتنع من الأزل معناه . . . »

        إلى أن قال عليه‏ا السلام :

« يقول لما أراد كونه : كن فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا نداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعلٌ منه أنشأهُ ومثَّلهُ ، لم يكن من قَبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً » .

« لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات ولا يكون بينها وبينه فصل ، ولا له عليها فضل فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع . . . »

        إلى أن قال :

« هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتدائها بأعجب من إنشائها واختراعها ، كيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلّدة أُممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيّرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها .

وإنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عُدمت عند ذلك الآجال والأوقات وزالت السنون والساعات فلا شيء إلاّ اللّه‏ الواحد القهار »(137) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله في شرح قوله عليه‏السلام : « ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً . . » :

        هذا صريح في أنّ الإمكان لا يجامع القدم ، وأنّ الإيجاد إنما يكون لما هو مسبوق بالعدم ، فالقول بتعدّد القدماء مع القول بإمكان بعضها قول بالنقيضين(138) .

        وقال في موضع آخر في شرح هذه الفقرة :

        يدلّ على أن القدم ينافي الإمكان ، وأنّ القول بقدم العالم شرك(139) .

        وقال رحمه‏الله ـ في شرح قوله عليه‏السلام : « كما كان قبل ابتدائها . . » ـ :

        صريح في حدوث ما سوى اللّه‏ تعالى ، وظاهره نفي الزمان أيضاً قبل العالم ، وعدم زمانيّته سبحانه إلى أن يحمل على الأزمنة المعيّنة من الليالي والأيام والشهور والسنين ، ويدل على فناء جميع أجزاء الدنيا بعد الوجود ، وهذا أيضاً ينافي القدم ، لأنهم أطبقوا على أنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، وأقاموا عليه البراهين العقلية(140) .

        أقول : يتبيّن من قوله عليه‏السلام : « لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها . . . على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها » ، أنّ معنى الخلق هو الإيجاد بعد العدم ، وعلى هذا إنّ الأزلية والقدمة مختصة به تعالى ولايوجد شيء قديم سوى اللّه‏ تعالى ، بل لكلّ ما سوى اللّه‏ سبحانه ابتداء وأوّل وهو كائن بعد أن لم يكن بعدية حقيقة .

        * روى الصدوق ـ مسنداً ـ عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام أنه قال :

« اعلم علّمك اللّه‏ الخير إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميّته ، فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة أنه لا شيء قبل اللّه‏ ولا شيء مع اللّه‏ في بقائه .

وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء ، وذلك أنه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً له ؛ لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ؟ ! ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا ، وكان الأوّل أولى بأن يكون خالقاً للأول الثاني . . »(141) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        لا يخفى أنه يدل على أنه لا قديم سوى اللّه‏ ، وعلى أنّ التأثير لا يعقل إلاّ في الحادث ، وأنّ القدم مستلزم لوجوب الوجود(142) .

        وقال أيضاً في بحار الأنوار :

        هذا الخبر صريح في الحدوث ومعلّل(143) .

        * روى الطبرسي عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرّة المحدث صاحب شبرمة أن أُدخله على أبي الحسن الرضا عليه‏السلام ، فاستأذنته فأذن له فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والفرائض والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال له : أخبرني ـ جعلني اللّه‏ فداك ـ عن كلام اللّه‏ لموسى ؟ . . .

        وساق الكلام إلى أن قال : فما تقول في الكتب ؟

        فقال أبو الحسن عليه‏السلام :

« التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكلّ كتاب أنزل ، كان كلام اللّه‏ أنزله للعالمين نوراً وهدىً ، وهي كلّها محدثة ، وهي غير اللّه‏ . . »

        قال أبو قرّة : فهل تفنى ؟

        فقال أبو الحسن عليه‏السلام :

« أجمع المسلمون على أنّ ما سوى اللّه‏ فانٍ ، وما سوى اللّه‏ فعل اللّه‏ ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل اللّه‏ ، ألم تسمع الناس يقولون : ربّ القرآن وإنّ القرآن يقول يوم القيامة يا ربّ هذا فلان ـ وهو أعرف به ـ قد أظمأت نهاره ، وأسهرت ليله فشفّعني فيه ؟ وكذلك التوراة والإنجيل والزبور وهي كلّها محدثة مربوبة أحدثها من ليس كمثله شيء هدىً لقوم يعقلون ، فمن زعم أنّهن لم يزلن معه فقد أظهر أنّ اللّه‏ ليس بأوّل قديم ولا واحد ، وأنّ الكلام لم يزل معه وليس له بدء وليس بإله »(144) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        بيان : « وليس له بدء . . » أي ليس للكلام علة ؛ لأنّ القديم لا يكون مصنوعاً ، « وليس باله . . » أي والحال إنه ليس بإله فكيف لم يحتج إلى الصانع ، أو الصانع يلزم أن لا يكون إلهاً لوجود الشريك معه في القدم(145) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام في خطبته الطويلة قال :

« أوّل عبادة اللّه‏ معرفته ، وأصل معرفة اللّه‏ توحيده ، ونظام توحيد اللّه‏ نفي الصفات عنه لشهادة العقول أنّ كلّ صفةٍ وموصوفٍ مخلوق ، وشهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث . . . سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله . . . له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ لا معلوم ، ومعنى الخالق إذ لا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع ، ليس منذ خَلَقَ استحق معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية . . . كيف يستحقّ الأزل من لا يمتنع من الحدث . . . »

« ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه له تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيمٌ إلاّ بامتناع الأزلي أن يثنّى وما لا بدء له أن يُبدأ . . »(146) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        قد دلّت ـ أي هذه الخطبة ـ على تنافي الحدوث أي المعلولية والأزلية ، وتأويل الأزليّة بوجوب الوجود ، مع بعده يجعل الكلام خالياً عن الفائدة .

        ودلالة سائر الفقرات ظاهرة كما فصّلناه سابقاً ، وظاهر أكثر الفقرات نفي الزمانيّة عنه سبحانه وكذا قوله عليه‏السلام : « إلاّ بامتناع الأزلي أن يثنّي . . » يدلّ على امتناع تعدد القدماء وكذا الفقرة التالية لها(147) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن الحسن بن محمّد النوفلي ، أنه قال : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ، ثمّ قال له : إنّ ابن عمّي عليّ بن موسى قدم عليّ من الحجاز وهو يحبّ الكلام . . .

        إلى أن قال سليمان : فإنه لم يزل مريداً .

        قال عليه‏السلام : « يا سليمان فإرادته غيره ؟ »

        قال : نعم .

        قال : « فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل » .

        قال سليمان : ما أثبتُّ .

        فقال عليه‏السلام : « هي محدثة ، يا سليمان ! فإن الشيء إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً ، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً . . »

        وجرى المناظرة إلى أن قال عليه‏السلام :

        « ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟ »

        قال : بل هي فعل .

        قال : « فهي محدثة ؛ لأن الفعل كله محدث » .

        قال : ليست بفعل .

        « قال : فمعه غيره لم يزل » .

        قال سليمان : إنّها مصنوعة .

        قال : « فهي محدثة » .

        وساق الكلام إلى أن قال :

        قال سليمان : إنما عنيت أنها فعل من اللّه‏ لم يزل .

        قال عليه‏السلام : « ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً ، وحديثاً وقديماً في حالة واحدة ؟ ! »

        فلم يُحِر جواباً .

        ثمّ أعاد الكلام إلى أن قال عليه‏السلام : « إنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً » .

        قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ، ولم يرد شيئاً .

        قال عليه‏السلام : « وَسوَستَ يا سليمان ! فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه وفعله ؟ ! وهذه صفة ما لا يدري ما فعل ، تعالى اللّه‏ عن ذلك . . »

        ثم أعاد الكلام إلى أن قال عليه‏السلام : « فالإرادة محدثة وإلاّ فمعه غيره »(148) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        حكم عليه‏السلام في هذا الخبر مراراً بأنه لا يكون قديم سوى اللّه‏ ، وأنه لا يعقل التأثير بالإرادة والاختيار في شيء لم يزل معه(149) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ في ذكر مجلس الرضا عليه‏السلام مع أهل الأديان وأصحاب المقالات ـ فقال عمران الصابي : أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق ؟

        قال عليه‏السلام :

« سألت فافهم . . ! أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك ، ثمّ خلق الخلق مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة ، ولا في شيء أقامه . . . »

        إلى أن قال له عمران : يا سيّدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه أليس قد تغيّر بخلقه الخلق ؟

        قال الرضا عليه‏السلام :

« لم يتغيّر عزّوجلّ بخلق الخلق ولكنّ الخلق يتغيّر بتغييره . . » .

        إلى أن قال : يا سيّدي ألا تخبرني عن اللّه‏ عزّوجلّ هل يوحّد بحقيقة أو يوحّد بوصف ؟

        قال الرضا عليه‏السلام :

« إنّ اللّه‏ المبدى‏ء الواحد الكائن الأوّل لم يزل واحداً لا شيء معه ، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولا ولا محكماً ولا متشابهاً ولا مذكوراً ولا منسياً ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره ، ولا من وقتٍ كان ، ولا إلى وقت يكون ، ولا بشيء قام ، ولا إلى شيء يقوم ، ولا إلى شيء استند ، ولا في شيء استكنّ ، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء غيره »(150) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        بيان :« لا في شيء أقامه . . » أي في مادّة قديمة كما زعمته الفلاسفة . . . « هل يوحّد بحقيقة . . » . . . فأجاب عليه‏السلام بأنه سبحانه يعرف بالوجوه التي هي محدثة في أذهاننا وهي مغايرة لحقيقته تعالى .

        وما ذكره أوّلاً لبيان أنه قديم أزلي والقديم يخالف المحدثات في الحقيقة ، وكل شيء غيره فهو حادث .

        وقوله عليه‏السلام : « لا معلوماً . . » تفصيل وتعميم للثاني أي ليس معه غيره ، لا معلوم ولا مجهول ، والمراد بالمحكم ما يعلم حقيقته وبالمتشابه ضدّه .

        ويحتمل أن يكون إشارة إلى نفي قول من قال بقدم القرآن ، فإن المحكم والمتشابه يطلقان على آياته(151) .

        أقول : يظهر ممّا ذكرنا من الروايات أنّ قوله : « ولا يزال كذلك . . » يرجع إلى قوله : « بلا حدود ولا أعراض » لا إلى مجموع ما تقدّم كي يوهم صحة تأويل قولهم صلوات اللّه‏ عليهم : « كان اللّه‏ ولا شيء معه »(152) بالمعيّة الرتبيّة .

        وأضف إلى ذلك أنّ قوله عليه‏السلام : « ثمّ خلق . . » في الرواية التي مّر ذكرها يشير إلى الترتيب الزماني وان تقريره عليه‏السلام لقول السائل حينما قال : « اذا كان واحداً لاشيء غيره . . . » فيه اشاره الى الغيرية الحقيقية .

        * في الاحتجاج والتفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد العسكري عن آبائه عليهم‏السلام قال :

« احتجّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم على الدهريّة ، فقال : ما الذي دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لابدء لها ، وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟ » .

        فقالوا : لأنّا لا نحكم إلاّ بما نشاهد ، ولم نجد للأشياء حدثاً فحكمنا بأنّها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاءا وفناءا فحكمنا بأنّها لا تزال .

        فقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم :

« أفوجدتم لها قدماً أم وجدتم لها بقاءا أبد الأبد ؟ »

« فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ! »

« ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم » .

        قالوا : بل لم نشاهد لها قدماً ولا بقاءا أبد الأبد . . !

        قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم :

« فلِم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائماً لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضائها أولى من تارك التميّز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنّه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءا أبد الأبد ، أولستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما قبل الآخر ؟ »

        فقالوا : نعم .

        فقال : « أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ »

        فقالوا : نعم .

        فقال : « أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ »

        فقالوا : لا .

        فقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « فإذن ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جارياً بعده » .

        قالوا : كذلك هو .

        فقال : « قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا اللّه‏ قدره » .

        ثمّ قال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه ؟

فإن قلتم : إنه غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله .

وإن قلتم : إنه متناه فقد كان ولا شيء منهما » .

        قالوا : نعم .

        قال لهم : « أقلتم إنّ العالم قديم ليس بمحدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟ »

        قالوا : نعم .

        قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر ، لأنّه لا قوام للبعض إلاّ بما يتّصل به كما ترى البناء محتاجاً بعض اجزائه إلى بعض ، وإلاّ لم يتّسق ولم يستحكم ، وكذلك سائر ما يُرى » .

        قال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « فإن كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه هو القديم ، فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون ؟ وكيف إذاً كانت تكون صفته ؟ »

        قال عليه‏ السلام : « فبُهتوا وعلموا أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلاّ وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم .

        فوجموا وقالوا : سننظر في أمرنا »(153) .

        أقول : استدلّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم على حدوث العالم بثلاثة طرق :

        الأوّل : بما يشاهد من الليل والنهار واختلافهما وتقدمهما وتأخرهما ، فإن التقدم والتأخر يلازمان الأوليّة والآخرية ، وهذا دليل الحدوث .

        الثاني : بالحادث اليومي ؛ لأنّه إن كان متناهياً فهو مسبوق بعدمه وإلاّ يلزم اتصاف الحادث بآخر بلا اتصاف بأول ، مع أنهما متضائفان ، وتحقق أحدهما دون الآخر محال .

        الثالث : بتذكّر أوصاف القديم والحادث ، فما يشاهد من التغيّر والتبدل والزوال والفناء والاحتياج فهو دليل على حدوثه ، وإلاّ فإن كان هذا المحتاج قديماً فكيف يكون لو كان حادثاً ؟ !

        * روى الكليني رحمه‏الله عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام أنّ أمير المؤمنين عليه‏السلام . . . قام خطيباً فقال :

« الحمد للّه‏ الواحد الأحد الصمد المتفرّد الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان . . . ولا يتكأده صنع شيء كان ، إنّما قال ـ لما شاء ـ كن فكان ، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، ولا تعب ولا نصب ، وكلّ صانع شيء فمن شيء صنع ، واللّه‏ لا من شيء صنع ما خلق . . »(154) .

        أقول : فرّق الإمام عليه‏السلام في هذا الحديث الشريف بين صنع اللّه‏ تعالى الذي يكون لا من شيء وبين صنع غيره تعالى الذي يكون من شيء ، حيث قال عليه‏السلام : « كل صانع شيء فمن شيء صنع واللّه‏ لا من شيء صنع ما خلق » .

        ولا يخفى أنّ هذا الحديث نصّ في أنّ المراد من « خلق » و« صنع » و« أبدع » بالنسبة إليه تعالى هو المعنى المستفاد من ظاهر الآيات ، فهذه الكلمات ظاهرة في الخلق الابتدائي . . أي الخلق لا من شيء ، بل نصّ فيه بملاحظة الروايات المذكورة .

        وعلى هذا : فإنّ استعمال هذه الكلمات في الخلق من شيء لابدّ وأن يكون مع وجود قرينة ، كما في قوله تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طين »(155) فإن قوله تعالى : « مِن طِين »شاهد على عدم كون الخلق ابتدائياً .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسندا ـ عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام أنه قال :

« المشيّة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ اللّه‏ تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد »(156) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله (157) :

        بيان : لعلّ الشرك باعتبار أنّه إذا كانت الإرادة والمشية أزليّتين فالمراد والمشييء أيضاً يكونان أزليّين ، ولا يعقل التأثير في القديم ، فيكون إلهاً ثانياً كما مرّ مراراً .

        أو انّهما لمّا لم يكونا عين الذات ، فكونهما دائماً معه سبحانه يوجب إلهين آخرين بتقريب ما مرّ .

        ويؤيّد الأوّل ما رواه في التوحيد ـ أيضاً ـ عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال : قلت له : لم يزل اللّه‏ مريداً ؟ فقال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه بل لم يزل اللّه‏ عالماً قادراً ثمّ أراد »(158) .

        قال السيد الخوئي رحمه‏الله في بحث الإرادة :

        إنّ قوله عليه‏السلام في الصحيحة المتقدمة : « إنّ المريد لا يكون إلاّ المراد معه » إشارة إلى أنّ الإرادة الإلهية لو كانت ذاتية لزم قدم العالم وهو باطل ، ويؤيد هذا رواية الجعفري عن الرضا عليه‏السلام : « فمن زعم أن اللّه‏ لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد » فانه صريح في أنّ إرادته ليست عين ذاته كالعلم ، والقدره ، والحياة .(159) .

ملحوظة :

        لا يخفى على من راجع الأخبار والأحاديث أنّ الإرادة والمشية من صفات الفعل التي يصح سلبها عنه تعالى في الأزل ،(160) ولا يلزم منه نقص ، لا من صفات الذات المعتبرة له في الأزل مثل العلم والقدرة فإن نفيها عنه تعالى يوجب النقص فيه للزوم الجهل والعجز .

        وقد دلّت الروايات الكثيرة على أنّ فاعليته تعالى للأشياء إنّما هي بالإرادة والمشية لا بالذات ،(161) وإلاّ يلزم أن يكون اللّه‏ تعالى موجباً في فعله ؛ لأنّ تخلف ما بالذات عن الذات محال .

        فاذا كانت الإرادة والمشية محدثة ، وجميع الأشياء موجودة بالإرادة والمشية فهي أولى بالحدوث .

        وهذا دليل مستقل في اثبات حدوث العالم بالمعنى الذي ذكرناه .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن الحسين بن الخالد ، قال : سمعت الرضا عليّ بن موسى عليهماالسلام يقول :

« لم يزل اللّه‏ تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً . . »

        فقلت له : يا ابن رسول اللّه‏ ! إنّ قوماً يقولون : إنه عزّوجلّ لم يزل عالماً بعلم . . وقادراً بقدرة . . وحيّاً بحياةٍ . . وقديماً بقدمٍ . . وسميعاً بسمعٍ . . وبصيراً ببصر . . ! !

        فقال عليه‏السلام :

« من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع اللّه‏ آلهةً أُخرى وليس من ولايتنا على شيء » .

        ثم قال عليه‏السلام :

« لم يزل اللّه‏ عليما قادرا حيّا قديماً سميعاً بصيراً لذاته . . تعالى عمّا يقول المشركون والمشبهون علواً كبيراً . . »(162) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، أنه كان يقول :

« . . . الحمد للّه‏ الذي كان إذ لم يكن شيء غيره وكوّن الأشياء فكانت كما كوّنها ، وعلم ما كان وما هو كائن »(163) .

        * وقال أمير المؤمنين عليه‏السلام :

« . . المعروف من غير رؤية ، والخالق من غير رويّة ، الذي لم يزل قائماً دائماً ، إذ لا سماء ذات أبراج ، ولا حجب ذات أرتاج ، ولا ليل داجٍ ، ولا بحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولا فجّ ذو إعوجاج ، ولا أرض ذات مهاد ، ولا خلق ذو اعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه وإله الخلق ورازقه »(164) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        أبدعت الشيء وابتدعته . . : أي استخرجته وأحدثته ، و « الابتداع » الخلق على غير مثال ، و « وارثه » أي الباقي بعد فنائهم ، والمالك لما ملكوا ظاهراً ، ولا يخفى صراحته في حدوث العالم(165) .

        * سأل حمران أبا جعفر عليه‏السلام عن قول اللّه‏ تبارك وتعالى : « بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاْءَرْضِ » .

        قال عليه‏السلام : « إنّ اللّه‏ ابتدع الأشياء كلّها على غير مثال كان ، وابتدع السماوات والأرض ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى :« كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ »(166) ؟ ! »

        * روى الكليني عن أمير المؤمنين عليه‏السلام أنه قال :

« الحمد للّه‏ الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، لأنه كلّ يوم هو في شأن من إحداث بديع لم يكن . . . أتقن ما أراد خلقه من الأشباح كلّها لا بمثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، ابتدأ ما أراد ابتداءه ، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين ليعرفوا بذلك ربوبيته . . »(167) .

        * وفي خطبة له عليه‏السلام ـ يذكر فيها ابتداء خلق السماوات والأرض وخلق آدم عليه‏السلام ـ :

« الحمد للّه‏ الذي لا يبلغ مدحته القائلون . . . أنشأ الخلق انشاءا ، وابتدأه ابتداءا بلا روية أجالها . . . عالماً بها قبل ابتدائها . . »(168) .

        * عن الحسن بن علي عليهماالسلام :

« الحمد للّه‏ الذي لم يكن له أوّل معلوم ولا آخر متناه . . . خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً ، ابتدأ ما ابتدع وابتدع ما ابتدأ ، وفعل ما أراد وأراد ما استزاد ، ذلكم اللّه‏ ربّ العالمين »(169) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        الابتداع . . : إيجاد بلا مادّة أو بلا مثال .

        * وجاء في دعاء يوم عرفة لمولانا زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام :

« . . أنت اللّه‏ لا إله إلاّ أنت ، أنشأتَ الأشياء من غير سنخ ، وصوّرتها ما صوّرت من غير مثال ، وابتدأت المتبدعات بلا احتذاء . . . أنت الذي ابتدأ واخترع واستحدث وابتدأ وأحسن صنع ما صنع ، سبحانك من لطيف ما ألطفك . . »(170) .

        * وفي دعاء آخر ليوم عرفة :

« . . ولك الحمد قبل أن تخلق شيئاً من خلقك وعلى بدء ما خلقت إلى انقضاء خلقك »(171) .

        * روى الكليني رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن محمّد بن زيد ، قال : جئت إلى الرضا عليه‏السلام أسأله عن التوحيد فأملى علىّ :

« الحمد للّه‏ فاطر الأشياء إنشاءا ، ومبتدعها ابتداعاً بقدرته وحكمته ، لا من شيء فيبطل الاختراع ، ولا لعلّة فلا يصحّ الابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء ، متوحّداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيّته . . »(172) .

        * عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام :

« الحمد للّه‏ الملهم عباده الحمد ، وفاطرهم على معرفة ربوبيّته ، الدالّ على وجوده بخلقه وبحدوث خلقه على أزليته . . . خالق إذ لا مخلوق ، وربّ إذ لا مربوب ، وإله إذ لا مألوه ، وكذلك يوصف ربّنا ، وهو فوق ما يصفه الواصفون »(173) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن محمّد بن أبي عمير ، قال : دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهماالسلام فقلت له : يابن رسول اللّه‏ ! علّمني التوحيد .

        فقال :

« . . وهو الأوّل الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيرا »(174) .

        * روى الطبرسي أنه سئل أبو الحسن علي بن محمّد عليهماالسلام عن التوحيد ، فقيل : لم يزل اللّه‏ وحده لا شيء معه ثمّ خلق الأشياء بديعا ، واختار لنفسه أحسن الأسماء ؟ أو لم تزل الأسماء والحروف معه قديمة ؟ !

        فكتب :

« لم يزل اللّه‏ موجوداً ثمّ كوّن ما أراد . . »(175) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله بإسناده عن أبي جعفر عليه‏السلام قال :

« إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره . . »(176) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنه كان يقول :

« الحمد للّه‏ الذي كان قبل أن يكون كان . . . بل كوّن الأشياء قبل كونها فكانت كما كوّنها ، علم ما كان وما هو كائن ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان »(177) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله : يدلّ الخبر على حدوث العالم .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‏السلام : قال : سمعته يقول :

« كان اللّه‏ ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما كوّن ، فعلمه به قبل كَوْنه كعلمه به بعد ما كوَّنه »(178) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن علي بن مهزيار قال : كتب أبو جعفر عليه‏السلام إلى رجل بخطه وقرأتُه في دعاء كتب به أن يقول :

« يا ذا الذي كان قبل كلّ شيء ، ثمّ خلق كل شيء ثمّ يبقى ويفنى كلّ شيء ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العُلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يُعبدُ غيره »(179) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أمير المؤمنين علي عليه‏السلام أنه قال :

« الحمد للّه‏ الذي لا من شيء كان ولا من شيء كوّن ما قد كان ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرّها إليه من الفنا على دوامه . . . مستشهد بكليّة الأجناس على ربوبيته وبعجزها على قدرته وبفطورها على قدمته »(180) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        بيان : قوله عليه‏السلام : « ولا من شيء كوّن ما قد كان . . » ردّ على من يقول بأنّ كل حادث مسبوق بالمادّة ، « المستشهد بحدوث الأشياء على أزليته . . » الاستشهاد : طلب الشهادة أي طلب من العقول بما بيّن لها من حدوث الأشياء الشهادة على أزليته ، أو من الأشياء أنفسها بأن جعلها حادثة فهي بلسان حدوثها تشهد على أزليته . . (181) .

        اقول : لا يخفى أنّ حمل قولهم صلوات اللّه‏ عليهم : « كان اللّه‏ ولا شيء معه » على نفي المعيّة في الرتبة لا في التحقق والواقع مخالف لظاهر هذا الكلام ، ولما هو صريح الروايات المذكورة وغيرها .

        * روى السيد ابن طاوس رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن الحارث بن عمير ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‏السلام قال : « علّمني رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم هذا الدعاء وذكر له فضلاً كثيراً :

« الحمد للّه‏ الذي لا إله إلاّ هو . . . والباقي بعد فناء الخلق . . . كنتَ إذ لم تكن سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا شمس مضيئة . . . كنتَ قبل كلّ شيء وكوّنت كلّ شيء وابتدعت كل شيء . . »(182) .

        * وروى ـ أيضاً ـ عن أمير المؤمنين عليه‏السلام في الدعاء المعروف :

« . . وأنت الجبّار القدّوس الذي لم تزل أزليّاً دائماً في الغيوب وحدك ليس فيها غيرك ، ولم يكن لها سواك . . »(183) .

        * وأيضاً روى عنه في دعاء علّمه جبرئيل النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم :

« . . الأوّل والآخر والكائن قبل كلّ شيء والمكوّن لكلّ شيء ، والكائن بعد فناء كلّ شيء . . »(184) .

        * روى الكليني رحمه‏الله ، بإسناده عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‏السلام : كان اللّه‏ ولا شيء ؟

        قال : « نعم كان ولا شيء » .

        قلت : فأين كان يكون ؟

        قال : ـ وكان متكئاً فاستوى جالساً وقال ـ : « أحلت ـ يا زرارة ! ـ وسألت عن المكان إذ لا مكان »(185) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال :

« . . الحمد للّه‏ الذي كان قبل أن يكون كان ، لم يوجد لوصفه كان . . . كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان »(186) .

        * روى الصدوق رحمه‏الله ـ مسنداً ـ عن أبي عبد اللّه‏ ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ـ في بعض خطبه ـ :

« الحمد للّه‏ الذي كان في أوليته وحدانياً . . . ابتدع ما ابتدع وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق لشيء مما خلق ، ربّنا القديم بلطف ربوبيته ، وبعلم خبره فتق وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق . . »(187) .

        * عن أمير المؤمنين عليه‏السلام :

« الحمد للّه‏ الذي لا يبلغ مدحته القائلون . . .كائن لا عن حدث ، موجودٌ لا عن عدم . . . متوحّد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده ، أنشأ الخلق انشاءا وابتدأه ابتداءا . . »(188) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله : « كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم . . » ظاهره الاختصاص به سبحانه وحدوث ما سواه ، وكذا قوله عليه‏السلام : « متوحد إذ لا سكن يستأنس به . . » يدلّ على حدوث العالم .

        والإنشاء : الخلق ، والفرق بينه وبين الابتداء : بأنّ الإنشاء كالخلق أعمّ من الابتداء قال تعالى : « خَلَقَ الاْءِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ »(189) ، والابتداء : الخلق من غير سبق مادّة ومثال ، وإن لم يفهم هذا الفرق من اللغة لحسن التقابل حينئذ وإن أمكن التأكيد . . (190) .

        * روى الكليني رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : سمعته يقول :

« كان اللّه‏ عزّوجلّ ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه »(191) .

        * وأيضاً روى الكليني ـ بسنده ـ عن فصيل بن سكرة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‏السلام : جعلت فداك إن رأيت أن تعلّمني هل كان اللّه‏ جلّ وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده ؟ فقد اختلف مواليك ، فقال بعضهم : قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئاً من خلقه . . ! وقال بعضهم : إنّما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء . . ! فقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالماً بأنّه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليّته ؟ فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني ما لا أعدوه إلى غيره ؟

        فكتب عليه‏السلام :

« ما زال اللّه‏ عالماً تبارك وتعالى ذكره »(192) .

        * وروى الكليني رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن جعفر بن محمّد بن حمزة قال : كتبت إلى الرجل عليه‏السلام أسأله : إنّ مواليك اختلفوا في العلم ، فقال بعضهم : لم يزل اللّه‏ عالماً قبل فعل الأشياء ، وقال بعضهم : لا نقول لم يزل اللّه‏ عالماً لأنّ معنى يعلم يفعل ، فان أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً ، فإن رأيت جعلني اللّه‏ فداك أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه ؟

        فكتب عليه‏السلام بخطّه :

« لم يزل اللّه‏ عالماً تبارك وتعالى ذكره »(193) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله في بيانه :

        يدلّ هذا الخبر على أنه كان معلوماً عند الأصحاب أنه لا يجوز أن يكون شيء مع اللّه‏ في الأزل ، ولمّا توهّموا أنّ العلم يستلزم حصول صورة ، نفوا العلم في الأزل لئلاّ يكون معه تعالى غيره قياساً على الشاهد ، فلم يتعرّض عليه‏السلام لإبطال توهّمهم ، وأثبت العلم القديم له تعالى .

        وبالجملة ؛ هذه الأخبار صريحة في أنّ المخلوقات كلّها مسبوقة بعدم يعلمها سبحانه في حال عدمها(194) .

        وهنا روايات مثل :

        * قوله عليه‏السلام :

« خلق الخلق على غير تمثيل . . »(195) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« يا من خلق الخلق بغير مثال . . »(196) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« الحمد للّه‏ الذي خلق الخلق على غير مثال . . »(197) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« . . ابتدع الخلق على غير مثال امتثله . . »(198) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« . . أنشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء بلا روية أجالها ولا تجربة . . »(199) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« . . لا يقال له كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات . . »(200) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده . . . مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته »(201) .

        * وقوله عليه‏السلام :

« الحمد للّه‏ . . . مخرج الموجود من العدم والسابق الأزلية بالقدم . . »(202) .

        وفي المقام روايات أُخرى ولكن اكتفينا بهذا المقدار خشية الاطالة وملل القارئ .

تنبيـه :

        وبعد كل هذا وغيره ، فلا نحسب أن الروايات هذه تحتاج الى بيان إذ هي تبيان ، ومع ذلك لسائل أن يقول :

هل يصحّ تأويل جميع هذه النصوص الصريحة على خلاف ظاهرها ؟ !

        وهل كان بإمكان الأحاديث أن تبيّن المقصود بأكثر ممّا بيّنت ؟ !

        هل يستطيع أحد تبيين وجود الأشياء بعد عدمها بأصرح من هذه التعابير :

        كقوله عليه‏السلام : « إنّ الشيء إذا لم يكن أزليّاً كان محدثاً وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً . . . ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً ، وقديماً وحديثاً في حالة واحدة » .

        وقوله عليه‏السلام : « كيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه » .

        وقوله عليه‏السلام : « لو كان ( أي الكلام ) قديماً لكان إلهاً ثانياً » .

        وقوله عليه‏السلام : « لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة » .

        وقوله عليه‏السلام : « لو كان أوّل ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً ولم يزل اللّه‏ إذاً ومعه شيء » .

        وقوله عليه‏السلام : « من زعم أنهن لم يزلن معه فقد أظهر أنّ اللّه‏ ليس بأوّل قديم ، ولا واحد ، وأنّ الكلام لم يزل معه وليس له بدء ، وليس بإله .

        وغيرها من الأحاديث » .

        ولنا أن نتسائل بعد هذا لو لم تكن هذه صريحة في المطلوب فما هو اللفظ الصريح إذا . . ؟ !

        فائدة : قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله :

        إذا أمعنت النظر فيما قدّمناه وسلكت مسلك الإنصاف ونزلت عن مطيّة التعنّت والاعتساف حصل لك القطع من الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة ـ الواردة بأساليب مختلفة وعبارات متفنّنة ـ من اشتمالها على بيانات شافية ، وأدلّة وافية بالحدوث بالمعنى الذي أسلفناه .

        ومن تتبّع كلام العرب وموارد استعمالاتهم وكتب اللغة يعلم أنّ « الإيجاد » و« الإحداث » و« الخلق » و« الفطر » و« الإبداع » و« الاختراع » و« الصنع » و« الإبداء » . . لا تطلق إلاّ على الإيجاد بعد العدم .

        وقال المحقق الطوسي رحمه‏الله في شرح الإشارات :

        إنّ أهل اللغة فسّروا الفعل بإحداث شيء .

        وقال أيضاً :

        الصنع : إيجاد شيء مسبوق بالعدم ، وفي اللغة : الإبداع : الإحداث ومنه : البدعة لمحدثات الأمور ، وفسّروا الخلق بإبداع شيء بلا مثال سابق .

        وقال ابن سينا ـ في رسالة الحدود ـ :

        الإبداع اسم مشترك لمفهومين : أحدهما تأييس شيء لا عن شيء ولا بواسطة شيء ، والمفهوم الثاني : أن يكون للشيء وجود مطلق عن سبب بلا متوسّط ، وله في ذاته أن يكون موجوداً وقد أفقد الذي في ذاته إفقاداً تامّاً .

        ونقل في الملل والنحل عن ثاليس الملطّى أنه قال :

        الإبداع هو تأييس ما ليس بأيس فإذا كان مؤيّس الأيسات فالتأييس لا من شيء متقادم ( إنتهى ) .

        ومن تتبّع الآيات والأخبار لا يبقى له ريب في ذلك كقوله : « لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلة فلا يصح الابتداع » مع أنه قد وقع التصريح بالحدوث بالمعنى المعهود في أكثر النصوص المتقدمة بحيث لا يقبل التأويل .

        وبانضمام الجميع بعضها مع بعض يحصل القطع بالمراد ، ولذا ورد أكثر المطالب الأصولية الاعتقادية كالمعاد الجسماني وإمامة أمير المؤمنين عليه‏السلام وأمثالهما في كلام صاحب الشريعة بعبارات مختلفة وأساليب شتّي ، ليحصل الجزم بالمراد من جميعها ، مع أنها اشتملت على أدلّة مجملة من تأمّل فيها يحصل له القطع بالمقصود(203) .

إيضاح بعض الأحاديث المشتبهة

        فإن قيل : ما تقول في قولهم عليهم ‏السلام : « يا دائم الفضل على البريّة . . »(204) و « . . يا قديم الإحسان . . »(205) و « . . يا قديم الفضل . . »(206) . . ونحوها ؛ فإنّ قدم الفضل والإحسان يستلزم قدم العالم ؛ لأنّ الفضل والإحسان يقتضيان الشيء الذي يفضل ويحسن عليه .

        قلنا : إنّ الآيات المتظافرة والأحاديث المتواترة التي أثبتنا بها حدوث العالم تعتبر من المحكمات وأنّ ما يخالفها يعدّ من المتشابهات ، وقد ثبت في محلّه لزوم إرجاع المتشابهات إلى المحكمات . ولا شبهة في أن المراد من القدم في هذه الأحاديث هو القدم الإضافي لا الحقيقي ، ومعناه أنّه تعالى كثير الإحسان والفضل .

        وأيضاً قد ثبت في بحث تعارض النصّ والظاهر من علم الأصول لزوم تقديم النصّ على الظاهر فيما لو كان أحد الدليلين قطعياً ونصّاً في أمر وكان الدليل المخالف ظاهراً فيه .

        وحينئذ فلابدّ من التصرف في ظاهر هذه الأحاديث وحملها على القدم العرفي والإضافي أو طرحها إن لم يمكن توجيهها أو تأويلها لأنّ الظهور لا يصادم البرهان .

        وأضف إلى ذلك أنّ قوله عليه‏السلام : « يا دائم الفضل على البريّة . . » لا يثبت دوام البريّة بل يثبت دوام الفضل على البريّة ، ومعنى ذلك أنّ فضله على البريّة لم ينقطع في ما لو كانت البريّة موجودة فهو معنى إضافي لا حقيقي .

        إن قلت : ورد في بعض الأحاديث « إنّ اللّه‏ خلقنا من نور عظمته »(207) و « إنّ اللّه‏ عزّوجلّ خلق محمّداً وعليّاً والأئمة الأحد عشر من نور عظمته »(208) ولا شك في أنه تعالى قديم أزلي فلابدّ أن تكون أنوارهم عليهم‏السلام أيضاً قديمة ؛ لأنها خُلِقَتْ من نور عظمته تعالى .

        قلت : والجواب عن ذلك بوجوه :

        الأوّل : بعد إثبات حدوث جميع ما سوى اللّه‏ ـ بالمعنى الذي ذكرناه ـ بالآيات المتظافرة والأحاديث المتواترة القطعية فلابدّ من إرجاع المتشابهات إليها ، مضافاً إلى أنّ الظهور ـ على فرض تسليمه ـ لا يصادم البرهان والنصّ .

        الثاني : بعد التصريح الوارد في الأحاديث الكثيرة بأنّ نورهم عليهم‏السلام مسبوق بالعدم فلابدّ من توجيه هذه الأحاديث وأمثالها بأنّ إضافة النور إليه تعالى تشريفية ، ومعناها أنّ النور المذكور هو شيء حادث مخلوق ، ولكنّه تعالى أضافه لنفسه للتشريف والتكريم وهو من قبيل إضافته تعالى الكعبة والروح إلى نفسه .

* كما روى الكليني رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‏السلام عمّا يروون : إنّ اللّه‏ خلق آدم على صورته .

        فقال :

« هي صورة محدثة مخلوقة واصطفاها اللّه‏ واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه ، والروح إلى نفسه ، فقال « بيتي » ، « ونفختُ فيه من روحي » »(209) .

        * وروى الصدوق رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‏السلام عن قول اللّه‏ عزّوجلّ : « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي »(210) .

        قال :

« روح اختاره اللّه‏ واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح ، فأمر فنُفخ منه في آدم عليه‏السلام »(211) .

        * وروى الكليني رحمه‏الله ـ بسنده ـ عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبداللّه‏ عليه‏السلام عن قول اللّه‏ عزّوجلّ : « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي »(212) :كيف هذا النفخ ؟

        فقال :

« إنّ الروح متحرِّك كالرّيح ، وإنّما سُمِّي روحاً لأنه اشتقَّ اسمه من الريح ، وإنما أخرجه عن لفظة الريح ؛ لأنّ الأرواح مجانسة للريح ، وإنّما اضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما قال لبيتٍ من البيوت : بَيتي ، ولرسولٍ من الرّسل : خليلي . . وأشباه ذلك ، وكل ذلك مخلوق مصنوع مُحدَثٌ مربوبٌ مدبَّر »(213) .

        وأمّا الأحاديث الدالة على أنّ نورهم : مسبوق بالعدم وليس بأزلي ، فمنها :

        * ما روي عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : « يا جابر ! كان اللّه‏ ولا شيء غيره لا معلوم ولا مجهول ، فأول ما ابتدأ من خلقه أنّ خلق محمّداً صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر . . »(214) .

        * وعن أمير المؤمنين عليه‏السلام :

« كان اللّه‏ ولا شيء معه فأول ما خلق نور حبيبه محمدّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم »(215) .

        * وعن محمّد بن سنان ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‏السلام فأجريت اختلاف الشيعة فقال : يا محمّد ! إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته ، ثمّ خلق محمّداً وعلياً وفاطمة فمكثوا ألف دهر ، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء اللّه‏ تبارك وتعالى .

        ثمّ قال :

« يا محمّد ! هذه الديانة التي من تقدّمها مرق ، ومن تخلّف عنها محق ، ومن لزمها لحق . . خذها إليك يا محمّد »(216) .

        قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله : هذا الخبر صريح في حدوث جميع أجزاء العالم(217) .

        * وأيضاً عن أبي جعفر عليه‏السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‏السلام :

« إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى أحد واحد تفرّد في وحدانيّته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وخلقني وذريتي . . »(218) .

        أقول : إنّ هذه الأحاديث ونظائرها صريحة في أنّه تعالى كان أحداً متفرّداً ولم يكن معه شيء ثمّ أبدعهم وخلق أنوارهم عليهم‏السلام بعد أن لم يكونوا .

        وكذلك هنالك أخبار ورد فيها التصريح بأنّ « أوّل ما خلق اللّه‏ نوره صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم »(219) فهي تدلّ على عدم وجود أيّ مخلوق قبله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم (220) .

        الثالث : لا يمكن الاستدلال بهذا الأحاديث على قدم أنوارهم عليهم‏السلام ، لأنّ مثل هذه التعابير قد وردت في غيرهم عليهم‏السلام .

        * كما روى الصدوق رحمه‏الله بإسناده عن جابر بن عبد اللّه‏ الأنصاري قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم :

« يا جابر ! . . . إنّ الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة اللّه‏ جلّ ثناؤه يُودع اللّه‏ أنوارهم أصلاباً طيّبة وأرحاماً طاهرة . . (221) » .

        * وعن الصدوق رحمه‏الله أيضاً بإسناده عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد اللّه‏ عليه‏السلام :

« إنّ اللّه‏ عزّوجلّ خلق المؤمنين من نور عظمته وجلال كبريائه ،(222) فمن طعن عليهم أو ردّ عليهم قولهم فقد ردّ اللّه‏ في عرشه وليس من اللّه‏ في شيء إنما هو شرك الشيطان »(223) .

        * روى رحمه‏الله أيضاً بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام قال :

« شيعتنا من نور اللّه‏ خلقوا . . (224) » .

        * وعنه كذلك بإسناده ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‏السلام قال :

« . . إنا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم ، ولأنّا وإيّاكم من نور اللّه‏ عزّوجلّ ، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة . . »(225) .

        قد يستشكل البعض بما روي عن أبي جعفر عليه‏السلام أنّه قال :

« إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى كان ولا شيء(226) غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه وعالماً لا جهل فيه ، وحيّاً لا موت فيه . . وكذلك هو اليوم وكذلك لا يزال أبداً »(227) .

        إنّ « كان » تامةٌ ، والجملة معطوفة عليها ، و « نوراً » مع ما بعده من المنصوبات أحوال لفاعل كان ، وعلى هذا فمعنى قوله : « وكذلك هو اليوم » إنه اليوم كان ولا شيء غيره(228) .

        فمع إرجاع قوله عليه‏السلام : « وكذلك هو اليوم » . . إلى قوله : « كان اللّه‏ ولا شيء غيره » يفهم صحة تأويل قولهم صلوات اللّه‏ عليهم : « كان اللّه‏ ولا شيء معه » بالمعيّة الرتبيّة .

        قلت : ويمكن الجواب عنه بوجوه :

        الأوّل : قوله عليه‏السلام : « نورا » خبر كان و « اللّه‏ » اسم كان .

        وقوله : « لا شيء غيره » جملة معترضة بينهما ، وزيادة الواو حينئذ لا بأس بها .

        واستفادة المعنى الذي قاله المستشكل مخالف للضرورة وأجنبي عن السياق ويناقض القرائن الموجودة في نفس الرواية ، والشاهد على هذا المعنى هو :

        * ما روي عن أبي عبد اللّه‏ الصادق عليه‏السلام أنّه قال :

« إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لا تُقدر قدرته ، ولا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته ، وليس شيء غيره ، وهو نور ليس فيه ظلمة ، وصدق ليس فيه كذب ، وعدل ليس فيه جور ، وحق ليس فيه باطل ، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين »(229) .

        * وأيضاً روي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه قال :

« إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى كان لم يزل بلازمان ولا مكان وهو الآن كما كان »(230) .

        الثاني : إنّ الواو حالية ، فجملة : « ولا شيء غيره » حالية ، وقوله : « نوراً » خبر كان ، وقوله : « كذلك هو اليوم » يرجع إلى قوله : « نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحيّاً لا موت فيه » .

        الثالث : ما أفاده بعض الأعلام : إنّ قوله : « كان ولا شيء غيره » جملة مستقلة ، وقوله : « نوراً . . . » جملة مستقلة أُخرى بتقدير كان . . أي كان اللّه‏ نوراً لا ظلام فيه . . وكذلك اليوم .

        اقول : إنّ هذه الروايات وإن سلّمنا بظهور مضامينها على مراد الخصم إلاّ أنه لا سبيل لنا سوى توجيهها وتأويلها ، لأنّها تعارض الآيات والروايات المتواترة ، واتفاق المليّين على حدوث العالم ؛ بمعنى كونه بعد أن لم يكن ببعدية حقيقية لا الحدوث الذاتي كما ذهبت إليه الفلاسفة ، ولا الثابت بالحركة الجوهرية ، ولا الحدوث الدهري ، ولا الحدوث الاسمي .

        وعلى هذا لابدّ من توجيه ما يخالف المحكمات والنصوص القطعيّة واتّفاق جميع اهل الشرائع والأديان ، أو طرحه مع عدم تمكّن توجيهه كما هو واضح مسلم عند الكل (231).

        يا إخواني : هل يجترى‏ء من يتّقي ربّه ومن لاح قلبه نور الإيمان أن يعرض عن جميع هذه الآيات والأحاديث المتواترة والصّريحة وينبذها وراء ظهره تقليداً للفلاسفة واتكالاً على شبهاتهم الفاسدة ومذاهبهم المنحرفة ؟ !



 الهامش:

(90) البقرة ( 2 ) : 29 .
(91) الأعراف ( 7 ) : 54 .
(92) هود ( 11 ) : 7 .
(93) الفرقان ( 25 ) : 59 .
(94) مريم ( 19 ) : 67 .
(95) الزمر ( 39 ) : 62 .
(96) يونس ( 10 ) : 4 .
(97) يونس ( 10 ) : 34 .
(98) العنكبوت ( 29 ) : 19 .
(99) البقرة ( 2 ) : 117 .
(100) الأنعام( 7 ) : 101 .
(101) الملك( 67 ) : 23 .
(102) الانعام( 6 ) : 141 .
(103) نعم قد يستفاد من الآيات : أنّ بعض هذه الكلمات يستعمل في معنيين أحدهما : الخلق الابتدائي بمعنى الإيجاد بعد العدم ، ثانيهما : الخلق من شيء ـ أي في صنع شيء من شيء ـ ولكن المتبادر الى الذهن هو المعنى الأوّل ، وامّا المعنى الثاني فيحتاج الى القرينة .
(104) بحار الأنوار 54/ 254 .
(105) اقرب الموارد 1/ 32 .
(106) مجمع البحرين 1/44 .
(107) لسان العرب 1/26 .
(108) لسان العرب 10/85 .
(109) النهاية لابن الأثير 2/70 .
(110) اقرب الموارد 1/296 .
(111) الأنعام ( 6 ) : 141 .
(112) لسان العرب 1/170 .
(113) مجمع البحرين 1/416 .
(114) اقرب الموارد 2/1298 .
(115) الأنعام ( 6 ) : 141 .
(116) مجمع البيان 4/375 .
(117) أقرب الموارد 1/33 .
(118) الأحقاف ( 46 ) : 9 .
(119) لسان العرب : 8/6 ـ 7 .
(120) مجمع البحرين 4/298 .
(121) الأحقاف ( 46 ) : 9 .
(122) كتاب العين 2/54 .
(123) فإن قلت : لا دليل على حجيّة قول اللغوى .
        قلت : نعم لا دليل على حجيّته في حدّ نفسه ، أمّا إذا حصل العلم أو الوثوق من قولهم ، او يدخل تحت عنوان خبر الواحد ، او . . فيكون حجة ، كما أشار إليه الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‏الله في الفرائد والمحقّقان النائيني رحمه‏الله والعراقي قدس‏سره في الفوائد وهامشه . والمفروض حصول الوثوق والاطمينان من قولهم في المقام .
(124) بحار الأنوار 4/263 حديث 11 و 54/161 ، التوحيد : 98 باب أنه عزّوجلّ ليس بجسم ولا صورة حديث 5 .
(125) الاحتجاج : 337 ـ 338 ، بحار الأنوار 10/166 حديث 2 ، و 54/77 حديث 53 .
(126) بحار الأنوار 10/189 ، و 54/78 .
(127) نهج البلاغة : 232 خطبة 163 ، بحار الأنوار 4/306 ، حديث 35 ، 54/27 حديث 3 ، 74/308 ، حديث 11 ، وانظر : التوحيد : 79 ،.
(128) علل الشرايع : 607 ، حديث 81 ، بحار الأنوار 5/230 ، حديث 6 ، و 54/76 ، حديث 51 .
(129) التوحيد : 193 ، حديث 7 ، الكافي 1/116 ، حديث 7 ، بحار الأنوار 4/153 ، حديث 1 ، 54/83 ، حديث 62 .
(130) مرآة العقول 2/42 .
(131) الصافات ( 37 ) : 180 .
(132) التوحيد : 67 حديث 20 ، الكافي 8/94 حديث 67 ، بحار الانوار 54/67 حديث 43 ، و54/96 حديث 81 .
(133) بحار الأنوار 54/68 .
(134) الصافات ( 37 ) : 180 .
(135) الكافي 8/94 حديث 67 ، بحار الأنوار 54/96 حديث 81 .
(136) بحار الأنوار 54/97 .
(137) نهج البلاغة : 273 ، 274 ، خطبة 186 ، الاحتجاج : 203 ، اعلام الدين : 59 ، 60 ، بحار الأنوار 4/254 حديث 8 ، و 54/30 ، حديث 6 ، و 74/313 حديث 14 .
(138) بحار الأنوار 54/33 .
(139) بحار الأنوار 4/259 .
(140) بحار الأنوار 54/34 .
(141) التوحيد : 186 حديث 2 ، الكافي 1/120 حديث 2 ، عيون الأخبار 1/145 حديث 50 ، بحار الانوار 4/176 حديث 5 ، و 54/74 حديث 49 .
(142) مرآة العقول 2/55 .
(143) بحار الأنوار 54/74 .
(144) الاحتجاج : 405 ، بحار الأنوار 10/344 حديث 5 و 54/36 حديث 8 .
(145) بحار الأنوار 54/36 .
(146) التوحيد : 34 ـ 41 حديث 2 ، الاحتجاج : 399 ـ 400 ، عيون الأخبار 1/152 ، 153 ، الامالي للمفيد : 354 حديث 4 ، الامالي للطوسي : 22 حديث 28 ، اعلام الدين : 69 ، بحار الانوار 4/228 ـ 230 حديث 3 .
(147) بحار الأنوار 54/45 .
(148) التوحيد : 445 ـ 451 ، عيون الأخبار 1/183 ـ 186 ، بحار الأنوار 10/331 ـ 334 ، و54/57 .
(149) بحار الأنوار 54/58 .
(150) التوحيد : 430 ـ 435 ، عيون الأخبار 1/169 ـ 172 ، بحار الأنوار 10/310 ـ 313 ، و 54/48 ـ 50 .
(151) بحار الأنوار 54/52 ـ 53 .
(152) التوحيد : 67 ، حديث 20 ، بحار الأنوار 15/27 ، و 25/3 ، و 54/67 ، 198 .
(153) الاحتجاج : 25 ، تفسير الإمام عليه‏السلام : 535 ، بحار الأنوار 9/261 و 54/68 .
(154) الكافي 1/134 ـ 135 حديث 1 ، التوحيد : 41 ـ 42 حديث 3 ، بحار الأنوار 4/269 ـ 270 حديث 15 ، و 54/164 حديث 103 .
(155) المؤمنون ( 23 ) : 12 .
(156) التوحيد : 338 حديث 5 ، وقريب منه : بحار الأنوار 4/145 حديث 18 ، و 54/37 حديث 12 ، المستدرك : 18/182 حديث 30 .
(157) بحار الأنوار 54/37 ـ 38 .
(158) الكافي 1/109 حديث 1 ، التوحيد : 146 حديث 15 ، بحار الأنوار 4/144 حديث 16 و 54/38 ، 163 .
(159) المحاضرات 2/39 .
(160) كما في صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : قال قلت له : لم يزل اللّه‏ مريداً ؟ قال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه لم يزل اللّه‏ عالماً قادراً ثمّ أراد » . ( التوحيد : 146 حديث 15 ) .
        وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « المشية محدثة » . ( التوحيد : 147 حديث 18 ) وغيرهما من الأخبار ( فراجع التوحيد : 146 ، والكافي باب الإرادة . . وباب المشية والإرادة )
(161) كما في صحيحة عمر بن أُذينة عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : قال : « خلق اللّه‏ المشية بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشية » . ( التوحيد : 148 حديث 19 )
        وعن الصادق عليه‏السلام : « لما صعد موسى عليه‏السلام إلى الطور فنادى ربّه عزّوجلّ قال : يا رب أرني خزائنك ، فقال : يا موسى ! إنّما خزائني إذا أردتُ شيئاً أن أقول له : كن ، فيكون » . ( التوحيد : 133 حديث 17 )
        وعن أبي جعفر عليه‏السلام « أنشأ ما شاء كيف شاء بمشيته » ( التوحيد : 174 )
        وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام « . . كل شي سواه مخلوق ، وانما تكوّن الأشياء بإرادته ومشيّته من غير كلام وتردّد في نفس ولا نطق بلسان . . » . ( الكافي 1/106 حديث 7 ، التوحيد : 100 حديث 8 ، الاحتجاج : 385 ، بحار الأنوار 3/295 حديث 19 ) .
        والأخبار بهذا المضمون كثيرة جداً ، فراجع .
(162) التوحيد : 140 حديث 3 ، عيون الأخبار 1/119 حديث 10 ، الأمالي للصدوق رحمه‏الله : 278 حديث 5 ، الاحتجاج : 410 ، روضة الواعظين : 37 ، متشابه القرآن 1/56 ، بحار الأنوار 4/62 حديث 1 و 54/47 حديث 26 .
(163) التوحيد : 75 حديث 29 ، بحار الأنوار 3/300 حديث 31 و 54/81 حديث 56 .
(164) نهج البلاغة : 122 ـ 123 خطبة 90 ، بحار الأنوار 4/310 حديث 38 و 54/25 حديث 1 و 74/307 حديث 10 .
(165) بحار الأنوار 54/26 .
(166) بصائر الدرجات : 113 حديث 1 ، بحار الأنوار 26/165 حديث 20 و 54/85 حديث 68 ، والآية‏الشريفة في سورة هود ( 11 ) : 7 .
(167) الكافي 1/142 حديث 7 ، بحار الأنوار 54/167 حديث 107 .
(168) الإحتجاج : 199 ـ 200 ، نهج البلاغة : 40 خطبة 1 ، بحار الأنوار 4/247 ـ 248 حديث 5 و 54/176 ـ 177 حديث 136 و 74/302 حديث 7 .
(169) التوحيد : 45 ـ 46 حديث 5 ، بحار الأنوار 4/289 حديث 20 .
(170) الصحيفة السجادية : 211 ، الإقبال : 351 .
(171) الإقبال : 403 ، بحار الأنوار 54/174 حديث 127 و 95/273 .
(172) الكافي 1/105 حديث 3 ، التوحيد : 98 حديث 5 ، علل الشرايع : 9 ، بحار الأنوار 4/263 حديث 11 و 54/161 حديث 95 .
(173) التوحيد : 56 حديث 14 ، بحار الأنوار 4/284 حديث 17 و 54/166 .
(174) التوحيد : 76 حديث 32 ، روضة الواعظين : 35 ، بحار الأنوار 4/296 حديث 23 و 54/80 حديث 54 .
(175) الاحتجاج : 449 ، بحار الأنوار 4/160 حديث 4 و 54/83 حديث 64 .
(176) التوحيد : 141 حديث 5 ، الكافي 8/94 حديث 67 ، بحار الأنوار 4/69 حديث 13 و 54/82 حديث 60 ، وص 96 حديث 81 .
(177) التوحيد 60 حديث 17 ، بحار الأنوار 3/298 حديث 26 ، و 54/45 حديث 19 .
(178) التوحيد : 145 حديث 12 ، بحار الأنوار 4/86 حديث 23 و 54/162 حديث 97 .
(179) التوحيد : 47 حديث 11 ، المقنعة : 320 ، الإقبال : 188 ، البلد الأمين : 226 ، المصباح للكفعمي : 623 ، بحار الأنوار 3/285 حديث 5 و 91/179 حديث 2 .
(180) التوحبد : 69 حديث 26 ، البلد الأمين : 92 ، بحار الأنوار 4/221 حديث 2 و 54/46 حديث 21 و 87/138 حديث 7 .
(181) بحار الأنوار 4/223 .
(182) مهج الدعوات : 124 ، البلد الأمين : 280 ، المصباح للكفعمى : 287 ، بحار الأنوار 54/37 حديث 9 و 83/332 .
(183) مهج الدعوات : 107 ، 116 ، 129 ، البلد الأمين : 345 ، بحار الأنوار 54/37 حديث 10 و 92/243 ، 249 ، 262 .
(184) مهج الدعوات : 85 ، البلد الأمين : 426 ، بحار الأنوار 54/37 حديث 11 و 93/370 .
(185) الكافي 1/90 حديث 7 ، بحار الأنوار 54/160 حديث 94 .
(186) التوحيد : 60 حديث 17 ، بحار الأنوار 3/298 حديث 26 و 54/38 حديث 14 وص45 حديث 19 .
(187) التوحيد : 44 ، بحار الأنوار 4/287 حديث 19 و 43/363 حديث6 و 54/45 حديث 18 .
(188) نهج البلاغة : 40 خطبة 1 ، الإحتجاج : 200 ، بحار الأنوار 4/247 حديث 5 و 54/177 حديث 136 و 74/302 حديث 7 .
(189) الرحمن ( 55 ) : 14 .
(190) بحار الأنوار 54/179 .
(191) الكافي 1/107 حديث 2 ، وقريب منه : التوحيد : 145 حديث 12 ، بحار الأنوار 4/86 حديث 23 و 54/162 حديث 97 .
(192) الكافي 1/108 حديث 6 ، التوحيد : 145 حديث 11 ، بحار الأنوار 4/87 حديث 24 و 54/163 حديث 100 .
(193) الكافي 1/108 حديث 5 ، بحار الأنوار 54/162 حديث 99 .
(194) بحار الأنوار 54/162 .
(195) نهج البلاغة : 217 خطبة 155 ، بحار الأنوار 4/317 حديث 42 و 61/323 حديث 2 .
(196) مهج الدعوات : 308 ، بحار الأنوار 92/172 .
(197) بحار الأنوار 94/142 .
(198) بحار الأنوار 4/275 حديث 16 و 54/107 حديث 90 و 74/319 حديث 17 .
(199) نهج البلاغة : 40 خطبة 1 ، الإحتجاج : 200 ، بحار الأنوار 4/248 حديث 5 و 54/177 حديث 136 و 74/302 حديث 7 .
(200) نهج البلاغة : 274 خطبة 186 ، الإحتجاج : 203 ، أعلام الدين : 60 ، بحار الأنوار 4/255 حديث 8 و 54/30 حديث 6 .
(201) نهج البلاغة : 269 خطبة 185 ، الإحتجاج : 204 ، أعلام الدين : 67 ، بحار الأنوار 4/261 حديث 9 و 54/29 حديث 5 .
(202) بحار الأنوار 91/158 .
(203) بحار الأنوار 54/254 .
(204) المصباح للكفعمي : 647 الفصل السادس والأربعون فيما يعمل في شهر شوال .
(205) مصباح المتّجد : 585 ، مصباح الكفعمي : 295 ، 591 ، البلد الأمين : 206 ، 361 ، 420 ، الإقبال : 69 ، 425 ، 435 ، بحار الأنوار 83/335 حديث 72 و 88/49 ، 71 ، و 90/265 و 94/227 ، و 95/297 . .
(206) البلد الأمين : 405 ، مصباح الكفعمي : 251 ، بحار الأنوار 91/388 .
(207) الكافي 1/389 حديث 2 ، الاختصاص : 216 ، بحار الأنوار 26/131 حديث 39 ، 47/395 حديث 120 ، 58/45 حديث 22 .
(208) كمال الدين : 318 حديث 1 ، بحار الأنوار 15/23 حديث 39 و 25/15 حديث 28 .
(209) الكافي 1/134 حديث 4 ، التوحيد : 103 حديث 18 ، الاحتجاج : 323 ، بحار الأنوار 4/13 حديث 14 .
(210) الحجر ( 15 ) : 29 .
(211) التوحيد : 170 حديث 1 ، معاني الأخبار : 17 حديث 11 ، بحار الأنوار 4/11 حديث 2 .
(212) الحجر ( 15 ) : 29 .
(213) الكافي 1/133 حديث 3 ، التوحيد : 171 حديث 3 ، معاني الأخبار : 17 حديث 12 ، الاحتجاج : 323 ، بحار الأنوار 4/12 حديث 3 و 58/28 حديث 1 و 71/266 .وفي المقام روايات أُخرى فراجع بحار الأنوار 4/11 ـ 13 .
(214) بحار الأنوار 15/23 حديث 41 و 25/17 حديث 31 و 54/169 حديث 112 .
(215) بحار الأنوار 15/27 ـ 28 و 54/198 حديث 145 ، الأنوار : 5 .
(216) الكافي 1/441 حديث 5 ، بحار الأنوار 15/19 حديث 29 و 25/340 حديث 24 ، 54/195 حديث 141 .
(217) بحار الأنوار 54/12 .
(218) بحار الأنوار 15/9 حديث 10 و 26/291 حديث 51 و 53/46 حديث 20 و 54/192 حديث 138 .
(219) بحار الأنوار 1/97 حديث 7 و 15/24 حديث 43 ، 44 و ص27 ـ 28 و 25/22 حديث 38 و ص24 حديث 43 و 54/170 حديث 115 ، 116 ، 117 ، عوالي اللئالي 4/99 .
(220) وأيضا الأخبار الدالة على أنّ أوّل الموجودات ارواحهم عليهم‏السلام كثيرة ، ويمكن الاستدلال بها على حدوث ما سوى اللّه‏ ؛ بانضمام الأخبار الدالة على أنّ الفاصلة بين خلق الارواح والاجساد بزمان متناه ، إذ الزائد على المتناهي بزمان متناه يكون لا محالة متناهيا ، كما لا يخفى . ويجري هذا البيان بعينه في الأخبار الدالة على أنّ أوّل الموجودات انوارهم عليهم‏السلام . ومما يمكن الاستدلال به في المقام : الآيات والروايات الدالة على فناء جميع الموجودات ، وذلك بضمّ مقدّمة مسلّمة عند القائلين بالقدم ، وهى : أنّ ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه ، فتأمّل . انظر : نهج البلاغة : 272 ، الاحتجاج : 350 ، بحار الانوار 6/330 ، 331 ، حديث 15 ، حق اليقين : 419 .
(221) من لا يحضره الفقيه 4/414 حديث 5901 ، بحار الأنوار 57/353 حديث 36 .
(222) في ثواب الأعمال المطبوع : كرامته .
(223) ثواب الأعمال : 239 ، بحار الأنوار 72/145 حديث 13 ، وسائل الشيعة 12/300 حديث 16355 ، وقريب منه : المحاسن 1/100 حديث 70 ، و ص131 حديث 3 ، أعلام الدين : 403 ، وبحار الأنوار 64/125 حديث 26 و 72/146 حديث 17 .
(224) علل الشرايع 1/94 ، بحار الأنوار 5/243 حديث 29 و 8/37 حديث 11 و 58/146 حديث 22 و 64/76 و 71/266 ـ 267 .
(225) علل الشرايع 1/93 حديث 2 ، المناقب 4/261 ، بحار الأنوار 5/242 حديث 29 و 58/145 حديث 22 و 71/267 .
(226) في المحاسن : وليس شى‏ء .
(227) المحاسن 1/242 حديث 228 ، التوحيد : 141 حديث 5 ، بحار الأنوار 4/69 حديث 13 و 54/86 حديث 70 .
(228) تعليقة التوحيد : 141 .
(229) التوحيد : 128 حديث 8 ، بحار الأنوار 3/306 حديث 44 .
(230) التوحيد : 179 حديث 12 ، بحار الأنوار 3/327 حديث 27 .
(231) وقد أفاد الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‏الله في هذا المقام ـ ونعم ما افاده ـ كلّما حصل القطع من دليل نقلى ، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ، فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي ، مثل استحالة تخلّف الأثر عن الموءثر . ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابل البديهى . . ( فرائد الأصول : 11 )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق