الجمعة، 1 أغسطس 2014

ابطال وحدة الوجود، او كونه تعالى هو الوجود على مذهب اهل البيت(ع) (الشيخ محمد جواد الخراساني)





(ابطال وحدة الوجود، او كونه تعالى هو الوجود على مذهب اهل البيت(ع))
      قد مرّ انّه يكفى فى بطلان هذا القول على طريق اهل البيت(ع)، عدم ورود نصّ منهم(ع) ولا من غيرهم من اهل الوحى، مع شدّة الاهتمام به، وهم من الّذين يدّعون شموخ العرفان مع كثرة تبجيله وتكبيره، ومن الّذين يعدون انفسهم من العرفاء، بل انحصار طريق المعرفة الحقّة الحقيقية بما عندهم، كيف؟ وهم(ع) اوّل العارفين، واكبر الشامخين، بهم عُرف الله، ولولاهم لم يعرف الله، وهم دُعاة النّاس الى التّوحيد، وهُداة البشر الى المعرفة، ومعلّموا الخلق طريق الحقّ، ولذلك خلقهم، ومع ذلك لم يوجد منهم(ع) التّفوّه به فى حين ولا تأييده بشيء مبين. ففيه ارشاد متين على أنّ هذا القول فاسد مهين، فلو لم يكن الاّ عدم الاعتناء به منهم(ع)، لكان كافياً لخزيه. فكيف؟ وَقد جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أهْلِ البَيْتِ(ع) خِلافُهُ، وهم(ع) الأحياء فى العلوم والمعارف، والحىُّ غَيْرُ المَيِّتِ. قال الله تعالى: )وما يستوى الأحياء ولا الأموات...((1))أوَ مَنْ كان ميتاً فاحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظّلمات.((2)
عندهم(ع)وجوده تعالى اثباته، لا انّه الوجود       فَعِنْدَهُمْ(ع): وُجُودُهُ إثْبَاتُهُ، لا انّه الوجود، قال امير المؤمنين(ع): «دليله آياته ووجوده اثباته.»(3)
      وقال الصادق(ع) فى حديث المفضّل: «الحقّ الّذى تطلب معرفته من الأشياء ـ الثّانى ان يعرف ما هو فى ذاته وجوهره ـ فليس من هذه الوجود شيء يمكن المخلوق ان يعرفه من الخالق حقّ معرفته، غير أنّه موجود فقط.»(4)
مُبَايِنٌ لِلْخَلْقِ فِى الإنِيَّةِ وَذَاتُهُ حَقِيقَةٌ عَيْنِيَّةٌ
وَكُنْهُهُ التَّفْرِيقُ ذَاتاً بَيْنَهُ وَبيْنَهُمْ مِنْ ذَاكَ يُحْجَبُونَهُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. الفاطر 35: 22.
2. انعام 6: 122.
3. البحار 4: 253/7.
4. المصدر 3: 148/1.

ــــــــــــــــــــــــــــ
      وقال موسى بن جعفر(ع): «ومن قال ما هو؟ فقد نعته.»(1)
      مُبَايِنٌ لِكُلِّ شيء ذَاتُهُ، قال الصادق(ع) فى حديث المفضّل:
      «لا يليق بالّذى هو خالق كلّ شيء، الاّ ان يكون مبايناً(2) لكلّ شيء، متعالياً عن عندهم(ع)ذاته تعالى مباين لكل شيء
كلّ شيء.»(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. الكافي 1: 140/6.
2. وذلك، لأنّه ان لم يكن مبايناً، كان امّأ مساوياً، والمساوى لا يكون خالقاً للمساوى; فان كان مساوياً لكلّ شيء، فليس خالقاً لشيء، وان كان مساوياً للبعض، لم يكن خالقاً له، فلا يكون خالقاً لكلّ شيء; وامّا اعمّ او اخصّ، والأخصّ لا يكون خالقاً للأعمّ، والأعمّ شامل للأخصّ وجزء منه، فلا يكون ايضاً خالقاً لجزئه.
3. البحار 3: 148/1.

ــــــــــــــــــــــــــــ
باين من خلقه.»(1)
      وفى دعاء الصّباح: «وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته.»(2)
      مُبَايِنٌ لِلْخَلْقِ فِى الإنِيَّةِ; اى فى الذّات، والإنيّة عند الفلاسفة والعرفاء، الوجود، اذ لا إنيّة عندهم الاّ بالوجود، وَذَاتُهُ، حَقِيقَةٌ عَيْنِيَّةٌ، الاّ أنّه ليست له ذات، او عندهم(ع) هوتعالى فى الإنيّة مباين للحق أنّ ذاته اعتباريّة، وَكُنْهُهُ التَّفْرِيقُ ذَاتاً، لا اعتباراً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فلا يتحدّ معهم ولا يشاركونه فى ذاته. مِنْ ذَاكَ يُحْجَبُونَهُ; اى إنّما يحجب خلقه عنه، فلا يمكنه ادراك حقيقته لأجل هذا الافتراق الذاتى. قال الرضّا(ع):
      «خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم، ومباينته ايّاهم، مفارقته انيّتهم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه.»(3)
      وقال امير المؤمنين(ع): «لا تشمله المشاعر، ولا تحجبه الحجب، والحجاب بينه وبين خلقه، خلقه ايّاه لامتناعه ممّا يمكن فى ذواتهم، ولامكان نهم ممّا يمتنع منه، ولافتراق الصانع والمصنوع، والحادّ والمحدود. والربّ والمربوب.»(4) وعن موسى بن جعفر(ع) مثله.
وَذَا الحِجَابُ لَيْسَ مِمّا يُرْتَفَع إذْ رَفْعُ ذَاتِىٍّ عَنِ الذّاتِ امْتَنَع
بَانَ مِنَ الخَلْقِ فَلَيْسَ مِثْلَهُ وَأحَدِىُّ الذّاتُ لا شِبْهَ لَهُ
وَلَيْسَ فِى آدَمَ، جَوْهَرِيَّتُهُ كَمِثْلِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ صُورَتُهُ

      وقال الرّضا(ع): «لا تشمله المشاعر، ولا يحجبه الحجاب، فالحجاب بينه وبين خلقه، لامتناعه ممّا يمكن فى ذواتهم، ولإمكان ذواتهم ممّا يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصّانع والمصنوع، والرّب والمربوب، والحادّ والمحدود.»(5)
      وَذَا الحِجَابُ على ما عرفت، لَيْسَ مِمّا يُرْتَفَع، إذْ رَفْعُ ذَاتِىٍّ عَنِ الذّاتِ امْتَنَع، فإنّ هذا الحجاب من لوازم ذات الممكن، فلا يمكن ان يرتفع عنه ما دام ذات الممكن على امكانه. فما قال الحافظ الشيرازى ـ عليه ما عليه من المخازى: «تو خود حجاب خودى حافظ، از ميان برخيز»، من الأمانىّ الّتى القى فى روعه وروع اهل مسلكه الشيطان، ولقد صدّق عليهم ابليس ظنّه، فاتّبعوه الاّ فريقاً من المؤمنين.
وعندهم(ع)هوتعالى
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 3: 29/3.
2. المصدر 87: 339/19.
3. المصدر 4: 228/3.
4. الكافي 1: 140/5.
5. البحار 4: 284/17.

بان من الخلق، وليس شىء مثله; أحدىّ الذات لا شبه له
      وهو تعالى، بَانَ مِنَ الخَلْقِ، فَلَيْسَ شيء مِثْلَهُ، قال امير المؤمنين(ع): الّذى بان من الخلق، فلا شيء كمثله.»(1)
      وهو تعالى، أحَدِىُّ الذّاتُ لا شِبْهَ لَهُ، فهو باين عن خلقه ذاتاً، قال الصادق(ع) فى قوله تعالى: )ما يكون من نجوى ثلاثة، الاّ هو رابعهم...( الى قوله: )الاّ هو معهم اينما كانوا(، فقال(ع): «هو واحد، احدىّ الذّات، باين من خلقه، وبذاك وصف نفسه، وهو بكلّ شيء محيط بالاشراف والاحاطة والقدرة، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فى السّموات ولا فى الأرض، ولا اصغر من ذلك ولا اكبر بالاحاطة بالعلم لا بالذّات; لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود اربعة، فاذا كان بالذّات لزمه الحواية.»(2)
      وقد حكم(ع) فى هذا الحديث بالبينونة الذاتيّة، مصرّحاً بها مرّتين، معلّلا فى الأولى بالأحديّة الذّاتية، الّتى مقتضاها البينونة، وأنّه بذلك وصف نفسه، حيث قال: )ليس كمثله شىء((3)دون الذاتيّة، والانبساط الّذى توّهموه معلّلا باستلزام الاحاطة الذاتيّة الحواية، ويمكن ان يراد بقوله(ع): «وبذاك وصف نفسه»; يعنى، فى هذه الآية; فإنّ كونه تعالى رابعاً وخامساً وسادساً وكونه معهم يقتضى ان يكون غيرهم.
      وكيف كان، فعلى قوله(ع)، حكم البينونة مستفاد من القرآن: امّا من هذه الآية، او من قوله: )ليس كمثله شىء(، فيدخل تحت قول موسى بن جعفر(ع) للبزنطى:
      «يا احمد! لا تتجاوز فى التّوحيد ما ذكره الله فى كتابه.» الى ان قال: )ليس كمثله شىء وهو السّميع البصير((4)خمسة الاّ هو سادسهم، ولا ادنى من ذلك ولا اكثر، الاّ هو معهم اينما كانوا...»(5)الحديث.
      وعن محمّد بن النّعمان عن الصّادق(ع) ايضاً فى قوله: )وهو الله فى السّموات والأرض...((6)ويحك! إنّ الأماكن اقدار، فاذا قلت فى مكان بذاته، لزمك ان تقول فى اقدار وغير
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 4: 266/14.
2. المصدر 3: 322/19.
3. الشورى 42: 11.
4. الشورى 42: 11.
5. البحار 4: 296/23.
6. انعام 6: 3.

ذلك، ولكن هو باين من خلقه، محيطٌ بما خلق، علماً وقدرة واحاطة وسلطاناً...»(1)
      قوله(ع): «وغير ذلك»; اى من الجسميّة والجزئيّة، والحلول والاتّحاد والوحدة، والزّوال والانتقال، والحركة والسكون، وغير ذلك ممّا اوردنا على الانبساط.
      وَلَيْسَ فِى آدَمَ; اى الانسان وآدم(ع)، جَوْهَرِيَّتُهُ كَمِثْلِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ صُورَتُهُ. وقد تقدّم الحديث فى انكار» أنّ الله خلق آدم على صورته». وامّا الجوهريّة: فعن يونس بن عبدالرّحمن، قال:
      «كتبت الى ابى الحسن الرّضا(ع) عن آدم، هل فيه من جوهريّة الربّ شيء؟ وعندهم(ع): ليس فى الانسان وآدم(ع) جوهريته تعالى كمثل ما ليس عليه صورته فكتب(ع): ليس صاحب هذه المسألة على شيء من السّنة زنديق.»(2)آخر، قال: يونس بن بهمن، قال لى يونس بن عبدالرّحمن: «اكتب الى ابى الحسن(ع)، فاسأله عن آدم، هل فيه من جوهريّة الله شيء؟ قال: فكتب اليه فاجاب(ع): هذه المسألة، مسألة رجل على غير السّنة. فقلت ليونس [بن عبدالرّحمن] فقال: لا يسمع ذا اصحابنا، فيبرؤن منك، قال يونس [بن بهمن]، قلت ليونس [بن عبدالرّحمن]، وَإنَّهُ مِنْ خَلْقِهِ خِلوٌ كَما يَكُونُ مِنْهُ الخَلْقُ خِلْواً، فَافْهَمَا
لَيْسَ بِمَعْبُود يَكُونُ فِى الهَواءِ وَلا بِرَبٍّ مَنْ طَريحٌ فِى البَلاء
لا يَتَجَزَّى، بَلْ وَلَيْسَ يُنْتَمى بِقِلَّة وَكَثْرة تَوَّهُمَا
ــــــــــــــــــــــــــــ
يتبرّؤن منّى او منك؟»(3)
وعندهم(ع):انّه تعالى من خلقه خلو كما يكون الخلق منه خلواً       وَإنَّهُ تعالى مِنْ خَلْقِهِ خِلوٌ، كَما يَكُونُ مِنْهُ الخَلْقُ خِلْواً. فَافْهَمَا! فعن عبدالأعلى عن الصادق(ع): «لا يدرك مخلوق شيئاً الاّ بالله، ولا تدرك معرفة الله الاّ بالله، والله خلوٌ من خلقه، وخلقه خلو منه.»(4)
      وعن زُرارة، عنه(ع): «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله، فهو مخلوق، والله خالق كلّ شيء، تبارك الّذى ليس كمثله شيء.»(5)عن ابى جعفر(ع) مثله الى قوله: «فهومخلوق»، وعن حماد بن عمرو النصيبى عن ابى عبدالله(ع): «لا خلقه فيه ولا هو فى خلقه.»(6)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. البحار 3: 323/20.
2. المصدر 3: 292/12.
3. البحار 3: 292/11.
4. المصدر 4: 160/6.
5. المصدر 4: 149/3.
6. المصدر 4: 286/18.


وعندهم(ع):انّه تعالى ليس بمعبود فى الهواء
      لَيْسَ بِمَعْبُود يَكُونُ فِى الهَواءِ، وَلا بِرَبٍّ مَنْ طَريحٌ فِى البَلا. قال الحسين(ع): «ليس بربّ من طرح تحت البلاغ، ومعبود من وجد فى الهواء او غير هواء.»(1)
      قوله(ع): «البلاع» العبارة، حقيقتها غير معلومة، وقد ردّدها المجلسى(ره) بين محتملات: البلاغ: بمعنى ما يبلغ به حاجته; او ثوب يبلغ به كفايته; والتلاع: جمع التلعة، لأنّ الأصنام تنحت من الأحجار المطروحة تحتها; او اليراع: وهو شيء كالبعوضة; او النقاع: اى الغبار; او السماء، او البناء. ومن اجل عدم معلوميّتها على التّحقيق، عبّرت عنها فى البيت «بالبلاء»، لاحتمال ان يكون البلاع تصحيفاً منه.
وعندهم(ع) لا يتجزأ، بل وليس ينتمى بقله وكثرة       لا يَتَجَزَّى، بَلْ وَلَيْسَ يُنْتَمى بِقِلَّة وَكَثْرة، ولو تَوَّهُمَا; اى فى الوهم والاعتبار. والقائل بالوحدة يقول بتجزّى الوجود اعتباراً، وبالوحدة فى عين الكثره والكثرة فى عين الوحدة. فعن ابى هاشم الجعفرى عن الجواد(ع):
      «ولا يقال له قليلٌ ولا كثيرٌ، لكنّه القديم فى ذاته، لأنّ ما سوى الواحد متجزّى، وَحَّدَ عِنْدَ خَلْقِ الأشْيَاءِ كُلِّهَا إبَانَةً لَهُ إبَانَةً لَهَا
فَهُوَ مُبَايِنٌ لِمُحْدَثاتِهِ فِى ذاتِهِ القَديم أوْ صِفَاتِهِ
إذْ مَا هُوَ المُحدَثُ مَخْلُوقٌ لَهُ فَكَيْفَ جَازَ فِيهِ وَهُوَ قَبْلَهُ
فَذَاتُهُ مُمْتَنِعٌ فِى ذَاتِهِ مَا جَازَ فِى ذَواتِ مَخْلُوقَاتِهِ
إذ افْتِراقُ الرَّبِّ وَالمَرْبُوبِ وَالحَادُّ عَنْ مَحْدُودِهِ وُجُوبىٌّ
لَوْ جَازَ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ فَصْلٌ أصْلا، وَلا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ
ــــــــــــــــــــــــــــ
والله لا متجزّى ولا يتوّهم بالقلّة والكثرة، وكلّ متجزّى او متوّهم بالقلّة والكثرة، فهو مخلوق دالّ على خالقه.»(2)
      وَحَّدَ عِنْدَ خَلْقِ الأشْيَاءِ كُلِّهَا، إبَانَةً لَهُ عن شبهه ايّاها، وإبَانَةً لَهَاعن شبهها ايّاه; فإنّ المحدود لا يشبه غير المحدود، وكذا العكس. قال اميرالمؤمنين(ع): «حدّ الأشياء كلّها عند خلقه ايّاها، ابانة لها من شبهه، وابانة له من شبهها.»(3)
وعندهم(ع): وهو تعالى حدّ الاشياء عند الخلق كلّها...       فَهُوَ تعالى، مُبَايِن لِمُحْدَثاتِهِ، فِى ذاتِهِ القَديم أوْ صِفَاتِهِ، فلا ذاته يشبه ذوات المحدَثات، ولا صفاته تشبه صفاتها; إذْ مَا هُوَ المُحدَثُ، مَخْلُوقٌ لَهُ، من الذّوات والصّفات، فَكَيْفَ جَازَ فِيهِ وَهُوَ قَبْلَهُ؟ فقد كان ذاته موجوداً قبل احداث هذا الّذات،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 4: 301/29.
2. البحار 4: 153/1.
3. المصدر 4: 269/15.


فلا يمكن ان يفرض هذا الحادث، ذلك الذّات القديم. وكذلك كانت ذاته مجرّدة عن هذه الصّفة المخلوقة الحادثة; فلو فرضت صفة له ايضاً إذن لَتَغيّر. قال امير المؤمنين(ع) والرّضا(ع): «وكيف يجرى عليه ما هو اجراه، او يعود فيه ما هو ابتدئه.»(1)
      فَذَاتُهُ، مُمْتَنِعٌ فِى ذَاتِهِ مَا جَازَ فِى ذَواتِ مَخْلُوقَاتِهِ، من الصّفات والذّوات; إذ افْتِراقُ الرَّبِّ وَالمَرْبُوبِ، وَالحَادُّ عَنْ مَحْدُودِهِ، وُجُوبىٌّ لا محيص عنه عند العقل; اذِ الربّ غير المربوب، والحادّ غير المحدود، وهو قبله وجاعله، ولو كان مثله، لكان محدثاً مخلوقاً. وقد مرّ قول امير المؤمنين(ع) وموسى بن جعفر(ع) والرّضا(ع) وعندهم(ع) ممتنع فى ذاته تعالى، ما جاز فى ذوات مخلوقاته
لامتناعه ممّا يمكن ولافتراق الصانع عند قولى: «وكنهه التفريق».
      لَوْ جَازَ عليه ما يجوز على محدثاته، لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ فَصْلٌ بينه وبين مخلوقاته فَيَسْتَوِى الصّانِعُ وَالّذى صَنَعَ وَكَافَئَ المُبْدَعُ وَالّذى بَدَعَ
لَوْ كَانَ مَا قَالُوا مِنَ المَلْفُوقِ لَمْ يُعْرَفِ الخَالِقُ مِنْ مَخْلُوقِ
وَلا الّذى أنْشَاءَ مِمّا أنْشَأهُ بَلْ فَارَقَ المُنْشِئُ، مَا قَدْ شَيَّئَهُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
أصْلا، وَلا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ، لاستواء الجميع فى الذّات والصّفات فَيَسْتَوِى اذن الصّانِعُ وَالّذى صَنَعَ، وَكَافَئَ المُبْدَعُ وَالّذى بَدَعَ. قال امير المؤمنين(ع):
      مباين لجميع ما احدث فى الصّفات، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذّوات.»(2)الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل ولا له عليها فضل، فيستوى الصانع والمصنوع، ويتكافئ المبتدَع والبديع.»(3)
      لَوْ كَانَ ثابتاً مَا قَالُوا مِنَ المَلْفُوقِ الّذى لفقته اوهامهم، لَمْ يُعْرَفِ الخَالِقُ مِنْ مَخْلُوقِ، لاستوائها فى الذّات والصّفات، وَلا الّذى أنْشَاءَ مِمّا أنْشَائه; بَلْ فَارَقَ المُنْشِئُ مَا قَدْ شَيَّئَهُ; عن فتح بن يزيد الجرجانى، عن ابى الحسن الهادى(ع)، قال:
      «منشئ الأشياء، ومجسّم الأجسام ومصوّر الصّور; لو كان كما يقولون، لم يعرف الخالق من ا لمخلوق، ولا المنشئ من المنشاء فرق بين من جسّمه وصوّره وانشأه، اذ كان لا يشبهه شيء، ولا يشبه هو شيئاً.»(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 4: 230/3.
2. البحار 4: 222/2.
3. المصدر 4: 255/8.
4. المصدر 4: 173/2.


      بسند آخر عنه(ع): «منشئ الأشياء ومجسّم الأجسام ومصوّر الصّور، لو كان كما تقول المشبهّة، لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرّازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ، لكنّه فرق بين من جسّمه وصوّره وشيّئه وبينه، اذ كان لا يشبهه شيء.»(1)
      وقال الصّادق(ع) فى ردّ قول هشام: «لا جسم ولا صورة، وهو مجسّم الأجسام ومصوّر الصّور، لم يتجزّء ولم يتناه، ولم يتزايد ولم يتناقض; لو كان كما يقول، لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المنشئ والمنشأ، لكن هو المنشئ فرق بين من جسّمه وصوّره وانشأه، اذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً.»(2)
تَوْحِيدُهُ، تَمْييزُهُ عَمّا خَلَقَ ذَاتاً وَوَصْفاً بالَّذى جَازَ وَحَقَّ
تَمْييزُهُ الحُكْمُ بِبَيْنُونَتِهِ لا عُزْلَةً بَلْ بَيْنُ كَيْنُونَتِهِ
إذْ هُوَ خَالِقٌ وَرَبُّ النَّسَمَةِ لَيْسَ بِمَخْلُوق وَمَرْبُوبِ السِّمَةَ
فَلَمْ يُبَايِنْ عَنْهُ قُدْرَةً، وَلا عِلْماً ولا إحاطةً وَإنْ عَلا
ــــــــــــــــــــــــــــ

فى أنّ البينونة، بينونة
بالكينونة، لا بالعُزلة عن خلقه فى التّدبير
      تَوْحِيدُهُ، تَمْييزُهُ عَمّا خَلَقَ ذَاتاً وَوَصْفاً، اذ التوحيد ذاتىّ ووصفىّ، واذا كان التوحيد فى التّمييز، كان ذلك له بكلا نوعيه، فالتّوحيد مطلقاً، تمييزه عن خلقه بالَّذى جَازَ وَحَقَّ له عمّا لا يجوز، ولا يحقّ تَمْييزُهُ الحُكْمُ بِبَيْنُونَتِهِ لا عُزْلَةً(3)اوتدبيريّة; بَلْ بَيْنُ كَيْنُونَتِهِ; اى الحكم بمباينته مع خلقه فى الكينونة ذاتاً وصفة; إذْ هُوَ خَالِقٌ وَرَبُّ النَّسَمَةِ(4)لَيْسَ بِمَخْلُوق وَمَرْبُوبِ السِّمَةَ(5)المؤمنين(ع): «دليله آياته، ووجوده اثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة، لا بينونة عُزلة; إنّه ربّ، خالق غير مربوب مخلوق، ما تصوّر فى الأوهام، فهو بخلافه.»(6)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 4: 291/21.
2. المصدر 3: 302/36.
3. العُزلة بضمّ العين: الاعتزال.
4. النَسَمة بفتحتين وجمعه النسم كقصبة وقصب.
5. السّمة كعدة، بمعنى العلامة.
6. البحار 4: 253/7.


      قوله(ع): «بينونة صفة»، المراد بالصّفة، التّوصيف، فيعمّ الذّات والصّفات; يعنى، أن تمييزه، الحكم ببينونته فى التوصيف، سواء كان توصيف ذاته او صفته. وقوله(ع): «أنّه ربّ، خالق، غير مربوب، مخلوق»، كانّه تعليل لكلا الحكمين: السّلبى، وهو أنّ البينونة ليست بعزلة، والايجابى، وهو أنّ البينونة، بينونة صفة. والى ذلك اشرت فى البيت:
      فَلَمْ يُبَايِنْ عَنْهُ; اى عمّا خلق، قُدْرَةً، وَلا عِلْماً ولا إحاطةً وَإنْ عَلا; فإنّه مع علّوه، محيط بخلقه، علماً وقدرة وملكاً وتدبيراً; كما مرّ عن الصادق(ع) فى قولى: وَإنَّما امْتَازَ وَبَانَ وَافْتَرَقَ ذَاتاً وَوَصْفاً عَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ
مِنْ ذَاكَ كَانَ جَامِعَ الأضْدَادِ كَالقُرْبِ وَالبُعْدِ بِلا اسْتِبْعَاد
فَهُوَ مَعَ الخَلْقِ عَلى افْتِرَاق مُدبِّرٌ لَهُمْ بِلا الْتِصَاق
مَعَ أنَّهُ كَانَ عَلى العَرْشِ اسْتَوى دَبَّرَ مَا تَحتَ الثَّرى عَلى السَّواءِ
فَمَعْ عُلُّوِهِ قَريبٌ أمْرُهُ وَمَعَ دُنُّوِهِ بَعيدٌ قَدْرُهُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
«واحدى الذّات لا شبه له»، وَإنَّما امْتَازَ وَبَانَ وَافْتَرَقَ ذَاتاً وَوَصْفاً عَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، لا خلقاً وتدبيراً مِنْ ذَاكَ، كَانَ جَامِعَ الأضْدَادِ، كَالقُرْبِ وَالبُعْدِ بِلا اسْتِبْعَاد; فهو قريب فى بعده، وبعيد فى قربه، فَهُوَ مَعَ الخَلْقِ، ولكن عَلى افْتِرَاق فى الذّات.» والصّفة، مُدبِّرٌ لَهُمْ بِلا الْتِصَاق بهم. قال امير المؤمنين(ع):
      «لم يقرب من الأشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق.»(1)المكان.
      وقال الحسين(ع): «فهو قريب غير ملتصق وبعيد غير متقص(2)(3)الرضا(ع): «فهو قريب غير ملتزق وبعيد غير متقصٍّ.»(4)
      مَعَ أنَّهُ كَانَ عَلى العَرْشِ اسْتَوى، دَبَّرَ مَا تَحتَ الثَّرى عَلى السَّواءِ، قال الصّادق(ع) فى قوله تعالى: )الرّحمن على العرش استوى((5)شيء، فليس شيء اقرب اليه من شيء.»(6)
      فَمَعْ عُلُّوِهِ، قَريبٌ أمْرُهُ، وَمَعََ دُنُّوِهِ بَعيدٌ قَدْرُهُ، ما قدروا الله حقّ قدره. قال
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. البحار 4: 306/35.
2. من التقصِّي بمعنى التباعد.
3. البحار 4: 297/24.
4. المصدر 3: 297/23.
5. طه 20: 5.
6. البحار 3: 336/45.


رسول الله(ص) فى جواب نعثل: «نأى فى قربه وقرب فى نأيه.»(1)الثّالث: «نأى فى قربه، وقرب فى نأيه; فهو فى نأيه قريب، وفى قربه بعيد.»(2)الصادق(ع): «علا، فقرب، ودنى فبعد.»(3)كلّ شيء دنى.»(4)وقرب فى لَيْسَ مَعَ الأشيَاءِ بِاقْتِرانِ وَلا مُبَايِناً عَلى مَكَان
أوْ بِمَسَافَة أوِ المُزَاوَلَةِ أوْ كَانَ غَائِباً عَنِ المُحَاوَلَةِ
لا بُعْدُهُ بِالعَزْلِ وَالمُقَاعَسَةِ لا قُرْبُهُ بِالوَصْلِ وَالمُلامَسَةِ
يَدْخُلُ فِى الأشيَاءِ غَيْرَ مَازِج لَيْسَ بِخَارِج وَلا بِوَالِج
*     *     *
ــــــــــــــــــــــــــــ
الدّنو، فلا شيء اقرب منه، فلا استعلائه باعده عن شيء من خلقه، ولا قربه ساواهم فى المكان به.»(5)
      لَيْسَ مَعَ الأشيَاءِ بِاقْتِرانِ له معهم، وَلا مُبَايِناً عَلى مَكَان يبعد عنهم، أوْ بِمَسَافَة يفصل عنهم، أوِ المُزَاوَلَةِ يزاول الامور بيده او جارحته، أوْ كَانَ غَائِباً عَنِ المُحَاوَلَةِ بنفسه. قال امير المؤمنين(ع): «كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة.»(6)
وقال الحسين(ع): «هو فى الأشياء كاين، لا كينونة محظور بها عليه، ومن الاشياء باين، لا بينونة غايب عنها، قربه كرامة وبعده اهانة.»(7)
      وقال الرضا(ع): الشّاهد، لا بحاسّة; الباين، لا ببراح مسافة; الباطن، لا باجتنان، الظّاهر، لا بمحاذ.»(8)قريب، لا بمداناة.»(9)
      لا بُعْدُهُ بِالعَزْلِ وَالمُقَاعَسَةِ; اى التّأخر والتباعد، لا قُرْبُهُ بِالوَصْلِ; اى الاتّصال وَالمُلامَسَةِ بالحلول او غيره. قال امير المؤمنين(ع): «الّذى بان من الخلق، فلا شيء
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 3: 303/40.
2. المصدر 4: 290/21.
3. المصدر 4: 286/18.
4. المصدر 4: 287/19.
5. البحار 4: 308/36.
6. المصدر 4: 247/5.
7. المصدر 4: 301/29.
8. المصدر 4: 284/17.
9. المصدر 4: 229/3.


كمثله، المتعالى عن الخلق بلا تباعد، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم.»(1)
بُعده ليس بعزل ومقاعسة،وقربه ليس بالوصل والملامسة       وقال(ع): فى جواب ذِعْلَب: «قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين.»(2)
      وقال(ع): «لم يحلل فى الأشياء فيقال هو فيها كاين، ولم ينأ عنها فيقال هو منها باين.»(3)منها باين ولم يخل منها فيقال له اين؟ ولكنّه سبحانه احاط بها علمه، واتقنها صنعه، واحصاها حفظه.»(4)
      وقال(ع): «وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح من لم يحلل فى الأشياء؟ فيقال هو فيها كاين، ولم ينأ عنها، فيقال هو عنها باين، ولم يخل منها فيقال اين؟ ولم يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد عنها بالافتراق; بل هو فى الأشياء بلا كيفيّة، وهو اقرب الينا من حبل الوريد، وابعد من الشبهة من كلّ بعيد.»(5)
وهو تعالى، داخل فى الاشياء غير مازج بها وليس بخارج منها
      يَدْخُلُ فِى الأشيَاءِ غَيْرَ مَازِج بها، لَيْسَ بِخَارِج منها خروج الاعتزال، وَلا بِوَالِج فيها ولوج شيء فى شيء. قال امير المؤمنين(ع) فى جواب ذعلب:
      «هو فى الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كلّ شيء، ولا يقال شيء فوقه، امام كلّ شيء، ولا يقال له امام، داخل فى الأشياء، لا كشيء فى شيء داخل، وخارج منها، لا كشيء من شيء خارج.»(6)
      وقال(ع): «قريب فى بعده، بعيد فى قربه، داخل فى الأشياء، لا كشيء فى شيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره.»(7)
      وقال(ع) ايضاً: «داخل فى الأشياء، لا كشيء فى شيء داخل، وخارج من الأشياء، لا كشيء من شيء خارج، سبحان من هو هكذا، ولا هكذا غيره، ولكلّ شيء مبدء.»(8)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. المصدر 4: 266/14.
2. المصدر 4: 52/29.
3. البحار 4: 294/22.
4. المصدر 4: 270/15.
5. المصدر 4: 294/22.
6. المصدر 4: 27/2.
7. المصدر 3: 270/8.
8. المصدر 3: 270/8.


لا على الممازجة.»(1)
      وقال(ع) ايضاً: «ليس فى الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج.»(2)
      وقال الصادق(ع): «فالله ـ تبارك وتعالى ـ داخل فى كلّ مكان، وخارج من كلّ شيء.»(3)
وَقَدْ مَضَتْ أقْوَالُهُم فى ذَاتِهِ مِنْ أنَّ حَدَّ الخَلْقِ فِى إثْبِاتِهِ
وَأنَّهُ شَىءٌ وَموْجُودٌ فَقَطُّ وَلا يُحَدُّ ذَاتُهُ وَلَمْ يُحَطْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق